* النائب السابق جوزيف صليوا: كان المطلوب حصول البابا على ضمانات بتعزيز وضع المسيحيين قبل القيام بهذه الخطوة
* الحشد الشعبي يستولي على أملاك المسيحيين
* الشريفي: زيارة البابا من شأنها دفع المكونات الاجتماعية والسياسية للعمل على إيجاد آليات تعاون فيما بينها
* الطائي: وجود البابا سيقدم تشجيعاً للسيستاني ليقوم بخطوات تتصل بالتعايش مع المسيحيين
بيروت: في ظل انتشار فيروس كورونا وظروف أمنية وسياسية لا تقل صعوبة، يستعد العراقيون لاستقبال البابا فرنسيس في أول زيارة خارجية له بعد انتشار الوباء، حيث يرى الكثيرون في هذه الزيارة رسالةً واضحةً لدعم السلام والتعددية في وطن يُعاني الكثير من المشاكل الطائفية بين أبنائه. ولا شك أن زيارة البابا تُعيد مسألة مصير المسيحيين في العراق إلى الواجهة من جديد، إذ شهدت البلاد نزوحاً جماعياً للمسيحيين في السنوات الأخيرة، خاصةً بعد أن استهدفت التنظيمات الإرهابية وجودهم.
برنامج الزيارة
ومن المنتظر أن تشمل هذه الزيارة التاريخية- التي تبدأ في الخامس من مارس (آذار) وتستمر 4 أيام- خمس مدن، هي: بغداد والنجف والموصل وذي قار وأربيل. ووفقاً للمعلومات، سيكون في استقباله بالمطار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قبل انضمام الرئيس العراقي برهم صالح إلى حفل الاستقبال الذي سيجري في القصر الرئاسي بالمنطقة الخضراء.
وسيتضمن برنامج اليوم الأول من زيارة البابا لقاء مع الأساقفة ورجال الدين والمدرسين في كنيسة سيدة النجاة وعدد من كنائس بغداد، لينتقل في اليوم الثاني للقاء المرجع الشيعي علي السيستاني في مدينة النجف، ثم إلى مدينة أور التاريخية في محافظة ذي قار، ومقام النبي إبراهيم، وسيلقي خطبة هناك بحضور حشد كبير من رجال الدين لمختلف الديانات والطوائف العراقية، قبل أن يعود في اليوم ذاته إلى بغداد للمشاركة في قداس كاتدرائية مار يوسف وسط بغداد.
أما في اليوم الثالث، فسيتوجه إلى أربيل التي تضم أعداداً كبيرة من أبناء الطائفة المسيحية النازحين من الموصل، لينتقل بعدها إلى سهل نينوى حيث سيشارك في مراسم الصلاة لضحايا الحرب في كنيسة «الطاهرة»، وبعد ذلك يعود إلى أربيل لكي يحتفل بالقداس في ملعب فرنسوا حريري، قبل العودة إلى بغداد حيث سيتوجه مباشرة إلى مطار بغداد الدولي للمغادرة بحفل توديع يشارك فيه المسؤولون العراقيون وسياسيون ورجال دين.
غياب الضمانات وخارطة الطريق
يستغرب النائب السابق عن المكون المسيحي في البرلمان العراقي، جوزيف صليوا، في حديث لـ«المجلة» «الطريقة العشوائية التي جاءت من خلالها هذه الزيارة، فما وجدناه في زياراته السابقة أنها تكون عادةً بالاتفاق مع مؤسسات الدولة لتعزيز المفاهيم والمواثيق الدولية التي يتبناها المجتمع الدولي، إلا أن هذه المفاهيم والتعاهدات غير مطبقة في العراق. إذ إن الدستور الحالي عنصري والقوانين ترفع من شأن مجموعة على حساب المجموعات الآخرى ولا تُساوي بين مكونات الشعب العراقي على أساس الإنسانية والمواطنة».
ويؤكد صليوا أن الزيارة كان يجب أن يسبقها «تطرق إلى هذه الجزئيات المهمة التي تمس حياة المواطن العراقي»، بحسب قوله. ويلفت إلى أنه «كان المطلوب حصول البابا على ضمانات بتعزيز وضع المسيحيين قبل القيام بهذه الخطوة، فالسلطات الحاكمة في الإقليم وفي بغداد يروجون من خلال هذه الزيارة على أن المسيحيين يعيشون بخير وسلام وبمساواة مع بقية المكونات، إلا أن حقيقة الأمر أن العراق يكاد أن يفرغ من المسيحيين، كما أن قرارهم السياسي مغتصب من السلطتين في الإقليم وبغداد، وكذلك حياتهم مهددة ولم يبق في العراق سوى 1 في المائة من سكانه المسيحيين، وهناك قوانين عنصرية تُفرض وتُطبق عليهم وهذا منافٍ للأعراف الدولية». وأضاف: «كان يفترض أن تكون هناك خارطة طريق تتضمن بعض النقاط التي تطرح على الحكومة العراقية للحد من هذه الهجرة وهذا الظلم والاستبداد الذي يتعرضون له».
الاستيلاء على أملاك المسيحيين
وفي سياق متصل، أشار صليوا إلى «عشرات الآلاف من العقارات المسيحية التي تم اغتصابها والاستيلاء عليها من قبل مجاميع مسلحة متنفذة في الدولة تتخذ من الحشد الشعبي غطاءً لممارسة هذه الأفعال؛ في النهار تُمارس عملها السياسي والعسكري، وفي الليل تُمارس دورها المافيوي والعصابي بالاستيلاء على حقوق الآخر». ويُتابع: «أصحاب هذه الأملاك بعضهم موجود في العراق ويُهددون من أجل ترك هذه الأملاك، والبعض الآخر بسبب التهجير لم يُتح له الوقت لبيع أملاكه فتم الاستيلاء عليها».
