الحصول على النفوذ بإستخدام الشريعة

الحصول على النفوذ بإستخدام الشريعة

[escenic_image id="555014"]

هل تجيز الشريعة الإسلامية إستعمال العنف؟ وما هي علاقة الشريعة بالتشدد؟ وهل لعمليات الذبح التي قام بها تنظيم "القاعدة" علاقة بتطبيق الشريعة الإسلامية كما أعلن منفذوها؟ وهل حاولت "القاعدة و أخواتها" فرض نمط من العنف على العالم باسم الإسلام؟

هذه التصرفات الملتبسة لبعض غلاة المتشددين والمتطرفين الإسلاميين، دفعت بالباحثين والمراقبين الغربيين إلى ربط تصرفات هذه الفئة الضالة بالشريعة الإسلامية ولكن -بنسب مختلفة- بين من هم من الباحثين المعتدلين بعلاقتهم بالإسلام كشريعة وبالمسلمين كمجتمعات وبين من هم من المتعصبين المعروفين بعدائهم للإسلام والمسلمين.

يعرف الباحثون الغربيون عامةً والأميركيون خاصةً أن الشريعة هي القانون الإسلامي الأسمى وأنها تحظى بتقدير خاص لدى المسلمين حول العالم الذين يحاولون بصدق تطبيقها لتنظيم مختلف جوانب الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية، والشخصية، والشريعة تعني مجموعة القوانين المستمدّة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وأقوال السلف الصالح واجتهادات رجال الدين الإسلامي والتي تحدد علاقة الإنسان بالله وبالناس وبالمجتمع والكون وتحدد ما يجوز فعله وما لا يجوز.

الشريعة أيضاً هي مصدر القوانين بالنسبة للكثير من الدول الإسلامية، لكن لا تزال العلاقة المزعومة بين الشريعة الإسلامية والتشدد تثير إشكالية كبيرة لدى الباحثين الغربيين. لاسيما مع ربط المتطرفين الإسلاميين أعمالهم العنيفة بالشريعة زاعمين أنهم لا يأتون عملاً إلا إذا كان متطابقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية، لذلك يعتقد بعض الباحثين الأميركيين أن الشريعة الإسلامية "تُستخدم كأداة من قِبل دعاة التطرف والتشدد الإسلامي"، فهل يمكن الفصل بين الشريعة الإسلامية كما يعرفها "التيار الرئيسي" من المسلمين وبين فهم المتطرفين الإسلاميين لها؟ وكيف ستكون نتائج ذلك على صورة الإسلام والمسلمين في العالم؟

 في هذا الإطار كتبت "توني جونسون" بحثها المعنون "الشريعة والتشدد" كإطار أساسي للموضوع وجونسون باحثة في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي الذي يتخذ من مدينة نيويورك مقراً له.

تقول جونسون أن هناك صعوبة في تطبيق دعوة "الحركات الإسلامية" بالحكم تماماً حسب الشريعة الإسلامية بدلاً من القوانين الوضعية، وخصوصاً في دول مثل باكستان والصومال حيث تمزقها الإضطرابات السياسية والصراعات ، والمناطق الخارجة على القانون. في حين أن بعض الخبراء يعتقدون أن الشريعة الإسلامية لديها القدرة على التغلب على الصراعات القبلية والفوضى وتهدئة المناطق المضطربة، لكن الكاتبة تعتقد أن الشريعة قد تصبح عرضة للتلاعب والتجاوزات في المناطق المضطربة حيث ينشط متشددون إسلاميون.

تلاحظ الكاتبة أن الكثير من الحركات الإسلامية التي جعلت الشريعة "حجر الزاوية" لهويتها وأعلنت عن المشاعر المعادية للولايات المتحدة الأميركية قد حققت مكاسب عن طريق الإنتخابات في بعض الحالات. وفي حالات أخرى سيطرت على السلطة بالعنف، وعرّضت دولها و كذلك الولايات المتحدة الأميركية لمعضلة سياسة – أمنية تصعب معالجتها، تلك المنظمات "الغير دولية" العنيفة والمتشددة وغير الملتزمة إلا بما تدّعيه أنه من الشريعة الإسلامية تطرح تحديات جدّية على واشنطن وحلفائها من الدول الإسلامية المعتدلة، خاصة في الشرق الأوسط المضطرب.

