الخرطوم: يتطلع السودان إلى أن يتحول مؤتمر باريس المزمع عقده فى السابع عشر من مايو (أيار) الحالي، إلى نقطة فارقة في علاقات السودان السياسية والاقتصادية مع العالم، في حال حقق المؤتمر طموحات السودان وأصبح منصة دولية لإعلان إعفاء الديون، وتحقيق شراكات استثمارية ضخمة، وتعهدات مؤكدة بتمويل العجز الذي يواجه الحكومة الانتقالية بحجم لا يقل عن ملياري دولار سنويا حسب الرؤية المطروحة من جانب السودان.
بيد أن المؤتمر الذي تعول عليه كثيرا الحكومة الانتقالية، يواجه بمخاوف تكرار تجربة سابقة للسودان مع المجتمع الدولي عند توقيع اتفاقية سلام بين النظام المعزول برئاسة عمر البشير والحركة الشعبية بجنوب السودان بزعامة الراحل جون قرنق، إذ لم توف الدول بتعهدات خلال مؤتمر عقد خصيصا في أوسلو لدعم السودان عام 2008م.
لكن الدبلوماسي السابق الدكتور خالد المبارك استبعد تكرار تجربة مؤتمر أوسلو للمانحين، ويقول إن الدول تعد ولا تنفذ إلا جزئيا وهو ما حدث في الماضي، لكنه حدث عندما كان السودان مغضوبا عليه ومحاصرا، بينما الآن الموقف تغير بالذات بعد التطبيع فالمتوقع أن تفتح أبواب مغلقة بمفتاح التطبيع، والسودان الآن دولة حليفة ومطيعة ومهمة استراتيجيا وستعامل من هذا المنطلق.
وإلى جانب ذلك، يعتقد محللون أن الأوضاع الاقتصادية العالمية جراء جائحة مرض كوفيد-19 قد يؤثر على تفاعل المجتمع الدولي مع احتياجات السودان العاجلة، لكن كل ذلك لم يمنع الحكومة الانتقالية من عقد آمال في تعاون مختلف في العلاقات الخارجية، وأن يحقق المؤتمر أهدافه.
وحسب ما هو مخطط فإن المؤتمر الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية تحضره دول عديدة ومنظمات دولية وإقليمية، ما يعد احتفاء رسميا بعودة السودان بشكل جديد إلى المنظومة الدولية بعد قطيعة وحصار اقتصادي منهك.
وتأمل الخرطوم في دعم المؤتمر لعوامل الاستقرار السياسي والانتقال الديمقراطي، وتشجيع المستثمر الأجنبي للعودة إلى السودان وذلك من خلال المنتدى المخصص للدعم الاقتصادي، بجانب التحضير لعملية الإعفاء من الديون والتي ستمكن السودان من الوصول إلى تمويلات المؤسسات الدولية، والسيطرة على تردي الأوضاع المعيشية وحالة الاستياء والإحباط التي بدأت تسود إزاء هذه الأوضاع حسب دراسات اتجاهات الرأي العام المحلية التي أجريت مؤخرا.
مؤتمر باريس استمرار للقاءات سابقة بعدما تم رفع اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب وتم التوصل لاتفاق أولي مع الصندوق والبنك الدوليين
ومن المقرر أن يخاطب المؤتمر رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، وينتظر أن يشهد المؤتمر ثلاث فعاليات أساسية- سياسية واقتصادية وأخرى ثقافية- تعكس أنشطة ودور المجتمع المدني والمرأة والشباب.
والتقى الفريق أول البرهان، الرئيس الفرنسي على هامش تشييع الرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي (الجمعة) في العاصمة إنجمينا، وتطرق اللقاء للترتيبات والتحضيرات الجارية لانعقاد مؤتمر باريس لدعم السودان اقتصادياً، المزمع انعقاده في السابع عشر من شهر مايو (أيار) الحالي بالعاصمة الفرنسية باريس.
وأعلنت وزارة الخارجية السودانية أن رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء سيخاطبان الجلسة لتقديم صورة حية عن الشراكة التي تمثل مؤسسات الفترة الانتقالية والترتيبات الدستورية الحاكمة التي أعقبت قيام الثورة، وستؤكد رسائل الدول المشاركة تشجيع هذه الهياكل والترتيبات الانتقالية ودعم التحول الديمقراطي الذي تشهده الساحة السياسية السودانية.
وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية السفير منصور بولاد إن السودان إلى سيقدم العالم خلال المؤتمر بملامحه الجديدة ذات السمات الديمقراطية الآخذة في التطور والانتقال الكامل إلى الحكم الديمقراطي وذلك عبر شرح الإصلاحات الكبرى التي تنتظم البلاد وما تشهده من تحولات سياسية داخلية مثل تنفيذ اتفاقية السلام وخطط استدامة السلام، وتطوير آليات وقوانين احترام حقوق الإنسان، وترسيخ دولة القانون، وخطط الإصلاح الاقتصادي، وترتيبات الانتقال بشكل عام.
وأضاف السفير بولاد في حديث لوكالة السودان للأنباء أن بلاده تتوقع مشاركات وتأكيدات قوية من الدول الغربية بدعم السودان وحكومته الانتقالية مع تأكيد التزام المانحين بتعهداتهم المتعلقة بالدعم المادي في مؤتمر برلين العام الماضي وأي أشكال أخرى من الدعم السياسي والاقتصادي.
لكن بولاد يشير إلى أن الجزء الأهم هو إعلان الدول الدائنة من خلال هذه المنصة عن إعفاء ديونها، خاصة وأن المؤسسات المالية الدولية التي ستكون حاضرة ستؤكد أن السودان قام بالإصلاحات الهيكلية والفنية اللازمة لاستيفاء إعفاء الديون وبالتالي ستكون هذه الجلسة منبرا للإعلان السياسي بالدعم، وتأكيد التزام الدول الدائنة على إعفاء ديونها على السودان مما سيعني تأهل السودان لاستقبال المزيد من الدعم المالي والمؤسسي من الصناديق والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية، مما يعد فتحا كبير للسودان وللشعب السوداني، حيث يصب في جهود تخفيف الضائقة الاقتصادية وجذب الاستثمار وخلق فرص عمل تسهم جميعها في البناء الاقتصادي وتحريك عجلة الإنتاج والعمل في السودان.
ومن المنتظر أن يعرض السودان الفرص الكامنة للاستثمار في قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية والطاقة والتعدين والبنى التحتية والتحول الرقمي وغيرها، كما أن المؤسسات المالية الدولية وصناديق التنمية الدولية والإقليمية ستكون حاضرة.
ويتوقع أن يمثل هذا المنبر فرصة للجانب الأميركي الرسمي، الذي أكد مشاركته في المؤتمر، ليثبت لمجتمع المال والأعمال أن السودان بعد خروجه من قائمة الدول الراعية للإرهاب ما عاد معزولا من العالم وليست هنالك عقبات أو عوائق تقف دون الاستثمار أو التعامل المالي والمصرفي معه.
وصرح رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني هاشم صلاح حسن مطر بأن القطاع الخاص السوداني يستهدف المشروعات الاستراتيجية في (4) محاور أساسية تتمثل فى البنية التحتية والطاقة والتعدين والزراعة ومشروعات التحول الرقمي.
وفي مؤتمر صحافي حضرته «المجلة»، أكد وزير الاستثمار السوداني، الهادي محمد إبراهيم، أن ما لا يقل عن 8 دول أبدت رغبتها في إعفاء السودان من ديونها، أبرزها: أميركا وفرنسا، وأشار إبراهيم إلى أن «الهدف من مؤتمر باريس الاقتصادي لدعم السودان هو إعفاء ديون السودان حتى يستطيع من جديد الحصول على قروض أو منح لتنفيذ مشروعات اقتصادية بجانب تأهيل السودان للاندماج في المنظومة الدولية وتوفير الفرص لجذب المستثمرين إلى السودان».
وزير الاستثمار السوداني: 8 دول أبدت رغبتها في إلغاء ديونها على السودان، أبرزها: أميركا وفرنسا
ويقول الدبلوماسي السابق الدكتور خالد المبارك لـ«المجلة»، إن مؤتمر باريس يعتبر استمراراً للقاء ألمانيا وللزيارات المتبادلة بين السودان وواشنطن، بعدما أزيل اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب وتم التوصل لاتفاق أولي مع الصندوق والبنك الدوليين. واتخذت الولايات المتحدة الأميركية خطوة جبارة وعملية بقرض يسهل سداد الديون المستحقة. خطوة مدهشة لدرجة أن دكتور صدقي كبلو المسؤول عن ملف الاقتصاد في قيادة الحزب الشيوعي رحب بها، وأعلنت فرنسا أنها على استعداد لاتخاذ قرار مماثل للأميركي.
