بيروت: انهيارات اقتصادية وسياسة وأمنية شهدها لبنان خلال السنوات الأخيرة، بينما لا يبدو أن أي ساكن سيتحرك في سبيل التغيير، حتى إن القيادات السياسية مستمرة في تبادل الاتهامات وتقاذف المسؤوليات، والمتضرر الوحيد هو الشعب اللبناني.
وقد كان لـ«المجلة» حوار خاص مع النائب في البرلمان اللبناني العميد شامل روكز، «الصهر المعارض للرئيس» الذي لطالما دعا إلى تشكيل حكومة «اختصاصيين» بعيدة عن المحاصصة السياسية... وإلى نص الحوار:
* كيف ترى اليوم الوضع في لبنان؟
- الوضع مأساوي على جميع الأصعدة، خصوصا بوجود سلطة حاكمة تحكم البلاد منذ زمن ومدة طويلة أي منذ عام 1990 إلى 2005 وحتى يومنا هذا نشهد على أسوأ مرحلة مر بها لبنان. ناهيك عن المحاصصة والزبائنية التي جعلت الفساد يعمّ في مؤسسات الدولة كافة وصولا إلى القضاء، حتى وصل الحال إلى ما نحن عليه اليوم من انهيارات مالية واقتصادية، وأصبحت مصلحة البلاد غير موجودة، ورغم الحرب الأهلية التي عاشها لبنان إلا أنهم لم يتعلموا شيئا منها، وأصبحت مؤسسات الدولة بقيادة وسيطرة زعماء الحرب ملوك الطوائف والأحزاب، كما أن إدارتهم تنحدر من خلافاتهم المذهبية وليس الوطنية، وبذلك تحول لبنان من دولة مؤسسات إلى دولة ميليشيات.
* هل سيشهد لبنان حرباً أهلية من جديد؟
- الطبقة السياسية لم تتعلم شيئا من الحرب الأهلية، بل على العكس؛ السيئ في الموضوع أن الزعامات السياسية هم من إنتاج الحرب الأهلية، وقد دخلوا في مؤسسات الدولة بطريقة الميليشيات ويتصرفون على هذا النحو.
لا أعتقد أن هناك حربا أهلية، الناس غير جاهزين فكريا لخوض حرب أهلية، وغير مستعدين لهذا الأمر، ولكن نتخوف من التشنجات السياسية والعصبية التي قد تؤدي إلى انفجارات داخلية في بعض المناطق بالإضافة إلى بعض الاغتيالات.
* الشارع اللبناني اليوم يشهد انهيارات اجتماعية واقتصادية، فهل بإمكان المؤسسة العسكرية ضبط الشارع؟ وهل بإمكانها التصدي لأي هجوم خارجي؟
- الجيش اللبناني اليوم أمام معاناة كبيرة، خاصة فيما يتعلق برواتبهم «المعاشات صارت بالأرض» وهذه مشكلة كبيرة بالطبع، معاشاتهم بالكاد تكفي تنقلاتهم من مكان خدمتهم إلى منازلهم، إمكانياتهم المادية لا تكفيهم للصرف على ذويهم في ظل الغلاء المعيشي الذي تشهده البلاد، وصرخة قائد الجيش أتت متأخرة جدا فيما يخص رواتب وحال عناصر الجيش اللبناني.
أما على الصعيد التقني فيوجد العديد من المعدات والمركبات والآليات تحتاج إلى صيانة وتغيير، الدولة تواجه مشكلة كبيرة على هذا النحو لأنها عاجزة عن تأمين كل هذه الأمور وإمكاناتها المادية غير كافية لدعم الجيش، وهذا يؤدي إلى إرباك معنوي في صفوف الجيش. ورغم هذه المشاكل يبقى الجيش الضمانة الوحيدة لحماية البلد، لأنه شعبوي وليس جيشا نظاميا لا ينتمي لفئة معينة من الطبقة الحاكمة وهو حاضن للشعب، وهو الوحيد الذي باستطاعته المحافظة على الاستقرار في البلاد.
أما فيما يخص التصدي للضربات الخارجية والداخلية التي من المحتمل أن تضرب لبنان في أي وقت، فالأجهزة الأمنية لديها معلومات ومعرفة بالخلايا النائمة والقادرة على معالجتها.
أما بالنسبة للاجتياح فلا أعتقد أننا أمام أي اجتياح إسرائيلي أو غيره وإن حصلت حرب خارجية فستكون حربا شاملة ولن تنحصر في منطقة معينة، لأن المستهدف الأساسي هو حزب الله ووجوده غير محصور في لبنان فقط، بل في سوريا حتى الحدود العراقية. وبذلك يتخطى الموضوع الحدود اللبنانية.
