بيروت:كان لبنان ولا يزال يعتمد على نمط الاقتصاد الحر، والمبادرة الخاصة، وتشجيع الاستثمار، وجلب رأس المال الأجنبي، والنمط الاستهلاكي، وهذا ما أدى إلى ازدهار القطاع المصرفي والمالي، وكذلك قطاع السياحة والخدمات بشكل عام بفعل تدفق الودائع من المحيط العربي.
ورغم أن هذه السياسات الليبرالية سجلت نجاحا اقتصاديا فإنها كانت قاصرة اجتماعيا، إذ كرست خللا في الدخل والثروة، وفوارق اجتماعية وطبقية كبيرة، وكان ذلك من الأسباب التي قامت عليها الخلافات السياسية.
ولعبت الأزمات السياسية المتتالية والحروب والانقسامات الداخلية والإقليمية، وحالة الشلل السياسي دورا في انهيار الاقتصاد، وكذلك غياب آليات وسياسات اقتصادية ومالية مناسبة وخطط تنموية فعالة. ومن أهم عوامل القصور في الاقتصاد اللبناني والتي كانت سببا في الأزمة، اعتماد لبنان على الاقتراض الخارجي، وبناء الاقتصاد بالدرجة الأولى على قطاع الخدمات (83 في المائة من الناتج الإجمالي) والسياحة وتدفق الرساميل الخارجية حيث تحول لبنان إلى دولة استهلاكية نموذجية تمولها البنوك. أما الإصلاحات، فبقيت خاضعة للمحاصصة والمحسوبية، مما كرس الفساد وتراكم الدَّين الداخلي والخارجي تدريجيا مع خدمة دين بفوائد مرتفعة، واستهلاك قطاع الكهرباء- مثلا- نحو نصف الدَّين الخارجي، وفق تقديرات البنك الدولي.
أما الأسباب المباشرة التي عجّلت بتفاقم الأزمة الراهنة، فيمكن حصرها في النقاط التالية: تراجع احتياطات البنك المركزيوانخفاض الودائع العربية والأجنبية وتقلص تحويلات المغتربين وعدم إيفاء المانحين الدوليين بالتزاماتهم وربطها بالإصلاحات. ناهيك بالأزمة السورية وتأثيرات قانون قيصر المفروض عليها وتأثيرات أزمة كورونا منذ بداية عام 2020.
ومن الطبيعي أن يكون القطاع الخاص وخصوصاً الشركات المتوسطة والصغيرة هو المتضرر الأول من هذه الأوضاع.
«المجلة»استضافت نخبة من سيدات الأعمال في قطاعات التجارة والصناعة والخدمات والعقارات، واطلعت منهن على أبرز الصعوبات التي تواجه أعمالهموما هي الحلول بعد أن أصبح السؤال المطروح اليوم: لبنان إلى أين؟
قاسم
مدير عام شركة بندا بلاست الصناعية السيدة رندلا قاسم أشارت في حديثها إلى أنه«مر على لبنان عبر تاريخه العديد من الأزمات الاقتصادية والحروب التي أخرت تطور الوطن، ودائما ما أرجعته سنين إلى الوراء. وللمفارقة لم تقم الدولة اللبنانية عبر هذا التاريخ بأي محاولة أو أي خطوة لمواجهة هذه الأزمات».
أهم الخطوات التي يجب على الدولة اللبنانية اتخاذها هي دعم القطاع الخاص الذي كان ولا يزال الركيزة الأساسية للاقتصاد اللبناني ويجب أن يعول عليه لإخراج الوطن من أزماته الاقتصادية.
لأن القطاع الخاص قام ويقوم دائما بخطوات فردية وجبارة لانتشال الاقتصاد اللبناني من الانهيار التام وبقي مؤمنا بلبنان المتطور ولبنان الخدمات والصناعات المتطورة، لبنان الزراعة والخدمات الطبية المميزة والحديثة. رغم كل الصعوبات وانعدام الدعم الأدنى من الدولة اللبنانية له بقي القطاع الخاص يجاهد لدعم الاقتصاد المحلي من خلال تأمين المنتجات المحلية ذات الجودة العالية والأسعار الجيدة لتلبية حاجات المواطن مع الأخذ بعين الاعتبار تراجع القدرة الشرائية عند المواطنين.
لا يزال القطاع الخاص يجاهد ويعاني من انعدام الدعم ومن عدم وجود أي قوانين تحميه من التهرب الجمركي والمعابر غير الشرعية التي يتم عبرها تهريب المواد الأولية والمنتجات الصناعية والزراعية إلى لبنان وخارجه أيضا. مع عدم القيام بأي محاولات تبادل تجاري مع الدول الصديقة والأجنبية لتصدير المنتج اللبناني العالي الجودة مقابل الحصول على المواد الأولية و الطاقة الضرورية لأي صناعة ولأي إنتاج.
