القاهرة: تكرار حالات الانتحار بين الأطفال في الفترة الأخيرة بسبب ممارسة الألعاب الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت، وآخرها العثور على طفلة في الحادية عشرة من عمرها مشنوقة داخل غرفة نومها، بحي المقطم في القاهرة، وتأكيد أسرة الضحية في التحقيقات الرسمية، أن الطفلة كانت تقضي أوقاتا طويلة في لعب «بابجي»، وأنها انتحرت بسبب تنفيذها تعليمات اللعبة الإلكترونية القاتلة.
هذا الأمر أثار جدلا بين المتخصصين في دراسة سلوك الطفل وحتى سن المراهقة، عن مدى تأثير ممارسة «بابجي»وأمثالها كـ«الحوت الأزرق»وغيرها، هذه التطبيقات التي تحتوي على ألعاب محتواها يدعو إلى العنف، ومشاهد القتل والدماء، على سلوك المراهق والطفل، خاصة مع غياب دور الأسرة والانشغال عن أبنائهم في هذه السن الخطيرة حيث تتشكل خلاله مكونات شخصيته المستقبلية.
أبحاث تكشف مدى خطورة الألعاب الإلكترونية على أجيال المستقبل
عدد من الدراسات التي أجرتها جامعات في دول كثيرة حول العالم، استقرت على أن الألعاب الإلكترونية لها تأثيرات سلبية على سلوك الطفل والمراهق من حيث انعكاس أساليب العنف والسلوكيات السلبية التي لا تنتمي إلى قيمنا الاجتماعية، وأن هذه التطبيقات الترفيهية تمثل خطرا على وجدان وفكر وسلوكيات الأطفال والمراهقين، وتعمل على تأخير استيعابهم للعالم الحقيقي المحيط بهم سواء في المنزل، أو في المدرسة، أو حتى في بيئتهم الاجتماعية، وأصبحت عائقا لتعلم الطفل والمراهق لبعض المهارات السلوكية الضرورية التي تحتاج إلى التركيز والتفسير والتحليل والمتابعة.
الباحثون في هذه الدراسات، وجدوا أن الألعاب الإلكترونية صنعت دوراً واضحاً للطفل والمراهق في كيفية تلقي المعلومة خلال فترات التعلم المبكر سواء من طرف الأبوين أو من طرف المدرسة أو المجتمع، وأفقدت الطفل والمراهق حقهما في أداء أدوار مهمة وفعالة في التواصل والاتصال أيضا مع الأقران في موضوعات متعددة تعليمية وتربوية، وشددوا على أهمية دور الأسرة والجهات ذات الاختصاص في التوجيه السليم والمساهمة المناسبة في التوعية ضد الأضرار السلبية الناتجة عن استخدام الألعاب الإلكترونية لفترات طويلة، وتأثيرها الواضح على سلوكيات الطفل والمراهق، والتي يمكن استبدالها بالتعليم والترفيه الإلكتروني المفيد لبناء أجيال نافعة لمجتمعاتهم.
الصحة تحذر من خطورتها على عقول النشء
تعليقاً على مدى خطورة هذه الألعاب الإلكترونية على الأطفال والمراهقين، قالت مسؤولة بوزارة الصحة والسكان المصرية، الدكتورة ولاء حسني، إن الألعاب الإلكترونية تتسبب في إدمان حقيقي لدى المراهقين والأطفال وله انسحابات لا تقل خطورة عن إدمان المخدرات، مشيرة إلى أنه خلال العشر سنوات الأخيرة زادت بشكل كبير الألعاب الإلكترونية وتزايد استخدامها بين الشباب خاصة المراهقين والأطفال وبشكل خاص العام الأخير بسبب انتشار جائحة كورونا وبقاء الشباب والأطفال في المنازل.
وأكدت المسؤولة بوزارة الصحة والسكان المصرية، أن هذه الألعاب سببت حالة إدمان حقيقية للمراهقين والأطفال على الألعاب الإلكترونية، وهي ألعاب تؤثر بشكل جدي على الصحة النفسية وتسبب حالات توتر وقلق واكتئاب، إضافة إلى تنمية العنف حيث يصبح العنف شيئا عاديا في الحياة الواقعية خاصة مع الاندماج في الألعاب الخطرة مثل «بابجي»والتي تعتمد على العنف ويشارك فيها لاعبون مجهولون من جنسيات وثقافات وأعمار مختلفة.
وأضافت أن مدمني هذه الألعاب تتزايد لديهم سلوكيات العنف وانهيار القيم الأخلاقية وضعف التواصل الاجتماعي بسبب البقاء في الغرف لفترات طويلة وعدم التواصل والانعزال لفترات طويلة وتحقيق نجاح على الفضاء الإلكتروني قد لا يستطيعون تحقيقه في الواقع خاصة إذا كانت ألعابا تتعلق بالمال، مشيرة إلى أنه لا يمكن منع أو حجب التكنولوجيا ولكن هناك ألعابا إلكترونية مفيدة وتعمل على تنمية الذكاء والفكر لدى الأطفال والشباب وهنا يأتي دور الأسرة في التوعية والمراقبة.
