بون: شكل اليمين المتطرف شبكة من الجماعات المنظمة على مستوى الأفراد والجماعات، عبر أوروبا، تعمل بشكل منظم، من خلال عقد الاجتماعات والمنتديات والمعسكرات المفتوحة، من أجل الترويج لأفكارها المتطرفة والتي تقوم بالأصل على تنامي «العنصرية، النازية»ورفض الاندماج والتعايش السلمي مع الأجانب داخل المجتمعات الأوروبية. لقد بات اليمين المتطرف، بالفعل، تحديا أمام الحكومات الأوروبية، دفع أغلبها، الاتجاه نحو اليمين من أجل الحصول على السلطة.
اليمين المتطرف أقصى اليمين، هو مصطلح (مظلة)يشمل كلاً من أحزاب اليمين الشعبوية واليمين المتطرف. وتميل أحزاب اليمين الراديكالي الشعبوي(PRR) مثل حزب التجمع الوطني في فرنسا، وحزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)،وحزب الحرية النمساوي(FPÖ) ،والرابطة(Lega) في إيطاليا، إلى السعي بأن تكون الانتخابات عبر الوسائل الديمقراطية، ومع ذلك غالبا ما يعارضون المكون الليبرالي للديمقراطية. تميل أحزاب اليمين المتطرف (ERW)إلى رفض الديمقراطية الليبرالية كليًا والبحث عن وسائل أكثر «تطرفًا»وبديلة للاستيلاء على السلطة.
يشمل اليمين المتطرف الحديث أحزابا مثل «Golden Dawn»اليونان- «Jobbik»المجر- «NPD»ألمانيا- إلى جانب «Kotleba»سلوفاكيا. وظهرت في أوروبا أحزاب يمين الوسط مثل حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية(VVD) في هولندا، برئاسة رئيس الوزراء مارك روته، والحكومة الائتلافية الأخيرة لحزب الشعب النمساوي(ÖVP) مع حزب الحرية النمساوي(FPÖ) .
ويسلط حزب التحالف الفلمنكي الجديد(N-VA) في بلجيكا (فلاندرز) الضوء على كيفية تحول بعض مواقف يمين الوسط إلى اليمين على الطيف السياسي، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والثقافية الرئيسية، مثل الهجرة والاندماج. كما تم تبني استراتيجية انتخابية مماثلة من قبل أحزاب يمين الوسط (التيار الرئيسي) خلال الأزمة الاقتصادية 2008-2013 في أوروبا. ومع ذلك، من خلال التحول إلى اليمين فيما يتعلق بالهجرة، ربما تكون أحزاب يمين الوسط قد فتحت «صندوق باندورا»،وجلبت آيديولوجية اليمين المتطرف إلى التيار السياسي السائد. يمكن أن تفيد هذه الاستراتيجية يمين الوسط على المدى القصير، لكنها ستساعد اليمين المتطرف على المدى الطويل على الأرجح.
تباين في الشعبية مع جائحة كورونا
كانت لليمين المتطرف حظوظ سياسية متباينة خلال عام 2020، حيث شهد أولئك الموجودون في الحكومة انخفاضًا حادًا في الدعم، بينما استفاد آخرون من ردود فعل الحكومة غير الشعبية على «Covid-19»،وقضايا أخرى. في إيطاليا، بلغ معدل الإخوان الإيطاليين الفاشيين 12 في المائة في استطلاعات الرأي، أي ضعف التصويت الذي حصلوا عليه في الانتخابات العامة لعام 2018. يسجل حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا الآن نسبة 18.4 في المائة، مقارنة بنسبة 32 في المائة التي حققها في الانتخابات العامة لعام 2019.
وقد شهدت حركة الخمس نجوم، الأكثر شعبية من اليمين المتطرف التقليدي، تراجع التأييد من 28 في المائة في 2018 إلى 12 في المائة فقط الآن، وفقا لدراسة عن اليمين المتطرف في أوروبا في اللغة الإنجليزية، بعنوان «دولة الكراهية»، صدرت في 16 يناير (كانون الثاني) 2021.
