الذكرى الخمسون لخطاب الداعية الحقوقي لوثر كنغ في واشنطن

الذكرى الخمسون لخطاب الداعية الحقوقي لوثر كنغ في واشنطن

[caption id="attachment_55247487" align="aligncenter" width="620"]مارتن لوثر كنغ في واشنطن عام 1963 مارتن لوثر كنغ في واشنطن عام 1963[/caption]


شارك في الاحتفال بالذكرى الخالدة عشرات الآلاف من الأميركيين في المركز التجاري بين تمثال جورج واشنطن التذكاري ونصب أبراهام من الشباب والكبار والسود والبيض وكثير من الأطفال الصغار وهم يهتفون "وظائف لا سجون" و "تريفون مارتين". وساروا على طول طريق 1963 الذي قطعه 250 ألف شخص إلى نصب لنكولن التذكاري للاستماع إلى كلمة مارتن لوثر كنج الشهيرة "لدي حلم".وليست هذه الذكرى السنوية الرسمية لمسيرة "الوظائف والحرية" التي سيحتفل بها يوم الأربعاء 28 أغسطس، وسيلقي خلالها باراك أوباما أول رئيس أسود للبلاد ورغم ذلك جرى تنظيم المسيرة اليوم السبت الذي يوافق إجازة لمعظم العاملين.وألقى عضو الكونغرس جون لويس، آخر الباقين من عشرة متحدثين تكلموا في ذلك اليوم التاريخي، كلمة ألفهبت مشاعر الجماهير.

ومارتن لوثر كنغ هو زعيم أمريكي من أصول إفريقية، قس وناشط سياسي إنساني، من المطالبين بإنهاء التمييز العنصري ضد بني جلدته، في عام 1964 حصل على جائزة نوبل للسلام، وكان أصغر من يحوز عليها. اغتيل في الرابع من أبريل (نيسان)عام 1968، اعتبر مارتن لوثر كنج من أهم الشخصيات التي دعت إلى الحريه وحقوق الإنسان.
في عام 1929 كاد التوتر يفتك بالأب كينغ في مدينة أتلانتا، وأفكاره مركزة حول زوجته (ألبرت) التي عانت أشد العناء في حملها للطفل وبعد ساعات من العذاب ولد الطفل مارتن لوثر كينج، وكادت القلوب تتوقف عن الحركة من أجله؛ لأنه بدا ميتا إلى أن صدر منه صراخ واهن، سببه صفعة شديدة من الطبيب. كانت جذور هذا الطفل تمتد بعيداً في التربة الأفريقية التي اقتلع منها أجداده ليباعوا ويشتروا في الأراضي الأمريكية، ولكي تستغل أجسادهم وأرواحهم لخدمة السيد الأبيض.
إلا أن الأب كينغ كان ذا تطلعات واسعة، فعمل راعياً لكنيسة صغيرة بعد أن تلقى العلم في كلية "مور هاوس"، وعاش بعد زواجه في بيت حميه "ويليامز" رفيقه فيما بعد في حركة نضال الأفارقة، وهي الحركة التي سار فيها مارتن على درب أبيه وجده حتى أصبح أشهر الدعاة للمطالبة بالحقوق المدنية للأفارقة والأقليات.



طفولته




ولد مارتن لوثر كينغ جونيور في 15 يناير عام 1929 في مدينة أتلانتا التي كانت تعج بأبشع مظاهر التفرقة العنصرية، كان يغلب على الصبي (مارتن) البكاء حينما يقف عاجزاً عن تفسير لماذا ينبذه أقرانه البيض، ولماذا كانت الأمهات تمنعن أبناءهن عن اللعب معه. ولكن الصبي بدأ يفهم الحياة، ويعرف سبب هذه الأفعال، ومع ذلك كان دائما يتذكر قول أمه "لا تدع هذا يؤثر عليك بل لا تدع هذا يجعلك تشعر أنك أقل من البيض فأنت لا تقل عن أي شخص آخر". ومضت السنوات ودخل كينج المدارس العامة في سنة 1935، ومنها إلى مدرسة المعمل الخاص بجامعة أتلانتا ثم التحق بمدرسة "بوكر واشنطن"، وكان تفوقه على أقرانه سبباً لالتحاقه بالجامعة في آخر عام 1942، حيث درس بكلية مورهاوس التي ساعدت على توسيع إدراك كينج لثنايا نفسه والخدمة التي يستطيع أداءها للعالم.
وفي سنة 1947 تم تعيينه كمساعد في كنيسة أبيه، ثم حصل على درجة البكالوريوس في الآداب في سنة 1948، ولم يكن عمره يزيد على 19 عاما، وحينها التقى بفتاة سوداء تدعى "كوريتاسكوت"، وتم زفافهما عام 1953، ثم حصل على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة بوسطن .



