* الحلوة: الزيارة كسرت الصورة النمطية التي رسمها الإعلام طيلة 18 عاماً عن العراق
* حسين: الزيارة ترافقت مع مشروع قانون عنصري
* لبنان ضمن محطات البابا القادمة
* قزي: زيارة البابا للبنان ستكون منعطفاً في مسار حل الأزمة اللبنانية
بيروت: أعادت زيارة البابا فرنسيس التاريخية إلى العراق، التي استمرت 4 أيام، اسم بلاد الرافدين إلى صدارة وسائل الإعلام العربية والعالمية، ولكن هذه المرة باسم «الأخوة والسلام»بدلاً من الانفجارات والصراعات والأزمات. فقد شكلت الزيارة التي جاءت تحت شعار «أنتم جميعًا إخوة»فرصة للدعوة إلى إنهاء العنف والتطرف، حيث قال البابا في أول خطاب له إن «وجود المسيحيين العريق في هذه الأرض وإسهاماتهم في حياة البلد يشكل إرثاً غنياً، ويريد أن يكون قادراً على الاستمرار في خدمة الجميع». وأضاف: «المجتمع المسيحي في العراق يجب أن يكون له دور أبرز كمواطنين يتمتعون بكامل الحقوق والحريات والمسؤوليات».
وخلال الزيارة، انتقل البابا إلى النجف، حيث التقى المرجع العراقي علي السيستاني لمدة 55 دقيقة، في مشهد يحمل في طياته الكثير من رسائل السلام والحوار، كما وصفه البعض بأنه استكمال للقاء البابا فرنسيس وشيخ الأزهر في الإمارات. وعلى أثر اللقاء، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تسمية يوم السادس من مارس (آذار) من كل عام، يوماً وطنياً للتسامح والتعايش في العراق.
ثم انتقل البابا إلى أور الكلدان، التي يُقال إنها موقع منزل النبي إبراهيم، وهناك أقام صلاة الأديان «من أجل أبناء وبنات إبراهيم»، بمشاركة أتباع مختلف الديانات والطوائف العراقية، تأكيدا على قيم السلام والتعايش والتسامح. كما وصل البابا إلى أربيل، حيث احتفل بقدّاس مسائي حضره نحو 10 آلاف شخص.
وفي الجانب الإنساني، التقى البابا بوالد الطفل آلان كردي، البالغ من العمر ثلاث سنوات، والذي أصبح رمزًا لعبور المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، حيث غرق مع شقيقه ووالدته على الساحل التركي في عام 2015 بينما كانت العائلة تحاول الوصول إلى أوروبا. كما جال البابا بمدينة الموصل حيث شاهد الدمار الذي لحق بها، وفي قرقوش زار كنيسة الحبل بلا دنس، داعياً المجتمع المسيحي المحلي إلى إعادة بناء مجتمعاتهم على أساس المغفرة والأخوة.
الزيارة حملت رسائل محلية ودولية
وفي هذا الصدد، قال الخطيب والباحث الإسلامي مضر الحلوة- وهو من الشخصيات التي شاركت في لقاء الأديان في مدينة أور- في حديث خاص لـ«المجلة»إن «زيارة البابا بعثت بعدة رسائل، منها ما هو محلي للداخل العراقي مفادها أن بلدكم لا يستحق منكم إلا أن تعمروه وأن تفخروا به، وأعادت شيئاً من الثقة وأخرجت الناس من حالة الإحباط التي تمر بها، وكذلك أكدت على التقارب والتفاهم». وأضاف: «كما حملت رسائل دولية وعالمية تؤكد على ضرورة تغليب لغة الحوار».
وتابع الحلوة أن «الزيارة كسرت الصورة النمطية التي رسمها الإعلام طيلة 18 عاماً عن العراق بأنه بلد الحروب والانفجارات والقتل، فهذه الزيارة جاءت لتكشف عن صورة العراق الحقيقية المتمثلة بكونه بلدا عريقا علّم أهله الأوائل البشرية الكتابة والقانون، ومنه ابتكر الإنسان العجلة والشراع، كما أنها أزالت الغبار الذي تراكم على وجه العراق بحيث أثبتت أنه بلد يستحق أن يكون موضع اهتمام العالم وليس موضع صراعات المصالح الشخصية الضيقة».