صعود اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي
لكن رغم ذلك أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو (أيار) عام 2019 تراجعًا لأحزاب الوسط ويمين الوسط مقابل صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة والأحزاب البيئية؛ ففي ألمانيا حصل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على 10.5 في المائة من الأصوات في الانتخابات الأوروبية، وحصل الحزب الديمقراطي الحر على 5.5 في المائة. أما في فرنسا فقد حصل حزب التجمع الوطني الفرنسي بزعامة مارين لوبان، وهو حزب يميني متطرف، على 23.31 في المائة متفوقًا بذلك على حزب الجمهورية إلى الأمام الوسطي الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون والذي حصل على 22.41 في المائة في الانتخابات. ووفقا لدراسة بعنوان «اليمين المتطرف: توظيف جائحة كورونا»لنشرة أعدها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بعنوان «صعود اليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي».
يذكر أن البرلمان الأوروبي يتكون من 751 عضوا، يُنتخبون مباشرة من قبل ناخبي الاتحاد الأوروبي كل خمس سنوات، وتنتخب جميع الدول الأعضاء في الاتحاد أعضاء هذا البرلمان، الذي يمثل مع مجلس الاتحاد الأوروبي، المكون من وزراء حكومات الدول الأعضاء، السلطة التشريعية للاتحاد.
تراجع الأحزاب التقليدية
كان التراجع اللافت والقوي للأحزاب التقليدية الكبرى (يمين ويسار الوسط)، والتي هيمنت على البرلمان الأوربي لعقود، وذلك لحساب تيارات وقوى سياسية أخرى على رأسها أحزاب اليمين والشعبويين من ناحية، والقوى الليبرالية والخضر من ناحية أخرى. ورغم أن المحافظين والاشتراكيين لا يزالون يشكلون أكبر كتلتين في البرلمان الأوروبي، إلا أن انتخابات 2019 أفرزت، كما يرى مراقبون ومحللون، خارطة سياسية جديدة للمرة الأولى منذ أربعين عاما، إذ يبدو أن أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التقليدية التي تصدرت المشهد السياسي داخل الاتحاد الأوروبي لعقود طويلة، فقدت أغلبيتها لأول مرة في البرلمان الأوروبي، وصارت بحاجة للتحالف مع قوى سياسية صاعدة كالليبراليين والخضر.
«براغ»ـ احتضان اجتماعات لليمين المتطرف
احتضنت العاصمة التشيكية براغ يوم 17 ديسمبر (كانون الأول) 2017 اجتماعا مثيرا للجدل لقادة أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا بينهم زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان، والنائب اليميني الهولندي خيرت فيلدرز. وعززت السلطات الإجراءات الأمنية بعد الإعلان عن مظاهرات لمجموعات يسارية.
وتؤكد الأحزاب المتحالفة في «أوروبا الأمم والحريات»وهي المجموعة السياسية التي تأسست قبل سنتين داخل البرلمان الأوروبي، أنها تركز على التعاون في أوروبا خارج أطر الاتحاد الأوروبي، في هذا المؤتمر الذي يرفع شعار «من أجل أوروبا للأمم صاحبة السيادة».
ساهمت شعارات اليمين المتطرف في أوروبا في زيادة نصيب الهجمات الإرهابية الإجمالية في السنوات الخمس الماضية وفقًا لأرقام اليوروبول، على الرغم من مشكلات الإبلاغ وفقا لدراسة باللغة الإنجليزية بعنوان: «اليمين المتطرف في أوروبا من الهامش إلى الصدارة»، نشرها موقع «orfonline» في الأول من يوليو (تموز) 2020. وفي أعقاب ذلك فرضت وزارة الداخلية الألمانية حظراً على جماعة «نوردادلر»اليمينية المتطرفة المعادية للسامية. وذكرت الحكومة البلجيكية أن حوالي 20 من مواطنيها شاركوا في معسكرات تدريب شبه عسكرية في أوروبا الشرقية في السنوات الأخيرة. ومع استمرار التطرف المتبادل، وهجمات الفاعلين المنفردين بالاعتماد على مزيج من الآيديولوجيات اليمينية المتطرفة المشوهة، واستمرار تنامي أفكار اليمين المتطرف، لن تختفي المشكلة.
