في الثلث الأخير من «العهد القوي»، ارتفعت نسب الفقر في لبنان حتى وصلت إلى 55 في المائة، في حين لامس سعر صرف الدولار حدّ العشرة آلاف ليرة، وهو مرشّح أكثر للارتفاع في الأيام المُقبلة، إن لم تتخذ إجراءات سريعة وقاسية بحق العصبات التي تسيطر على السوق السوداء.
وعلى هذا الوقع، انفجر المواطنون في مختلف المناطق اللبنانية فلجأ المحتجون إلى قطع الطرق وإحراق الإطارات، احتجاجاً على الوضع. المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية سلبية طالما أن الحراك السياسي متوقّف، لكن طول التوقّف سيحمل ما لا تُحمد عُقباه على الصعيد الشعبي، وبالتالي، تحذيرات الدبلوماسيين الغربيين، وأبرزهم وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان قد تصبح حقيقةً وعندها، لا ينفع الندم.
وبرأي الخبراء أن «العصابات هي التي تُسيطر على السوق السوداء وسعر الصرف، وبالتالي هي من تتحكم به، رغم أن الأسباب والعوامل موجودة من أجل إرتفاع سعره، والتي تتمثل بغياب الاستقرار السياسي منذ أكثر من سنة، وتهافت المواطنين على شراء الدولارات خوفاً من إرتفاعٍ إضافي، كما نشاط التهريب أيضاً على صعيد العملة الصعبة مثلما هو الحال على صعيد المحروقات أو المواد المدعومة، وقد تكون بعض المصارف، أو بعض المدراء في المصارف، متواطئين مع الصرافين، لكن السؤال الأساسي، لماذا اليوم ارتفع السعر إلى حدود الـ10 آلاف رغم أن العوامل موجودة من قبل؟».
وحول مسؤولية المصارف في ارتفاع سعر الصرف بسبب سحبها بعض السيولة من السوق في إطار إعادة الرسملة، قال الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة إن «التعميم رقم 154 يفرض عليهم تأمين المبالغ من الخارج وليس من الداخل، والعمل عكس التعميم يرتّب عليهم مخالفات عدة وملاحقة قضائية بتهم عدّة، كما أن المبالغ الموجودة بالدولار داخل السوق اللبناني تُقدّر بـ7 مليارات دولار، ومن غير المنطقي تأمين المصارف 3.4 مليار دولار من الأسواق الداخلية، وإلّا سيرتفع عندها سعر صرف الدولار أكثر بكثير مما نرى اليوم، لكن ذلك لا يمنع أن يكون هناك بعض التجاوزات، وفي هذا السياق يجب محاسبة صاحب أي مصرف تثبت إدانته بسحب العملات الأجنبية من داخل السوق المحلية».
وعن الإجراءات السريعة المطلوبة لتدارك الأمر، شدد عجاقة على «ضرورة منع التعامل بالدولار على صعيد المعاملات الداخلية، وحصر التعامل به في الأسواق المالية والتجارة الدولية، وهذا لا يعني سحب الدولارات من الناس، بل يُمكن لهم الاحتفاظ بدولاراتهم عبر المصارف، كما يجب وقف التعامل بالشيكات، وهذه الأمور يمكن أن تتحقق حينما يتوفّر القرار السياسي عبر إصدار قانون».
وحول احتمال استمرار ارتفاع السعر، لفت عجّاقة إلى أن «الأمر يعود إلى هذه العصابات التي ذكرناها سابقاً»، مشيرا إلى أن «هؤلاء الصرافين يؤمّنون الدولار بشكل دائم وبمبالغ كبيرة، ولم نشهد أي محاسبة جدّية بسبب توفّر الحماية السياسية لهم. وبالتالي، الأمر رهن التحرّك تجاههم وضبط السوق».
