*كندا وافقت على إطلاق صندوق استثماري لعملة البتكوين الرقمية... وسيتم إدراجه في البورصة
*شركة «تسلا»قررت استثمار 1.5 مليار دولار في البتكوين
* «ماستركارد»تعلن قرب الانضمام إلى قافلة المتعاملين مع عملات رقمية محددة
*الهند تدرس وضع العملة الرقمية وتبحث حظرها وإطلاق عملة رقمية محلية
*البنوك الكبرى يجب أن تلحق بهذا الواقع وإلا ستتأثر مواردها المالية سلباً
*هيئة الرقابة المالية البريطانية تحذر من مخاطر التداول عبر البتكوين أو العملات الرقمية بسبب افتقاد الحماية اللازمة
القاهرة: أثار الارتفاع الكبير لقيمة عملة البتكوين الرقمية، مؤخراً، والتي لامست حاجز 50 ألف دولار، حالة من الذهول لدى المتابعين لأخبار هذه العملة منذ ظهورها، وكذلك للاقتصاديين سواء من المتفقين أو المعارضين لمبدأ وجود عملات إلكترونية رقمية مشفرة في التعاملات على الساحة الدولية، وزاد حجم الدهشة بعد إعلان عدد من الدول والمؤسسات عن تعاملهم مع العملات الرقمية، وفي صدارتها البتكوين كواقع اقتصادي على الأرض، وكانت كندا من بين الدول التي أعلنت عن موافقتها على إطلاق صندوق استثماري لعملة البتكوين في العالم، وذكرت لجنة الأوراق المالية في أونتاريو التي تقوم بالإشراف على بورصة تورنتو موافقتها على إنشاء صندوق اقترحته إحدى الشركات الكبرى، وتحمل اسم «باربوس إنفستمنتس إنك»،مما يساهم في دفع المستثمرين للتعامل مع البتكوين، وسيتم إدراج الصندوق في البورصة خلال أيام تحت اسم «BTCC»، وسيكون الصندوق الأول في العالم الذي يستثمر مباشرة في هذه العملة، وعزز من عملية الإقبال على العملة الرقمية خفض أسعار الفائدة في عدد من الدول الكبرى لدرجة قاربت الصفر وهو ما أضعف من العملات المحلية والعالمية، يزيد من الإقبال على العملات الرقمية لتحقيق مكاسب سريعة، فيما تسعى الهند إلى إلغاء التعامل بعملة البتكوين، وتتطلع إلى تفعيل عملة رقمية خاصة بها بحسب تقارير إعلامية.
وكان من بين المؤشرات المحفزة للكثيرين والتي دعمت من عملة البتكوين إعلان شركة «تسلا»الشهيرة لصناعة السيارات الكهربائية عن استثمار ضخم (حوالي 1.5 مليار دولار) في البتكوين، وقبولها العملة الرقمية في شراء سياراتها، وهو ما زاد من دهشة الملايين من الاقتصاديين حول العالم تجاه مستقبل هذه العملة التي صعدت بسرعة صاروخية إلى منصة الاقتصاد العالمية، وانضمت مؤسسة «ماستركارد»إلى قافلة المتعاملين مع البتكوين بعد إعلانها مؤخرا دعمها لعملات رقمية محددة على شبكتها قريبا، فيما قدمت عدة شركات أميركية وكندية مؤخرا عروضا لهيئة الأوراق المالية في أميركا وكندا لعمليات إدراج في البورصة، فيما تتعامل شركات كبرى أخرى بالعملات الرقمية منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن بينها شركة «سكوير»التي تقبل الدفع بعملة البتكوين، وأعلنت شراءها المزيد من العملة الرقمية الأشهر في التداول عالميا كاستثمار للشركة.
تخوفات بنكية
الاقتصاديون الذين استوعبوا ظاهرة العملات الرقمية، وعملية سعيها للاندماج داخل منظومة الاقتصاد العالمي يرون أن ما يحدث هو تطور طبيعي بعد أن سعت عدة شركات عالمية للتعامل مع العملات الرقمية، ليس هذا فقط، ولكن هناك من الدول من يتعامل بهذه العملات، وأصدرت بالفعل عملات مماثلة للبتكوين مثل الصين، وفسروا التخوف من عملية المضاربة بواسطة هذه العملات بأن العملات التقليدية القوية مثل الدولار واليورو والإسترليني معرضة لعمليات صعود وهبوط مماثلة بحسب العرض والطلب عليها، ويتم التداول بها بين عدد من المؤسسات الكبرى، بل يتم استخدامها لدى البعض في البيع والشراء وهو ما تم مؤخرا من خلال شركات عالمية كبرى أكدت على عرض منتجاتها للجماهير من خلال البتكوين ومن بينها شركة «تسلا».
