* من المستبعد أن يرث جواد نصر الله منصب والده في قيادة حزب الله. بالإضافة إلى أن آلية تعاقب القيادة ليست في صالحه.. هو لا يحمل سمات القائد.
واشنطن: ظهر اسم جواد نصر الله في وسائل الإعلام العالمية في فبراير (شباط) عام 2021، عقب حادث اغتيال لقمان سليم معارض حزب الله في لبنان. بعد تأكيد خبر مقتل سليم بدقائق، غرد ابن حسن نصر الله زعيم حزب الله، جواد نصر الله، على «تويتر»: «خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب»، مرفقا تغريدته بهاشتاغ: «#بلا أسف». وعلى الرغم من أنه حذف التغريدة بعد ذلك، وقال إنها متعلقة بأمر شخصي ليس له صلة بمقتل سليم، كانت الرسالة قد وصلت بالفعل. أراد نصر الله أن يعرف الجميع أن حزب الله له يد في العملية وأنه لا يبالي. والرسالة واضحة: نحن نقتل أي شخص يعمل ضدنا.
اعتاد جواد نصر الله التغريد على «تويتر»-موقعه المفضل الذي حظره عدة مرات من قبل. ولكنه يعود إليه في كل مرة. وبوصفه شخصية مشهورة على الإنترنت، يطمح نجل زعيم حزب الله في أن يصبح قائدا عبر الإنترنت. في الحقيقة، أغلب أنشطته- من دعاية وإرهاب- تتم عبر الشبكة. وفي النهاية أصبح جواد نصر الله قائدا لما يسمى إعلام حزب الله العسكري، ولكن تظل مسؤوليته الأساسية هي تجنيد الشباب والدعاية عبر الشبكة العنكبوتية.
الابن مثير المشاكل
لدى جواد الذي يبلغ من العمر 39 عاما أربعة أبناء، وهو الابن الثاني لحسن نصر الله، بعد وفاة شقيقه الأكبر هادي الذي قتل عام 1997 فيما يقال إثر مواجهة عسكرية مع القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان. في عام 2018، أدرجته وزارة الخارجية الأميركية ضمن قائمة العقوبات، ووصفته بـ«النجم الصاعد في حزب الله»، بسبب تجنيده لأشخاص ينفذون عمليات ضد إسرائيل وسعيه في عام 2016 لتفعيل خلية تفجيرات انتحارية وعمليات قتل في الضفة الغربية.
في الإعلان الذي نشرته وزارة الخارجية الأميركية، أدرجت كتائب المجاهدين ضمن قائمة الإرهابيين العالميين المحددين بصفة خاصة بموجب البند «1-ب»من القرار التنفيذي 13224. وذكر البيان أن هذه الكتائب «تنظيم مسلح يعمل في الأراضي الفلسطينية منذ عام 2005 وخطط أفراده لشن عدد من الهجمات ضد أهداف إسرائيلية. ولهذا التنظيم علاقات مع حزب الله، الذي قدم لأفراده التمويل والتدريب العسكري».
يكشف مزيد من البحث عن دور جواد نصر الله عن توليه مهمة التجنيد عبر الإنترنت، بعد أن حقق قدرا كبيرا من النجاح على الشبكة ووسائل التواصل الاجتماعي بعد أعوام من نشر تدوينات على «فيسبوك»،و«تويتر»عن مقاتلي حزب الله الذين قتلوا في عمليات عسكرية. ومن المحتمل أن معرفته باستخدامات وسائل التواصل الاجتماعي جعلت منه شخصية مؤهلة وموثوقة لقيادة عمليات التجنيد عبر الإنترنت- أو بعض منها- لصالح حزب الله.
ووفقا لاستخبارات إسرائيلية، عمل جواد نصر الله مع عميل يحمل اسم مستعار (فادي)، كان عضوا في وحدة 133 في حزب الله ومسؤولا عن العمليات التي تتم في إسرائيل والضفة الغربية.
بالإضافة إلى عمله في التجنيد الإلكتروني، يقرض جواد نصر الله الشعر. ذكرت وكالة أنباء «أسوشييتد برس»أنه نشر بالفعل ديوانا يحمل اسم «حروف المقاومة»، يمجد فيه من قتلوا أثناء محاربة إسرائيل.
