* الأعمال الفنية التي تتناول قضايا التجسس شعبية ومطلوبة، لأن لها نسبة مشاهدة عالية ولا يمكن الاستغناء عنها
* إنجلترا وفرنسا كانتا تتجسسان على مصر في فترة كبيرة من الفترات، والدراما المصرية لم تتطرق إلى هذه الأفعال في أي عمل فني سينمائي أو درامي
القاهرة: في عام 1988 خرج مسلسل رأفت الهجان الذي روى قصة الجاسوس المصري، رفعت علي سليمان الجمال، الذي تم زرعه داخل إسرائيل للتجسس لصالح المخابرات المصرية، وكان رفعت الجمال في المسلسل هو رأفت الهجان، وجسد شخصيته ببراعة الفنان الكبير الراحل محمود عبد العزيز، وحقق نجاحا كبيرا من الصعب على أي فنان آخر أو مسلسل أن يكرره.
وبعد نجاح هذا العمل الذي تناول الجاسوسية وأعمال المخابرات خاصة الموجهة إلى إسرائيل، تم إنتاج عدد كبير من المسلسلات التي تتحدث عن القضية نفسها، كان آخرها مسلسل «الزيبق»للفنان كريم عبد العزيز، والذي تناول أيضا قصة شاب كان يعمل لصالح المخابرات المصرية في بداية فترة التسعينات، ونجح في الكشف عن عدد من شبكات التجسس التي قامت إسرائيل بزرعها في الداخل المصري، وقبل أيام من صدور الجزء الثاني من هذا العمل، يأتي السؤال التالي: هل ستستمر تلك الأعمال التي تعتبر أعمالا مناهضة لإسرائيل، خاصة في ظل اتفاقيات السلام التي تم توقيعها بين عدد من الدول العربية وإسرائيل، خصوصا وأن مصر واحدة من تلك الدول بل من أقدم الدول العربية التي وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل؟
أعمال مطلوبة شعبيا
أسئلة كثيرة تدور في أذهان الناس حول مبررات استمرار إنتاج أعمال فنية سواء درامية أو سينمائية تقوم بتصدير صور سلبية عن إسرائيل واليهود، خاصة في ظل وجود أنباء عن إنتاج مسلسل ضخم يوثق إحدى عمليات التجسس بين مصر وإسرائيل، على غرار ما حدث في المسلسل المصري «الزيبق»، وكذلك ما تناوله المسلسل المصري الشهير «كلبش» للنجم أمير كرارة منذ أن بدأ عرضه لأول مرة في عام 2017، وقد تقبله المشاهدون بترحاب كبير، حيث تناول المسلسل شخصية شريرة لرجل أعمال كبير في المجتمع المصري تم فصله من عمله كدبلوماسي في وزارة الخارجية بسبب تورطه في علاقة مشبوهة مع امرأة يهودية مزراحية أميركية، وتقوم هذه المرأة بتوظيفه لمساعدة المنظمات الدولية، التي تهدف إلى الإضرار بالأمن القومي المصري. ويتوصل أخيرا بطل المسلسل، وهو شرطي مصري يحارب الإرهاب، إلى توقيفهما معا.
وتتعدد الأعمال الفنية لكن الشكل واحد، حيث تناول أيضا المسلسل المصري «الضاهر» قضية أخرى معقدة أكثر، متمثلة في قصة ضابط عسكري مصري تجمعه علاقة حب بفتاة يهودية وكان من المفترض أن يتم بثه منذ ثلاث سنوات، لكن توقف فجأة، ثم أعيد بثه على إحدى القنوات غير المعروفة. ولكن إلى متى سيتم التركيز على مثل تلك الأعمال الفنية وعدم الالتفات إلى قضايا أكثر أهمية كقضايا الإرهاب التي تواجه المنطقة؟
يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ«المجلة»: «إن الأعمال الفنية التي تتناول قضايا التجسس شعبية ومطلوبة، لأن لها نسبة مشاهدة عالية ولا يمكن الاستغناء عنها كسلسلة (جيمس بوند)، و(رأفت الهجان)، وهي مهمة، لأنها تساعد بشكل كبير في توعية الناس بأبعاد الأمن القومي وكيفية الحفاظ عليه، ولكن يجب أن نوضح أن أغلب الأعمال الفنية التي ترصد وقائع التجسس بين مصر وإسرائيل كلها رد فعل على أعمال ضد مصر، باستثناء (رأفت الهجان)».
