بغداد: المحلل السياسي ورئيس مركز كلوذا للدراسات وقياس الرأي العام العراقي باسل حسين أكّد في حديث لـ«المجلة» أنّ «مسودة مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا المعروضة في مجلس النواب أثارت جدلا بدأ يتصاعد على صعد مختلفة؛ نظرا للإدراك المتزايد بأهميتها النسبية في النظام السياسي، وبوصفها إحدى أهم المفاصل الرئيسية في السلطة القضائية، فضلا عن امتداد تأثيرها على الحياة السياسية العراقية وأنماطها المختلفة، لا سيما وأن أغلب القضايا التي تطرح للتقاضي أو الاستفسار وغيرها من المهام المحددة تتعلق بالسياسة، بمعنى أنها هيئة قضائية لكنها تتعامل في الغالب مع قضايا سياسية.
ولا شك أن هذا القانون يحتوي كثيرا من الإشكالات لعل من أهمها ضم خبراء الفقه الإسلامي إلى منصة المحكمة وعددهم أربعة بين 13 عضوا (سبعة قضاة، وأربعة فقهاء، واثنان من خبراء القانون).
مع إعطاء حق الفيتو لخبراء الفقه الإسلامي في تعطيل أي قرار للمحكمة في القضايا التي تتعلق بالشريعة الإسلامية، من خلال النص على اشتراط موافقة ثلاثة أرباع خبراء الفقه (3 من 4). وهذا يثير عدة إشكالات، أهمها:
أولا: هذا الاقتراح يخالف نص المادة (92) التي تعرف المحكمة الاتحادية بأنها (هيئة قضائية)، وكما نعلم بداهة أن لا هيئة قضائية من دون قضاة، وأيضا أن لا اجتهاد في موضع نص، بما يلزم وجوبا وفقا للنص الدستوري بأن يكون جميع من في منصة المحكمة هم من القضاة لا غير.
ثانيا: هذا النص يخالف مبدأ المساواة بين المواطنين كما نصت عليه المادة (14) من الدستور: «العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي».
والنص على وجود خبراء من الفقه الإسلامي (شيعة وسنة) ضمن منصة المحكمة من دون الأديان الأخرى يقع ضمن باب التمييز على أساس ديني ومذهبي بما يخالف نص المادة (14) من الدستور، لأن المحكمة الاتحادية هي لكل العراقيين على مختلف مشاربهم وتنوعاتهم وليست فقط حكرا على (الشيعة والسنة)، فضلا عن أن هذا النص يخالف القوانين الدولية والشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
ثالثا: هناك فرق بين منصة المحكمة (وهؤلاء فقط من القضاة) وبين تكوين المحكمة (الذي يشمل أولا منصة المحكمة وثانيا المستشارين، والموظفين) وعليه فقد حددت المادة (92) أولا: منصة المحكمة حين أشارت إلى أنها هيئة من القضاة، أما ما تطرقت إليه المادة (92) ثانيا فهي أشارت إلى تفصيلات تكوين المحكمة، وذلك حين ابتدأت بعبارة (تتكون المحكمة) وعليه فإن وجود خبراء الفقه الإسلامي وفقهاء القانون هو ضمن فريق المستشارين وليس ضمن منصة الحكم وجوبا وحكما.
صفوة القول، إن هذا المشروع قائم على فكرة الاستبعاد الديني المحرم دوليا كما أنه محاولة لمحاكاة واستنساخ النموذج الإيراني (مجلس صيانة الدستور إلايراني) كما ورد في الدستور الإيراني في مادتيه (91/ 98)، بما يحيل العراق إلى دولة دينية ويضع قوانين حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والأحوال الشخصية وكثير من الحقوق والقوانين للمزايدات (السياسية- الدينية) بما يمثل انتكاسا حقيقيا لهذه الحقوق.
فضلا عن أنه يتضمن مبدأ غريبا هو مبدأ التوازن الدستوري وهو إقرار غريب وكأنما الدستور سمح بالمحاصصة وهذا غير صحيح لأن التوازن فكرة لا وجود لها في الدستور العراقي سوى المادة (9) المتعلقة بالمؤسسة العسكرية والأمنية.
وختم حسين: «بالتأكيد الأفضل اليوم هو تعديل القانون القديم رقم (3) وهو أفضل بكثير من تشريع قانون جديد يتضمن كثيرا من الإشكالات ومسودة المشروع مسودة عنصرية لا تنسجم مع اشتراطات الدولة العصرية الحديثة، إضافة إلى أن تمرير القانون الجديد يتطلب أغلبية الثلثين أي 220 صوتا في حين أن تعديل القانون يتطلب أغلبية مطلقة، بما يسمح لنا بالقول إن تعديل القانون هو الخيار الأفضل المتاح».