النضال من أجل الحرية




في شهر سبتمبر سنة ١٩٥٤م قدم مارتن وزوجته إلى مدينة مونتجمري التي كانت ميدانا لنضال مارتن، أن جاء يوم الخميس الأول من ديسمبر (كانون الأول)1955، حيث رفضت السيدة روزا باركس وهي سيدة سوداء أن تخلي مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال الشرطة الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة فكانت البداية .
كانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا مارتن لوثر كينج اختار للمقاومة طريقا آخر غير الدم. فنادى بمقاومة تعتمد مبدأ "اللا عنف" أو "المقاومة السلمية" على طريقة المناضل الهندي مهاتما غاندي . وكان يستشهد دائماً بقول الانجيل"أحب أعداءك واطلب الرحمة لمن يلعنونك، وادع الله لأولئك الذين يسيئون معاملتك". وكانت حملته إيذاناً ببدء حقبة جديدة في حياة الأمريكان ذو الأصول الأفريقية. فكان النداء بمقاطعة شركة الحافلات امتدت عاما كاملاً أثر كثيراً على إيراداتها، حيث كان الأفارقة يمثلون 70 % من ركاب خطوطها، ومن ثم من دخلها السنوي.

لم يكن هناك ما يدين مارتن فألقي القبض عليه بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلاً في الساعة في منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلاً، وألقي به في زنزانة مع مجموعة من السكارى واللصوص والقتلة. كان هذا أول اعتقال لمارتن لوثر كينج أثر فيه بشكل بالغ العمق، حيث شاهد وعانى بنفسه من أوضاع غير إنسانية، إلى أن أُفرج عنه بالضمان الشخصي. وبعدها بأربعة أيام فقط وفي 30 يناير 1956 ، كان مارتن يخطب في أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعا غاضبا من الافارقة مسلحين على استعداد للانتقام، وأصبحت مونتجمري على حافة الانفجار من الغضب، ساعتها وقف كينج يخاطب أنصاره: "دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئا يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف". وبعد أيام من الحادث أُلقي القبض عليه ومعه مجموعة من القادة البارزين بتهمة الاشتراك في مؤامرة لإعاقة العمل دون سبب قانوني بسبب المقاطعة، واستمر الاعتقال إلى أن قامت 4 من السيدات من ذوى أصول افرقية بتقديم طلب إلى المحكمة الاتحادية لإلغاء التفرقة في الحافلات في مونتغمري، وأصدرت المحكمة حكمها التاريخي الذي ينص على عدم قانونية هذه التفرقة العنصرية. وساعتها فقط طلب كينج من أتباعه أن ينهوا المقاطعة ويعودوا إلى استخدام الحافلات " بتواضع ودون خيلاء"، وأفرج عنه لذلك .سجن كينغ عام 1960، مثل غاندي تماماً ، بسبب حملات الاحتجاج السلمية ضد التمييز العنصري ، وبدأ يطالب الحكومة الفيدرالية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد الظلم .



حق الانتخاب




في يونيو (حزيران1957) أصبح مارتن لوثر كينج أصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية "سينجارن" التي تعطى سنوياً للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العلاقات العنصرية، وكان في السابعة والعشرين من عمره. وبهذه المناسبة وأمام نصب لنكولن التذكاري وجه كينج خطابه الذي هاجم فيه الحزبين السياسيين الرئيسيين (الجمهوري والديمقراطي) وردد صيحته الشهيرة "أعطونا حق الانتخاب"، ونجحت مساعيه في تسجيل خمسة ملايين من الأمريكان ذو الأصول الأفريقية في سجلات الناخبين في الجنوب.