وفي ما خص عملية هيكلة المصارف التي يجريها مصرف لبنان، وبعد انتهاء المهلة التي تحدّدت وفق التعميم رقم 154، اعتبر عجّاقة أنه «على المصارف غير القادرة على حماية أموال المودعين التوقف عن العمل، فالتعميم هدفه زيادة الرساميل من أجل حماية الودائع وتسكير الدكاكين، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت».
وكان رئيس الجمهورية ميشال عون قد تابع مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ما تشهده بعض المناطق اللبنانية منذ يوم الثلاثاء من تحركات احتجاجية، على خلفية وصول سعر صرف الدولار الأميركي إلى سقف العشرة آلاف ليرة.
وطلب الرئيس عون من سلامة معرفة الأسباب التي أدت إلى ارتفاع سعر الدولار إلى هذه المستويات لا سيما في الأيام القليلة الماضية، وإطلاع اللبنانيين، تأمينا للشفافية، على نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة. كما طالبه بإحالة هذه النتائج إلى النيابة العامة ليصار إلى ملاحقة المتورطين، في حال ثبت وجود عمليات مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنية، من جانب أفراد أو مؤسسات أو مصارف.
في هذا الإطارلاحظت مصادر مصرفية بارزة تجدد الحملة الإعلامية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالتزامن مع انتهاء المهلة التي أعطاها التعميم 154 للمصارف من أجل زيادة رأسمالها بنسبة 20 في المائة وتأمين ما يوازي 3 في المائة من قيمة الإيداعات لديها بالعملات الأجنبية في المصارف المراسلة.
وفي موازاة المعلومات المبدئية التي أشارت إلى أن معظم المصارف امتثلت لمتطلبات التعميم، وبالتالي إلى نجاح سلامة في التأسيس لخطة إعادة هيكلة القطاع المصرفي على نحو يسمح له بمعالجة تدريجية للمشاكل التي يعاني منها، عاد المتضررون من نجاح سلامة إلى أسلوبهم المعتاد في التخريب على كل ما من شأنه الحفاظ على الاقتصاد الحر، والمؤسسات والمواقع القيادية التي ترعى هذا الاقتصاد وتحافظ عليه في مواجهة الحملات المتلاحقة لتدميره من ضمن خطة ممنهجة لتغيير هوية النظام السياسي والاقتصادي في لبنان.
وتلفت المصادر المصرفية المسؤولة إلى أن القفزة الجديدة في سعر صرف الدولار الأميركي في مقابل الليرة اللبنانية، جاءت من ضمن المحاولات الهادفة إلى تحويل الأنظار عن الدينامية السياسية والشعبية والوطنية التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي بدعوته إلى مؤتمر دولي لضمان حياد لبنان وسيادته واستقلاله وحريته من خلال تطبيق الدستور وقرارات مجلس الأمن الدولي ووثيقة الوفاق الوطني في الطائف، موضحة أن أجواء التوتير السياسي التي افتعلها الفريق المتضرر من مواقف البطريرك الراعي معطوفة على تنشيط شبكات التهريب والتلاعب بالدولار التي يديرها هذا الفريق أدت إلى تدهور جديد في سعر صرف الليرة اللبنانية في مقابل الدولار، وهو ما تزامن مع تحريك الشارع على خلفيات اجتماعية ومالية واقتصادية كرد على نجاح البطريرك الراعي في استقطاب القسم الأكبر من الرأي العام اللبناني من خلال دعوته إلى مؤتمر دولي لضمان حياد لبنان.
وتوضح المصادر أن ما شهدته الساعات الأربع والعشرين الماضية من تحركات وشعارات وعمليات تخريب استهدفت المصارف والمحلات التجارية في شارع الحمرا، وعمليات قطع الطرقات في بيروت والمناطق البعيدة من العاصمة، هدفه تصوير الأزمة اللبنانية وكأنها معيشية واقتصادية واجتماعية في أساسها بعدما وضع البطريرك الراعي الإصبع على الجرح، مشدداً على الأزمة السيادية والسياسية كسبب أساسي للأزمات المتفرعة التي يعاني منها الشعب اللبناني.