زيارة تاريخية... ذات أبعاد إنسانية
لا يوافق المحلل السياسي العراقي أحمد الشريفي على رؤية صليوا لزيارة البابا، ويرى في حديث خاص لـ«المجلة» أنه «من غير الممكن أن نتحدث عن بُعد ديني وإنساني للزيارة، وأن نتحدث عن إبرام اتفاقيات وحقوق، فهذه الخطوة من البابا من شأنها دفع المكونات الاجتماعية والسياسية للعمل من أجل إيجاد قوانين وآليات تعاون في الدولة تُساهم في تحقيق المصالحة فيما بينها وترسخ سياسياً الحقوق لمختلف المكونات».
ويصف الشريفي هذه الزيارة بـ«التاريخية لأن خصوصية المرحلة التي يمر بها العراق يحتاج فيها إلى الدعم الدولي، كما أنها تحمل مضامين وإيحاءات أكبر بكثير من الإيحاء السياسي، إذ إنها أوسع سعةً من زيارات ممثلي الأمم المتحدة والقيادات الدولية الكُبرى، لأنها تأتي في إطار اجتماعي وذات بُعد عقائدي وانساني».
وأضاف: «هي بمثابة ترسيخ للدعم الدولي للعراق تحضر خلاله القيم الإنسانية، فلقاء أديان بهذا المستوى وهذا الحجم وفي هذا التوقيت هو رسالة إنسانية لا تقتصر على العراق وإنما للعالم أجمع».
ويؤكد الشريف أن «الزيارة لا تخلو من قضية دعم المسيحيين، وكذلك تحمل طياتها ترسيخ الدور الحيوي والفاعل لهم في صناعة المرحلة القادمة، أي أن يتم ترسيخ الدور المسيحي في مستقبل العراق كجزء فاعل ومؤثر في الحياة الاجتماعية والسياسية، وبالتالي هي إعادة ترميم ما تهدم للمسيحيين، ليس في العراق فحسب، وإنما في منطقة الشرق الأوسط».
وعن زيارته لمرجعية النجف، يرى الشريفي أن ذلك يعود «لكون هذه المرجعية كانت الأكثر اعتدالاً والأكثر وضوحًا في ترسيخ الأبعاد الإنسانية».
من ناحيته، قال المحلل السياسي سرمد الطائي في حديث لـ«المجلة» إن «هذه الزيارة تؤكد تقدير الكنيسة الكاثوليكية للأماكن المقدسة في العراق». وأضاف: «الظروف السياسية والأمنية والحروب لم تُتح للبابا زيارة العراق سابقاً، أما اليوم فيمكن القول إن الأوضاع السياسية تبدو أفضل من السنوات السابقة وتسمح له بالزيارة التي ربما كانت ستُشكل حرجاً بالنسبة للكنيسة في وقت سابق».
وتابع الطائي: «في العقود الخمسة الأخيرة، كنا نسمع من رجال الدين العراقيين الذين يترددون على الفاتيكان أن البابا يُريد زيارة الأماكن المقدسة لكن يُخشى أن تُحسب هذه الزيارة دعماً لجهة معينة، إلا أن انحسار العامل الطائفي في السياسة العراقية أتاح استقرارا أمنيا نسبيا مما سمح له بالتخلص من الحرج في هذه الزيارة».
دلالات لقاء البابا مع السيستاني
وعن لقائه بالمرجع الشيعي علي السيستاني، يؤكد الطائي أنها ليست تقديماً لحوزة النجف على حساب حوزة قم، ويقول: «النجف وقم في خط ديني وسياسي متقارب مقابل طهران التي تُريد أن تقوم بابتلاع الحوزتين في نفس الوقت، إذ تمكنت الحوزات الشيعية على مر العصور من الحفاظ على استقلاليتها، إلا أن الثورة الإيرانية جعلت شخصا واحدا يسيطر على السلطة الزمنية والسلطة الدينية».
وأضاف: «لطالما حاولت حوزة قم أن تنتفض مراراً والقول بأنه يجب الحفاظ على استقلالية المدارس الدينية والسلطة الروحية. وهناك الكثير من الأصوات تنطلق من حوزة قم وتطلب من النجف مساعدتها لكي تستعيد استقلاليتها الروحية وتتخلص من هيمنة الولي الفقيه». وتابع: «يمكن القول إن هذه الزيارة بمثابة تشجيع من قبل الكنيسة الكاثوليكية لحوزة النجف لكي تطور علاقاتها وخطواتها الشجاعة، إذ إنها تتعرض لتهديد إيراني متواصل يصل في بعض المراحل إلى تهديد أمني».
ولفت الطائي إلى أن «هناك تنافسا شديدا خارج العراق بين حوزة النجف والسلطات الإيرانية، وبالتالي فإن وجود البابا سيقدم تشجيعاً للسيستاني ليقوم بخطوات تتصل بالتعايش مع المسيحيين الذين يعانون من قيود في العراق ويحتاجون إلى كلمات أوضح من المرجعية تُدين تقييد حياتهم ومصالحهم، وأعتقد أن النجف لديها قناعة بضرورة الحفاظ على الوجود المسيحي، وهذا ما يتطلب قرارات جريئة، وقد تكون زيارة البابا مشجعة لتتخذ النجف قرارات في هذا الإطار».