ولكن هل تمكنت هذه الزيارة من تثبيت المسيحيين في أرضهم؟ يُجيب الحلوة أن «هذا المطلب لا يمكن أن يتحقق دون أن تكون هناك خطوات عملية على أرض الواقع، فحين يُهدد العراقي- بصرف النظر عن ديانته- بحياته أو معيشته، يصبح مجبرا على البحث عن موطن آخر للحياة الكريمة، لذا يجب على الحكومة العراقية أن تهيئ الظروف المناسبة ليعود الأشخاص الذين هاجروا، خصوصاً أن العراقي لا يُحب ترك بلده إلا اذا أخرجته الظروف القاسية».
مخرجات الزيارة
وعن انعكاس الزيارة على المشهد العراقي الداخلي، يؤكد الحلوة أنه «لا يمكن التعويل على القوى السياسية، فهي نفسها سبق أن أهدرت فرصا ثمينة كان يمكن للعراق أن ينطلق منها انطلاقة قوية نحو البناء والإعمار والاستقرار، ولكنهم فشلوا في استثمارها وفي الاستفادة منها». وأضاف: «لا يمكن التعويل على مخرجات سياسية للزيارة، وإنما ستكون المخرجات المؤثرة لها ثقافية ودينية وفكرية والتقليل من منسوب الكراهية وتكريس الحوار».
وفي سياق متصل، أشار الحلوة إلى أن «لقاء البابا والسيستاني أكد أن هناك إمكانية للحوار بين أصحاب الأديان والعقائد المختلفة، بحيث يمكن أن يلتقوا على كلمة سواء». وأكد أن هذا «اللقاء التاريخي سيُشكل منعطفا مهما جداً في مسيرة شعوبنا، ولا شك أن ما قبل لقاء هذين الرجلين يختلف عما بعده، بحيث ستترتب آثار كثيرة تستحق التركيز عليها، إذ إنه لقاء مفصلي ما كنا نتصوره يوماً».
رسائل خاطئة للمسيحيين
ولا يختلف رأي رئيس مركز كلوذا للدراسات باسل حسين، عن رأي الحلوة في تقييم نتائج الزيارة، فقد أوضح حسين في حديث لـ«المجلة»أنه «من المبكر الحكم على نجاح أو فشل الزيارة بتطمين مسيحيي العراق، حيث يتم إفراغ التنوع الثقافي في العراق». وأوضح أنه «في الوقت الذي كان البابا يتجول فيه في مدن العراق، كان البرلمان في خضم مناقشة اقتراح مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا الذي ينص على وضع رجال دين من السنة والشيعة- دون الأديان الأخرى- في منصة المحكمة، ويكون لهم حق الفيتو، وهذا يُخالف المادة 92 التي تقول إن منصة المحكمة يجب أن تكون من القضاة فقط». وتابع: «لذا فإن هذا المشروع العنصري يُشكل مؤشراً سيئاً جداً للزيارة ورسالة خاطئة للمسيحيين، فالتسامح ليس بالأقوال وإنما بالأفعال».
ولفت حسين إلى أنه «منذ عام 2008 بدأت حملة ممنهجة للاستيلاء على أملاك المسيحيين من قبل عصابات تزوير تقودها جهات ميليشياوية ولا سيما في بغداد، وللأسف لم تفعل المرجعيات الدينية على اختلافها الكثير تجاه هذه القضية ولا توجد لغاية اليوم أي معالجة قانونية لهذه القضية وهذا ما ساهم بتهجير المسيحيين».
لذا، يخلص حسين إلى أن «الزيارة تركت أثراً نفسياً جيداً ولكن لن تؤدي إلى تغيير سلوك الطبقة السياسية العراقية؛ إذ إنها تستحوذ على المال والنفوذ وتحرص على تثبيت الواقع العقائدي البعيد عن هوية المواطنة». ويُكمل حسين: «الزيارة أعادت التركيز الدولي نحو العراق وكان يُفترض أن تكون فرصة ذهبية للطبقة السياسية لاستثمارها إلا أنها أضاعتها كما أضاعت سابقاتها».