وبعد تولي "كيندي" منصب الرئاسة ضاعف كينج جهوده المتواصلة لإقحام الحكومة الاتحادية في الأزمة العنصرية المتفاقمة إلا أن جون كيندي استطاع ببراعة السياسي أن يتفادى هجمات كينج الذي كان لا يتوقف عن وصف الحكومة بالعجز عن حسم الأمور الحيوية. ومن هنا قرر كينج في أواخر صيف عام 1963 بدء سلسلة من المظاهرات في برمنجهام، وعمل على تعبئة الشعور الاجتماعي بمظاهرة رمزية في الطريق العام، وفي اليوم التالي وقعت أول معركة سافرة بين السود المتظاهرين ورجال الشرطة البيض الذين اقتحموا صفوف المتظاهرين بالعصي والكلاب البوليسية الشرسة ، لكن المشهد كان على مرأى من كاميرات التلفاز، ولم يعد ممكناً تعمية الأخبار على الناس .

ثم صدر أمر قضائي بمنع كل أنواع الاحتجاج والمسيرات الجماعية وأعمال المقاطعة والاعتصام؛ فقرر كينج لأول مرة في حياته أن يتحدى علانية حكما صادرا من المحكمة، وسار خلفه نحو ألف من المتظاهرين الذين كانوا يصيحون "حلت الحرية ببرمنجهام"، وألقي القبض على كينج وأودعوه سجنا انفراديا، وحرر خطابا أصبح فيما بعد من المراجع الهامة لحركة الحقوق المدنية، وقد أوضح فيه فلسفته التي تقوم على النضال في إطار من عدم العنف.
وبعد خروجه بكفالة واصل قيادته للحركة، ثم برزت له فكرة تتلخص في هذا السؤال: ماذا أنت صانع بالأطفال؟ إذ لم يكن إلا القليلون على استعداد لتحمل المسؤولية التي قد تنشأ عن مقتل طفل، ولكنه لم يتردد كثيراً فسمح لآلاف من الأطفال باحتلال المراكز الأمامية في مواجهة رجال الشرطة والمطافئ وكلاب شرطية متوحشة فارتكبت الشرطة خطأها الفاحش ، واستخدمت القوة ضد الأطفال الذين لم يزد عمر بعضهم عن السادسة، ثم اقتحم رجال الشرطة صفوفهم بعصيهم وبكلابهم ؛ مما أثار حفيظة الملايين، وانتشرت في أرجاء العالم صور كلاب الشرطة وهي تنهش الأطفال ، وبذلك نجح كينج في خلق الأزمة التي كان يسعى إليها، ثم أعلن أن الضغط لن يخف، مضيفاً : "إننا على استعداد للتفاوض، ولكنه سيكون تفاوض الأقوياء فلم يسع البيض من سكان المدينة إلا أن يخولوا على الفور لجنة بالتفاوض مع زعماء الأفارقة، وبعد مفاوضات طويلة شاقة تمت الموافقة على برنامج ينفذ على مراحل بهدف إلغاء التفرقة وإقامة نظام عادل وكذلك الإفراج عن المتظاهرين ، غير أن غلاة دعاة التفرقة بادروا بالاعتداء بالقنابل على منازل قادة الافارقة ؛ فاندفع الشباب الأفارقة الغاضبين لمواجهة رجال الشرطة والمطافئ، وحطموا عشرات السيارات ، وأشعلوا النيران في بعض المتاجر، حتى اضطر الرئيس جون كنيدي لإعلان حالة الطوارئ في القوات المسلحة، وسارع كينج محاولا أن يهدئ من ثائرة المواطنين، وكان عزاؤه أن من اشتركوا في العنف من غير الأعضاء النشطين المنتظمين في حركة برمنغهام ، وما لبث أن قام بجولة ناجحة في عدة مدن كشفت عن البركان الذي يغلي في صدور الأفارقة السود تحت تأثير مائة عام من الاضطهاد.