وحسب المبارك فإن الموقف يبشر بالخير فيما يتعلق بموضوع الديون التي هي في معظمها فوائد تراكمت.
وأشار إلى أن رئيس الوزراء كون لجنة لتحديد ما يريده السودان، وأن الأولوية الثانية في خطة السودان هي الاستثمار، ويبدو أن مشروعات معينة ستطرح في مجال الزراعة والصناعات التحويلية، وشراكة في تعليب اللحوم بدلا من تصديرها حية وتصنيع الصمغ العربي والدواء والطاقة الشمسية وبالطبع الغاز والنفط.
ورأى أن السودان مستعد إذا وجد ردود فعل إيجابية؛«نحن لا نعرف الاستجابة ولكن ما نعرفه هو أن عمالتنا الأرخص تجعل الاستثمار في كل شيء بما في ذلك تجميع السيارات مغريا».
بينما يرى المستشار في التنمية الاجتماعية والبشرية الدكتور الحاج حمد محمد خير في حديث مع «المجلة»، أن مؤتمر باريس مهم لمحاوله إقناع النظام المالي العالمي بأن السودان مؤهل لتلقي إعفاءات الديون للدول الفقيرة المثقلة بالدين، خصوصا وأن الدول لا تقدم دعما أو منحا أو مساعدات لدولة غير قادرة على السداد.
ورأى أن المؤتمرات السابقة كانت علاقات عامة وأقل من الطموح لدى الحكومة التي تعتقد أن النظام العالمي سيفتح عليها أموال السماء، بينما كل المتحصل حتى الآن أقل من أن يحل أيا من الأزمات، مبينا أنه دون الخروج من التبعية للأحادية والشراكة المبنية على مراعاة المصالح الوطنية، فإن الحكومة الانتقالية لن تحقق الكثير.
أما أستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الرحمن خريس، فقد قال لـ«المجلة»، إن السودان يعول على الاستفادة من التغيير الذي حدث بعد ثورة الشباب والتغيير، لانفتاح كبير على المجتمع الدولي، لتحقيق أهداف الثورة في تهيئة بيئة الاستثمار وحل معاش الناس، معتبرا أن المؤتمر يتيح فرصة للسودان في الانفتاح على المجتمع الاقتصادي الدولي خصوصا وأنه مؤتمر رسمي، ويأتي في توقيت مناسب.
ورغم أن خريس يرى أهمية المؤتمر للسودان، لكنه يشير إلى عقبات أهمها أن الحكومة لا تظهر تناسقا رغم كونها تمثل قطاعا عريضا من السودانيين، بيد أنها غير متفقة في رؤيتها في التعامل مع الخارج، إذ تنظر بعض منظومات في الحكومة إلى هذا المؤتمر باعتباره امتدادا للتبعية والخضوع للإدارة الإمبريالية والاستعمار الحديث، وهو الأمر الذي تحتاج الحكومة إلى معالجته داخليا لحل هذه الخلافات وإقناع المجتمع الدولي، متوقعا عدم تحقيق مكاسب سريعة من نتائج المؤتمر.
ورأى أن الدعم الخارجي مرتبط بالسياسة، وأن على السودان دراسة التجارب السابقة في ظل النظام الانتقالي أو السابق، وذلك لتجاوز الأسباب التي تمنع انسياب الدعم الخارجي سواء كان سياسيا أو إصلاحات اقتصادية، وطرح سؤالا مفاده: لماذا لم يستفد السودان حتى الآن من التغيير السياسي الكبير الذي حدث فيه؟ موضحا أن الأمر يتطلب توافقا داخليا على رؤية واحدة لكيفية الانتقال السياسي، وأن لا يتجاهل السودان في علاقاته الخارجية مع محيطه الإقليمي الأفريقي والعربي وشرق آسيا والاكتفاء فقط بعلاقات قوية مع الغرب، مشيرا إلى ضرورة أن يتبنى مشروع العلاقات الخارجية أصحاب الاختصاص المهني وليس فقط السياسيون.