مع اقتراب موعد انطلاق «إكسبو 2020 دبي» خلال العام الجاري، يشهد القطاع العقاري في دبي انتعاشاً في التصرفات العقارية منذ بداية العام، والذي كان متأثراً خلال جائحة كورونا مع تبعات الإغلاق العام الذي شهدته البلاد، إذ وصل عدد المستثمرين العقاريين الجدد في إمارة دبي منذ بداية العام وحتى نهاية شهر فبراير (شباط) إلى 3036 مستثمراً جديداً.
وبالرغم من الجائحة فقد جاءت التقارير مخالفة للتوقعات، حيث شهد القطاع السكني في دبي انتعاشا خلال النصف الثاني من 2020 وفقاً لبحث أجرته شركة تشيسترتنس الدولية للخدمات العقارية، حيث جاء مدعوماً بزيادة مبيعات العقارات الجاهزة واستمرار ارتفاع الطلب على الفيلات من قبل المستأجرين الباحثين عن وحدات سكنية.
وقد أظهر التقرير الصادر عن شركة «تشيسترتنس» عن سوق العقارات في الإمارات لعام 2020، ارتفاع مبيعات العقارات الجاهزة خلال النصف الثاني من العام الماضي 2020، حيث وصلت إلى 21.67 مليار درهم، بزيادة قدرها 35.5 في المائة، مقارنة بالنصف الثاني من 2019 الذي سجل مبيعات وصلت إلى 15.99 مليار درهم.
ومع الإجراءات التحفيزية التي اتخذتها حكومة إمارة دبي إضافة إلى المبادرات لتشجيع الاستثمار، فقد علق الدكتور محمد الجناحي الخبير الاقتصادي، بأن المحفزات التي شملت معظم القطاعات الحيوية في الإمارة من التجارة والسياحة والإنشاءات والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات الأخرى، إضافة إلى إطلاق عدة مبادرات من ضمنها مبادرة الإقامة الذهبية لتشجيع المستثمرين الراغبين في الإقامة في دبي، والسماح للأجانب بتأسيس وتملك الشركات بنسبة تصل إلى 100 في المائة، جميعها صبت في مصلحة الإمارة على المديين القصير والطويل الأجل، لتساهم في تدفق الاستثمارات الأجنبية والمحلية، لتضفي آثاراً إيجابية أخرى على كافة أصعدة الاقتصاد المحلي للإمارة بشكل خاص وللدولة بشكل عام.
وبالنسبة للقطاع العقاري فقد أكد صالح طباخ المدير التنفيذي لشركة الأندلس للتطوير والاستثمار العقاري، أن العام الماضي كان عاماً استثنائياً على كافة الأصعدة حيث لم يكن القطاع العقاري بمعزل عن الأزمة الصحية والاجتماعية التي بدأت في عام 2020، وأن كافة العقارات أجبرت على تغيير استراتيجيتها بشكل جذري، بسبب التغير في العرض والطلب وأسلوب المعيشة وما فرض على المجتمعات بسبب الجائحة.
الإمارة أطلقت عدة مبادرات، بينها السماح للأجانب بتأسيس وتملك الشركات بنسبة تصل إلى 100 في المائة
وقد شهدت السوق العقارية تغيراً في نوعية الاستثمار، إذ زاد الطلب من قبل الباحثين عن شراء عقار لتأمين مستقبلهم ومستقبل عائلتهم، حيث بينت لهم الجائحة أهمية تملك العقارات، ولكن في المقابل شهد القطاع تراجعاً كبيراً من قبل المستثمرين المقيمين خارج الدولة بسبب الاضطرابات العالمية، في حين تزايد الطلب على العقارات من قبل العائلات التي انتقلت من أوروبا وأميركا للعيش في دبي، بسبب ما حققته الإمارات من إنجازات كبيرة في مواجهة الجائحة ومعالجتها وهذا ما عزز من مكانة السوق ليرتفع الطلب في الربعين الثالث والرابع من العام الماضي لتتجاوز الأرقام التي تم تحقيقها في 2019.
وأضاف الطباخ أن الأزمة العالمية غير الاعتيادية التي شهدها العالم فرضت تغييرات على أسلوب أداء الأسواق، ولكن ومع ما تتمتع به الإمارات من مرونة بقيادتها، فقد كانت من أول الدول التي أعادت تنظيم وهيكلة استراتيجياتها وأولوياتها، لتقوم بالتركيز خلال هذا العام والأعوام المقبلة على الخطط طويلة الأمد، مع التركيز على منح الاستقرار للمقيمين، حيث شرعت بعض القوانين التي تمنح المستثمر أسباباً متعددة لنقل استثماراته إلى الإمارات، وتقليل حجم التحويلات المالية إلى خارج الدولة، وهذا ما يساهم في تشجيع المستثمرين على الاستثمار طويل الأمد وبالأخص في السوق العقارية.