Martin-Luther-King-Jr_3


تلقى أفارقة أمريكا درسهم من الأحداث العظام فقاموا في عام 1963 بثورة لم يسبق لها مثيل في قوتها اشترك فيها 250 ألف شخص، منهم نحو 60 ألفا من البيض متجهة صوب نصب لنيكولن التذكاري، فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى كينج أروع خطبه: "لدى حلم" " I have a dream " التي قال فيها: "لدي حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم".
ووصف كينج المتظاهرين كما لو كانوا قد اجتمعوا لاقتضاء دين مستحق لهم، ولم تف أمريكا بسداده "فبدلا من أن تفي بشرف بما تعهدت به أعطت أمريكا الزنوج شيكا بدون رصيد، شيكا أعيد وقد كتب عليه "إن الرصيد لا يكفي لصرفه".
فدقت القلوب وارتجفت، بينما أبت نواقيس الحرية أن تدق بعد، فما أن مضت ثمانية عشر يوما حتى صُعق مارتن لوثر كينج وملايين غيره من الأمريكيين بحادث وحشي، إذ ألقيت قنبلة على الكنيسة المعمدانية التي كانت وقتذاك زاخرة بتلاميذ يوم الأحد من الزنوج؛ فهرع كينج مرة أخرى إلى مدينة برمنجهام، وكان له الفضل في تفادي انفجار العنف.
في تلك السنة ، صدر قانون حقوق التصويت الانتخابي الفيدرالي . وفي عقد الستينات برز العديد من الزعماء السود ، أمثال هيوي نيوتن ، مالكوم إكس ، وإلدريدج كليفر . كذلك عارض كينغ حرب فيتنام .



جائزة نوبل




في عام 1964م صدر قانون الحقوق المدنية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وفي العام نفسه أطلقت مجلة "تايم" على كينج لقب "رجل العام" فكان أول رجل من أصل أفريقي يمُنح هذا اللقب، ثم حصل في عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف ، وسهّل الأمر أنّه قسيس ، فكان بذلك أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة -35 عاما-. ولم يتوقف عن مناقشة قضايا الفقر السود وعمل على الدعوة إلى إعادة توزيع الدخول بشكل عادل إذ انتشرت البطالة بين الافارقة، فضلا عن الهزيمة السنوية التي يلقاها الافارقة على أيدي محصلي الضرائب والهزيمة الشهرية على أيدي شركة التمويل والهزيمة الأسبوعية على أيدي الجزار والخباز، ثم الهزائم اليومية التي تتمثل في الحوائط المنهارة والأدوات الصحية الفاسدة والجرذان والحشرات.

أخذ اليمينيون يركّزون على كينغ ، وعلى رأسهم مدير مكتب التحقيقات الفدرالي إدغار هوفر . وحتى لحظة موت كينغ ، ظلّ هوفر يلاحقه ويتصنّت على مكالماته الهاتفية ، ويحاول تجنيد عملاء لاختراق حلقته الداخلية . شكّل هوفر وحدة خاصة لمتابعة كينغ ورجاله ، وأراد القول : إن كينغ زير نساء ، وعميل للشيوعيين.
في عام 1968 ، خطّط كينغ لمسيرة جماهيرية في واشنطن ، وعندما أراد ركوب الطائرة من مطار أتلانتا ، تلقّى مدير المطار إنذاراً بوجود قنبلة في الطائرة ، وقام رجال الأمن بالتفتيش ، لكنهم لم يعثروا على أية قنبلة . ومرة أخرى ، خطّط لمسيرة في مدينة ممفيس ، وأقام كينغ في الغرفة من موتيل لوريان .