أبرز الأحزاب اليمينية في أوروبا
حزب «البديل من أجل ألمانيا»، وحزب «الجبهة الوطنية»فرنسا، وحركة «خمس نجوم»إيطاليا، وحزب«الرابطة» الإيطالى، وحزب «الشعب»الدنماركي، وحزب «الاستقلال»البريطاني، وحزب«الحرية»هولندا، وحزب «الحركة من أجل مجر أفضل»المجر، وحزب «الفجر الذهبي»اليونان، وحزب«المصلحة الفلمنكية»بلجيكا، وائتلاف «الوطنيون الموحدون»بلغاريا، وحزب«سلوفاكيّتنا»سلوفاكيا، وحزب «ديمقراطيو السويد» السويد.
ويمكن أن يتم تعزيز مواقع اليمينيين المتطرفين في السلطةـ ليس فقط عبر زيادة أعدادهم في البرلمانات، بل أيضًا في الحكومةـ حيث سيقوم المتطرفون باستغلال الزخم السياسي الحالي المعادي للمهاجرين منعًا لمزيد من الإصابات في ظل توقع وجود موجة ثانية من فيروس كورونا، لكسب وتجنيد مزيد من المؤيدين وبشكل أكثر سهولة من ذي قبل، لأن الأزمة أثبتت أن حركات الهجرة والعولمة والرأسمالية- التي كانت تدعو لمناهضتها- كانت سبباً رئيسياً في انتشار الفيروس. وباستغلال الأزمة، ربما ينجح اليمينيون في التقليل من نفوذ الأحزاب السياسية التقليدية أكثر من الوقت الحالي.
النتائج
ـ توزيع الأدوار داخل الأحزاب اليمينية:تعمل الأحزاب اليمينة المتطرفة، على توزيع العمل، بين الحصول على الغطاء السياسي «الشرعي»الذي يمكن تلك الأحزاب من العمل وفق الدستور والقوانين، وبين كتل/ أجنحة، مجموعات وتيارات يمينية شعبوية متطرف، تعمل خارج عن القانون، وبشكل سري لتحقيق أهدافها. حيث يذكر أن الأحزاب اليمينية جميعها تسعى إلى النأي بنفسها عن العنصرية والتطرف.
ـ تهديد الأمن القومي:اعترفت أجهزة الاستخبارات الأوروبية، بأن خطر اليمين المتطرف، أصبح موازيا بل أكثر من تهديد الجماعات «الإسلاموية المتطرفة»، كونه يتغلغل في المجتمعات والمؤسسات الحكومية، ويحصل على «الشرعية»، أي الغطاء السياسي.
ـ التمترس القومي:إن جميع الأحزاب اليمينية، تتمترس تحت «القومية»والدولة القومية، التي ترفض قبول الهجرة، من خارج أوروبا، ولا تؤمن بالتعددية والتسامح ولا بالاندماج.
ـ شعار «وطنيون- أوروبيون»:هذا الشعار تشترك فيه أغلب الأحزاب والتيارات الشعبوية، التي تطالب بإلغاء الاتحاد الأوروبي والعودة إلى الدولة «الوطنية»، ورفض الأجانب.
ـ «التعصب القومي- النازية»:ترفع التيارات الشعبوية، ربما أكثر من الأحزاب السياسية، شعارات قومية ترجع إلى «النازية»والتعصب العرقي.
ـ تحشيد المظاهرات:تستغل الأحزاب اليمينية والتيارات الشعبوية، تورط بعض الأجانب في حوادث جنائية أو عمليات إرهابية، تدعو فيها إلى التجمع ورفع الشعارات ضد الأجانب والهجرة واللجوء، وخلالها تحصل التيارات على فرص أوسع للتعاطف والتجنيد.
ـ الأسرة:بعد أن كانت التيارات الشعبوية تركز على العناصر المهمشة، تبين في السنوات الأخيرة، أنها بدأت تستهدف العائلات التي تعيش ظروفا طبيعية، ومنها من تشغل مناصب حكومية جيدة.
