تستحوذ الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان على الاهتمام الأكبر في ظل التطورات السياسية في البلاد. وقبيل الاجتماع الثامن عشر لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، وفي ظل تسريبات عن أجواء إيجابية بقرب تشكيل الحكومة، انخفض سعر صرف الدولار في السوق السوداء، ثم وبمجرد الإعلان عن فشل الاجتماع، عاد سعر الصرف للارتفاع إلى مستويات قياسية.
هذا التذبذب في سعر الصرف طرح العديد من علامات الاستفهام، «المجلة» التقت المحلل الاقتصادي بيار الخوري في محاولة للإجابة عنها، وإليكم نص الحوار:
* ما هو سبب تقلبات سعر صرف الدولار بسرعة قياسية صعوداً وهبوطاً؟
- ليس هناك أي اقتصاد في العالم يعكس نفسه بسعر صرف متذبذب بمعدل 40 في المائة، بمعنى أن انخفاض أو ارتفاع سعر الصرف بهذه النسبة الكبيرة كل يوم غير مبني على حقائق اقتصادية علمية وإنما هو تقلب اصطناعي لا يُعبر عن الاتجاهات الاقتصادية في البلاد. ففي علم الاقتصاد، يمكن أن ينهار اقتصاد بلد معين أو عملة معينة ولكن ذلك يحدوث باتجاه واحد، ولا يمكن أن يصعد بهذا المستوى العالي ومن ثم ينخفض بنفس المستوى، لذا يمكن الاستنتاج بأن ما يجري له أبعاد سياسية وتديره مراكز مالية داخلية محترفة تُرسل من خلاله رسائل وضغوط سياسية.
* كيف سينعكس تعثر تأليف الحكومة على سعر الصرف؟
- عدم تشكيل الحكومة ووجود حكومات المحاصصة هو عنصر «تأزيم». فلو ذهبنا باتجاه تشكيل حكومة قد لا يعني ذلك انفراج الأزمة الاقتصادية لأن نفس الطبقة السياسية هي التي تؤلف الحكومة، إلا أنها قد تقدم إشارات إيجابية للوضع النقدي. ووفقاً لتقديري، فإن سعر الصرف يجب أن يستقر بين 7 و8 آلاف ليرة، وهناك قوى سياسية ذات ثقل باستطاعتها إيصاله إلى هذه الحدود.
* هل بات قرار رفع الدعم عن السلع الأساسية محسوماً أم أن لدى المصرف المركزي خيارات أخرى؟
- في حال لم نتجه نحو تطبيق البطاقة الذكية، فنحن مستمرون بسياسة استنزاف احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة، حيث بات معلوماً أن جزءا كبيرا من المواد المدعومة يتم تهريبها إلى الخارج. فالبطاقة الذكية تحدد مدخول المواطن وكمية ونوع الدعم الذي يحتاجه وهذا ما يمنع التهريب من جهة ويخفض كلفة الدعم من جهة أخرى. إلا أن عدم تطبيق هذه الآلية يهدف إلى الحفاظ على مصالح الوكلاء المرتبطة بالسلطة النقدية والمصارف والسلطة السياسية.
* ما هو مستقبل الأزمة النقدية والاقتصادية في البلاد؟
- يجب الأخذ بعين الاعتبار مجموعة من التغييرات التي حدثت خلال العامين الماضيين والتي غيرت من هيكلية الاقتصاد اللبناني. فاقتصاد العقارات والمطاعم والمصارف وغيرها من الخدمات التي اشتهر لبنان بها سيتراجع إلى درجة ثانوية وسيتقدم الاقتصاد الصغير.
اللبناني كان يعيش في ظل نظام اقتصادي معظم الأموال فيه يُعاد دفعها كأصل قروض أو فوائد للقطاع المصرفي أو ضرائب غير مباشرة، لكن الأزمة أدت إلى تراجع التحصيل الضريبي، وكذلك التوقف عن سداد القروض بحيث انخفضت قيمتها الحقيقية، وهذا بدوره ساعد المواطن على التعايش مع الأزمة.
الشعب اللبناني بدأ بالتفكير في أن يكون مرناً بإنتاجه والابتعاد عن فكرة الوظيفة الرسمية التي باتت معاشاتها محدودة.
ورغم قسوة الأزمة، إلا أن كل هذه العوامل قد يكون لها جانب إيجابي، فالشعب اللبناني شعر بصدمة إنتاجية، لذلك ثمة فرصة تبرز بتحريك خلايا الشباب والناس بالبحث عن عمل وإنتاجية أفضل، وقد بات الدولار عملة ادخار وليس عملة إنفاق كما كانت سابقاً.