اغتياله




أقام كينغ في موتيل لوريان في ممفيس وفي غرفة آخرى كان يقيم شخص يدعى جيمس إرل راي ، وقد أعطى الإدارة اسماً مزيّفاً هو جون ويلارد . معروف عن جيمس أنه تورّط في الجريمة منذ الصغر ، وصدر عليه بالسجن 20 سنة في ولاية ميسوري بسبب حادث سطو مسلح ، وحاول الهرب مراراً ،وتمكن من الهرب حيث اختبأ تحت شحنة خبز تنقل إلى خارج السجن .
في اليوم الأول من شهر نيسان سنة 1968، اتجه جيمس بالسيارة إلى مدينة ممفيس ، وفي الطريق توقّف عند أحد المخازن التجارية حيث اشترى بندقية ذات منظار تلسكوبي وذخائر . وفي ساعة المغيب من يوم 4 من شهر ابريل سنة 1968 ، اتّخذ استحكاماً بحيث يصوّب منه باتجاه غرفة كينغ من موتيل لوريان. طال انتظار جيمس ، فقد قبع كينغ في الغرفة طويلاً التي يشغلها مساعدوه ،وفي الساعة 6 ظهر كينغ وهو يرتدي بذّة سوداء اللون . وكان يستعد للظهور أمام تجمّع جماهيري في تلك الليلة . استند كينغ إلى جدار الشرفة ليتبادل الحديث مع مساعده جيسي جاكسون الذي كان يقف على الأرض ، تحت الشرفة . فجأة دوى صوت طلقة ، وانفجرت حنجرة كينغ ثم سقط على أرضية الشرفة واندفع الدم من عنق كينغ . تراكض الرجال مندفعين إلى الزعيم الجريح ، ثم جاءت سيارة الإسعاف لإنقاذه ، فيما هرب جيمس تاركاً حزمة ملفوفة في الممر ، وكانت الحزمة تحتوي البندقية وصندوق طلقات وأشياء أخرى ، وبين تلك الأشياء البطاقة الشخصية ، أما الأصابع فكانت موجودة على كل تلك الأشياء . اُغتيلت أحلام مارتن لوثر كينج ببندقية أحد المتعصبين البيض ويدعى (جيمس إرل راي)، وكان قبل موته يتأهب لقيادة مسيرة في ممفيس لتأييد إضراب (جامعي النفايات) الذي كاد يتفجر في مائة مدينة أمريكية.

في تلك الليلة ، انفجرت أعمال العنف في كثير من مدن البلاد ، واشتعلت النيران في شيكاغو وبوسطن وواشنطن ونيويورك ... في شيكاغو استدعي 6000 رجل من الحرس الوطني ، وأصدرت كوريتا سكوت كينغ زوجة القتيل بياناً تناشد فيه الجميع بالتوقف عن العنف والعمل لتحقيق أحلام كينغ . وفي يوم الأحد 7 من شهر ابريل سنة 1968 ، استدعي 9000 رجل من الحرس الوطني في واشنطن ، وفرض حظر التجول واعتقل الألوف ، بعدما نشب 620 حريقاً ...
وفي 9 من نفس الشهر ، جرت مراسيم جنازة جماهيرية في مدينة أتلانتا ، ومثّلت - بشكل رمزي - تعاطف كينغ مع الفقراء . وبين الحضور في الجنازة ، شاهد الناس جاكلين كينيدي زوجة الرئيس القتيل الأمريكي جون كينيدي ، كما تأجل افتتاح الموسم السنوي لكرة السلة على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية . بعد أسبوع ، وقّع الرئيس الأمريكي ليندون جونسون قانون الحقوق المدنية الذي يضمن العدل والمساواة بين الأعراق والألوان والجنسين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية ، ويلزم الإدارة الفدرالية بتنفيذ بنود ذلك القانون ... وبعد 14 سنة ألغى ريغان آلية تنفيذ القانون بواسطة الإدارة الفيدرالية .

