القامشلي: تستمر أزمة المحروقات في مختلف المناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الرئيس بشار الأسد رغم أن حكومته كانت قد أعلنت قبل نحو أسبوعين عن آلية جديدة لتوزيع مادة البنزين على السكان، وذلك عبر بطاقةٍ إلكترونية تشبه التي تمّ استخدامها سابقاً للحصول على اسطوانات الغاز.
ومع أن وزارة النفط السورية حاولت توزيع مادة البنزين على غرار توزيعها لاسطوانات الغاز في السابق، لكن يبدو أن هذه الآلية لم تخفف من الطلب على هذه المادة الضرورية، إذ تستمر هذه الأزمة وتتزامن مع قدوم شهر رمضان، وهو ما يؤدي عملياً لأزماتٍ أخرى، كعدم تمكّن السكان من التنقل لا سيما وأن هذه الأزمة تتزامن مع ظروفٍ أخرى فرضها تفشي فيروس كورونا المستجد في البلاد.
حكومة الأسد تستورد النفط الخام بالدرجة الأولى من إيران ونتيجة العقوبات الأميركية لم تتمكن الحكومة من الحصول على النفط الخام في الوقت المناسب
وعن ذلك، قال عدنان حزام، المتحدّثُ الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) إن «مشكلة المحروقات تُدرج ضمن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا خاصة في العامين الأخيرين، لا سيما وأن البلاد تشهد صراعاً يستمر منذ أكثر من 10 سنوات، إلى جانب تداعيات فيروس كورونا».
وأضاف حزام لـ«المجلة» من العاصمة السورية دمشق أن «أزمة المحروقات أثّرت بشكلٍ كبير على مختلف جوانب الحياة، واليوم نتحدث عن أكثر من 13 مليون مواطن سوري يحتاجون مختلف المساعدات الغذائية والطبية كالدواء وغيرها من الحاجات الإنسانية الضرورية».
ووصف المتحدّث باسم اللجنة الدولية، الواقع السوري الراهن، بـ«المؤلم والمحزن»، وذلك في وقتٍ تحاول فيه المؤسسة الأممية التي يعمل فيها على تقديم المساعدة للسوريين ضمن إمكانياتها المتوافرة كي يتمكنوا من التغلب على المشاكل المعيشية التي تواجههم.
وقال حزام أيضاً إن «تداعيات الصراع ما زالت موجودة، فهناك أكثر من 6 ملايين نازح داخل البلاد في مختلف المناطق السورية، وكذلك هناك أزمة اقتصادية خانقة، ولذلك على المجتمع الدولي النظر بجدّية إلى الأزمة السورية، وتقديم المزيد من المساعدات في مختلف المجالات، للتخفيف من حجم معاناة السكان».
ولا تقتصر الأزمة الراهنة على المحروقات أو فقدان بعض المواد الغذائية في مناطق سيطرة الحكومة السورية فحسب، وإنما امتدت إلى القطاع الطبي أيضاً، والذي يحتاج المساعدة كذلك، بحسب المتحدّث باسم اللجنة الدولية.
وشدد حزام في هذا الصدد على أن «المساعدات الأبرز والأكثر إلحاحاً تكمن في دعم القطاع الصحي خاصة مع جائحة كورونا، وأيضاً توفير مياه الشرب النظيفة لملايين السوريين»، موضّحاً أن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر عملت في هذا الجانب وخلال العام الماضي، ساهمت اللجنة بالتعاون مع (الهلال الأحمر العربي السوري) في المساعدة على حصول 16 مليون شخص في البلاد على مياهٍ نظيفة».
وتابع: «حاولنا قدر المستطاع تقديم الدعم للمؤسسات الصحية لتقديم خدمات أفضل، وكان لنا مساهمة فيما يخص الاستجابة لجائحة كورونا من خلال توفير بعض معدّات الحماية وتعزيز الوعي بطرق الوقاية من هذا الفيروس».
ومن جهته، كشف أكاديمي وخبير اقتصادي سوري عن أسباب أزمة المحروقات في مناطق سيطرة الحكومة، لافتاً لوجود عوامل داخلية وأخرى خارجية تسببت في هذه المشكلة.
وقال الأكاديمي والخبير الاقتصادي خورشيد عليكا لـ«المجلة» إن «الحكومة السورية تقوم باستيراد النفط الخام بالدرجة الأولى من إيران ونتيجة العقوبات الأميركية على كل من دمشق وطهران خاصة بعد تطبيق قانون قيصر على الحكومة السورية منذ منتصف يونيو (حزيران) 2020، لم تتمكن الحكومة من الحصول على النفط الخام في الوقت المناسب».
قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية كانت الاحتياطات النفطية في البلاد تشكل نحو 0.14 على مستوى العالم
وأضاف أن «عدم توفر العملات الصعبة لدى مصرف سوريا المركزي والخوف من العقوبات الأميركية، ساهم في عدم تعامل العديد من التجّار بتداول النفط الخام أو توريده للحكومة، ونتيجة ذلك شهدت مناطق سيطرتها أزمة محروقات وفي مقدمتها البنزين».
وتابع أن «الإدارة الذاتية لشمال سوريا وشرقها توقفت نوعاً ما عن تزويد مناطق الحكومة السورية بالنفط الخام»، مشدداً على أن «كل هذه الأسباب أدت معاً إلى حدوث شلل تامٍ في حركة المرور بالداخل السوري لاسيما وأن النفط الخام الذي ينقل وبكميات محدودة من مناطق الإدارة الذاتية إلى مصفاة بانياس لا يلبي حاجة الحكومة السورية».
ورأى الخبير الاقتصادي أن «أزمة المحروقات سوف تستمر»، رغم وصول ثلاثة ناقلات للنفط واحدة منها تحمل مليوني برميل إلى ميناء بانياس النفطي الأسبوع الماضي.
وقال عليكا في هذا الصدد إن «الكميات الواصلة من النفط الخام، ستغطي احتياجات السوق المحلية من البنزين والمازوت والفيول والغاز لقرابة شهرين فقط»، مضيفاً أن «توقف عجلة الإنتاج في سوريا وطول أمد الأزمة التي دخلت عامها الحادي عشر وتشظي الاقتصاد بين مختلف أطراف النزاع، إلى جانب قانون قيصر الذي استهدف مصرف سوريا المركزي، ونفاذ الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والتكلفة باهظة الثمن للحرب في سوريا، خلقت أزمة اقتصادية ومالية تعود بالأساس لأزمة سياسية معقدة».
وبحسب الخبير الاقتصادي، لا يمكن للحكومة السورية التغلب على الأزمة الاقتصادية الراهنة إلا بالاستجابة لقراراتٍ دولية منها القرار الأممي 2254 الذي يدعو لحلٍ سياسي شامل في البلاد.
وقال أيضاً: «دون الوصول لحلولٍ سياسية في كامل سوريا، هذا يعني المزيد من التعقيد في الأمور والمشاكل الاقتصادية، خاصة وأن مناطق الحكومة بقيت دون موارد حقيقية، وبالتالي من الصعب عودة الاستقرار والاستثمار وإعادة الإعمار فيها دون حلولٍ جذرية. وحدها الحلول السياسية يمكن أن تتغلب على الأزمة الاقتصادية»، على حدّ تعبّيره.
وأضاف أن «مؤسسات الحكومة السورية متهالكة والموظف السوري يتراوح راتبه الشهري ما بين 15 إلى 19 دولاراً شهرياً بعدما وصل سعر الدولار الأميركي الواحد إلى نحو 5000 ليرة سورية، قبل أن يتراجع إلى حدود 3400 ليرة»، مشيراً إلى أن «هذا التراجع قد يكون نتيجة حصول مصرف سوريا المركزي على قروض من حلفائه الروس أو الإيرانيين أو أن دمشق سمحت لموسكو وطهران بمزيد من الاستثمارات في البلاد».
وقبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا منتصف مارس (آذار) 2011، كانت الاحتياطات النفطية في البلاد تشكل نحو 0.14 على مستوى العالم، وذلك بإنتاج يومي يُقدّر بأكثر من 300 ألف برميل من النفط، لكن هذا الرقم انخفض إلى مستوياتٍ متدنيّة وصلت إلى نحو 40 ألف برميل يومياً نتيجة خروج معظم المناطق النفطية عن سيطرة قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد.
ومع ذلك يعتقد خبراء اقتصاديون أن الأرقام التي سبق للنظام السوري وأن أعلن عنها حول إنتاج النفط «غير دقيقة»، ومن المتوقع أن تكون كمية الإنتاج اليومي للنفط قبل الحرب أكبر بكثير من الكمية المعلنة.
وفي غضون عام 2018، قُدِر إنتاج سوريا للنفط بنحو 2.5 مليون برميل من المخزون الاحتياطي، وهو رقم قليل مقارنة بإنتاج العراق المجاور، فقد أنتجت بغداد 147 مليون برميل في العام ذاته.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قد قدّرت عائدات تنظيم داعش المتطرّف من النفط بنحو 40 مليون دولار أميركي شهرياً وذلك عندما وقعت معظم الحقول النفطية السورية تحت قبضة مقاتليه المتشددين.