تحرك برلماني للحد من خطورة هذه الألعاب
في سياق متصل، تقدمت النائبة بمجلس النواب المصري، سوسن حسني حافظ، بطلب إحاطة لوزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، المهندس عمرو طلعت، بشأن لعبة بابجي، التي تنتشر بشكل واسع بين الشباب والمراهقين، وقالت في طلبها إن مثل هذه الألعاب تؤثر على سلوك الأطفال والمراهقين بشكل كبير، وتتسبب في اكتساب صفات عنيفة في شخصيتهم، نتيجة مشاهد ومحتوى العنف الموجود باللعبة، ما يمكن أن يتسبب في تحول هؤلاء اللاعبين في تلك الأعمار لمجرمين يرتكبون جرائم قتل أو الشروع في القتل.
وأكدت عضوة مجلس النواب، أن هذا النوع من الألعاب يعتبر ضمن الحروب الإلكترونية التي يزرعها الغرب كجزء من الحروب الناعمة التي تستهدف الأطفال، لخلق جيل جديد يفتقد الثقافة والفكر، محذرة من تأثير هذه اللعبة على تحول اللاعب لشخص كسول، لأنه يضطر للجلوس أوقاتا طويلة في مكانه للعب، ما يؤثر بطبيعة الحال على الصحة واللياقة البدنية لهؤلاء الشباب.
وطالبت النائبة في طلب الإحاطة، بضرورة حظر هذه الألعاب، لآثارها السلبية على الأطفال، سواء فكريا أو علميا، بخلاف تأثيرها على الصحة العامة لديهم بشكل سيدمر الأجيال الحالية والقادمة، مشيرة إلى فتوى قسم متابعة وسائل الإعلام بمركز الأزهر للفتوى الإلكترونية، بشأن تحريم ارتكاب أي شيء يهدد حياة وسلامة الأجساد، وخطورة هذه الألعاب على الفرد والمجتمع.
أستاذ صحة نفسية يضع روشته للعلاج
من جانبه، قال أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة القاهرة، الدكتور طه أبو حسين، إن الألعاب في الأساس هي وسيلة للترفية، ولكن كونها تتحول إلى أداة تتسبب في القتل والعنف، يرجع إلى ما تحتويه هذه الألعاب من وسائل تجذب الطفل لها وتجعله يفقد إدراكه للواقع المحيط به، ويستغرق بكل حواسه داخل اللعبة وتفاصيلها، لدرجة أنها تجعله ينفذ بعض تعليمات اللعبة وقواعدها على نفسه.
وأكد أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة القاهرة، أن هذه الألعاب لها تأثير سلبي على الصحة النفسية والعضوية بشكل كبير، قد تصل إلى أضرار عضوية بسبب طول الوقت الذي يمارس فيه مثل هذه الألعاب، كما أنها تجعل من الطفل والمراهق شخص انطوائي وبعيد عن أي نشاط مجتمعي، وهذا ينعكس بالطبع على سلوكه، وجهازه العصبي.
ويرى أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة القاهرة أن الحل ليس في منع هذه الألعاب، ولكن العلاج يكون بمحاولة ترسيخ بعض القيم والعادات الاجتماعية، التي بدأت تتلاشى من مجتمعاتنا الشرقية، مثل زيارات الأقارب والتواصل مع الحلقات الاجتماعية المحيطة من أصدقاء وما شابه، وتوزيع طاقة الطفل على بعض النشاطات المختلفة مثل ممارسة الرياضة والمذاكرة، والنشاطات اليومية.
حكايات من داخل السجلات الرسمية
على جانب آخر، سجلت ملفات قضايا بمحاكم الأسرة وأقسام الشرطة، عددا من الحكايات المأساوية التي تسببت فيها الألعاب الإلكترونية، ففي محكمة الأسرة بالتجمع الخامس في القاهرة، أقام زوج في العقد الرابع من عمره، دعوى قضائية ضد زوجته لتطليقها بسبب ما وقع عليه من ضرر مادي ومعنوي، قائلاً في الدعوى: «إنها أنفقت أمواله على لعبة بابجي لمدة عام ونصف».
وفي محافظة الشرقية، أقدم طفل يبلغ من العمر 11 عامًا على الانتحار شنقا في منزل أسرته، بعد أن عنفته أسرته بسبب الإكثار من ممارسة اللعبة، وتكررت مثل هذه الواقعة في الهند، بعد أن قرر مراهق هندي عمره 16 عامًا الامتناع عن الطعام والشراب مما تسبب في وفاته بالسكتة القلبية بعد إصابته بجفاف شديد نتيجة انغماسه في اللعبة لدرجه أنه ترك وجبات الطعام لعدة أيام وامتنع عن شرب الماء.