القاهرة: أعلن وزير الري والموارد المائية المصري الدكتورمحمد عبد العاطي دخول مصر في مرحلة الفقر المائي، وأنها تعد واحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من الشح المائي بعد تعنت إثيوبيا المتواصل وإصرارها على تنفيذ الملء الثاني لخزان سد النهضة.
وقد أصدر مجلس الأمن القومي الإثيوبي بياناً يفيد بأن أديس أبابا ستحقق الملء الثاني للسد خلال مقاومة ما سماه «الضغوط الداخلية والخارجية»، وأن الأولوية القصوى للمواطنين والحكومة هي ملء سد النهضة والانتهاء من بنائه.
كما أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في رسالة نشرها بمناسبة عيد الفصح أن الانتخابات المقبلة في مايو (أيار) هي واحدة من معالم قيامة إثيوبيا وبالمثل سد النهضة الذي طال انتظاره أصبح يقترب من الاكتمال ونتطلع إلى الملء الثاني خلال الفيضانات القادمة في يوليو (تموز) المقبل.
تأكيدات رئيس الوزراء جاءت متزامنة مع تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية دينا مفتي التي أكد خلالها أن الاتفاقات التاريخية لتقاسم مياه النيل «غير معقولة ولا يمكن قبولها»، وأن التهديدات التي تطلقها دول المصب بشأن سد النهضة غير مجدية، وهو ما يفتح باب التساؤلات حول ماهية الإجراءات الاحترازية التي قد تتخذها مصر لمواجهة التعنت الإثيوبي وتجاوز آثار الملء الثاني، خاصة بعد تصريحات المتحدث باسم وزارة الري المصري عن دخول مصر في مرحلة الفقر المائي؟
حاجة ملحة.. وتكاليف كبيرة
تبطين الترع رغم احتياجه إلى تكاليف كبيرة إلا أن له دورا كبيرا ومهما في عملية ترشيد المياه، وفي هذا الإطار يتم التركيز على الترع المتعبة التي لا تصل المياه فيها إلى النهايات، أو المارة بأماكن سكنية، كما أن التبطين في الأراضي الطينية يحقق هذه الأغراض، وذلك حسب مدير مركز الموارد المائية وأستاذ الجيولوجيا بكلية الدراسات الأفريقية الدكتور عباس الشراقي، الذي أكد: «حتمية هذه الإجراءات»، لتوفير المياه، خاصة إذا كانت التربة رملية، وذلك في إطار رؤية مستقبلية لترشيد استهلاك المياه المستخدمة في ري الأراضي الزراعية، وتوفير فرص عمل، وحل مشكلة البطالة، والمساهمة في حل مشكلات أخرى مثل عدم وصول المياه لنهايات الترع في أماكن عديدة بالجمهورية، والحفاظ على المياه من الهدر، وبسبب استخدام بعض المزارعين لآلات الري لزراعة محاصيل تستهلك كميات كبيرة من المياه في ظل صعوبة تبطين الترع بالكامل.
لذلك يقول الشراقي تم اختيار حوالي 7 آلاف كيلومتر من شبكة الترع لتبطينها من إجمالي 30 ألف كيلومتر خلال هذا العام، بتكلفة تتعدى 20 مليار جنيه، وتغطية بعض الترع التي تمر بمناطق سكنية مثل ترعة الزمر. إضافة إلى ضرورة إنشاء محطات معالجة المياه للتغلب على زيادة استهلاك المياه، والتغلب على مياه الصرف الصحي، وملوحة مياه الصرف الزراعي، وبعض العناصر الضارة الموجودة في الأسمدة والمبيدات، في بعض المصارف مثل مصرف كيما بأسوان، إضافة إلى مصرف بحر البقر الذي يبلغ طوله 190 كيلومترا ويمر بـ6 محافظات ابتداء من القاهرة حتى بورسعيد، ولا بد من معالجتها وإعادة استخدامها.
وفي سبيل ذلك سيتم افتتاح محطة معالجة بحر البقر خلال يوليو (تموز) القادم لمعالجة حوالي 5 ملايين متر مكعب يوميا، سيتم استخدامها في مشروع ترعة السلام والمساهمة في ري 4 ألآف فدان، إضافة إلى محطة المحسمة بالإسماعيلية، والتي تم افتتاحها منذ 6 أشهر والتي تعالج حوالي مليون متر مكعب يوميا، سيتم استخدامها في الزراعة بشبه جزيرة سيناء، حيث تسهم هذه المشروعات في زراعة ما يقرب من 9 ملايين فدان، علما بأن مشروع المليون ونصف المليون فدان سيعتمد بنسبة 90 في المائة على المياه الجوفية.
استراتيجيات التعامل مع الشح والفقر المائي
تعاني مصر من فقر وشح مائي وعجز يقدر بحوالي 42 مليار متر مكعب من المياه، وهناك استراتيجيتان للتعامل مع ذلك، هما «تنمية الموارد، وترشيد الاستخدام ومنع الإهدار».
