الآثار والحلول

الآثار والحلول

[escenic_image id="555579"]

عندما بدأت الأزمة المالية العالمية تضرب منطقة الخليج، بدءاً من النصف الثاني من عام 2008، فقد تأثرت دول مجلس التعاون على نحو مختلف، ولأسباب بعضها مختلف وبعضها متشابه، ولكن حظيت دبي بحصة الأسد من التركيز الإعلامي، لاسيما على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وجاءت الكثير من المقالات والتقارير والتحقيقات سوداوية وقاتمة، وصوّرت المدينة وكأنها مدينة أشباح، بسبب عدد العاملين الذين فقدوا وظائفهم، وأن الآلف من السيارات تركت في شوارعها ومطارها، ومن المؤسف قراءة بعض التعليقات في مواقع الكترونية خليجية معروفة، اتسمت بالقسوة والتشفي وهذا في الواقع في غاية الغرابة على أخلاق وتقاليد المنطقة.

هل بالإمكان تشخيص ما حصل، ولماذا كانت الأزمة أشد تأثيراً على دبي قياساً بمدن ودول أخرى في المنطقة؟ هل ثمة بعض الحلول للتقليل من آثار الأزمة؟

في عام 2000، كانت الخطة الإستراتيجية لدبي تستهدف الوصول إلى ناتج محلي إجمالي GDP يصل إلى 30 مليار دولار في العام 2010، وقد تم تجاوز المبلغ المستهدف بأكثر من 23% ولكن في العام 2005 حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي 37 مليار دولار، أن فضل هذا الانجاز يعود الى حكومة دبي التي وفرت مناخ استثماري جذاب، وفي نفس الوقت عملت على تحسين تطوير الأداء الحكومي بشكل جدي والوصول به  الى مستوى الامتياز.

إن هذا الأداء ينسجم إلى حد كبير مع النموذج الذي تبنته دبي، وهو دعم القطاع الخاص وتوفير المناخ الاستثماري الملائم، وهذا الدعم لا يمكن توفيره ما لم يكون هناك جهاز حكومي كفوء، يوفر سرعة وكفاءة في إنجاز وتوفير متطلبات الأعمال للقطاع الخاص.

بالإضافة الى توفير الدعم  لشركاتها،  خصوصاً  تلك التي تمتلك فيها حصصا مسيطرة، أو حصصاً مهمة، كما أبدت الأجهزة الحكومية مرونة في إنجاح تجربة المناطق الحرة.

فهــل نحن أمام مشكلة نموذج؟ نظراً للدور المحوري الذي يقوم به الجهاز الحكومي من خلال دعم القطاع الخاص، وتنفيذ خطط الحكومة الإستراتيجية ، فأن التأكد من كفاءة أداء الجهاز الحكومي هو عملية مستمرة، وهذه تتضمن عملية مطولة وليست سهلة في قياس كفاءة الإدارات الحكومية، بشكل سنوي ضمن جائزة دبي للأداء الحكومي المتميز، حيث يتم بموجب هذه الجائزة تقييم أداء الإدارات الحكومية ، و مبادراتها ويقاس أداء تلك الإدارات أيضاً من وجهة نظر زبائنها ومراجعيها. إذن أين تكمن المشكلة ؟نحن لسنا أمام مشكلة رؤية ولسنا أمام مشكلة نموذج.

في الحقيقة أن كل دول مجلس التعاون تحاول تبني نموذج الدعم الحكومي لقطاع الأعمال الخاص، ولكن بأساليب مختلفة وضمن آليات مختلفة، ولذا نرى أن هناك أختلاف في النتائج . ولسنا هنا بصدد المقارنة أو إجراء تقييم مقارن، فربما نحتاج إلى مقالات متخصصة في هذا الموضوع.

إذا كان الإطار العام للنموذج واضحاً ومعرفاً وأثمر نتائج طيبة فيجب مراجعة التطبيقات. وهنا أود ان أُقسم الأداء الحكومي إلى أداء الإدارات الحكومية التابعة لحكومة دبي، وأداء الشركات التابعة للحكومة أي تلك التي تمتلك فيها الحكومة حصصاً مسيطرة.

لقد بدأ اتجاه الاعتماد على الاقتراض في التوسع و تنفيذ المشاريع منذ العام 2005، وعلى نحو واضح و هذه الظاهرة لم تكن في دبي فقط و انما على صعيد الامارات.

لقد أشارت اخر  الإحصاءات الصادرة عن صندوق النقد الدولي في شهر ابريل 2009 بأنَ معدل نمو الائتمان الحقيقي الخاص في الإمارات، على مدى السنوات الخمس الماضية كان بمعدل 32.5% سنوياَ.