ويرى خبراء أن البنوك يجب أن تكون الأكثر تخوفا بسبب خروج عملية التداول للعملات المشفرة من أنظمتها الرسمية خلال عمليات التداول مما سيؤثر على مواردها المالية، حيث سيكون التداول في العملات الرقمية مباشرة ودون وسطاء مع المستفيد فقط، وهو ما سيجعل البنوك تتواكب خلال الفترة القادمة مع الوضع الاقتصادي الجديد الذي سيكون لزاما على الأسواق المالية استيعابه والتعامل معه إذا أرادت التواجد والاستمرار وليس فقط المنافسة.
ويعزز هؤلاء أيضا من آرائهم بوجود تعاملات لعدد من الدول من خلال البنوك المركزية بالعملات الرقمية من خلال أنظمة تراخيص معينة، ومن بين هذه الدول الصين التي أصدرت عملات رقمية خاصة بها، وهو ما يدعو باقي الدول للاستعداد لهذا الوضع المالي والاقتصادي الجديد من خلال تهيئة مؤسساتها المالية للتعامل مع العالم الرقمي الجديد إذا أرادت التواكب والتماشي مع عملية التطور العالمي المتسارعة، فيما يتعلق بالتعامل الاقتصادي، وخروجه من دائرة التعامل النقدي التقليدي إلى عالم رقمي أكثر رحابة وسرعة وإلا ستجد نفسها في مهب الريح، ووسط أمواج متلاطمة لا تستطيع مقاومتها في ظل تسارع الجميع للالتحاق بهذا الواقع الذي تتسارع الشركات العالمية والمؤسسات الكبرى على الالتحاق به، وفي مقدمتها الشركات العالمية، مثل «تسلا»، ومنصات البيع الإلكتروني العملاقة، مثل «علي بابا»،و«أمازون»التي تستخدم جميعها قسما للتسوق بالعملات الرقمية، فيما أعلن عن قيام رئيس مؤسسة «تويتر»التنفيذي جاك دورسي بالشراكة مع الموسيقي جاي زي بإنشاء صندوق للعملة الرقمية برأسمال قيمته 24 مليون دولار لشراء 500 وحدة من عملات البتكوين، وسيكون هدفهما تطوير البتكوين في أفريقيا والهند كأسواق مثيرة للاهتمام مثلما أكد الأول، حيث تتسارع عملية التعامل بالعملة الرقمية في الأسواق النامية خلال الفترة الأخيرة بسبب الالتفاف على الإجراءات الحكومية، ورخص عملية التعامل مقارنة بالتعاملات العادية، وسجلت دولة مثل نيجيريا تناميا كبيرا في التعامل بالعملة المشفرة خلال الفترة الأخيرة.
تحذيرات بريطانية
ويقلل بعض الاقتصاديين المؤيدين للتطور الطبيعي للعملات الرقمية من فرص التلاعب بها أو استخدامها في تمويل النشاطات المشبوهة حول العالم، ومن عمليات غسيل الأموال والإرهاب والمخدرات، حيث إن قيمة المؤسسات المتعاملة بها تشير إلى ضرورة وجود أنظمة حماية صارمة، ونظام ضخم خاص بها، تمنع أو تقلل من عمليات النشاطات المشبوهة، وهو ما تقوم به المؤسسات الكبرى في حماية بياناتها، وخصوصياتها في التعامل من خلال أنظمة الأمان الإلكترونية الصارمة.
وفيما حذرت هيئات مالية كبرى ومن بينها هيئة الرقابة المالية البريطانية مؤخرا من أخطار التداول عبر البتكوين أو العملات الرقمية بسبب وجود مخاطر جراء عمليات التداول عبر هذه العملات، وإمكانية خسارة كل أموال المتداولين الذين يسعون لكسب الأموال مندفعين بعمليات الترويج التي تقوم بها شركات التداول وعمليات «المبالغة»في الأرباح التي سيجنيها المضاربون، وعدم وجود حماية لهؤلاء من أي جهة رسمية في حالة وجود أي خطأ خلال عمليات الشراء والبيع للعملة المشفرة.
