لندن: «الأم اليهودية»صورة نمطية شائعة جداً في الولايات المتحدة، فهي تعبر عن الأم المتسلطة واللجوجة التي تشعر أولادها بالذنب. تريد من أبنائها أن يصبحوا محامين وتريد من بناتها أن يتزوجن أطباء.
وغالباً ما تكون هذه الشخصية شائعة في البرامج التلفزيونية والأفلام والكتب. وغالبا ما يفترض أنها تمثل كل النساء اليهوديات، ولكن صورة هذه الأم محدودة للأمهات الأشكناز من أصل أميركي في القرن العشرين ولا تجسد شخصية النساء اليهوديات في المطلق.
ويشير مصطلح أشكنازي إلى التقاليد اليهودية التي نشأت في ألمانيا وأوروبا الشرقية منذ مئات السنين مقارنةً بالجاليات اليهودية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تعود نشأتها إلى آلاف السنين.
تطمح الأم اليهودية لكي تكون «المرأة المثالية اليهودية»أو السيدة الفاضلة
وبحلول عشية الحرب العالمية الثانية، عندما كان عدد سكان العالم العربي أقل بكثير مما هو عليه اليوم، عاش ما يقرب من 850 ألف يهودي من السكان الأصليين للمنطقة هناك وهذا ليس معروفا على نطاقٍ واسع. ينحدر معظم اليهود في الولايات المتحدة الأميركية من المهاجرين الأشكناز الذين وصلو إلى أميركا حوالي مطلع القرن العشرين.
ولا تمثل صور الأمهات اليهوديات جميع النسوة اليهوديات إذ غالباً ما تكون هذه الصور خاصة بثقافة ما. ففي إسرائيل حيث تنحدر أصول معظم اليهود من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعرف الأم اليهودية بـ«الأم البولندية». ولا يمثل تعريف الأم المتسلطة واللجوجة التي لا تتدخل في شؤون أولادها أيا من تقاليد اليهود بل يعتبر مأخوذاً من تقاليد الغرب.
تعتقد الكاتبة الأميركية مارغوري إنغال، مؤلفة كتاب «الأم تعرف أكثر: ما تفعله الأمهات اليهوديات لتربية أطفال ناجحين ومبدعين وعطوفين ومستقلين»، أن الأمهات اليهوديات في الواقع «يعززن استقلالية أولادهن وانضباطهم، ويزرعن فيهم العطف، وأكدت على تعليمهم ويحافظن على روح الدعابة لديهم».
وبالتالي الفكرة النمطية السلبية عن الأمهات اليهوديات كانت في الواقع انعكاساً لصفاتهن الإيجابية. فالأم الكبرى للشعب اليهودي، راحيل، تحظى بالتوقير بسبب إيثارها. وتعتبر الرمز المطلق للأم لأنها ضحت بسعادتها من أجل الآخرين.
وتطمح الأمهات اليهوديات لتكنَّ «المرأة المثالية اليهودية»أو السيدة الفاضلة كما توصف في الإصحاح 31 من سفر الأمثال في العهد القديم، الذي عادةً ما يقرأه الرجال لزوجاتهم.
«امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ. بها يثق قلب زوجها فلا يحتاج إلى غنيمة. تصنع له خيراً لا شراً كل أيام حياتها... تبسط كفيها للفقير وتمد يديها إلى المسكين... العز والبهاء لباسها وتضحك على الزمن الآتي. تفتح فمها بالحكمة وفي لسانها سنة المعروف... يقوم أولادها ويطوبونها. زوجها أيضا يمدحها: بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقتهن جميعاً... الحسن غش والجمال باطل. أما المرأة المتقية الرب فهي تمدح... أعطوها من ثمر يديها ولتمدحها أعمالها في الأبواب».