* هل برأيك هناك جهة معينة تحرك الشارع اللبناني اليوم في موضوع الثورة؟
- الثورة مسروقة بمكان معين، ولكنها موجودة في قلوب الناس وداخلهم، حتى الآن لم تعالج أي مشكلة من المشاكل التي يواجهها الناس، وحتى لم يتم حل أي من أمورهم ولم ينفذ مطلب واحد من مطالب الثورة من البداية حتى اليوم، بل على العكس تماما الوضع يزداد سوءا والبلاد تزداد انهيارا على جميع المستويات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والنقدية.
الطبقة السياسية الحالية هي من أوصلت لبنان إلى هذا الوضع، هي غير قادرة على حل أي من تلك الأمور. لذلك نحن بحاجة لطبقة سياسية جديدة ولدي إيمان بأن هذا البلد سيولد من جديد لأنه يتمتع بالإرادة. وأضيف: مع العلم بالفساد والسرقات والنهب، لكن محتويات وممتلكات الدولة من أراضٍ ومرافئ ومطارات قادرة على حل تلك المشاكل وتنفيذ المطالب، لكنهم لا يملكون رؤية للاستثمار أو هيكلة للنظام لتحسين الوضع النقدي لاستقطاب المستثمرين داخليا وخارجيا وإعادة الثقة في النظام المصرفي أمام الدول الخارجية، لذلك نحن بحاجة لحكومة فرسان أصحاب قرار وخبرة من اللبنانيين الموجودين داخل وخارج لبنان، وأن لا يكونوا من تابعية سياسية معينة. نحن بحاجة لدعم مؤسسات خارجية ولدول داعمة للبنان.
* في خطاب نصر الله الأخير صرح بأن حكومة التكنوقراط لن تقدم ولن تؤخر والحكومة السياسية هي الحل لوضع البلاد؟
- تكنوقراط «على الطريقة التي يفكر فيها»، أي حكومة مستشارين متحزبين أو مناصرين للأحزاب، ولكن التكنوقراط الذي نتحدث عنه هم أصحاب خبرات واختصاصيون، ويوجد العديد من الأسماء، على سبيل المثال: كارلوس غصن، سليم إده، سمير عساف، شخصية مالية دولية معروفة، فقد حققوا نجاحات على المستوى الاقتصادي والنقدي، ولهم علاقات مع جميع دول العالم، وحققوا إنجازات مهمة في حياتهم. وهؤلاء الأشخاص الذين نبحث عنهم وغيرهم كثر، إن كان في لبنان أو خارجه، لسنا بحاجة لأشخاص تأخذ قرارات من الآخرين وتنفذها.
* إذا تم التمديد للرئيس ميشال عون، كيف سيكون وضع البلاد؟
- لماذا نفكر بالتمديد؟! لا أحد يفكر بالتمديد، أنا أفكر في حكومة من اختصاصيين بصلاحيات استثنائية تستطيع القيام بنقلة نوعية بالاقتصاد وقانون انتخاب جديد يحاكي طموح الشعب اللبناني لتشكيل انتخابات نيابية سريعة لتشكل بعدها انتخابات رئاسية سريعة.
* هل ستفشل حكومة الرئيس الحريري؟
- ما الفرق بينها وبين الحكومة الحالية؟ مع احترامي لجميع الأسماء المطروحة، ولكن هذه الحكومة تريح مصلحة الرئيس الحريري وليس مصلحة الشعب اللبناني كما أن الحكومة التي طرحها رئيس الجمهورية تريح مصالحه فقط.
* من برأيك مؤهل لرئاسة الجمهورية بعد الرئيس عون؟
- هناك العديد من الشخصيات التي تتناسب ع هذا الموقع، وعليها أن تتمتع بالمسؤولية وأن لا تكون منخرطة في الجو العام السائد في الطبقة الحاكمة الحالية، لا أريد التدخل في موضوع الأسماء.
* بغض النظر عن علاقة القرابة بينك وبين رئيس الجمهورية، أليس وصوله إلى رئاسة الجمهورية، بعد أن كان رئيساً لتيار سياسي معين وتابعاً لجهة سياسية معينة، خطأ بحق لبنان؟
- المشكلة في لبنان أن الأحزاب مصنفة طائفيا ومذهبيا، منطق الحزب يأتي من الخلفية التي تناسبهم ويتجه المسار نحو الخطأ. الأحزاب هي من تدير البلاد والحزب الرابح يحصل على المناصب.