بداية غير رسمية
وتشير تقارير إعلامية إلى أن بداية العملة الرقمية البتكوين كانت في عام 2008 من خلال شخص يسمى ساتوشي ناكاموتو، ربما يكون اسما مستعارا أو كيانا جماعيا لعدة أشخاص أصدروا هذه العملة على الإنترنت، وتم تسجيل موقع إلكتروني للعملة المشفرة في العام التالي، وهي عبارة عن عملة إلكترونية «مشفرة»لم يكن لها وجود مادي، وهي مجرد أكواد لها وسيط من خلال الإنترنت مثل باقي العملات المشفرة والتي تعد البتكوين أشهرها في التعامل، وتتميز العملات الرقمية بالنسبة للبعض في خروجها عن مظلة البنوك المركزية والجهات الرسمية الحكومية، وفي الوقت نفسه إمكانية التعامل بها من خلال المتاجر والأسواق والمنصات الإلكترونية، وكان من بين أسباب ظهورها ضعف عدد من المؤسسات المالية العالمية عقب الأزمة المالية الكبرى عام 2008 والتي خلفت حالة من عدم الاستقرار المالي والركود الاقتصادي، وضعفت نتيجتها قيمة العملات الورقية، التي استبدلها البعض بالعملات الرقمية وهو ما دفع سعرها لأعلى بشكل كبير وغير مسبوق، وسعى الكثيرون في عالم التداول الرقمي لاستبدال عملاتهم التقليدية بأخرى إلكترونية رقمية مما أدى لارتفاع سعرها وقيمتها بشكل كبير جدا، وتتميز البتكوين في انتشارها في العديد من دول العالم ومن بينها دول نامية في أفريقيا وآسيا، وأن التداول بها لا يخضع لأي جهة حكومية اقتصادية حيث يعد التداول بها سريا ودون أي وسطاء حكوميين، هذا بجانب انخفاض نفقات عملية التداول بها وهو ما يجعلها مثالية للبعض خاصة من المستثمرين الذين يرغبون في الحصول على أعلى عائد دون تدخلات حكومية، وهي تمثل وفق خبراء «سلاحا ذا حدين»؛حيث إن مميزاتها لدى الكثيرين تعد فرصة أيضا لدى أشخاص قد يستخدمونها في أغراض غير مشروعة، وفي عمليات فساد حيث تسهل طبيعة عمليات التداول من القيام بعمليات غير قانونية، فلا تخضع عمليات التداول لأي جهة رسمية أو حكومية يمكنها من ضبط إيقاع عمليات التداول.
وتعد العملات الرقمية أيضا وسيلة سهلة لقطاع كبير من الأشخاص الذين لا يريدون الارتباط بالبنوك من خلال حسابات تقليدية، ويريدون القيام بعمليات إلكترونية سلسة في التداول الرقمي وعمليات الدفع والتعامل الإلكتروني في البيع والشراء وذلك لسهولة هذا الأمر وعدم الدخول في إجراءات رسمية وحكومية من خلال البنوك وغيرها، وكذلك تجنب دفع رسوم حكومية مرهقة للبعض بسبب المغالاة الرسمية في مثل هذه الأشياء من قبل بعض الحكومات وخاصة في عمليات تحويل الأموال المعروفة بين المؤسسات والأفراد.
وسيلة غير منضبطة
الدكتورة بسنت فهمي، الخبيرة الاقتصادية والمصرفية، قالت لـ«المجلة»: «موضوع العملات الرقمية ومن بينها البتكوين من أخطر ما يكون، فمن المفترض أن تكون العملات انعكاسا للاقتصاد، والبتكوين ليس له أي علاقة بالاقتصاد، ولذلك فالموضوع خطير ولا بد من إيقافه أو تحجيمه، فهي عبارة عن وسيلة لجذب وتجميع الأموال من كل أنحاء العالم وهي باختصار موضوع غير منضبط، ومن الممكن أن يتسبب في أزمات كارثية في العالم ويؤثر بشدة على كيانات وأفراد».
وحول اعتماد عدد من الدول للعملات الرقمية، قالت:«من الممكن أن يكون ذلك لأسباب خاصة بالدولة، لكن ما نعرفه عن العملات أنها شيء مواز لاقتصاد الدولة ومعبرعنه، فعندما نذكر الدولار فهذا يعني للجميع الاقتصاد الأميركي، مثلما أن الإسترليني يعني اقتصاد المملكة المتحدة، وهكذا بالنسبة لجميع الدول في كل أنحاء العالم، لكن عندما نتحدث عن البتكوين فلنسأل أنفسنا: ما هو الاقتصاد الذي تمثله؟ فهذا هو المعروف والشائع والمنطقي في الاقتصاد، لكن أن يقوم شخص أو كيان بإصدار عملة (وهمية) وتتم المضاربة عليها فهذا شيء غير مقنع بالنسبة لي كاقتصادية، ولكثيرين ممن يرفضون هذا الأمر من الخبراء والمتخصصين».