وبدأت المشكلة عندما غادرت الإمارات سيولة ساخنة تتراوح بحدود 150-180 مليار درهم بحسب مصادر غير رسمية، لقد اعلن مصرف الإمارات المركزي عن خروج سيولة، و لكن لم يحدد حجمها كما لم يذكر متى دخلت ولماذا؟

في الحقيقة هناك احتمال كبير إنها دخلت على خلفية إشاعات حول احتمال فك ارتباط الدرهم بالدولار، ومحاولة الاستفادة من هذه العملية في حال حدوثها، وعند خروج هذه السيولة كان مشهد السوق في النصف الثاني كالآتي:

- نسبة قروض الى ودائع عالية تجاوزت 110% و في بعض المصارف وصلت الى اكثر من 145% ،و السبب هو التمادي في منح الائتمان بهدف تحقيق نسب نمو أرباح عالية.

- نسب مديونية عالية (نسب الديون الى الموجودات) لاسيما لدى الشركات التابعة لحكومة دبي، لقد بلغت نسب المديونية لشركتَي املاك وتموين 85% و 80% في نهاية الربع الثالث من عام 2008 وتم تعليق التداول على كلتا الشركتين في سوق دبي.

- إفراط في المعروض من الوحدات السكنية من قِبل مطورين عقاريين، و يتضمن ذلك "البيع على الخارطة" و ضعف البنية القانونية العقارية التي تحمي حقوق المستثمرين و المشترين، الأمر الذي أدى إلى خلق سوق وهمية مبنية على المضاربات، وفي بعض الحالات بإشراف الشركة المطورة.

عند خروج السيولة المشار اليها تكونت فجوة سيولة، ادت الى شلل عمليات الائتمان، لاسيما وان المصرف المركزي لم يقم بتعويض النقص مباشرة، و هذا الأمر  أدى الى إرباك بين المودعين، لم يهدأ إلا بعد صدور قرار ضمان الودائع والذي أعاد التوازن نسبيا في القطاع المصرفي.

استمرار نقص السيولة أوقف بشكل شبه كلي عمليات الإقراض و التمويل، ضمنها التمويل العقاري الذي أدى إلى توقف  شبه الكلي للمبيعات،  والى عدم قدرة المطورين على الإيفاء بسداد التزاماتهم للمصارف، التي اقترضوا منها و المقاولين الذين جمدت او تقلصت نشاطات العديد منهم، بسبب عدم حصولهم على دفعاتهم المتأخرة لدى المطورين، كل الشركات المرتبط نشاطها بالقطاع العقاري و قطاع التمويل وحتى القطاع المصرفي تأثرت بالتبعية وبدرجات متفاوتة.

لقد لجأت حكومة دبي إلى إصدار سندات لمدة خمسة سنوات تم شراء 10 مليار دولار من قبل المصرف المركزي، وهذا يمثل نصف الإصدار و لم يتم إصدار النصف الثاني من الإصدار لحد الان. كما ان ديون بعض الجهات الحكومية هي ديون تتعلق بالبنية التحتية مثل مشاريع الكهرباء والطرق والمطارات، وليس هناك مشكلة في تمويل أو إعادة جدولة ديون هذه المجموعة.

إن الديون التي تولدت من شركات تابعة لحكومة دبي، هي التي تشكل عبئاً على حكومة دبي وفي اعتقادي أن الدفعة الأولى من إصدار السندات، ستسهم في سداد التزامات شركات الحكومة مثل نخيل وأملاك وتمويل. ولا أعتقد ان سداد التزامات تلك الشركات، يخلو من شروط إضافية على تلك الشركات لكي تضمن الحكومة استثماراتها "الإجبارية" الإضافية، لكن الوضع الذي وصلت إليه تلك الشركات هو ناتج عن سوء التقدير والإفراط في الائتمان، وهذه أخطاء إستراتيجية، تتحملها إدارات تلك الشركات وليس الحكومة.

إن استمرار المصرف المركزي على ضخ سيولة في النظام المصرفي، وتقليل نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي للبنوك، حيث لا تزال نسبة القروض الى الودائع مرتفعة إذ بلغت 120% حسب تقرير الاستقرار المالي العالمي، الصادر من صندوق النقد الدولي في أبريل 2009.كما يجب ان يأخذ تطوير الأنظمة المتعلقة بقطاع العقارات، وبأشراف اللجنة الاقتصادية التي شكلت بعد الأزمة اللجنة،  باتخاذ خطوات جادة وسريعة لطمأنة المستثمرين، وحماية حقوقهم والمحافظة على سمعة دبي كوجهة استثمار جاذبة.

د.وضاح الطه - مدير الاستراتيجيات وتطوير الأعمال في اعمار للخدمات المالية.

font change