* مصر مصنفة الرابعة عالمياً والثالثة عربياً.. بنسبة 89.5 في المائة لـ«النساء المختتنات»
* تعديلات قانونية تغلظ «عمليات الختان».. ودخول «أسرة الفتاة» للمرة الأولى في دائرة العقوبات
* تدشين مجموعة «لا هوادة» للقضاء على الختان.. والأزهر تطور موقفه من رفض منع ختان الإناث.. إلى الفتوى بتحريمه
* الدكتورة هند فؤاد لـ«المجلة»: ارتباط الختان بـ«العفة والطهارة» عرقل أي جهود للقضاء عليه.. ودور «رجال الدين» مؤثر في مواجهة المشكلة
* الدكتورة آمنة نصير لـ«المجلة»: الختان عادة أفريقية.. وجميع النصوص التي وردت فيها ضعيفة
القاهرة:لم يكن قرار مجلس الوزراء المصري الأخير بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات بشأن جرائم ختان الإناث وإقرار المزيد من العقوبات الرادعة، هو الأول من نوعه الذي تنتهجه الحكومات المصرية على مدار العقود الأخيرة، بل جاء ضمن إجراءات متصاعدة لمواجهة هذه الظاهرة، التي تترسخ لدى قطاعات كبيرة من مختلف فئات الشعب المصري، خاصة وأن المحاولات السابقة للحد من هذه الظاهرة لم تسفر سوى عن نجاحات طفيفة في مواجهة «عادات اجتماعية» ترسخت بعوامل ثقافية ودينية.
قرار مجلس الوزراء الذي صدر في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي تمهيدا لإرساله إلى مجلس النواب للموافقة عليه، حرص هذه المرة على سد الثغرات في التعديلات السابقة، حيث ألغى نص «بدون مبرر طبي»، والذي كان يستغل للقيام بعمليات الختان، وتعريف الختان طبقا للمعايير الدولية، وعقوبات رادعة تشمل كل من يقوم بهذه العملية، تصل إلى السجن المؤبد 20 عاما إذا نتج عن هذه العملية وفاة، وكان من يقوم بها طبيب.
كما أدخلت التعديلات، للمرة الأولى، «أسرة الفتاة» في دائرة العقوبات، ونصت على أن «يعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على طلبه، كما يعاقب بالحبس كل من روج، أو شجع، أو دعا بإحدى الطرق المبينة لارتكاب جريمة ختان أنثى ولو لم يترتب على فعله أثر».
سلسلة إجراءات
هذه العقوبات المشددة، جاءت ضمن سلسة من الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المصرية على مدار عقود ماضية. فقضية ختان الإناث من القضايا الجدلية التي كانت تثار من وقت لآخر، لكنها اكتسبت زخما إعلاميا منذ منتصف التسعينات عندما استضافت مصر مؤتمر الأمم المتحدة الدولي للسكان والتنمية عام 1994، وبدأت المنظمات الحقوقية تطرح القضية بقوة وتطالب بتشريع يمنعه، لكن هذه المطالب قوبلت بمعارضه شديدة، خاصة على مستوى التيارات والمؤسسات الدينية.
لكن مع وفاة الطفلة «بدور» في 14 يونيو (حزيران) عام 2007 على يد طبيبة أثناء عملية ختان بمحافظة المنيا بصعيد مصر، تحركت الحكومة وأصدرت قرارات تمنع ختان الإناث ومعاقبة من يقوم بهذه العملية، وأعلنت أن يوم 14 يونيو هو «اليوم الوطني» للقضاء على ختان الإناث، فيما أصدر مجلس الشعب بعدها تعديلات قانونية بالغرامة والحبس لمن يقوم بهذه العملية، وسط حالة جدلية شديدة في أوساط المجتمع.
ورغم إصدار مجلس الوزراء قرارات جديدة أيضا في عام 2016 بتغليظ العقوبات وأقرها مجلس النواب، لكن هذه العقوبات لم تمنع الظاهرة ولم تتراجع سوى بنسبة طفيفة، حتى إن منظمة اليونيسيف صنفت مصر رابع دولة على مستوى العالم وثالث دولة على مستوى الدول العربية في انتشار ختان الإناث، فيما كشف تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 2019، أن 89.5 في المائة من السيدات في مصر مختتنات
القرارات الأخيرة من مجلس الوزراء حظيت بإشادة من الجهات المعنية خاصة من «اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث»، وهي اللجنة التي تشكلت في مايو (أيار) 2019، برئاسة مشتركة بين المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، بهدف توحيد جهود مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني المعنية، للقضاء على ختان الإناث.. وتضم في عضويتها ممثلين عن كافة الوزارات المعنية والجهات القضائية المختصة والأزهر الشريف والكنائس المصرية الثلاث ومنظمات المجتمع المدني المعنية.