سيبقى القطاع الخاص يحاول ويحارب لتعويم الاقتصاد اللبناني ودفعه إلى الأمام لنخرج من الأزمة بأقل الخسائر ونبقى قادرين على مواجهة المصاعب وتأمين فرص العمل بالرغم من ارتفاع نسبة البطالة وتأمين حاجة المواطن والتركيز على التصدير.
كما أن القطاع الخاص وخاصة القطاعات المنتجة لا تزال تستثمر وتجاهد بمحاولات فردية ومميزة للتغلب على المصاعب والانهيار من خلال زيادة الاستثمارات والمصانع لتلبية الاحتياجات الحياتية الضرورية بأفضل الأسعار والجودة للحد من الاستيراد المكلف والمدمر للوطن وللمواطن اللبناني الذي أصبح غير قادر على شراء المنتج المستورد لارتفاع سعره القياسي.
سنبقى كقطاع خاص مؤمنين بلبنان المتطور ولبنان بوابة الشرق والواجهة التجارية للدول العربية من خلال اجتذاب الرساميل الأجنبية وتشجيع اللبناني المغترب على الاستثمار في الاقتصاد اللبناني للاستفادة من الكلفة المتدنية ومساعدة الاقتصاد على النهوض مجددا».
إن سبب خراب الأوطان هو هجرة المستثمرين واليد العاملة المتعلمة في كافة المجالات إلى الخارج في ظل وجود دولة وسياسيين لا رؤية لديهم للبنان أفضل مما يجعل الدول الأخرى تستفيد من الكفاءات والرساميل اللبنانية لإنعاش اقتصادها.
لذلك من واجبنا كسيدات أعمال أن نبقى مستثمرين في وطننا لمساعدته على النهوض وللوصول إلى لبنان الحلم والأمل لنا ولأولادنا مهما مررنا بصعوبات وأزمات ولن نسمح للآخرين بالاستفادة من طاقاتنا وقدراتنا على حساب وطننا.
وبالرغم من كل الصعوبات والأزمات التي تواجه وطننا بقي القطاع الخاص وخصوصاً القطاع الصناعي أمينا على موظفيه وشعوره بالمسؤولية الكبيرة تجاههم والصعوبات الاقتصادية التي تواجههم في ظل الغلاء المعيشي والارتفاع الهستيري لأسعار الأصناف الضرورية المعيشية وفقدانها من الأسواق، فقد قام بإقرار زيادة على الرواتب لمساعدة موظفيه لتأمين لقمة عيشهم وعيش عائلاتهم كما قام بتجديد إيمانه بطاقاتهم العملية وكفاءتهم العلمية ولم يصرف أو يقلل من أعدادهم لضمان توفيره أدنى مقومات المعيشة. والمضحك المبكي أنه في خط موازٍ لهذه الخطوات اليتيمة الفردية المبذولة من القطاع الخاص لم نر أو نلمس أي خطط أو قرارات من المسؤولين اللبنانيين الذين يجب عليهم أن يكونوا مؤتمنين على مصلحة مواطنيهم وتلبية حاجاتهم ومعالجة أزمة البطالة والأوضاع الاقتصادية المزرية التي تواجه وطننا. كل اهتمامهم منصب على مصالحهم السياسية وحصصهم الطائفية وتمثيلهم الحكومي.
وزان
بدورها قالت عضوة مجلس إدارة تجمع رجال وسيدات الأعمال الدوليين في لبنان ورئيسة مؤسسة دايت سنتر في لبنان السيدة سوسن وزان: «الحقيقة المرة هي أن الحل تأخر كثيرا، و استشرى الفساد أكثر وأكثر وانهار البلد بكل مكوناته».
والمضحك المبكي أن الفساد لا يزال ساريا، ولا من يعاقب، والمضحك المبكي أيضاً أن الدولة تنظر إلى الشعب نظرة لامبالاة وكأنه ليس بيدها حيلة. وكأن الحل من خارج لبنان.
بالنسبة للقطاع الخاص- وخصوصا بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة- هو الذي تأثر سلبيا وبشكل كبير.
مشاكلنا كثيرة وليس في الأفق أي ضوء
أولاً: معاشات الموظفين لا تكفيهم أبدا، ومنهم من يشتغل نصف دوام ونصف معاش.
ثانياً: كهرباء- مازوت مدفوعات يومية على سعر الدولار الجنوني.
ثالثاً: مواد أولية، ندفع «كاش»على سعر دولار السوق السوداء.