تقول جونسون _في إطار بحثها عن الحلول_ أن بعض الخبراء يعتقدون بأن السياسة الأميركية يجب أن تحرص على مشاركة تلك المنظمات الأصولية في الحياة السياسية في بلدانها وإحتوائها بدلاً من التفريط بها و لكن هل لا يزال هذا الأمر ممكناً؟

تعتقد جونسون أن على أميركا "تتعلّم التمييز بين الأنواع المختلفة من العناصر المتطرفة في داخل الحركات الإسلامية" وذلك في إطار سعيها للتحاور مع حركات "الإسلام السياسي".

الشريعة من أجل السلام والعدالة

 ترتبط الشريعة الإسلامية "إرتباطاً وثيقاً بالحكم الرشيد" بنظر المسلمين كما تقول الكاتبة،  ففي إستطلاع رأي أجراه "معهد غالوب" عام 2008 في كلٍ من تركيا وإيران ومصر أكدت غالبية المستطلعين على أن الشريعة هي "مصدر لتعزيز سيادة القانون والعدالة" في العالم الإسلامي، كذلك فإن معظم الناس في البلدان ذات الأغلبية المسلمة  يعتقدون بأن النظم السياسية والقوانين المعمول بها في بلدانهم والمستمدة من النماذج الغربية من أسباب تعثر دولهم في التنمية الإقتصادية والسياسية والإجتماعية  دون أن يهملوا أن أغلبية سياسيهم فاسدين، وربما لن يتغيروا نحو الأفضل حتى ولو حكموا بموجب الشريعة الإسلامية، فالقوانين والنظم الوضعية ليست بالضرورة سيئة بل أن سوء الحكم في العديد من الدول جعل الناس "المكتئبين سياسياً وإقتصادياً" يعتقدون أن تغيير النظام نحو تطبيق الشريعة الإسلامية قد يساعد على التخلص من الأزمات التي يعانونها.

كتب "جون أسبوزيتو" أستاذ الدين والشئون الدولية في جامعة جورج تاون في كتابه "ما يتعين على كلِّ واحد أن يعرفه عن الإسلام" أن العديد من الدول الإسلامية تعاني من "إكتظاظ المدن التي تفتقر إلى نظم الدعم الاجتماعي، ومن إرتفاع معدلات البطالة، والفساد الحكومي، و إتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء... "، "لذلك يسود الناس هناك شعور واسع النطاق من "الفشل وفقدان تقدير الذات" كنتيجة لمعاناتهم اليومية التي أفقدتهم الأمان فلا غرابة،  والحل أن يلوم المسلمون الغرب ونماذجه في التنمية السياسية والاقتصادية متطلعين إلى الشرعية الاجتماعية والسياسية التي قد يوفرها  لهم تطبيق الشريعة الإسلامية" يضيف اسبوزيتو.

أظهر إستطلاع آخر للرأي أجراه "معهد غالوب" عام 2008 وشمل عشرة دول إسلامية منها باكستان وأندونيسيا وإيران أن معظم المسلمين "لا يدعون لتطبيق الثيوقراطية ولا لحكم رجال الدين عندما يدعون لتطبيق الشريعة الإسلامية في دولهم" وبالتالي فغالبية المسلمين لا يخلطون بين حكم الفقهاء أو الملالي وبين تطبيق الشريعة التي هي بنظرهم "طريقة فضلى للحكم الرشيد بمعناه الواسع "ويمكن تطبيقها في أنظمة وأطر ديمقراطية" وهنا تكمن أهمية إقتناع غالبية المسلمين "بعدم تعارض الشريعة مع النظام الديمقراطي".

الباحث السوداني الأصل "عبد الله أحمد نعيم" وهو خبير في القانون الإسلامي في جامعة إيموري الأميركية، أكد في كتابه  "الإسلام والدولة العلمانية" أن الدفع باتجاه قيام دولة إسلامية يفترض أن السلطات الحاكمة ستكون أقل فساداً وأكثر ورعاً من تلك التي في الدولة العلمانية، لكن "نعيم" يخشى أن تنقلب معايير السلطة في الدولة الإسلامية فيصبح "الدين نفسه تابعاً للسلطة السياسية بدل أن يكون منظماً لها" وهذا هو الخلل الأساسي - بنظر نعيم - في قيام "دولة دينية إسلامية  في عالمنا المعاصر".

تلاحظ "إيزابيل كولمن" من مجلس العلاقات الخارجية أن دور الشريعة الإسلامية كان دوماً مسرحاً لـ"لعبة سياسية" في كل بلد مسلم.