كما يؤكد حسين أن «لقاء البابا والسيستاني كان مهما بالنسبة لمرجعية النجف، لأن هناك صراعا حول احتكار تمثيل الشيعة بين قم والنجف، وأعتقد أن هذا انتصار لمرجعية النجف». وأضاف: «لذا شهدنا تصريحات من قبيل أنه لولا إيران لما كانت هذه الزيارة، وشعرنا بنوع من التحسس الإيراني الضمني وكذلك من قبل حلفائهم العراقيين من هذه الزيارة».
وفي طريق عودته من بغداد إلى روما رد البابا على سؤال بشأن إمكانية قيامه بزيارة رسولية إلى لبنان، قائلاً إن «لبنان هو رسالة، وهو يتألم اليوم». ولفت إلى أن البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي طلب منه أن يقوم بمحطة في بيروت خلال زيارته للعراق، لكنه اعتبر أن زيارة لبنان كمحطة أمر قليل أمام معاناة البلاد. موضحاً أنه وجه رسالة إلى الراعي ووعده فيها بزيارة لبنان الذي يواجه اليوم «أزمة حياة»، وأثنى البابا هنا على سخاء لبنان في استضافته للنازحين.
البابا والأزمة اللبنانية
وهذا التصريح يترافق مع مطالبة الراعي بضرورة التزام بلاده بالحياد، وعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة، من أجل إنقاذ لبنان. فهل يمكن أن تلعب الفاتيكان دوراً في دعم هذه المبادرة؟ وأي مسار ستنتهجه دعوة الراعي في ظل عودة الاحتجاجات الشعبية إلى مختلف المناطق اللبنانية؟
يرى الوزير السابق سجعان قزي في حديث لـ«المجلة» أن «إعلان قداسة البابا أنه سيزور لبنان قريباً، هو بحد ذاته إنجاز لغبطة البطريرك لأنه وجه إليه هذه الدعوة وأقنعه أن يكون لبنان نقطة اهتمام أساسية وأولية للفاتيكان». وأضاف: «زيارته للبنان ستكون منعطفاً في مسار حل الأزمة اللبنانية، ويجب أن ندرك أن البابا منذ حوالي الأربعة أشهر دفع الدبلوماسية الفاتيكانية لطرح قضية لبنان لدى جميع الدول الصديقة للفاتيكان، ويُنتظر أن يتقدم المسعى الفاتيكاني مع وجود الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة نظراً لعلاقة الاحترام المتبادل بين الرجلين، وبالتالي فإن الفاتيكان قادر على مساعدة لبنان».
وحول مبادرة الراعي، أكد قزي أن «ما طرحه البطريرك يتطلب وقتًا مديداً ليتحقق، فطرح حياد لبنان ومشروع عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان برعاية الأمم المتحدة هما مساران طويلان لا بُد من النضال في سبيل تنفيذهما في ظرف معين». وأكمل قزي: «هذان الطرحان يُشكلان الغاية والوسيلة، الحياد هو الغاية لأنه يوفر السيادة والاستقلال والاستقرار للبنان، والمؤتمر الدولي هو الوسيلة لأنه الملجأ الأخير لإنقاذ لبنان بعدما فشلت الوسائل الأخرى».
وتابع قزي: «لو أن البطريرك ينتظر إجماعاً لطروحاته، لما كان لهذه الطروحات مبرر، فهو طرح مبادرته لأنه يوجد انقسام في البلاد، ومن الطبيعي أن يؤيده بعض الأفرقاء ويرفضه آخرون، المهم أن تصبح هذه الطروحات مادة حوار ونقاش وتفاوض. كما أن طروحات البطريرك حصلت على تأييد أكثري متعدد الطوائف لبنانياً، كما حصلت على تأييد ودعم وتفهم دولي، ولكن المشكلة أننا نعيش في دولة منحازة إلى محور سوري- إيراني ولا تملك حرية قرارها، وبالتالي لا تتبنى هذه الطروحات».