قبل هزيمة 1967 بعام تقريبا، قام ذو الفقار علي بوتو، وزير خارجية باكستان وقتئذ، بزيارة عبد الناصر زيارة خاصة، وحذره من أن هناك شيئا ما يحاك ضد مصر، وأنه سمع ذلك في كواليس السياسة الغربية. وكان بوتو مقربا وقتئذ من دوائر المخابرات الغربية، ليس فقط لأنه خريج أكسفورد، بل لقرب باكستان من السياسة الغربية وتغولها في منطقة الأحلاف الغربية. وكانت رسالة بوتو لعبد الناصر واضحة وشبه صريحة فالغرب قرر اصطياد عبد الناصر وكسره بتوريطه بالدخول في مغامرات عسكرية تفرض عليه ليتم التخلص منه والقضاء على النهضة المصرية وعلى الحلم العربي وللأبد. وهو ما حدث بالفعل بعد عام فقط من تحذير بوتو لعبد الناصر ولا زالت مصر تدفع ثمنه اقتصاديا واجتماعيا.
ورغم أن وثائق المخابرات الغربية أشارت لهذه العملية، فيبدو أن السلطان إردوغان لم يتعلم ولم يفهم أن النهضة التركية عليها أن تظل حبيسة حدودها ولا تمد عينيها لأبعد من موضع قدمها، هكذا هو المعلوم من السياسة العالمية بالضرورة ولا يحتاج لمحلل ليفهمه فكل شيء واضح كضوء الشمس في رابعة النهار فالغرب دعم تركيا بلا حدود وساعدها لبناء اقتصادها عندما كانت تركيا على خط التماس بين أوروبا وحلف شمال الأطلنطي من ناحية وحلف وارسو والكتلة الشيوعية من ناحية أخرى إبان الحرب الباردة.
ولكن هذا زمان قد ولى وأصبح العالم قرية صغيرة ولم تعد تركيا لها نفس الأهمية وحاولت تركيا بلا جدوى الانضمام للسوق الأوروبية المشتركة وصادف ذلك صعود التيار الإسلامي بقيادة إردوغان ولم يع إردوغان ما وعاه أستاذه نجم الدين أربكان، فظن أن انحيازه لجماعات آيديولوجية إسلامية مثل الإخوان في مصر سيرفعه على عرش الخلافة الإسلامية المفقودة وعندما فشل توكؤه على الإخوان تحول إلى بلطجي في شرق المتوسط متبنيا المبدأ الصبياني الخائب «فيها لا أخفيها» والأغلب أن الغرب ينفذ الآن عملية لاصطياد الديك الرومي التركي مع لزوم التنويه بأن حروف الهجاء الإنجليزية لدولة تركيا هي نفس حروف هجاء الديك الرومي، الطبق المفضل لعشاء الكريسماس، تزامنا مع خسارة العمق العربي متمثلا في مصر، والعمق الإسلامي متمثلا في السعودية.
فماذا بقي لإردوغان وهو يحاول أن يحصل على شريحة من كعكة غاز المتوسط ومحاولته للقفز على حقائق التاريخ والجغرافيا وتمزيق المعاهدات الدولية وتجاهل القانون الدولي. فتركيا تدين لوجودها مستقلة إلى سلسلة من المعاهدات الدولية. فبموجب معاهدة رودس 1918 انتهى القتال بين الدولة العثمانية والحلفاء وتم احتلال اسطنبول وإنشاء إدارة عسكرية غربية لتركيا ودخل إلى اسطنبول لواء عسكرى فرنسي بعد 13 يوماً فقط من توقيع المعاهدة بحجة السيطرة على مضيق البوسفور وحصن الدردنيل واستمر الاحتلال حتي انتصار أتاتورك عام 1923 في حرب الاستقلال. ولأن انتصار أتاتورك لم يكن حاسما على اليونان التي كانت قد احتلت أزمير منذ مايو (أيار) 1919 ووصل الملك قسطنطين ملك اليونان إلى كوتاهيه مزينا بأعلام النصر ليصبح الطريق مفتوحا إلى أنقرة بعد معركة أفيون قرة ويصدرالبرلمان التركي تشريعا يخول الحكومة الاستيلاء على البنادق الخاصة من أصحابها لحساب الجيش مع إلزام كل أسرة تركية بالتبرع بزوج من الصنادل وزوج من الملابس الداخلية- نعم الملابس الداخلية- لدعم الجيش التركي.
وعندما انتهت الحرب اليونانية التركية تم تبادل السكان في أزمير وتم تهجير معظم المسلمين من اليونان إلى أزمير وتهجير معظم المسيحيين إلى اليونان والتأكيد على ملكية اليونان لجزر بحر إيجة منفردة بموجب معاهدة لوزان 1923 التي رسمت الحدود التركية بعد إلغاء الخلافة العثمانية وارتداء أتاتورك لورقة التوت بعد سقوط البعد الإسلامي وتحول تركيا لدولة علمانية.
فهل يفهم إردوغان قبل اصطياد الديك الرومي؟