ورغم أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من واشنطن، كانت قد تمكنت في مارس (آذار) 2019 من السيطرة على كل المناطق السورية التي كان قد سيطر عليها تنظيم داعش، إلا أن الإنتاج النفطي لم يتصاعد، نتيجة تضرر الحقول النفطية من الضربات الجوية التي شنها التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد داعش على معاقله.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية التي تعد «وحدات حماية الشعب الكردية» أبرز مؤسسيها وتضم أيضاً جماعاتٍ مسلّحة من العشائر العربية ومجموعات أخرى سريانية-آشورية وأرمنية، على نحو 70 في المائة من حقول النفط السوري، وأبرزها حقل العمر الواقع في محافظة دير الزور على الحدود مع العراق.
ويقدر الإنتاج اليومي لحقل العمر بنحو 80 ألف برميل نفط.
كما تسيطر هذه القوات على حقل التنك النفطي الذي قُدِر إنتاجه قبل عام 2011 بنحو 40 ألف برميل يومياً. إضافة لحقلي رميلان والسويدية في محافظة الحسكة والذي قُدِر إنتاجهما النفطي اليومي بنحو 200 ألف برميل.
وتزامنت أزمة المحروقات الحالية في مناطق سيطرة النظام السوري مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع اليومية وكذلك الخدمات الأساسية كأجور النقل العمومي.
وتختلف أسعار المواد بين منطقةٍ وأخرى مع الفوضى التي تشهدها سوريا نتيجة الحرب التي اندلعت عقب الاحتجاجات الشعبية مطلع عام2011.
ومع أن الليرة السورية سجّلت نوعاً من الاستقرار أمام الدولار الأميركي في الأيام الماضية، لكن من المرجح أن تراجع تدهورها مرةً أخرى في الفترة المقبلة، بحسب خبراء اقتصاديين شككوا في البيانات التي يقدّمها مصرف سوريا المركزي.
ومطلع الأسبوع الحالي، قام الأسد، بإقالة حاكم المصرف المركزي في البلاد، حازم قرفول، بالتزامن مع استمرار أزمة العملة. وعززت وسائل إعلام حكومية هذه الخطوة لمحاولات النظام السيطرة على سعر صرف العملة المحلية.
ووصلت الليرة السورية لمستوياتٍ قياسية منذ مطلع عام 2021 الجاري، حيث انحدرت إلى 4000 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد قبل أن تحرز تقدّماً بطيئاً من جديد.
ولجأت حكومة الأسد، لتطبيق حزمةٍ من الإجراءات في محاولة للسيطرة على سعر صرف الليرة، وكان من بينها وضع قيودٍ على استيراد البضائع وملاحقة الصرّافين وتقييد كمية مبالغ الحوالات بين مختلف محافظات البلاد.
وأدت الأزمة الاقتصادية في سوريا، لارتفاع معدلات الفقر والبطالة. ويشير برنامج الأغذية العالمي إلى أن 12.4 مليون مواطن سوري يواجهون انعداماً في أمنهم الغذائي.
أكثر من 6 ملايين نازح داخل البلاد في مختلف المناطق السورية
وتقدّر خسائر الاقتصاد السوري منذ عام 2011، وصولاً للربع الأول من العام الجاري بأكثر من 530 مليار دولار أميركي، وهو ما يُعادل 9.7 ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 بالأسعار الثابتة.
ونتيجة الأزمة الاقتصادية التي تشهدها سوريا، احتلت دمشق المركز 188 من أصل 195 دولة على لائحة مؤشرات الأمن الصحي، فيما اختفت بشكلٍ كلي عن التصنيف الدولي لجودة التعليم.
وبسبب ارتفاع أسعار الدولار الأميركي، قدّر عدد من الباحثين الاقتصاديين حاجة الأسرة السورية إلى أكثر من 550 ألف ليرة سورية لتأمين مستوى معيشي طبيعي. وهذا الرقم يوازي رواتب موظفي الحكومة السورية بأكثر من 10 أضعاف، ولدى بعض الموظفين بنسبة عشرين ضعفا.
ولعبت الأزمة الاقتصاديّة الخانقة في لبنان المجاور، دوراً مباشراً في تصاعد الأزمة الاقتصادية في سوريا، بحسب تصريحاتٍ للأسد قبل أشهر. وقدّر الأسد حينها الأموال السورية في المصارف اللبنانية بأكثر من 20 مليار دولار أميركي، لكن مصادرٍ أخرى تحدّثت عن أكثر من 42 مليار دولار.
ووفقاً لتصريحات الأسد، فإن الأزمة في لبنان، وامتناع البنوك اللبنانية عن تسليم أموال مودعيها لأصحابها، لعبت دوراً سلبياً في تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا، من جهة أن المستثمرين السوريين كانوا قد وضعوا أموالهم في البنوك اللبنانية التي أغلقت أبوابها نتيجة تدهور الاقتصاد المحلي.