* هل يمكن لجبران باسيل أن يصبح رئيسا للجمهورية؟ وكيف هي علاقتك به؟
- لن أعلق على الأشخاص بشكل خاص، المنظومة السياسية منظومة مناحرات، عندما يتفقون يتحاصصون، وعند اختلافهم «بشلو البلد». في أي مشروع فيه محاصصة يتفق تلقائيا مع الفريق الثاني.
الظروف التي تأتي برئيس الجمهورية تكون داخلية وخارجية، في لبنان للأسف رئيس الجمهورية اللبنانية لا يكون صناعة وطنية.
علاقتي مع جبران باسيل عادية جدا «هو بشغلو وأنا بشغلي» لست في تكتل لبنان القوي في مجلس النواب ولا علاقة لي به.
* هل سيتغير الوضع بعد انتهاء ولاية العهد؟
- لن يتغير شيء.. إذا أكملنا بالتركيبة السياسية نفسها مصيرنا سيكون أسوأ مما نحن عليه اليوم.
* هل تطمح أن تكون رئيساً للجمهورية يوماً ما؟
- الموضوع لاعلاقة له بما أفكر فيه، بل بماذا تطلب الظروف، بالنسبة لي أي مسؤولية وطنية أستطيع خدمة الوطن من خلالها وخلال قدراتي سأكون جاهزاً لها.
هذه مسؤولية وطنية كبيرة وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان في الوقت الحالي. ولكن نترك هذا الأمر للظروف. المسؤولية صعبة جدا لكن لن تنحصر بشخص معين بل بالتركيبة ككل.
* هل ستترشح للانتخابات النيابية القادمة ومع من ستخوضها؟ هل سيكون الشعب واعيا في الانتخابات القادمة؟
- سأخوضها بجو شعبي بعيدا عن الأحزاب، لأنني أعتبر الأحزاب فاشلة دون استثناء.
أراهن على وعي الشعب، يجب أن نأتي بماكينة سياسية فعالة لتخليص البلد من الفساد. أنا متفائل جدا
* هل تثق في التحقيق الجنائي لوقف الفساد؟ وهل تؤمن بالمحاسبة؟
- يجب تسريع قانون العمل على إصلاح القضاء قبل التحقيق الجنائي، لخلق مؤسسة قضائية يرتكز عليها البلد، تحديث الإدارة مهم لإنهاء ووضع حد للمشاكل والتفلت الذي يحصل. والمحاسبة تبدأ من مصرف لبنان وصولا إلى المؤسسات والوزارات، على سبيل المثال وزارة الطاقة والاتصالات والأشغال التي شهدت هدرا وفسادا.
* هل انتهت المبادرة الفرنسية ولماذا لم تُعِرها الطبقة السياسية اهتماماً؟
- كل ما تكلمت به حتى الآن في موضوع الحكومة والإصلاحات هو من ضمن المبادرة الفرنسية. سبب رفض الطبقة السياسية لهذه المبادرة وعرقلتها هي أنها لا تناسبهم، وليست من مصلحتهم، بل يهمهم التكنوسياسية، لذلك أنا رافض حكومة الحريري.
* ما رأيك في مواقف البطريرك الراعي بمؤتمر الحياد؟
- هناك اختلاف بين الحياد والتحييد في مفهوم الدستور.
التحييد: هو مفهوم النأي بالنفس، من الداخل والخارج، أي التحييد عن المشاكل الخارجية، ولكن سنبقى مع القضية الفلسطينية وتبقى إسرائيل عدوتنا.
الحياد: من الخارج هو الموافقة من دول الخارج الحاضنة.. توافق على حيادنا، وأنا مع الحياد والتحييد.
* ماذا عن الدول العربية التي تطبّع مع إسرائيل؟
- نحن مع القضية الفلسطينية، بمواجهة إسرائيل ولكن ذلك لا يعني أن ندخل في حروب.
أنا لست مع الحرب! إذا اجتمعت الدول العربية جميعها للسلام مع إسرائيل علينا أيضا بالموضوع نفسه وأن قرار السلم والحرب يجب أن يكون بيد مجلس الوزراء بقيادة الجيش اللبناني على أن تكون استراتيجية الدفاع تحت غطاء الجيش اللبناني. في النهاية يجب المحافظة على بلادنا لنرى كيف تسير الأمور.
* ما رسالتك للبنانيين اليوم؟
- الوعي ثم الوعي... واختيار الناس الذين يمثلونكم ويحاكون طموحاتكم، واختيار مجلس نواب يمثلهم.. والتركيز على الوعي والإيمان والإرادة للتصدي لأي شيء يخفف من عزيمتهم.