وكان مصدر الإشادة مرتكزا على تغليظ العقوبات ضد من يقوم بعملية الختان من الهيئات الطبية، حيث أعلنت اللجنة الوطنية للقضاء على ختان الإناث في ذكرى اليوم العالمي لمناهضة ختان الإناث 6 فبراير (شباط) 2021، عن إنشاء مجموعة العمل الوطنية «لا هوادة». وقالت، في بيان لها، إن هدفها هو وقف تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث والمعروف بـ«الختان»، مشيرة إلى أن الإحصاءات الرسمية تشير إلى أن 82 في المائة من حالات ختان الإناث من عمر (يوم إلى 19 عاما)، قام بها أشخاص يعملون في المجال الصحي (أطباء- ممرضات)، مؤكدة الرفض التام لاستمرار ظاهرة تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية للإناث على أيدي أي من أعضاء الفريق الصحي، والتي لا تليق بجيش مصر الأبيض وضد ميثاق شرف الاطباء، ومشددة على رفض كافة المبررات لارتكاب هذه الجريمة تحت أي اسم سواء التجميل أو غيره.
عنف ضد الفتيات والنساء
وأضافت: «الختان من أشد وأقسى صور العنف التي تمارس ضد الفتيات والنساء، كما أنها تعد ممارسة لا تتفق مع أخلاقيات مهنة الطب والتمريض، حيث إنها ممارسة ضارة ليس لها أي دواعٍ صحية ولا تستند إلى أي دليل طبي ولا ينتج عنها أي منفعة بل تسبب أضرارا جسيمة على الأمد القصير والبعيد... ولا تعتمد على مرجعية دينية، خاصة بعد أن أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى صريحة بتجريم ختان الإناث وأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اعتبرت ختان الاناث جريمة وخطيئة جسيمة وأنه ليس له أي سند ديني في المسيحية».
وقالت إنه من هذا المنطلق تم تشكيل مجموعة العمل الوطنية للقضاء على ظاهرة تطبيب الختان خلال تطوير ورقة سياسات وحزمة من التدخلات والإجراءات الاستراتيجية والتي يمكن تلخيصها في 10 تاءات وهي (تجريم، تغليظ، تشريع، توعية، تدريس، تدريب، تنظيم، تفعيل، ترصد، تقييم ومتابعة) وعرضها على الجهات المختصة ومتابعة تنفيذها مع الجهات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية التي تشارك في تنفيذ الخطة الوطنية.
أسباب الانتشار
لكن السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا بعد الخطوات والحملات الدعائية والإعلامية لمقاومة هذه الظاهرة، ما زال ختان الإناث منتشرا في مصر؟
الدكتورة هند فؤاد الأستاذة المساعدة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قالت، في تصريح خاص لـ«المجلة»: «إن عدم حدوث تقدم كبير لمعالجة هذه الظاهرة يرجع إلى ارتباطها بالعادات والتقاليد أكثر منها من أي شيء آخر، فهناك عدة قرارات وقوانين وفتاوى دينية صدرت من قبل، لكن (العادات والتقاليد) مؤثرة بشكل كبير، لأن الكثير من الأسر المصرية رافضة التغيير لارتباط الختان عندها بالعفة والطهارة».
وأضافت: «القرارات الأخيرة والمتضمنة بشكل واضح وصريح منع الأطباء من ممارسة هذا الموضوع، مع صدور فتوى صريحة وواضحة من دار الإفتاء بحرمة ختان الإناث، قد تساهم بشكل كبير في الحد منها، وتتراجع الظاهرة؛ خاصة وأن وجود إرادة سياسية لموجهة الظاهرة سيكون بمثابة عنصر ردع قوي».