مشغل وليس قائداً
يبدو أن أحلام جواد نصر الله في أن يرث دور والده- كما يتوقع المشهد السياسي في لبنان- بعيدة المنال. على عكس والده وقادة حزب الله الآخرين، يتصف جواد بالوقاحة في منشوراته وتعليقاته، ويدخل في خلافات ويهدد الناس بصورة مباشرة. وهو لا يتحلى برباطة جأش ووقار القائد الطبيعي، وأحيانا ما يعرضه سلوكه الطفولي على وسائل التواصل الاجتماعي هو وحزب الله لانتقادات شديدة. ولكن على الرغم من ضعف سمات القيادة لديه، فإن جواد نصر الله مسؤول فعلي عن العمليات، حيث يستوعب اللوجيستيات واستراتيجيات تبادل الرسائل والتواصل عبر المواقع.
إذا ألقينا نظرة أوثق على تفاصيل أساليب التجنيد التي يتبعها، يمكننا أن نتعرف على قدراته. عندما كشفت أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية عن تفاصيل تورط جواد في العملية الإرهابية، كان واضحا أنه أكثر من مجرد شخصية مشهورة على الإنترنت- أو في هذا السياق شخصية مشهورة في المقاومة. أمضى نصر الله وقتا طويلا يبحث عن إرهابيين محتملين، في الأساس في الضفة الغربية، مستخدما خلفيته عن وسائل التواصل الاجتماعي وحضوره عليها. وفيما يبدو أن حسابيه على «فيسبوك»و«تويتر»مجرد واجهة لعمله الحقيقي: تجنيد الإرهابيين.
وبحسب معلومات شين بيت، جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، كان جواد ضالعا في تجنيد محمد زغلول زعيم خلية طولكرم. ويبدو أنه درب زغلول على تجنيد آخرين لتحقيق هدفين: جمع معلومات، وتنفيذ هجمات. وشكل زغلول خلية من خمسة رجال، طلبوا من حزب الله، عبر جواد نصر الله، الحصول على 30 ألف دولار أميركي استلموا منها 5000 دولار، وأنفقوا المال في شراء بندقية رشاش وخزان ذخيرة. وأخيرا ألقى جهاز شين بيت القبض على الخلية قبل تنفيذ العملية المفترضة.
كان أول تواصل بين جواد نصر الله وزغلول عبر «فيسبوك»، عندما طلب منه الأخير الاتصال بحزب الله. واستغرق الأمر وقتا، ربما للتدقيق بشأن زغلول والتوثق من مصداقيته، ثم تواصل جواد معه عبر «فادي» الذي قدم لزغلول شفرات لضمان تأمين محادثاته مع نصر الله وتشفيرها.
احتمالات مستقبلية
على عكس العائلات السياسية في لبنان وبقية أنحاء المنطقة، يتبع حزب الله نظاما إيرانيا في تعاقب القيادات؛ فلا تتم الخلافة في حزب الله داخل الأسرة، فلم نشهد أي توريث في دوائره. وعندما قتل الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي، لم يخلفه ابن أو أخ، كما هو الحال في العديد من الأسر في لبنان والمنطقة. بل خلفه حسن نصر الله الذي اختاره مباشرة مشرفوه الإيرانيون. كذلك لم يخلف عماد مغنية ابنه.
ولكن دائما ما يحظى أبناء هؤلاء القادة بثقة أكبر لدى النظام الإيراني، الذي يضع في اعتباره قيمة العلاقات العائلية بالنسبة لكثير من اللبنانيين. كما تتوفر لدى أفراد عائلات الشخصيات الموثوق بها فرص أكبر للقيادة في طهران وقم، ويتلقون أفضل تدريب ومهام. ويمكنهم الوصول إلى مزيد من الموارد- المالية والعسكرية- والتي يمكنهم الاستفادة منها ماديا وسياسيا.
بالتالي من المستبعد أن يرث جواد نصر الله منصب والده في قيادة حزب الله. بالإضافة إلى أن آلية تعاقب القيادة ليست في صالحه... هو لا يحمل سمات القائد. بل يبدو طفوليا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ وهو أشبه بمؤثر سياسي وليس قائدا سياسيا. ومع ذلك، على الرغم من إثارته للجدل عن عمد أو بغير قصد، فهو شخص سيظل على الساحة.
إنه نجل حسن نصر الله، وتلك في حد ذاتها صفة ذات قيمة مضافة سيسعى كل من حزب الله والنظام الإيراني إلى استغلالها بثلاث طرق: من أجل التواصل مع قاعدة أنصار حزب الله على مواقع التواصل، وتعزيز قوة آلتهم الدعائية عبر وجوده على الإنترنت، والاستمرار في الاستعانة به في عمليات التجنيد الإلكتروني، ربما تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني.
* حنين غدار: باحثة في زمالة فريدمان ببرنامج غيدولد للسياسة العربية في معهد واشنطن، حيث تركز على سياسة الشيعة في جميع أنحاء الشام.