بيروت: لم يصدر حتى الساعة قرار مصرف لبنان المركزي برفع الدعم عن السلع الأساسية التي يدعمها المصرف المركزي كالمحروقات والدواجن واللحوم ومواد غذائية والمستلزمات الطبية وغيرها من الأصناف الرئيسية، ولكن طوابير الناس أمام محطات الوقود والمحال التجارية للشراء على السعر المدعوم، وشح هذه المواد المدعومة في الأسواق تنذر بأزمة خانقة تنتظر اللبنانيين.
رفع الدعم تدريجيا
قبل حلول ساعة الصفر، لاحظ اللبنانيون ارتفاعا في أسعار اللحوم في محلات السوبرماركت الكبيرة، إضافة إلى عدم توفر اللحوم في كثير من الملاحم الصغيرة في المناطق، بسبب عدم تسلمهم اللحوم المدعومة من المستوردين، رغم أنه لا قرار رسميا بوقف الدعم من مصرف لبنان، ولكن ما جرى في الأسابيع الماضية، هو مماطلة من مصرف لبنان بمنح الموافقات على الاستيراد مما دفع بكبار التجار إلى وقف التعامل بالمنتجات المدعومة، والعودة إلى سعر السوق. ما يعني وقف الدعم بشكل غير مباشر.
وهذا الأمر انسحب أيضاَ على عدد من تجار الدواجن، الذين قرروا وقف التعامل بالمنتج المدعوم. بمعنى أنهم لن ينتظروا موافقات مصرف لبنان على تغطية طلبياتهم بعد اليوم، إنما سيبيعونها وفق سعر صرف السوق من دون الاستفادة من الدعم.
وسياسة المماطلة التي اتبعها مصرف لبنان، أدّت تلقائيا إلى ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن بكلّ أنواعها، إلى الضعف، مما شكّل عبئا إضافيا على اللبنانيين.
المستلزمات الطبية
في ظل عجز مصرف لبنان عن الاستمرار بدعم المستوردات، وتقاعس حكومة تصريف الأعمال عن البت في الأمر وتأمين بدائل عن الدعم. يبدو أن المصرف المركزي قرر إزاحة الحمل عن عاتقه، وأبلغ الوزارات المعنية بضرورة التريّث في منح الموافقات على استيراد منتجات مدعومة.
فبعد اللحوم والدواجن التي أعلن بعض مستورديها توقفهم عن بيعها بأسعار الدعم، لعدم منح مصرف لبنان الموافقات على شحنات اللحوم المستوردة.. وصل الأمر إلى قطاع الأجهزة والمستلزمات الطبيّة. فقد تبلّغت العديد من الشركات المستوردة للأجهزة الطبية من المصارف قرار وقف قبول ملفات جديدة، إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان، بموجب آلية لم تتضح معالمها بعد، لضمان قبول الملف.
وأوضحت نقابة مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبيّة أن عدم قبول الملفات سيضطر الشركات إلى التصرف بالبضائع الواصلة حديثاً على أنها غير مدعومة. ما يعني أن أسعار البضائع سترتفع أضعاف ما هي عليه اليوم.
وارتفاع أسعار المستلزمات الطبية من شأنه أن ينعكس مباشرة على فواتير الاستشفاء، التي لن يتمكن الفقراء ومتوسطو المداخيل، وحتى الذين يُعدون اليوم من الميسورين، من سدادها. فالفواتير، ستتضاعف أقله 8 مرات في حال استقرار الدولار عند سعر 12500 ليرة.
أزمة محروقات
تزامنت الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان، بأزمة وقود، أجبرت اللبنانيين على الوقوف في طوابير لساعات لملء خزانات سياراتهم بالمحروقات، على الرغم من أن المصرف المركزي استمر في دعم قطاع المحروقات، ولكن شكَّلَ التهريب في اتجاه سوريا الوجه الأبرز للمحروقات المدعومة بفعل استفادة بعض التجّار من بيع هذه المحروقات في سوريا بالدولار.
كميات الوقود المتوفرة بالدولار المدعوم لن تكفي لأكثر من شهر، وإذا قرر مصرف لبنان الامتناع عن توقيع أذونات استيراد شحنات إضافية أي تأمين الدولار للاستيراد، فقد يرتفع سعر صفيحة البنزين إلى نحو 160 ألف ليرة على الأقل.
وارتفاع الأسعار بحسب سعر صرف الدولار، سيقابله انحسار لطوابير السيارات. فشريحة كبيرة من اللبنانيين لا قدرة لديها على مَلء خزانات سياراتها بالوقود باستمرار، بفعل تدني القدرة الشرائية لما تبقّى لديها من رواتب وأجور.
وعلى الضفة الأخرى، قد يتراجع معدّل تهريب المحروقات، لأن استيرادها بالدولار غير المدعوم، إلى جانب كلفة الشحن نحو سوريا، لن يكون مغرياً لأن المردود حسابياً يتساوى مع ما يحققه المهرّبون في لبنان. ولكن هذا لا يعني أن التهريب سيتوقّف كلياً، خصوصا مع مغريات البيع بكميات أكبر وبدولارات طازجة تقي المهرّبين احتمال الخسارة، فيما لو باعوا المحروقات في لبنان وقبضوا ثمنها بالليرة، وإن وفق سعر السوق السوداء. فهذا السعر متغيّر، ويمكن أن يفقد جزءا من قيمته إذا ارتفع الدولار.
إذن في ظل عدم البت حتى الساعة في إقرار البطاقة التموينية كبديلة عن الدعم المباشر للسلع، أي دعم الأسر الأكثر حاجة بشكل مباشر، وفي ظل بدء رفع الدعم عن بعض السلع الأساسية، على الرغم من عدم اتخاذ القرار رسميا، يبدو أن اللبنانيين ذاهبون إلى أزمات جديدة، وما كان بالنسبة إليهم من الأساسيات سيصبح من الكماليات التي يصعب عليهم تأمينها، وحتى يتخذ مصرف لبنان قرار وقف الدعم الذي يبدو أنّه يتهرب من اتخاذه خوفا من عبء تحمّل مسؤولية ما يمكن أن ينتج من ردود فعل شعبية على وقف الدعم، وارتفاع الأسعار، سيبقى اللبنانيون رهينة التجار والمنتفعين الذين رفعوا الأسعار قبل إعلان القرار.