شهد القطاع تراجعاً كبيراً من قبل المستثمرين المقيمين خارج الدولة بسبب الاضطرابات العالمية في حين تزايد الطلب على العقارات من قبل العائلات التي انتقلت من أوروبا وأميركا للعيش في دبي
وأشار أيضاً إلى أنه منذ بداية العام الجاري 2021 ومع تتابع الأخبار السارة المتعلقة بتوفر اللقاح في الدولة وكذلك المبادرات الهامة التي اتخذتها حكومة الإمارات كمنح الجنسية الإماراتية والإقامات طويلة الأمد وطريقة تعاملها مع الجائحة، فقد انتقلت الإمارات وخصوصاً دبي إلى مقدمة الأسواق الأكثر ثقة في العالم، والأكثر استقراراً وجذباً للاستثمارات العالمية من جديد، إذ شهدت السوق إطلاق مشاريع جديدة، وهذا مؤشر واضح على زيادة الطلب من جديد، مع التنويه على أن نوعية الطلب قد تغيرت لتكون في الغالبية من قبل عائلات الوافدين إلى الدولة بهدف الاستقرار في الإمارات، مما رفع عدد سكان الإمارات ليصل إلى أكثر من 9.3 مليون نسمة بنسبة زيادة تصل إلى 1.46 في المائة مقارنة بعام 2018.
«إكسبو 2020» في ظل الجائحة
وبالعودة إلى ما يتعلق بمعرض «إكسبو دبي 2020»، فقد تابع صالح طباخ المدير التنفيذي لشركة الأندلس للتطوير والاستثمار العقاري، أن المعرض سيكون كغيره من الفعاليات التي ستشهد تغيراً كبيراً في أهدافه واستراتيجيته ولكن مع وجود الدعم المباشر من قيادات الدولة واستنفار كامل لمؤسسات الدولة فإن الإمارات تعمل على توفير البيئة الآمنة للزوار وعقد اتفاقيات مع الدول المصدرة للزوار بشكل كبير لدولة الإمارات لفتح الأجواء وتسهيل السفر، فإنه يعتقد أن عدد الزوار ونوعيتهم سيكونان مختلفين تماماً عما كانا عليه في الخطة السابقة، مع التنويه على أن الزوار المستهدفين حالياً سيكونون هم المؤثرون بشكل أكبر من الزوار الاعتياديين للدولة، إذ من المتوقع أن ينخفض عدد الزوار، ولكن مع جذب الزوار الذين يتمتعون بوزن استثماري أكبر وجدية أعلى، فهذا الأمر سيساهم في نجاح المعرض على مستوى الشركات والمؤسسات والمستثمرين بشكل كبير، إذا ما تمت مقارنته بالجانب الترفيهي والسياحي، وهذا ما يصفه بأنه تحول إيجابي في نوعية الزوار.
مبيعات العقارات الجاهزة أظهرت ارتفاعاً خلال النصف الثاني من العام الماضي 2020 ووصلت إلى 21.67 مليار درهم بزيادة قدرها 35.5 في المائة مقارنة بالنصف الثاني من 2019
وبسؤاله، عما إذا كان القطاع العقاري يعلق آماله في تحسن النمو على معرض إكسبو؟
أجاب طباخ بأنه منذ الإعلان عن معرض إكسبو، فقد كان هناك أثر إيجابي على السوق، التي تضخمت في بعض مراحلها قبل أن يتم تصحيحها، وبالرغم من مرور العالم بالظروف الراهنة وتأجيل موعد إطلاق المعرض، فإن فعالية بهذا الحجم سوف يكون لها تأثير إيجابي أكبر بكثير مما تم التخطيط له. وبالرغم من حاجة السوق لعوامل جذب وسط غياب الأسواق العالمية ومعاناتها في الوقت الراهن، أتت دبي لتثبت قدرتها على التفوق على الأسواق العالمية، حيث سيسلط المعرض الضوء على قدرات إمارة دبي و يسوق لنجاحاتها، مما سيساهم في جذب فئات استثمارية جديدة.
ولكنه أوضح في نفس الوقت أنه لا يمكن تحديد عائد الاستثمار في السوق العقارية، وذلك لعدة أسباب، منها: جغرافية المنطقة وتقسيم السوق إلى ثلاثة أقسام مختلفة، هي: المناطق المركزية، والمناطق البحرية، بالإضافة إلى الضواحي؛ حيث إن المناطق المركزية موجودة في وسط البلد، أو على الواجهة البحرية إذ تتميز بارتفاع أسعار العقارات ورسوم الخدمة فيها، وهو ما يعتبر مساهماً بانخفاض في قيمة العائد الإيجاري بالنسبة للغير، ليكون حوالي 4 في المائة. أما بالنسبة إلى المناطق الأبعد عن مركز المدينة فمن الممكن أن تحقق عوائد تصل إلى 9 في المائة في الوحدات الصغيرة، مع التنويه على أن الزيادة السعرية التي حصلت خلال الفترة الأخيرة والتي تصل إلى 10في المائة تركزت في المناطق المركزية والحيوية.
ويبقى السؤال أخيراً مع اقتراب موعد إطلاق «إكسبو 2020»: إلى أي مدى ستستطيع دبي أن تقترب من تحقيق توقعاتها السابقة باجتذاب ما يصل إلى 25 مليون زائر خلال ستة أشهر، وأن تبلغ مساهمة «إكسبو» ما يصل إلى 122.6 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات حتى عام 2031، في ظل الأوضاع الاستثنائية الراهنة؟