وأوضحت أن الفكرة الدينية مؤثرة بشكل كبير في هذا الموضوع، وكان يظهر بشكل واضح من خلال حملات التوعية التي كان ينظمها المركز بالتنسيق مع المجلس القومي للمرأة في المحافظات، حيث تمت الاستعانة برجال دين مسلمين ومسيحيين، بالإضافة إلى الأطباء في الحملات، وهو ما كان يظهر تجاوبا من الأهالي واستجابة ملحوظة خاصة مما كان يطرحه رجال الدين الذين يملكون تأثيرا كبيرا على الناس.
الردع القانوني
لكن هل «الردع القانوني» هو وحده كفيل بوقف هذه الممارسات والظاهرة؟.. تقول الدكتورة هند: «تشديد القانون لن يوقف وحده الظاهرة، فالعادات والتقاليد هي التي لها الدور الرئيسي في هذا الموضوع، نحتاج لتغيير الفكر الثقافي والديني، ومن الملاحظ أن حالات الختان ترتفع بشكل ملحوظ في الصعيد بين مختلف الطوائف، ولقد واجهنا الكثير من الصعوبات في حملات التوعية لأن الكثير من الأسر ترفض الإفصاح عن هذا الموضوع سواء لحساسية الموضوع أو خوفا من أي عقوبات وأن الكثير من هذه الحالات تتم في الخفاء ومن خلال حملات التوعية كان لوجود رجال الدين تأثير كبير في استجابة الناس لهذا الموضوع واقتناعهم.
تطور موقف المؤسسات الدينية
دور الدين في هذه الظاهرة يبدو أنه مؤثر بشكل كبير، وكان من اللافت في هذا الصدد تطور موقف المؤسسات الدينية من هذه الظاهرة، فشيخ الأزهر السابق جاد الحق علي جاد الحق له فتوى شهيرة في هذا الموضوع، قال فيها: «إن ختان الإناث من شعائر الإسلام ولا يجوز لأحد منعه، وأن هناك خلافا بين الأطباء بشأنه وأن كل ما هنالك أنه ينبغي البعد عن «الخاتنات» اللاتي لا يحسن هذا العمل ويجب أن يجري الختان على هذا الوجه المشروع».
لكن هذا الموقف أخذ في التغيير منذ مطلع الألفية وظهر ذلك في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي اتخذه بإجماع أعضائه بجلسة 28 فبرير (شباط) 2008 وقال: «بعد تدارس موضوع الختان من كافة جوانبه الفقهية الصحيحة فإن الختان لم ترد فيه أوامر شرعية صحيحة وثابتة لا في القرآن ولا في السنة، وأنه مجرد عادة انتشرت في إطار فهم غير صحيح للدين، وثبت ضررها وخطرها على صحة الفتيات وفق ما كشفت عنه الممارسات التي أزعجت المجتمع في الآونة الأخيرة».
وتابع: «استقر الرأي الشرعي والطبي على أن ختان الأنثى من العادات الضارة التي لا يدل على مشروعيتها سند صحيح أو دليل، وبذلك يكون محظورا ويكون إيقاع العقاب على من يزاوله أمرا جائزا شرعا».
كما قال شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي في فتوى له: «بالنسبة للنساء فلا يوجد نص شرعي صحيح يحتج به على ختانهن، والذي أراه أنه عادة انتشرت في مصر من جيل إلى آخر، وتوشك أن تنقرض وتزول بين كافة الطبقات ولا سيما طبقات المثقفين»، وأضاف: «فإننا نجد معظم الدول الإسلامية الزاخرة بالفقهاء قد تركت ختان النساء؛ ومن هذه الدول السعودية، ومنها دول الخليج، والجزائر والمغرب وتونس... وأنها استمرت عند عدم ظهور ضررها، أما وقد ظهر ضررها وقرره أهل الطب فمنعها حينئذ واجب».
هذا الموقف استمر للأزهر وكان آخر ما صدر عنه من شيخه أحمد الطيب في خطاب للنائب العام بشأن طلب الرأي الشرعي في حكم ختان الإناث، وقال: «إن رأي مجمع البحوث الإسلامية في هذا الشأن بأنه قد تبين للأزهر الشريف من خلال ما قرره أهل الفقه والطب الموثوق بهم وبعلمهم أن للختان أضرارا كبيرة تلحق بشخصية الفتاة بشكل عام وتؤثر على حياتها الأسرية بعد الزواج بشكل خاص، بما ينعكس سلبا على المجتمع بأسره... واستقر الرأي الشرعي والطبي على أن ختان الأنثى من العادات الضارة التي لا يدل على مشروعيتها سند صحيح أو دليل، وبذلك يكون محظورا ويكون إيقاع العقاب على من يزاوله أمرا جائزا شرعا».
