ألترمان: بكين تعاني من ضعف نفوذها في الشرق الأوسط

ألترمان: بكين تعاني من ضعف نفوذها في الشرق الأوسط

[caption id="attachment_55248672" align="aligncenter" width="619"]جون ألترمان جون ألترمان[/caption]

في مباحثات صريحة مع بعض من نظرائهم في العواصم الغربية، اعترف مسؤولون صينيون بأن الهجوم على السفارة الصينية في دمشق يشير إلى موجة أوسع من الغضب تجاه بكين في عدد من الدول العربية، والذي يرجع إلى حد كبير إلى سياسات البلاد تجاه ليبيا وسوريا على وجه التحديد.
لم تكن هذه التطورات مفاجئة بالنسبة لجون ألترمان، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية،الذي الدراسة التي صدرت في أغسطس (آب) الماضي تحت عنوان «دور الصين المتوازن في الخليج».

وفي مقابلة معه في مكتبه، تحدث ألترمان عن العلاقة الحقيقية بين احتياجات الدولة من الطاقة وسياستها الخارجية تجاه العالم النامي.
في مطلع الثمانينات، لأول مرة في تاريخها، أصبحت الصين تستورد احتياجاتها من النفط بالكامل، وعلى الرغم من محاولات تعويض احتياجاتها من الطاقة بتصدير الفحم، فإنها وجدت ذاتها في حاجة إلى إقامة علاقات استيراد مع الدول الثرية بالنفط التي كانت صلتها بها ضعيفة. كان العالم العربي ميدانا تعاني فيه الصين من عيب خطير هو ضعف النفوذ، وخاصة إذا ما قورنت بخصمها الاقتصادي الولايات المتحدة.

في مرحلة مبكرة، سعت الصين إلى تجنب الوقوع في صراع مع الولايات المتحدة في مجال واردات الطاقة. يقول ألترمان: «انظر حول العالم وسوف تجد مساعي صينية لإقامة علاقات لا يريدها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة؛ وهي علاقات مع الدول التي تعاني من عدم تقدير قيمتها الحقيقية مثل جنوب السودان وإيران وعدة دول أفريقية. كانت هذه وسيلة للحصول على النفط بأسعار مخفضة من مناطق لا يذهب إليها آخرون. إنها أكبر حليفة استراتيجية لها في أوروبا وهي ألبانيا». في هذه الدول، تحاول بكين إقامة علاقات تكافلية من خلال العديد من مشروعات الأعمال المحلية. يوضح ألترمان قائلا: «ولكن عندما تنظر إلى جودة بعض هذه المشروعات تجد أن الأموال التي تتبقى لدى الاقتصاد المحلي لا تمثل ربحا. وأن مبالغ كثيرة للغاية من هذه الأموال تعود إلى الصين. لهذا السبب، على سبيل المثال، لم يعد الصينيون على وجه التحديد يلاقون ترحيبا في أنغولا».


 

استراتيجية تحوط

 

 


في محاولات تقارب الصين مع الدول العربية، تعاونت الصين سابقا مع بعض الدول المارقة مثل ليبيا تحت قيادة معمر القذافي، ومع بعض الدول المستقرة الكبرى و أهم الشركاء الاستراتيجيين للغرب ومصادر النفط الرئيسة في المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية. وكان لا بد أن يتضمن ذلك اتخاذ خيارات سياسية أيضا، «وفي ليبيا تحديدا، (أيد الصينيون) الحصان الخاسر مع تخصيص مليارات الدولارات في تعاقدات مع ليبيا تحت حكم القذافي». ورفضت بكين تأييد الحملة التي قادها حلف الناتو للإطاحة بالقذافي، وتجاهلتها الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد ذلك.


[blockquote]يقول ألترمان إنه في محاولة للاستفادة من درس التجربة الليبية، تبنت بكين «استراتيجية تحوط» في سوريا وسط الصراع الأهلي المستمر في الدولة. من جانب، كانت الصين معظم الوقت حليفة لسوريا في مجلس الأمن،ونادرا ما اختلفت مع روسيا حليفة سوريا الرئيسة. ومن جانب آخر، يكشف ألترمان أن بكين دعت عددا من قادة المعارضة إلى البلاد وأقامت بدايات لعلاقات معهم. وتستمر الصين في تبني موقف رسمي بالدعوة إلى حل للصراع عن طريق الحوار السلمي.
ولكن تسبب غموض السياسات الصينية تجاه سوريا في خيبة أمل أصدقاء الثوار في المنطقة وخاصة السعودية. يعلق ألترمان: «حاول الصينيون بجد وفعالية على مدار السنوات العشر الأخيرة إقامة علاقات استراتيجية مع السعوديين.[/blockquote]


