عندما قرر نابليون قيادة جيشه لغزو عكا بعدما حول مصر المحروسىة لقاعدة فرنسية، أراد أن يتحقق الانضباط بأبشع معانيه لجميع القوى الوطنية المصرية، لا سيما بعد إخماده لثورة القاهرة، ودخول خيوله الجامع الأزهر، نكاية في علمائه لقيادة بعضهم لثورة القاهرة الأولى.
وفشل نابليون في إقناع الشعب المصري بأنه قد أسلم، وفطن الناس لزيف إسلامه، وأن هذا الإسلام هو إسلام سياسي لعلمه بمدى تدين الشعب المصري بطبيعته. وهي الحيلة التي تكررت على مر العصور منذ الإسكندر الأكبر الذي أعلن أنه إبن شرعي للإله آمون، وشيد معبدا له في واحة سيوة كعربون محبة للشعب المصري، مرورا بشركات توظيف الأموال الإسلامية، نهاية بجماعات الإسلام السياسي وتبني الآيديولوجيات المتطرفة مدعمة بالعنف والإرهاب برخصة دينية.
ولما كان نابليون مؤمنا بقدرته على التحكم في مصائر البلاد والعباد بما فيها من الظواهر الطبيعية وعلى رأسها هلال رمضان عام 1799 الذي قرر أن يكون موعده الغد، وهو الموعد الذي أعلن فيه المسير إلى عكا، وليكون هناك عذر شرعي لعدم صيامه بدعوى السفر. وعندما خرج شيوخ الأزهر لاستطلاع هلال رمضان كانوا على شبه اتفاق بإعلانه بما يوافق رغبة نابليون حتى لو لم يظهر شيء في السماء، ولن يضير الناس صيامهم يوما زائدا ولكن يضيرهم انتقام نابليون. وعندما تلفظ الميقاتي بشيء ما مبهم مسح الشيوخ على عباءتهم واستداروا عائدين لتهنئة نابليون وإعلان رؤية الهلال ولم يكن الميقاني يومئذ إلا عبد الرحمن الجبرتي المؤرخ الذي كان يجهل كل شيء عن الفرنسيين حتى رأى قنابرهم تدوي من حوله وتكاد أن تفتك به خلال ثورة القاهرة الأولى.
ولم يكن الجهل فقط بالفرنسيين بل بالفارق الزمني والحضاري الذي تخلفت فيه مصر العثمانية بقيادة فلول المماليك اللذين يحكمون نيابة عنهم، حتى إن جواسيس مراد بك عندما رصدوا جحافل المشاة النابوليونية قرب البحيرة ورجعوا لمراد بك ليخبروه بأن هذه الجحافل تمشي على أرجلها، استنتج قائد المماليك أن نابليون لا يملك الخيول اللازمة لنقل الجنود. وبناء عليه خرج مراد بك لملاقاة الجيش الفرنسي وهو في أوج زينته وجنوده يمتطون الخيول بملابسهم المزركشة وعمائمهم التي جلبوها من بلادهم الأصلية سهوب وأودية وجبال تركمستان والأناضول ولم يصمدوا أمام المدافع أكثر من ساعتين في موقعة إمبابة أو الأهرام. لتبدأ مصر العبور إلى العصر الحديث بعد نوم عميق وقرون عديدة من حكم المماليك والعثمانيين الذين جلُبوا من شذاذ الآفاق وكانوا لا يراعون ذمة ولا دينا في فلاحي الشعب المصري، كما كان يحلو لهم وصف المصريين. ولاعجب أن يبادلهم المصريون التحية بأحسن منها فلم يحبوهم يوما ما ولم يثقوا بهم إطلاقا بل تميز الاحتلال الفرنسي عنهم بالعدل كما وصفهم الجبرتي على كراهيته لهم ودلل على ذلك بدفع أثمان أقواتهم للفلاحين بدلا من خطفها كما كان يفعل المماليك والعثمانيون بل زادوا من الشعر بيتا بأنهم كانوا لا يصومون رمضان وهي نقيصة لو تعلمون عظيمة في تلك الأزمان بل كانوا يتعاطون الخمر ويمارسون الزنا واللواط في رابعة نهار رمضان، لذا سهلوا على نابليون خداع المصريين بادعائه الإسلام لكنهم انتفضوا ضده عندما تأكدوا من كذبه وهكذا صامت مصر في هذا العام بأمر حامي الديار الإسلامية وقاهر التركمان نابليون بونابرت.