تدعو "داليا مجاهد" الباحثة في "معهد غالوب للدراسات الإسلامية" إلى "تعزيز الإجتهاد والتفكير المستقل الذي يسمح بإعادة تفسير الإسلام لمعالجة القضايا المعاصرة " والإجتهاد برأي داليا مجاهد قادر أيضا على "تفسير الشريعة الإسلامية المعتدلة". ولكي يكون الإجتهاد فعالاً في "المجتمع المسلم بأكمله، وليس علماء الدين فقط، يجب أن يكون مثقفاً دينيا" كما عبّرت داليا مجاهد.

أداة للمتطرفين

تظهر إستطلاعات الرأي أن الدين هو عامل مؤثر في حياة الأغلبية الساحقة من المسلمين حتى في أكثر البلدان علمانية مثل تركيا. تحاول حركات الإسلام السياسي الإستفادة من تعلّق المسلمين بدينهم لتثبيت شرعيتها الدينية والسياسية عبر فرض أنماط وإرساء تقاليد متشددة باسم الشريعة الإسلامية، لذلك يخشى الباحثون الغربيون والعرب أيضاً من محاولة المتطرفين إستغلال الشريعة لأغراض سياسية خاصة مما يسيء لصورة الإسلام في العالم ، قالت "داليا مجاهد" أمام  منتدى معهد أسبن عام 2008 أن محاولة "إستخدام الإسلام من قبل المتشددين للتأثير على عامة الناس ينبغي ألا ينظر إليها على أنها فشل للدين نفسه".

في الدول المضطربة نجح الإسلاميون مراراً في فرض رؤيتهم الدينية والسياسية على مواطنيهم المهمشين والفقراء وغير المثقفين دينياً فقد تبنى هؤلاء الأصوليون ممارسة متشددة جداً للإسلام فمنعوا الموسيقى والرقص وتعليم الفتيات، وأباح بعضهم قطع الرؤوس  في باكستان وأفغانستان والصومال، يقول "غاريس برايس" الخبير في معهد شاتهام هاوس البريطاني أن "الإسلاميين المتشددين كـ"الطالبان" مثلاً لا يطبقون الشريعة الإسلامية بل قواعد جنونية قاسية صاغوها لتأمين إستمرارهم في السلطة"، وتقول "إيزابيل كولمن" من مجلس العلاقات الخارجية أن "منع تعليم الفتيات لا يمت إلى القرآن الكريم بأية صلة".

تجربة "المحاكم الإسلامية" في الصومال كما تجربة "المحاكم الشرعية" مؤخراً في منطقة وادي سوات الباكستانيةً تؤكد برأي بعض الخبراء أن  سيطرة المتشددين على السلطة وإحتكارهم  لها بحجة تطبيق الشريعة وتثبيت الإستقرار لم تكن تجارب ناجحة  ولم تجلب السلام للسكان وللبلاد، كما تبين بوضوح كيف أن "المعركة من أجل الشريعة الإسلامية في كثير من الأحيان هي معركة المتشددين للسيطرة عليها" كما تعلن الكاتبة.

إشراك النشطاء الإسلاميين

مع تسلّم الرئيس باراك أوباما السلطة في أميركا أوائل هذا العام وإعلانه أنه سينتهج إستراتيجية مختلفة عن أسلافه في التعاطي مع العالم الإسلامي، برزت دعوات بعض الخبراء والناشطين إلى الإدارة الأميركية كي تعيد التفكير في سياسات الإدارات السابقة بخصوص التعامل مع حركات الإسلام السياسي، وخاصة تلك التي تنبذ العنف حتى ولو أنها تدعو لتطبيق الشريعة الإسلامية في بلدانها وبأن لا تكون أميركا معارضة بالمطلق لنشاط الإسلاميين كرّدة فعل على  جهرهم بالعداء لأمريكا وبأن لا تعتبر أمريكا أن كل علماني هو مصلح حتماً.

الدعوات لفتح حوار أميركي مع الحركات الإسلامية التي ترفض العنف يجب أن تترافق مع معرفة أميركية بها وتمييز دقيق وعميق بين هذه الحركات بناءً لنشاطاتها وأقوالها وأفعالها فـ"الحجاب ليس مثل الحزام الناسف" كما يقول فريد زكريا رئيس تحرير مجلة "نيوزويك" الأميركية.

أنتوني زيتوني- باحث في حل النزاعات ومقيم بواشنطن.

font change