تل أبيب: يطرح خلال الأيام القليلة قبل الانتخابات البرلمانية في إسرائيل سؤال المليون:
هل ستتحقق توقعات الكثيرين في فشل حصول أي من الكتلتين يسار الوسط، واليمين على أغلبية تضمن تشكيل حكومة؟
وتساؤلات عدة: هل سيستيقظ الإسرائيليون صباح الأربعاء، 24 مارس (آذار) على نتائج تضع حدا للأزمة السياسية التي تعيشها إسرائيل منذ عامين، في ظل عدم القدرة على تشكيل حكومة واضطرارها إلى التوجه لانتخابات رابعة، أم سيتحول القلق الذي ينتاب الكثيرين هذه الأيام، إلى حقيقة ويبقى الباب مفتوحا لإمكانية انتخابات خامسة، وهي من دون شك وضعية تشكل ضربة لإسرائيل داخليا من عدة جوانب، بالأساس السياسية والاقتصادية، وخارجيا تشكل ضربة لمكانتها وصورتها في العالم برمته.
يبلغ عدد أصحاب حق الاقتراع حوالي 6 ملايين ناخب، بينهم القدس الشرقية والجولان. والواضح حتى اللحظة أن المعركة على مستقبل يسار الوسط ستكون قاسية، بما لم تشهده من قبل. فكتلة يسار الوسط ما زالت في خطر حقيقي ونسبة عالية من مؤيدي حل الدولتين، انتقلوا من اليسار إلى حزبي اليمين الكبيرين برئاسة أفيغدور ليبرمان وجدعون ساعر، وسيمنحون أغلبية لليمين.
هذا ما تبينه استطلاعات الرأي وكل نتيجة أو معطى يبقى ضمن علامة سؤال كبيرة، خصوصا أن نشطاء أحزاب اليمين مارسوا في السابق أسلوبا خاصا في التعاطي مع استطلاعات الرأي، بحيث يعرّفون أنفسهم كداعمين لليسار لكنهم سيصوتون لليمين بعد خيبة أملهم من هذه الأحزاب.
* حزب ميرتس اليساري يخوض الانتخابات بحالة وهن وتراجع وخيبة أمل كبيرة من ناخبيه
حزب ميرتس اليساري يخوض هذه الانتخابات بحالة وهن وتراجع وخيبة أمل كبيرة من ناخبيه، مما يشكل خطرا عليه وعلى قدرته على تجاوز نسبة الحسم. لكن قيادة هذا الحزب تواصل نشاطها الانتخابي بقناعة أن داعمي ميرتس لن يخذلوه. ليس هذا فحسب، بل إن رئيس الحزب، نيتسان هوروفيتس، استبق الأحداث وجميع رؤساء الأحزاب وراح يعلن أن حزبه سيوصي بإلقاء مهمة تشكيل الحكومة المقبلة، على رئيس حزب يوجد مستقبل، يائير لبيد، علما أن لبيد امتنع عن الإعلان عن نفسه كمرشح لرئاسة الحكومة.
وأكثر من هذا، فقد حاول هوروفيتس بث أمل كبير لخائبي الأمل من حزبه وراح يحاور متصفحين في الشبكات الاجتماعية، لإقناعهم بأهمية التصويت. وضمن من قال إنه يرى لبيد رئيسا للحزب الأكبر في الكتلة وصاحب الفرصة الأكبر لتشكيل الحكومة. وبحسب أقواله «في هذه الحكومة سنطالب بالحصول على وزارة التربية والتعليم. نريد حكومة تكون نواتها أحزاب يسار الوسط. نحن نفهم أن هذا غير كاف، ولا نستبعد ضم أحزاب من الطرف الثاني. الاختيار بين حكومة برئاسة نتنياهو مع الأصوليين ومؤيدي كهانا أو حكومة مختلفة هو اختيار غير بسيط».
هذا الأمل بعيد بعض الشيء عن الحقيقة التي تظهر حتى الآن، بحسب تقدير هوروفيتس إذا لم يتمكن بنيامين نتنياهو من تشكيل الائتلاف فسيكون لميرتس دور هام في تشكيل الحكومة المقبلة.