رابعاً: تأمين ورعاية صحية.
خامساً: صيانة Maintenance.
وفي الوقت نفسه، كمية المشتريات اليومية لا توازي المبيعات اليومية، وهذا معناه أن الشركات تخسر.
وكانت الشركات تملك ادخارات في البنوك ولكن الآن لا يوجد أي ادخار، فكيف سنستمر؟
كلنا نناضل لنبقى ولكن كيف؟ فليس هناك أي حل سياسي وإذا أتى الحل فنحتاج فترة طويلة لنرى النتائج.
أنا نظرتي كسيدة أعمال منذ عشرين سنة هي الآن تشاؤمية جدا، وقطاع العمل الصحي والتجاري والغذائي يناضل عن طريق تخفيض المصاريف بشكل كبير، ونضع خطة(plan B) لكل مشكلة، ليس هناك رؤية واضحة فكيف نستمر.
أمنيتي هي لو كان الشعب «يدا واحدة»،ووقفنا بوجه الفاسدين «يدا واحدة»لعلنا نصل إلى الحل.
لو نقفل أشغالنا كلنا بشكل كامل لمدة عشرة أيام وهذا أقل ما يمكن أن نفعله ربما هذا يضع حداً للوضع الحالي ويجبر السياسيين إلى عمل أي شيء للإنقاذ.
أبي نصر
من ناحيتها السيدة ميراي القراب أبي نصر مسؤولة التواصل والإعلام في مجموعة FFA private bankوعضوة مجلس السيدات القياديات في لبنان، استهلت حديثها بالقول:«لبنان إلى أين؟»هذا سؤال كبير وأعتقد أنه لا يوجد شخص عنده جواب على هذا السؤال، لأن الوضع خطير والأزمة التي نعيشها كبيرة ولا وجود للدولة من أجل إجراء محادثات مع صندوق النقد الدولي أو أن تقوم بالإصلاحات اللازمة والمطلوبة من المؤسسات العالمية والدول الداعمة من أجل الحصول على مساعدات عاجلة لإعادة دوران العجلة الاقتصادية في البلاد ونعمل على إعادة هيكلة القطاع المصرفي حتى يستعيد البلد الثقة التي فقدها، لقد أوصلونا إلى حائط مسدود، وبتنا اليوم داخل نفق وداخل هذا النفق حائط كبير يحجب عنا كل شيء بحيث يتعذر علينا أن نعرف ماذا نعمل أو حتى نعرف أين نهاية هذا النفق.
المشكلة اليوم ليست في قطاع معين، بل في كل القطاعات الإنتاجية والمشكلة الأساسية هي أنك عاجز عن وضع خطة لعملك في أي نوع من العمل، لأن الوضع بمجمله مشلول والبلد متوقف على كلمة «إذا»تشكلت الحكومة، و«إذا»تمت إعادة هيكلة المصارف، و«إذا»وصلت الأموال من صندوق النقد الدولي، كل أمورنا متوقفة على كلمة «إذا»،لذلك الكل مرتبك وعاجز عن وضع رؤية واضحة لشركته أو لعمله لأن الجميع يعملون فوق رمال متحركة وحين تكون فوق رمال متحركة ستكون متخوفا حتى لا تغرق في هذه الرمال. لذلك كلنا نعمل ونعيش حتى نتعايش مع هذا الواقع من أجل البقاء والصمود فقط.
الوضع كما قلت صعب جداً ونفسية الناس مرهقة، ولا يمكن لأي شخص أن يعمل ونفسيته مرهقة. الأزمة ضربت نفسية الجميع والكل متردد ولم يعد عند أي شخص الأمان والاطمئنان والثقة بوضع البلد، كيف يمكن لأي شخص أن يعمل وهو لا يعلم موعد الحل إذا كان بعد سنة أو سنتين أو أكثر، لو يقولون لنا إن الحل بعد أربع سنوات ستقول لنفسك علي الصمود والاستمرار خلال هذه الفترة، لكن المحزن أنه لا يوجد أي بصيص أمل، باختصار الموضوع في لبنان سياسي بامتياز لأن الحلول الاقتصادية موجودة والاستراتيجيات لقطاعات الإنتاج موجودة والقوانين المطلوبة لإعادة هيكلة المصارف معروفة؛ هناك شركة عالمية أتت ووضعت برنامجا إصلاحيا للبلد؛ إن لجهة التدقيق الجنائي في الوزارات ومصرف لبنان وكل المؤسسات التي لها علاقة بالدولة، لكن لحينه العمل مجمد، وأعتقد أنه لن يحصل شيء لأن الوضع السياسي مغلق.
