هناك في لبنان من يدعو لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ظناً منه أنها قد تعدل في المشهد السياسي العام وتؤثر بشكل أو بآخر على مساراته. مع العلم أن من بين الداعين إلى تلك الانتخابات النيابية المبكرة من يتهم إيران باحتلال لبنان، ويعزو مشاكل البلد برمتها إلى ذراع نظام الملالي المسلح، حزب الله.
طبعاً في هذا الإطار هناك دعوة من رأس الكنيسة المارونية لعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، من أجل مساعدة لبنان على تخطي محنه المتعددة، لا سيما إنقاذه من السقوط، وحسم موضوع تعددية السلاح وحماية شرعيته، بما أنه لا حلول داخلية ممكنة باستطاعتها تحقيق تلك المطالب.
الجدير بالذكر أيضاً أن الانتخابات النيابية المبكرة لن تقوم إلا على قانون انتخابي طائفي، ومن الطبيعي أنها ستفرز نفس الوجوه والأحزاب بشكل عام وأن التغيير- إن جرى- سيكون على الأرجح داخل الطائفة المارونية، حيث يتحين حزب القوات اللبنانية الانقضاض على عشرة مقاعد تعود اليوم إلى تيار رئيس الجمهورية ميشال عون، حسب ما أعلن رئيس حزب القوات سمير جعجع.
يعوّل جعجع، المنادي الأول بإجراء انتخابات نيابية مبكرة ظاهرياً على التغيير في الأكثرية النيابية، من خلال إعادة إحياء تحالف القوات الاشتراكي، والمستقبل، كما كان إبان حراك 14 آذار، الذي أنشئ غداة الجريمة المروعة التي اغتالت رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري. هذا إذا حافظت تلك القوى على تمثيلها الشعبي في أية انتخابات قادمة.
والسؤال: إذا ما استطاعت تلك القوى الحفاظ على تمثيلها الشعبي أو زيادته، كما يتمنى جعجع، فهل تريد أو ترغب في إعادة الروح لهذا التحالف؟
حدوث هذا الأمر صعب جداً، أولا لتدهور العلاقة بين تيار المستقبل، والقوات، لأسباب كثيرة (قانون الانتخاب النيابية، والانتخابات الرئاسية.. إلخ) مما أدى إلى انعدام الثقة بين الطرفين بشكل نهائي.
أما وليد جنبلاط، فقد أصبح في مكان آخر يدعو إلى التسويات، ولو أتت لصالح الطرف الأقوى في لبنان، أي حزب الله، لأنه يتخوف من انفلات أمني أو حتى من حرب أهلية. وفي هذا الإطار لا يريد الرجل أية اصطفافات كما حصل في 14 آذار.
والسوال الأهم الذي يجب أن يطرح على صاحب المبادرة تلك: كيف يمكن لهذا التحالف- إن نشأ- أن يعدّل من المسارات السياسية، مع العلم أنه كان موجودا وأكثر تماسكا قبل انتخاب ميشال عون رئيسا، ولم يمنع حزب الله وحلفاءه من تعطيل كل جلسات انتخاب الرئيس حتى رضخ الجميع لإرادته وذهب لانتخاب مرشحه مرغماً، ولو أن اتفاق معراب الذي لم يصمد أشهراً بين الخصمين المارونيين كاد يوحي بغير ذلك. حتى في تأليف الحكومات، كيف استطاعت الأكثرية النيابية أن تمنع حزب الله من الحصول على الثلث المعطل أو من فرض تمثيل حلفائه من غير الطائفة الشيعية بالحكومات المتتالية منذ اتفاق الدوحة، أو منع فرض القانون الانتخابي الذي يناسبه وحلفاءه؟
هذا على الصعيد السياسي، أما على الصعيد العسكري والأمني، فهل منعت تلك الأكثرية النيابة- المعادية لحزب الله- عناصره من الذهاب للقتال في سوريا ونقل عتاده وسلاحه عبر حدود البلدين؟ أو منعت حزب الله من الذهاب إلى اليمن وتدريب الحوثيين على استعمال الطائرات المسيرة والمفخخة لمهاجمة المملكة العربية السعودية؟ هل منعت تلك الأكثرية عناصر حزب الله من قيادة القتال ضد داعش وجعل الجيش اللبناني ملحقا ومساندا له؟ هل استطاعت تلك الأكثرية النيابية منع إعادة تسليح حزب الله بشكل كمي ونوعي وأقامت معامل للصواريخ الذكية في أكثر من مكان في لبنان (إسرائيل تعترف بامتلاكه لها)؟ هل استطاعت تلك الأكثرية النيابية منع حزب الله من التهجم على دول الخليج ودعوة الشعوب فيها للانقلاب على حكامهم؟ قطعا لا، على كل ما سبق. حتى ثلاثية «الجيش- الشعب- المقاومة»التي أكدت عليها البيانات الحكومية منذ ما بعد السابع من مايو (أيار) لم تستطع حذفها منها.
ثم إن حصلت انتخابات نيابية مبكرة، فهل هناك من يعتقد أن الطائفة الشيعية بأكثريتها ستتخلى عن أحزابها وزعمائها، خاصة في ظل التوسل الأميركي للنظام الإيراني بإعادة العلاقات لما كانت عليه في عهد الرئيس أوباما والاستعداد لرفع بعض العقوبات، ما يؤدي إلى تعويم إيران مالياً وميليشياتها؟
ثم كيف يمكن لتغيير الوجوه البرلمانية في لبنان أو ميزان التمثيل داخل الطوائف أن يتغلب على مبدأ التسويات الذي يتبعه قادتها السياسيون؟ ألا ينقض هذا المبدأ أي تغيير ديمقراطي منشود، سواء كان على الصعيد الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي الذي يدعي صاحب نظرية الانتخابات النيابية المبكرة تحقيقه؟
ثم أليست الدعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة أو في وقتها، هي دعوة أساساً إلى شرعنة واقع الحال بما فيها حالة حزب الله؟ لأن من يعتقد أن حالة حزب الله تنحصر في موضوع السلاح هو واهم ومخطئ، إلا إذا كان المقصود من الانتخابات النيابية المبكرة تكريس واقع تغير الأكثرية عند بعض الطوائف واستبدال الأقوى عند تلك الطائفة بآخر، من دون المساس بموازين القوى، بشكل يديم التسوية التي تقضي بأن لا يتعدى أو ينقضّ الأقوى (حزب الله في هذه الحالة) على الأضعف (أي كل القوى الباقية) وأن يحترم بعضاً من خصوصيته ومطالبه، مقابل التسليم له بقوته وسيطرته على السياسة في البلاد؟