وبالرغم من أن المرأة لم تحظ عبر التاريخ بفرص وخيارات كثيرة للعمل خارج المنزل، فإن اليهوديات يمتلكن سلطات هائلة داخل الأسرة. وقد ساهمت هذه السلطة في النظر إلى المرأة اليهودية في الولايات المتحدة على أنها امرأة جبارة. وفعلياً حتى مسألة تحديد من يكون يهوديا ومن لا يكون يهوديا، وفق الشريعة اليهودية، تبدأ من الأم وليس الأب.
وفي الشريعة اليهودية، يصبح الطفل المولود لأم يهودية يهوديا ودائماً ما يبقى يهوديا حتى لو قرر هذا الطفل تغيير دينه لاحقاً.ويقول البروفسور شاي كوهين من جامعة هارفارد ومؤلف كتاب «بدايات اليهودية»إن هذا القانون صدر في القرن الثاني أو الثالث مماثلاً للقانون الروماني القديم الذي يحدد جنسية الطفل بناء على جنسية الأم. (وتقبل اليوم بعض الطوائف اليهودية الإصلاحية والليبرالية الأخرى النسب الأبوي أيضاً طالما يتربى الطفل في منزلٍ يهودي ولكن الموقف ما زال مثيراً للجدل).
لا تمثل صور الأمهات اليهوديات جميع النسوة اليهوديات؛ إذ غالباً ما تكون هذه الصور خاصة بثقافة ما
ولأن الشعب اليهودي دائم الهجرة ومن الشعوب المشتتة التي غالباً ما تكون ممنوعة من تملك أراضٍ خاصة فإنهم يعطون قيمة عالية للعائلة والتعليم والأموال المتنقلة، لذلك فإن الأمهات، اللاتي يتصدرن العمل على تربية الأطفال وإقامة البيت، لهن الأهمية القصوى. وتعتبر الأمهات الدعامة الأساسية للمنزل ولذلك هن مسؤولات عن السلام المنزلي. ومن واجباتهن المحافظة على الغذاء السليم في المنزل من خلال التأكد من أن الطعام المعد حلال، بمعنى أنه يمنع استهلاك لحوم أنواع معينة من الحيوانات وخلط أنواع من الأجبان والألبان مع اللحوم بالإضافة إلى اتباع قوانين أخرى مهمة. ويُنتظر من كل النساء اليهوديات الالتزام بالقوانين المتعلقة بالحياء إلا أن النساء المتزوجات هن من يؤمرن بتغطية شعرهن لأن كتاب سفر التكوين ذكر أن ريبيكا غطت شعرها أول مرةٍ عندما رأت زوجها. وتعلن الأمهات كل يوم جمعة ليلاً بداية السبت من خلال إقامة الصلوات وإضاءة الشموع كما كانت تفعل الأم الكبرى سارة منذ آلاف السنين، وتعلم الأمهات بناتهن القيام بهذه العادات.ومن تقاليد هذه الليلة أيضاً دفع صدقة، وبالتالي تعليم أولادهن الكرم وضرورة الاهتمام بالمجتمع.
لم يتبق سوى سجلات قليلة لحياة اليهوديات اليومية قبل القرن العشرين، لذلك من الصعب تحديد ما كن يمارسنه من عادات يومية مقارنة بالعادات المعاصرة، إلا أن مثالاً مذهلاً بقي من كل هذه الفترة الزمنية. يوضح كتاب «مذكرات غلوكل من هاملن»، الذي يحتوي على يوميات امرأة يهودية من القرن السابع عشر، أن القيم اليهودية ظلت ثابتة بشكل ملحوظ. كانت غلوكل أرملة في عمر 44 عاماً، وأما لأربعة عشر ولداً، وكانت تدير عملاً بعد وفاة زوجها. كانت تشرف على أعمال المنزل وتشارك في مجتمعها. لم تكن مواصفات الأم اليهودية السلبية وفقا لتصور الغرب تنطبق عليها، باستثناء أنها كانت تشعر بالقلق لتأمين مستقبل أولادها. وعلى الرغم من أنها عاشت في عصر قديمٍ جداً إلا أن غلوكل لديها الكثير من القواسم المشتركة مع الأم اليهودية المعاصرة في جميع أنحاء العالم.