وتشمل تنمية الموارد تحلية مياه البحر، وفي سبيل ذلك تم إنشاء 7 محطات لتحلية مياه البحر، رفعت الإنتاج إلى مليار متر مكعب بدلا من 100 مليون متر فقط، كما تستهدف مصر في 2030 الوصول إلى حوالي 3 مليارات متر مكعب، وفي العام 2050، إلى حوالي 5 مليارات متر مكعب من مياه تحلية البحر بتكلفة إجمالية 70 مليار جنيه، وذلك حسب أستاذ الأراضي الزراعية الدكتور نادر نور الدين، الذي أضاف أنه تم تخفيض هذه النسبة بعد معالجة 20 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والصحي، والصناعي، حيث تستهلك مصر 62 مليار متر مكعب في الزراعة مقارنة بحوالي 10 مليارات متر مكعب للاستهلاك المنزلي.
وقال نور الدين: «نحن نهدر من 25 إلى 35 في المائة من إجمالي المياه المنصرفة من السد العالي من خلال الترع الطينية، والرملية لأنها مسامية تساهم في فقد جزء كبير من المياه الواصلة لها والتي تتراوح بين 10 إلى 19 مليار متر مكعب كل عام».
والجزء الآخر في ترشيد الاستخدامات هو تطوير الري داخل الحقول، بتوفير قروض ميسرة للمزارعين للانتقال من الري السطحي بالغمر إلى الري المقنن، سواء بالري المحوري، أو بالرش، أو بالتنقيط، وهي قروض طويلة الأجل مع فترة سماح تصل إلى 5 سنوات لتوفير المبالغ اللازمة للري داخل الحقول، مع استبعاد زراعة المحاصيل عالية الاستهلاك للمياه مثل الأرز، حيث استطعنا تخفيض المساحة المنزرعة إلى مليون فدان فقط كل عام، بدلا من مليوني فدان، وذلك لتوفير الاكتفاء الذاتي للشعب المصري من الأرز دون وجود فائض للتصدير، وزراعة بنجر السكر بدلا من قصب السكر الذي يستهلك 3 أضعاف البنجر.
زراعة محاصيل جديدة وتوفير موارد مائية إضافية
تعمل مصر على دراسة استخدام أصناف جديدة من المحاصيل التي تستهلك كميات أقل من المياه، والإدارة الرشيدة للمياه الجوفية لضمان استدامتها، والعمل على توفير موارد مائية إضافية من خلال مشروعات الحماية من أخطار السيول والتي تسهم في حصاد مياه الأمطار بالبحيرات الصناعية أنشأتها وزارة الري والموارد المائية لاستخدام التجمعات البدوية بالمناطق المحيطة، وذلك حسب وزير الري المصري الدكتور محمد عبد العاطي، الذي أشار إلى تأثير التغيرات المناخية على الموارد المائية العذبة وارتفاع منسوب سطح البحر، الأمر الذي يمثل خطرا كبيرا على دلتا نهر النيل وهو ما دفع لتنفيذ مشروعات كبرى في مجال حماية الشواطئ لأطوال تصل إلى 160 كيلومتر لحماية السواحل المصرية.
4 خطط لتفادي خطر الملء الثاني
كشفت وزارة الري والموارد المائية عن خططها لتفادي خطر الملء الثاني لخزان سد النهضة الإثيوبي على لسان المتحدث باسم الوزارة محمد غانم، الذي أكد استعداد مصر لجميع السيناريوهات المحتمل حدوثها وفقا لأسوأ الظروف، من خلال منظومة قوية لكل قطرة مياه، ولدينا 4 خطط رئيسية لتخفيف آثار أية أزمة محتملة، حيث شرعت الوزارة في تنفيذ مشروع تأهيل وتبطين الأرض والمصارف من خلال تبطين 8 آلاف، و200 كيلومتر بتكلفة تجاوزت 18 مليار جنيه من إجمالي تكلفة المشروع والتي تقدر بحوالي 800 مليار جنيه، والمخطط الثاني هو أعمال صيانة وإنشاء 92 محطة خلط ورفع المياه والتي تعمل بكفاءة عالية وتصرف المياه في توقيتها خاصة خلال فترات أقصى الاحتياجات.
والتخطط الثالث يتمثل في تدشين سحارة المحسمة بتصريف مليون متر مكعب يوميا، إضافة إلى مشروع بحر البقر، وتدشين محطة الحمام الجديدة التي تخدم مشاريع الدلتا الجديدة. والمخطط الرابع هو تشجيع المزارعين على اللجوء للري الحديث في الأراضي الصحراوية، والأراضي القديمة، حيث يتم العمل على ري 4 ملايين فدان بوسائل الري والتنقيط والري بالرش، بديلا عن الري بالغمر.