وبعد أربعة شهور من حادث الإغتيال ، أمكن كشف القاتل جيمس إرل راي لدى محاولته الحصول على جواز سفر كندي تحت اسم مستعار ، ولقد تمكّن من السفر إلى لندن ، ثم لشبونة ، ثم عاد لتحضير نفسه للقتال في إقليم بيافرا المتمرّد في نيجيريا . وأخيراً اعتقل في مطار هيثرو في لندن . سلّمت السلطات البريطانية جيمس إلى السلطات الأمريكية ، وفي ولاية تينيسي ، وقد حكم على القاتل بالسجن 99 عاما ، وقد أقرّ أنه مذنب ، لكنه أقسم على مؤامرة خلف حادث الإغتيال ، ثم عاد يقول أنه وقت الحادث كان في مدينة أخرى ، وطالب بمحاكمة جديدة ، لكن الحكومة رفضت طلبه ، وأكّد هذا التصرّف نظرية القائلين بوجود مؤامرة وراء عملية الإغتيال ، وأن الجريمة لم تكن مجرد مبادرة فردية ، تماماً كما حدث عند إغتيال الرئيس جون كينيدي الذي تمّ قتل قاتله ، ثم قتل قاتل القاتل ، وضاع السر ، غير أن التحقيقات أشارت إلى احتمال كون الاغتيال كان مدبرا، وأن جيمس كان مجرد أداة ، وكان من الاجدر حماية نفسه مع تاكيدنا بانه كان مخطط منجز بدافع الانتقام من شخصيته التواقة إلى الكثير حال الموت حاجزا لتحقيقه ليعيش المجتمع الأمريكي بهذا النعيم والتمدن المشهود في العالم.

وحتى اليوم ، لا زالت أسئلة عديدة تقف دون جواب ، فالمكان الذي يفترض وجود المتآمر فيه لم يشتمل على أية بصمات أو آثار بارود ، فما هو السبب ؟ وما الذي جعل المتآمر يترك الأدلة الفاضحة في المكان وهي حافلة بالبصمات ، وهل وضعت تلك الأدلة عن عمد للتضليل ؟ من أين جاء المتآمر بالأموال التي أنفقها في رحلاته الجوية إلى أوروبا بعد الجريمة ؟ لماذا لم تسجل المباحث الفيدرالية إفادات مراسل صحيفة نيويورك تايمز وسائق القتيل الذي شاهدا رجلاً قابعاً بين شجيرات قريبة في وضع مريب ؟ ولماذا تمّ تحويل قضية القاتل جيمس من مجرد لص عادي إلى رجل نفذ عملية إغتيال بحقّ شخصية عالمية كبرى .

أمكن الوصول إلى تفسير لمسألة حصول القاتل على الأموال ، ففي عام 1978م تم إثبات وجود صلة بين القاتل وبين أثنين من سكان منطقة سان لويس ، ومعروف أنهما أصحاب أفكار يمينية . ومع أن الروابط الظاهرة بين حادثي إغتيال الرئيس جون كينيدي وكينغ كثيرة ، فقد رفض رجال لجنة التحقيق التابعة للكونغرس إثبات أية علاقة في التقرير الرسمي . وعلى كل حال ، سيتم الكشف عن الكثير من الوثائق الخاصة بالقضية في عام 2027م ، وذلك حسب قانون حرية المعلومات .
لا يمكن إنكار حقيقة أن إدغار هوفر ظل رئيساً لمكتب التحقيقات الفيدرالية عشرات السنين يميني أبيض مسيحي متعصّب ، وقد رغب - بإلحاح - في تدمير موثوقية كينغ ، وتدمير سمعته ، وقد جاء الإغتيال ليزيح من الطريق تلك الشخصية القيادية التي كانت ستوحّد جهود أنصار العنف واللاعنف سوية باتجاه انتصار قانون الحقوق المتساوية بين الأبيض والأسود والفقير في الولايات المتحدة الأمريكية . وعندما مات كينغ ما كان لأحد أن يملأ الفراغ الذي تركه سوى مالكوم إكس ، لكن مالكوم إكس راح ضحية الإغتيال هو أيضاً قبل مارتن لوثر كينغ .

يعتبر كثيرون ان رسالة لوثر كينغ قد تحققت وان التفرقة العنصرية قد انتهت في اليوم الذي فاز فيه باراك اوباما بالانتخابات الرئاسية منذ 20 يناير 2009. حيث تفخر الكثير من دول العالم بوصول رجل من أصول أفريقية إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة. سيما بعض الدول الأوربية لم تصل لهذا القدر من الحرية وهي من أول الحاضنات للسود الأفارقة.

font change