لكن الفتوى التي كانت أكثر وضوحا ما نشرته دار الإفتاء المصرية في 7 فبراير الجاري على صفحتها في موقع «فيسبوك» بأن ختان الإناث حرام شرعا، وقالت: «بعض المسلمين يظن أن قرار (منع ختان الإناث) يعد مخالفة للشريعة الإسلامية والحقيقة غير ذلك، فقضية ختان الإناث ليست قضية دينية تعبدية في أصلها، وإنما هي عادة انتشرت بين دول حوض النيل قديما، فكان المصريون القدماء يختنون الإناث وقد انتقلت هذه العادة إلى بعض العرب، كما كان في المدينة المنورة، أما في مكة فلم تكن هذه العادة منتشرة».
وأضافت: «لم يرد نص شرعي يأمر المسلمين بأن يختنوا بناتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يختن بناته الكرام عليهن السلام، فكان استمرار تلك العادة من باب المباح، حتى قرر الأطباء أن ختان الإناث له أضرار خطيرة قد تصل إلى الموت، فيحرم ختان الإناث لهذا الضرر».
الحد من الظاهرة
لكن هل سيؤدي هذا الموقف الشرعي الصريح والواضح إلى الحد من الظاهرة؟
الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، قالت، في تصريح خاص لـ«المجلة»: «رغم كل الجهود التي بذلت في هذا الصدد، فإن النسبة ما زالت عالية لأنها ارتبطت بمفهوم (عفة البنت) والثقافة السائدة تعتبر أن (البنت المختتنة) عفيفة وشريفة لا تقع في الخطأ، متجاهلة تأثير ذلك على الفتاة بوصفها زوجة في المستقبل، وأن هذا قد يؤدي إلى مشكلات تصل إلى هدم بيوت الزوجية، وهو مفهوم يصعب التغلب عليه».
وأضافت نصير: «هذه عادة تتركز تاريخيا في دول حوض النيل وبعض الدول الأفريقية وهي اسمها الخفاض للإناث، والختان للذكور، ويطلق البعض عليها مصطلح «ختان» للتمويه على الناس»، مؤكدة أن جميع النصوص التي وردت في هذا الموضوع «ضعيفة»، ولا يوجد نص صريح في القرآن بشأنها، موضحة أنها أعدت بحثا خصيصا في هذا الموضع وطبع في كتاب لتفنيد كل الآراء التي تؤيد ختان الإناث، وأنها في مجلس النواب الأخير دخلت في حوار شديد مع مجموعة النواب السلفيين العشرة، وأكدت لهم أن هذه القضية لا يجوز اللبس والدفاع عنها، وأن ما يقع في أذهانهم بشأنها خاطئ.
آليات التصحيح
لكن هل هناك آليات لتصحيح هذه الثقافة والتغلب على الظاهرة؟.. تشدد الدكتورة آمنة نصير على ضرورة تطبيق العقوبة ضد كل من يقوم بهذه العملية سواء كان طبيبا أو داية أو أما أو أبا أو جدودا أولا... وثانيا عدم إعطاء فرصة للإخفاء والتستر على هذه العملية، مضيفة: «لو أن كل طرف ممن ذكرتهم يعرف أنه ستقع عليه عقوبة فلن يقدم على هذا الأمر».
وتتفق الدكتورة هند فؤاد مع هذا الطرح، وتقول إن «آليات التغيير، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات، تتمثل في حملات التوعية سواء الميدانية أو في وسائل الإعلام وتفعيل دور المؤسسات الدينية من خلال الشيوخ والقساوسة في المساجد والكنائس، والمراقبة من وزارة الصحة على الأطقم الطبية»، موضحة أن هذه السلسلة المتكاملة من الإجراءات في مسارات التوعية الاجتماعية والدينية والإعلامية والثقافية قد تؤدي إلى نتيجة إيجابية في النهاية أمام «قوة العادات».