ـ استهداف مؤسسات الأمن والدفاع، والمؤسسات الحكومية: كشفت التحقيقات في أغلب الدول الأوروبية، أن التيارات الشعبوية، جميعها تدفع عناصر إلى الالتحاق بمؤسسات الأمن والدفاع، من أجل الحصول على التدريب والخبرات والذخيرة، كذلك التغلغل داخل المؤسسات الحكومية، وتمنح التيارات الشعبوية فرصة الاطلاع على المعلومات، والبيانات للأشخاص والمعلومات المستهدفة.
ـ فبركة الأخبار، عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي:تستغل التيارات الشعبوية، الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بفبركة الأخبار، وتضخيمها خاصة عندما يتعلق الأمر بتورط الأجانب في عمليات جنائية أو إرهابية.
ـ نظرية المؤامرة وجائحة كورونا:روجت هذه الجماعات لنظرية المؤامرة، بأن «جائحة كورونا»هي «مؤامرة»من قبل الحكومات من أجل الضغط على حرياتهم الشخصية ومنع تحركاتهم.
ـ توحيد الجهود:تعمل الأحزاب السياسية خاصة، عبر أوروبا، إلى عقد المنتديات والاجتماعات، من أجل دعم بعضها الآخر، وطنيا وداخل البرلمان الأوروبي، وما شهدته انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019، عكس ذلك، بصعود الأحزاب اليمينية.
ـ إضعاف الأحزاب التقليدية: تسعى الأحزاب اليمينية المتطرفة، إلى إضعاف الأحزاب التقليدية، من خلال زج عناصر شابة داخل هذه الأحزاب التقليدية، تمثل قاعدة للأحزاب التقليدية، خاصة الأحزاب الاشتراكية أو المحافظة، الوسط، تقوم بالتصويت ضد قيادات تلك الأحزاب وترشيح عناصر شابة جديدة.
ـ تفكيك الاتحاد الأوروبي من الداخل:رفض التكتلات الأوروبية السياسية، وانتقاد ما يقوم به الاتحاد من سياسات داخلية وخارجية.
ـ استغلال الثغرات في برامج الحكومات:إن التيارات الشعبوية في الغالب لا يوجد لديها برامج سياسية واضحة، بل هي تقوم على استغلال نقاط الضعف والثغرات داخل برامج الحكومات.
مستقبل اليمين المتطرف في أوروبا
هناك تنامٍ إلى اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية داخل أوروبا، ومهما كانت هذه التيارات غرب أو شرق أوروبا، فهي تعتبر ألمانيا «حجر الزاوية»في تحركاتها وأنشطتها، حيث تعود بالشعوب الأوروبية، إلى فكرة ما قبل الحرب العالمية الثانية، ووهج «النازية»والتعصب القومي ومعاداة السامية والأجانب.
إن حجم توسع اليمين المتطرف داخل أوروبا الآن، هو خارج عن سيطرة الحكومات الأوروبية، تماما، فاليمين المتطرف في أوروبا «جبل من الجليد». اليمين المتطرف في توسع على مستوى «شعبوي»ومستوى سياسي، وهو خارج قدرات أجهزة الاستخبارات الأوروبية، وحكوماتها.
وتتجه الحكومات الأوروبية، في الغالب نحو اليمين، حتى أحزابالوسط المحافظة اتجهت نحو اليمين، وستتجه أكثر نحو أقصى اليمين، خلال السنوات الأربع القادمة. فمنذ عام 2015 وموجة الهجرة واللجوء التي ضربت أوروبا، واليمين المتطرف في تصاعد، على مستوى الطبقة السياسية وعلى مستوى الشارع.
المعالجات
ـ شهدت الأحزاب التقليدية، تغييرا في وسائل وأساليب عملها، وتعمل على إصلاحات داخلية أكثر تخص الشباب إلى جانب شرائح المجتمع الأخرى، بالتوازي مع اعتماد سياسات خارجية قائمة على تحقيق المكاسب الاقتصادية. ومن أجل سد الطريق أمام التيارات الشعبوية، تكون هناك برامج تعنى بالهجرة، مع تسليط الضوء على الجانب الإيجابي للمهاجرين، باعتبارهم أحد عوامل التنمية والبناء في المجتمعات.