وعلى الرغم من عدم خوفهم من أن الصينيين سوف يتسببون في عزلتهم فإنهم قلقون من أن الأمور قد لا تسير بسلاسة أو أنهم قد لا يحصلون على كل ما يريدون». يضيف ألترمان أنه على الرغم من إثارة الغربيين لمخاوفهم بشأن علاقات الصين مع إيران فإن الصين تستورد من السعودية 20 في المائة من نفطها. وعلى الرغم من التوترات الحالية بين السعودية والولايات المتحدة بسبب ما يحدث في سوريا ومصر والصراعات الأخرى المشتعلة في المنطقة، فإن «التنسيق بين الصينيين والسعوديين لا يصل إلى مستوى التنسيق بين السعودية والولايات المتحدة، ولا سيما في القضايا الأمنية». كذلك ليس من المرجح أن يتغير هذا الوضع في السنوات العشر المقبلة، في ظل تردد الصين في التوسع في التزاماتها بعيدا عن المحيط الهادي.

سألت ألترمان ما إذا كانت السعودية استفادت من علاقات الصين المعتمدة على مواردها النفطية في ممارسة ضغوط سياسية على سياساتها العامة تجاه الشرق الأوسط. أجاب ألترمان: «لا يريد السعوديون استخدام نفوذهم كثيرا، وذلك إلى حد ما بسبب عدم رغبتهم في ذلك. فهم يريدون أن يؤدوا دور المصرفي الموثوق به في سوق الطاقة العالمية وليس طرفا معاديا. ولا يريدون أن يبحث الصينيون عن علاقات بديلة بدلا من تعزيز العلاقات بينهم». ومن جانبها تحرص الصين على مساعدة السعوديين بمشروعات تجارية يمكنها الاستثمار فيها، بمعنى أنها تسعى إلى إقامة نوع من الاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي يخفف من الخلافات السياسية بين البلدين.

 

 

 

 

 

السعودية والصين

 

 


يعتقد ألترمان أنه على المدى البعيد، سوف تؤثر نتيجة العلاقات السعودية الصينية على الاتجاهات الأميركية في المنطقة أيضا. من جانب، لا يجد ألترمان دليلا قويا على أن واشنطن سوف تتدخل في أو تثبط العلاقات السعودية الصينية. وعلى جانب آخر، ربما تتأثر بصمة أميركا في الشرق الأوسط بسبب علاقات الطاقة الآسيوية المتنامية مع الخليج عموما، وليس فقط الصين بل اليابان وكوريا الجنوبية والدول الأخرى. ويوضح قائلا: «عندما تركز الولايات المتحدة على آسيا بصورة أكبر من الشرق الأوسط، ربما تبدأ أميركا في رؤية المنطقة العربية من منظور شركائها الآسيويين، وتصبح أكثر اهتماما بحماية التدفق الحر للطاقة وأقل اهتماما باستراتيجية الشرق الأوسط التي «تركز على الشرق» التي كانت نمط السياسة الأميركية لمدة تزيد على قرن.. سيكون علينا أن نفكر عمن سيحمي الممرات المائية، وهل من المعقول توفير كل هذا التأمين مجانا بينما يحمل مستهلكون آخرون هائلون الطاقة مجانا على كتف أميركا».

أما فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والخليج، فقد تتسع بدلا من أن تنكمش نتيجة لتزايد اعتماد الصينيين على النفط السعودي، يفسر ألترمان ذلك قائلا: «ربما لا نستورد النفط الشرق أوسطي بوسائل مباشرة في الأعوام المقبلة بل بطرق غير مباشرة: عندما نشتري منتجات مصنعة في آسيا، تكون مصنوعة بالطاقة الشرق أوسطية، حينها نصبح مرتبطين بالشرق الأوسط بطرق جديدة، تكون غير متصلة بمخاوفنا التقليدية في منطقة الشرق.. في خلال عشر سنوات، سوف نتحدث مع كوريا الجنوبية عن استراتيجية الشرق الأوسط. أعتقد أن جميع الاحتمالات تشير إلى ذلك».
يبدو أن هذه الإعادة للتخطيط تمثل تحديات سياسية وأمنية أمام الولايات المتحدة بالإضافة إلى السعودية. ولكن إذا قررت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج الضغط على الصين سياسيا في ضوء الأزمات العديدة التي تعاني منها المنطقة الآن، فسوف تواجه بكين أزمات أكبر على المدى القريب والمتوسط.

 

 

 

 

 

font change