مضاربات مالية
وفيما يتعلق بموافقة دول على هذا الأمر واعتماد البتكوين والعملات الرقمية كوسيلة اقتصادية ومن بينها دول مثل الصين التي أقرت عملة إلكترونية خاصة بها، أضافت الدكتورة بسنت فهمي: «العملة بالنسبة لي تعني شيئا قابلا للتداول والاستخدام داخل الأسواق، وعندما أقوم بالإمساك بعملة في يدي يكون هذا بهدف الشراء والبيع، لكن البتكوين عملية (مضاربات) مثل القمار في الكازينوهات المعروفة في الدول التي تعتمد لعبة القمار، من خلال أندية وكازينوهات يقوم فيها المقامرون بالمضاربة أو المقامرة في لعبة تسمى روليت وهي عبارة عن حلقة تدور وتقف عند رقم معين، والبتكوين تمثل هذا الأمر تماما فما يتم فيها هو عملية مضاربات، وليس عملة، وعندما تذهب لشراء البتكوين فإن ذلك يكون بهدف المضاربة، لكن السؤال المهم هل تستطيع أن تأخذ ما اشتريته من البتكوين وتذهب لتشتري به بضائع من الأسواق أو عقارات أو ذهب أو حتى تدفع به في عمليات التجارة الدولية؟ بالطبع لا يستطيع أحد فعل ذلك ومن هنا فهو موضوع خطير جدا، ومن الممكن أن يتسبب في أزمة دولية كبيرة في الاقتصاد».
وحول وجود قيمة فعلية في الفضاء الإلكتروني لعملة البتكوين، قالت: «سنضرب مثالا بالذهب والفضة، أو أي من الأشياء الملموسة التي لها قيمة فعلية على الأرض، لكن البتكوين عبارة عن اختراع، فالشخص مثلا يمكنه الذهاب إلى السوق وبيع ما يمتلكه من ذهب أو فضة بأي وقت وبسعر معروف للجميع من واقع سعر الذهب والفضة في الأسواق العالمية، ورغم أن هناك تشابها، لكن الوضع بالنسبة للعملات الرسمية للدول وما ترتبط به من غطاء من الذهب يعد وضعا مستقرا ومعروفا، حتى في حالة تذبذب الأسعار بالارتفاع أو الانخفاض أحيانا يكون هذا وفق مؤشرات اقتصادية «معقولة»و«منطقية»، أما البتكوين فهو شيء لا يخضع لأي عقلانية أو منطقية في تعامله، ومن الممكن أن يسبب كوارث».
قيمة مستقبلية
وبخصوص وجود قيمة مستقبلية للعملات الرقمية ومن بينها البتكوين، أضافت: «ماذا وراء ما تقوم بشرائه من البتكوين؟ وعن أي شيء يعبر؟ لا يعبر عن شيء، ولا يعرف من وراءه، مثل مضاربات ألعاب أندية القمار، فلا تستطيع البيع أو الشراء بها، وكل ما نقوم به هو المضاربة من خلالها، فقوة العملة فيما وراءها، وكذلك في قدرتها على التداول، فإذا أردت بيع قطع ذهبية تمتلكها، فسيكون ذلك ممكنا وعلى الفور من خلال كيانات رسمية ومعروفة، وبشكل رسمي وقانوني، وستعلم السعر قبل ذلك، وتتوقع السعر الذي ستعيد به البيع وسيكون ذلك التوقع منطقيا على الأقل خلال أشهر قادمة، وإذا خسرت عند عملية البيع ستكون هذه الخسارة منطقية ومعقولة، وطفيفة، ولن يمثل ذلك أزمة بالنسبة لك في أموالك التي ستحصل في حالة الخسارة على الأكثر لحوالي 80 أو 90 في المائة، ولكن الشيء الأكثر توقعا هو أنك ستكسب عند إعادة عملية البيع مرة أخرى لأن الذهب مثل العملات الرسمية شيء له قيمة، كل هذا لن يكون موجودا في العملات الرقمية التي لا يقف وراءها اقتصاد (قوة اقتصادية أو ناتج قومي) أو عملة رسمية أو أي شيء».