ربما أمل زعيم ميرتس نابع من نتائج استطلاع رأي بيّن أن الكثيرين ممن ينوون التصويت لأحزاب اليمين يتماهون مع مواقف يسار الوسط، لكنهم يريدون استبدال نتنياهو؛ إذ تبين في هذا الاستطلاع أن 53 في المائة من مصوتي حزب إسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان و44 في المائة من مصوتي حزب أمل جديد برئاسة جدعون ساعر يؤيدون حل الدولتين. كما فضّل 23 في المائة من ناخبي حزب يمينا حل الدولتين على حل الدولة الواحدة.
زعيم حزب ميرتس توقع أن يجذب داعمي حل الدولتين من اليمين إلى يائير لبيد. لكن، وكما هو معروف في السياسة الإسرائيلية وتاريخ أحزاب اليمين فإن قواعد اللعب لتشكيل الحكومة تختلف، وهناك أفضليات كثيرة تفوق الحل السياسي المتعلق بالقضية الفلسطينية، خصوصا أنها غير مطروحة في هذه الحملة الانتخابية بقوة ولا تتصدر أجندة الأحزاب المتنافسة.
تطبيق «الديمقراطي» لرفع نسبة الحسم... والنتيجة لصالح نتنياهو
تسعى جميع الأحزاب المتنافسة إلى جلب أكبر عدد من ناخبيها إلى صناديق الاقتراع، في ظل احتدام المعركة الانتخابية والمنافسة القوية، ليس فقط حول برنامج وتطلعات كل حزب أو كتلة إنما أيضا حول نسبة التصويت الأعلى بين ناخبي كل حزب.
حتى الاستطلاع الأخير، قبل كتابة هذه السطور، هناك نتائج غير متقاربة في نسبة رافضي التصويت وهناك آراء متباينة بين المسؤولين الناشطين في جمعيات ومراكز مهتمة بالانتخابات.
بروفسورة تمار هيرمان، من مركز فيطربي لأبحاث الرأي العام والسياسة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية تقول إن «معظم الناخبين يعلنون أنهم سيصوتون، ولكن هذا غير مؤكد، ولا يوجد لدينا أي مؤشر على اللامبالاة وإدارة الظهر». وأضافت أن هناك من يتوقع أن يكون عدد المصوتين أعلى مما كان في الانتخابات الأخيرة بسبب رحلات الطيران إلى الخارج في فترة وباء كورونا».
وفي مقابل هذا الحديث يرى يايا بينك، المدير العام لجمعية «طريقنا»، التي تشكلت بعد انتخابات عام 2015 أن «هناك يأس بصورة نسبية من النظام السياسي والسياسيين. ويترجم هذا في انخفاض نسبة التصويت. نحن نرى أعدادا أكثر من أصحاب حق الاقتراع يفكرون في عدم التصويت وناخبين لم يقرروا بعد».
وفي محاولة لرفع نسبة التصويت أطلقت جمعية «طريقنا» تطبيقا جديدا باسم «الديمقراطي»، الذي سيمكن كل من يقوم بتنزيله، دون صلة بموقفه السياسي، من إرسال بيان حث الأشخاص الذين له اتصال معهم في يوم الانتخابات، وحتى تشجيعهم على التطوع في الصناديق. ويقول بينك: «سيتم إرسال ربع مليون بيان طوال 24 ساعة يوم الانتخابات. شعار الحملة سيكون: 75 في المائة نسبة تصويت وإسرائيل ستبقى ديمقراطية».
وحول أبعاد نسبة التصويت المرتفعة، قالت بروفسورة هيرمان من مركز فيطربي: «جميع الأحزاب الصغيرة لن تكون مسرورة إذا كانت نسبة التصويت مرتفعة. حيث يمكن لنسبة عالية من المصوتين القضاء على الأحزاب الصغيرة التي تتأرجح حول نسبة الحسم»، وأضافت: «كلما كانت نسبة التصويت مرتفعة، فإن الأحزاب الصغيرة ستضطر إلى تجنيد مؤيدين أكثر من أجل اجتياز نسبة الحسم».