إسرائيل عدو قديم
واستنكر صادق الاستمرار في تلك الأعمال بنفس الطريقة القديمة، واصفا إياها بـ«الساذجة»، مؤكدا أنها أصبحت لا ترتقي إلى عقلية المشاهد الذي يرى أن إسرائيل عدو قديم وأن هناك أعداء أشد فتكا، منهم من هو موجود حولنا، ولم نتطرق إليهم بأي عمل فني، كتركيا وعملائها بالمنطقة ومحاولاتها تفتيت الأمن القومي العربي والتدخل في شؤون الدول العربية، مؤكدا أن هناك أعمال تجسس أشد من إسرائيل كالتجسس التركي السياسي والاقتصادي.
وأضاف صادق أن إنجلترا وفرنسا كانتا تتجسسان على مصر في فترة كبيرة من الفترات، والدراما المصرية لم تتطرق إلى هذه الأفعال في أي عمل فني سينمائي أو درامي، ولكن تناول الدراما لأعمال الجاسوسية بين مصر وإسرائيل أصبحت قديمة ولا يمكن أن تستمر في ظل وجود اتفاقيات سلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، فضلا عن وجود أعداء جدد أخطر على الأمن القومي المصري والعربي أكثر من إسرائيل.
وأشار صادق إلى أنه «يجب توجيه دور الفن أكثر، حتى لا يصبح دوره ساذجا، مؤكدا أن هناك أعمالا فنية تتناول قضايا التخابر والتجسس ولكن بشكل غير ساذج كفيلم «ولاد العم» للفنان كريم عبد العزيز، والذي كان متوازنا في تناوله للقضية بين كافة الأطراف، وكان مختلفا عن الأعمال الفنية السابقة والتي كانت تظهرنا في دور الضحية التي يتم التجسس عليها».
ورأى صادق أنه فضلا عن وجود أهداف سياسية لهذه الأعمال فإن هناك أهدافا آيديولوجية منها رفع الروح المعنوية والوطنية لدى الجمهور، مؤكدا أن أغلب هذه المسلسلات تحتوي جانبا كبيرا من الخيال.
إسرائيل تبرز بطولات مخابراتها
من جانبه، قال الناقد الفني طارق الشناوي لـ«المجلة» إن «بطولات القوات المسلحة المصرية والمخابرات العامة المصرية موجودة ومؤرخة وموثقة، وإنتاج أعمال فنية توثق تلك البطولات أمر ضروري، موضحا أن تلك الأعمال الفنية لن تؤثر على اتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر أو الدول العربية».
وتابع: «عندما قامت مصر بتوقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 تم إنتاج عدد من الأعمال الفنية التي وثقت بطولات جهاز المخابرات العامة المصرية كمسلسل رأفت الهجان، وجمعة الشوان، وغيرهما من الأعمال الفنية، والتي ستظل وساما على صدورنا».
وأضاف الشناوي: «إسرائيل هي الأخرى تقوم بإنتاج أعمال فنية تبرز بطولات جهاز مخابراتها وكان آخرها ما حاولوا القيام به من إقناع العالم كله بأن الراحل أشرف مروان كان عميلا لهم، في إطار توجيه الفن لإبراز ما يقومون به من أعمال استخباراتية وإقناع الداخل الإسرائيلي بتلك البطولات، وإسرائيل لن تتوقف هي الأخرى عن إنتاج مثل تلك الأعمال الفنية».