لنأخذ القطاع العقاري؛ لا يوجد أي مطور عقاري يريد أن يعمل في هذا الجو، نحن كمطورين عقاريين استطعنا أن نسدد ديوننا للمصارف، ولو كان البلد يسير على السكة الصحيحة كنا فكرنا بمشاريع جديدة. هناك مطورون غير قادرين على إكمال المشاريع التي باشروا بها قبل تفاقم الأزمة، لأن الخوف مسيطر عليهم، فالوضع مقلق للغاية، ونحن مستمرون في الانحدار ولا نعرف أين قعر الهاوية حتى نحاول الصعود منها ونعود للعمل. اليوم العاملون في القطاع العقاري الذي يشكل ما بين 20 و25 في المائة من الناتج المحلي همهم الصمود وتأمين ديمومة العمل للعاملين معهم حتى لا نزيد نسب البطالة التي تجاوزت 45في المائة.
القطاع اليوم أشبه بسيارة متوقفة عند رأس طلعة ولا تسير إلى الأمام، والخوف أن تبدأ هذه السيارة بالرجوع إلى الخلف لأن المشكلة اليوم أن كل القطاعات مضروبة ولا أفق للحل السياسي، وكما قلت فإن الحلول الاقتصادية موجودة وعندنا الأشخاص المؤهلون للقيام بعملية النهوض، لكن في ظل هذا الوضع لن يحصل البلد على أي مساعدة أو قرض من أي دولة أو مؤسسسة عالمية إلا إذا كان هناك حل سياسي متكامل وحكومة تقوم بالإصلاخات الضرورية حتى يعود البلد إلى السكة الصحيحة.
بدورها رأت نائبة رئيس المجلس اللبناني للسيدات القياديات السيدة إيزابيل منصور أن العالم يمرّ حالياً، ولبنان على وجه الخصوص، بعدة أزمات منها الصحية والاقتصادية والإنسانية وتتطلب أنماطاً جديدة في العمل والتعامل في المجمتع. ومن هذا المنطلق يلعب مجلسنا دوراً أساسياً وفعالاً في خلق تعاون وتكامل بين مختلف السيدات المنتسبات للمجلس: سيدات أعمال وأولئك اللائي يمارسنَ المهن الحرة وسيدات في المناصب الإدارية العليا.
يعاني لبنان من أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة تفاقمت بشكل كبير مع بدء الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 من أجل تحسين مستوى المعيشة ومحاربة الفساد، وما تبعها من ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل جنوني مقابل الليرة اللبنانية، حيث وصل لمعدلات غير مسبوقة تدنت معها القدرة الشرائية للمواطن إلى أدنى مستوياتها.
ولتكتمل هذه الحلقة أتى انفجار المرفأ في أغسطس (آب) الماضي ليقضي على ما تبقى من آمال بإمكانية تحسن عجلة الاقتصاد، فخسر العديد من اللبنانيين أرواحهم وممتلكاتهم وأرزاقهم.
إن لهذه الأحداث تداعيات مخيفة على الوضعين الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الوضع الاجتماعي والذي ينذر بالأسوأ؛ فالاقتصاد يعاني من ركود شديد نظراً إلى شحّ الدولار، وسيكون على الاقتصاد التكيّف مع تراجع الواردات، ومحركات الاقتصاد اللبناني المتمثلة بالقطاعات الثلاث: العقارات والبناء، والتمويل، والسياحة، في موت سريري بسبب الأزمة الحالية، وهذه العوامل أدت إلى ضرب كل المؤسسات والشركات المتوسطة والصغيرة التي تديرها سيدات الأعمال .
إن إيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها سيدات الأعمال يتطلب وضع خطة اقتصادية متكاملة تأخذ بعين الاعتبار مكامن الخلل التي أوصلتنا إلى هذه المرحلة وبالتالي الخروج من هذه الدوامة.
إن البدء بتطبيق الحلول أو بعضها ليس بالأمر الصعب، إن وجدت النية السليمة وأولها تشكيل حكومة جديدة تبدأ فوراً بالإصلاحات المطلوبة من كل الدول الداعمة تمهيداً للتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض لإنعاش الاقتصاد والبلد، وأي تأخير بالمعالجة يعني ضياع المزيد من الفرص، وزيادة في الهجرة وتفريغ البلد من العقول والخريجين المتمركين أمام أبواب السفارات للحصول على تأشيرة، وبالتالي عندما ينهار النظام الاقتصادي وتغلق الشركات ويهاجر رأس المال البشري، يصبح من الصعب للغاية على أي اقتصاد أن يتعافى، لأن محركات هذا التعافي لن تكون موجودة.