منذ الحملة الانتخابية الأخيرة أضيف إلى سجل الناخبين 102 ألف ناخب جديد. 17 في المائة منهم سيأتون من البلدات العربية، و11 في المائة يعتبرون مصوتين أصوليين. وفي الجولات الانتخابية الثلاث الأخيرة ارتفع عدد المصوتين باستمرار، من 68.5 في المائة في أبريل (نيسان) 2019 إلى 71.5 في المائة في جولة الانتخابات الأخيرة.
* في الوسط العربي، بين فلسطينيي 48، هناك لا مبالاة مشوبة بخيبة أمل، خصوصا بعد انسحاب القائمة العربية الموحدة ودعمها لنتنياهو
صورة ضبابية... يأس وفقدان ثقة
بحسب المطلعين على استطلاعات الرأي توجد في أحزاب يسار الوسط نسبة عالية من مؤيديها أعلنوا عن يأسهم وفقدان الثقة، بعد انضمام حزب أزرق- أبيض، برئاسة بيني غانتس ورئيس حزب العمل في حينه (قبل انتخاب بديل عنه)، عمير بيرتس، إلى حكومة نتنياهو وخرقهما وعودهما للناخب. في هذه المرة أيضا لا يوجد صراع متكافئ على رئاسة الحكومة، وهي عملية حركت عددا غير قليل من المصوتين في الجولات الانتخابية السابقة.
كما أن الخوف من كورونا يمكن أن يبعد عشرات آلاف المصوتين الآخرين عن صناديق الاقتراع، بينهم المرضى والمحجورون ومواطنون من المجموعات الأكثر عرضة للخطر، الذين سيفضلون الامتناع عن الاكتظاظ عند صناديق الاقتراع.
في الوسط العربي، بين فلسطينيي 48، هناك لا مبالاة مشوبة بخيبة أمل، خصوصا بعد انسحاب القائمة العربية الموحدة (الإسلامية) ودعمها نتنياهو. فاستطلاعات الرأي تشير إلى حصول المشتركة بمركباتها الثلاثة (الجبهة الديمقراطية للسلام والمساوة، والتجمع، والعربية للتغيير)، على ثمانية إلى تسعة مقاعد ومعظم الاستطلاعات تشير إلى احتمال عدم تجاوز العربية الموحدة (الإسلامية) نسبة الحسم، في مقابل 15 مقعدا في الانتخابات الأخيرة، وهذا يدل على تراجع كبير في قوة العرب.
في شهر فبراير (شباط) الماضي بلور عدد من الخبراء تصورا للوضع جاء فيه أن نسبة التصويت في المجتمع العربي ستكون، في هذه الانتخابات، أقل من 60 في المائة (الاستطلاعات تتنبأ بـ52 – 56 في المائة)، بينما أدلى في انتخابات الكنيست الـ23 حوالي 65 في المائة من العرب بأصواتهم، وهي نسبة تشكل ارتفاعا كبيرا مقارنة بانتخابات الكنيست الـ22، حيث صوت في حينه 59 في المائة من العرب. قبل ذلك، في أبريل (نيسان) 2019، الانقسام في القائمة المشتركة خفض نسبة التصويت إلى 49 في المائة.
وفي هذه الانتخابات تشير الاستطلاعات إلى حصول حزب الليكود على مقعدين إلى ثلاثة من الوسط العربي، وبذلك يشكل العرب داعمو الليكود حبل نجاة لنتنياهو. حزب ميرتس، اليساري، سيجد صعوبة في اجتياز نسبة الحسم من دون دعم العرب له.
وقد صرحت البروفسورة هيرمان أن «هناك نسبة عالية من الحرج لدى العرب. يوجد هناك عدم رضا من الوضع وهم يقولون بشكل علني وبأرقام أكبر إنهم يفكرون بعدم التصويت. وبذلك نراهم في وضع غريب فمن جهة يوجد تفكك في القائمة المشتركة، التي علقوا عليها الكثير من الآمال، ومن جهة اخرى يوجد أيضا غضب كبير على القائمة المشتركة في دوائر معينة. من جهة ثالثة، منصور عباس، رئيس «القائمة العربية الموحدة» (الإسلامية)، قرر الانحراف لصالح تسوية مدنية مع رئيس حكومة يميني واضح».
أما بالنسبة لأحزاب اليسار والمتشددة دينيا فتقول هيرمان: «بالذات في اليسار الأكثر راديكالية، يقولون إنه يجب تفهم الأصوليين، وفي هذا المستفيد أفيغدور ليبرمان ويائير لبيد، الذي يقلل من الحديث في هذا الشأن. فلبيد سيستفيد من ذلك دون قول أي شيء. هذه الورقة توجد في جيبه. هو يلعب بأوراقه بصورة أفضل بكثير عندما لا يقوم باللعب بصورة صارخة. من الأفضل له أن يظهر في أوساط الجمهور كشخص ليبرالي».
الثلاثاء يوم امتحان للجميع
في ظل هذه الأجواء والتوقعات من انتخابات يوم الثلاثاء، خرج وزير الأمن السابق، ايهود باراك، بدعوة صارخة يحث فيها الناخبين على الإدلاء بأصواتهم معتبرا أن يوم الانتخابات هو يوم امتحان للجميع.
وبحسب باراك فإن «الاندماج بين وباء مضلل و800 ألف عاطل عن العمل و100 ألف مصلحة تجارية منهارة ومعها الركيزة الاقتصادية وحلم الحياة، وملايين الأطفال الذين فقدوا السنة الدراسية ومئات الآلاف الذين تم إلقاؤهم إلى دائرة الفقر و6 آلاف ضحية، مثل عدد الخسائر في حرب الاستقلال (حرب 48)- كل ذلك جعل السنة الماضية واحدة من السنوات الأكثر قسوة في تاريخنا. مسؤوليتنا كمجتمع يتوق إلى الحياة، هي تعلم الدروس مهما كانت قاسية وتطبيقها من أجل عدم تكرار ما حدث، بالأساس مثلما حدث».
وفيما يرى كثيرون أن أزمة كورونا تشكل عائقا في سير عملية الانتخابات ورفع نسبة الناخبين يعتبر باراك أن كورونا أزمة من الممكن أن تكون بداية لإصلاح جديد «ونقطة انطلاق نحو واقع مزدهر وأمل في الحياة، شريطة أن نعرف كيف نقوم بمحاسبة صارمة للنفس وأن نترجم استنتاجاتها إلى أفعال. الوباء سيكون له تأثير عميق على نمط الحياة، وعلى الطريقة التي نعمل فيها ونتعلم ونستهلك الثقافة».
وبحسب باراك من الممكن الانطلاق بعد تجاوز أزمة كورونا إلى إنعاش اقتصادي واجتماعي، لكن «الحكومة الحالية لا يمكنها فعل ذلك»، يقول، ويضيف: «لا يمكن أن تقود البلاد حكومة التعرج والتشويش والخداع السياسي والانفصال والعجز، التي شاهدناها في هذه السنة. هذه ليست مهمة يمكن أن يتحملها حكم يقوم بالتحريض والتقسيم، مدمن على الخداع ولا يقول الحقيقة ويعتبر خصومه (ناشري أمراض)، كما ظهر نتنياهو في هذه السنة في نقاشاته الليلية وقراراته الحالمة كهجين غير ناجح بين (الأخ الأكبر)، و(عش الوقواق)».
كل هذه الأمور، إضافة إلى السحق التدريجي لاستقلالية الكنيست وتحويل أعضاء جهاز القضاء إلى أهداف بحاجة إلى الحماية المخصصة لمن يحاربون الجريمة المنظمة، تقتضي استبدال نظام الحكم، يقول باراك، ويحث الإسرائيليين على التصويت بالقول: «يوم الثلاثاء المقبل، هو يوم امتحان لجميع الشركاء في (مشروع إسرائيل). يجب على كل واحد منا أن يحضر إلى صندوق الاقتراع ومعه كل من يستطيع إحضاره. وكل واحد يجدر أن يصوت فقط لمن يثق في أنه لن يسمح، بأي شكل من الأشكال، لهذا الواقع بالاستمرار على هذا الشكل».