بيروت: يوم 4 أغسطس (آب) 2020، هو يوم أسود في تاريخ بيروت ومرفئها ووصمة عار بتاريخ الطبقة السياسية الحاكمة، ويوم حزين لأهالي العاصمة وسكانها وتجارها وجميع العاملين فيها، لأن الانفجار «النووي» الذي حصل في هذا اليوم المشؤوم أدى إلى مقتل أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من 7500، وشرد آلاف العائلات، ودمر الواجهة البحرية للعاصمة وأحياء الجميزة ومونو وسرسق مع مبانيها ومنازلها التراثية وقصورها الأثرية التي صمدت طوال الحرب الأهلية.
مدينة بيروت التي صمدت أمام موجة الزلازل التي ضربتها أعوم 394 و494 و502 و529 و1551 و1821 ميلادية، وواجهت مرض الطاعون سنتي 1760 و1794 والتيفوئيد سنة 1910، وشهدت الحروب والغزوات والحصارات قبل الميلاد وبعده، أي منذ أيام الفراعنة والفرس والبيزنطيين والصليبيين والمماليك والعثمانيين والفرنسيين، ودمرت أسواقها التاريخية المميزة خلال الحرب الأهلية سنة 1975 ونهب مرفئها من قبل الميليشيات المتقاتلة وتحول وسطها التجاري إلى منطقة أشباح خلال الحرب وبعده بسبب المربعات الأمنية المفروضة حول مجلس النواب، وتحول إلى نقطة انطلاق للثورة الشعبية في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ثم جاء انفجار المرفأ ليهدم ثلث العاصمة ويمحو شوارع رئيسية أثرية من تاريخ وسط بيروت، ولا ندري اليوم وفي ظل هذه الطبقة الحاكمة إذا ما كانت التحقيقات المجمدة حول الانفجار ستكشف من أحضر نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت ومن سمح بدخولها إلى العنبر رقم 12 والاحتفاظ بها طوال سنوات بعد تنحية المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن ملف جريمة العصر الموصوفة والتي تفاعلت شعبياً وسياسياً.. أهالي الضحايا ومن يناصر قضيتهم من اللبنانيين افترشوا الشارع وقطعوا طريق قصر العدل تعبيرا عن غضب عارم، آملين أن يقطعوا درب تسييس القضية و«قتلهم مرتين» على ما أكدوا أمس، مهددين بخطوات تصعيدية مفاجئة وقطع شرايين حيوية مهمة في البلد، والسياسيون المعارضون للمنظومة الحاكمة رفعوا الصوت وحركوا أسلحتهم القانونية في اتجاه التحقيق الدولي الذي لم يعد من مسلك غيره لإحقاق الحق ومنع التغطية على المجرمين الحقيقيين والمتورطين في الكارثة التي ضربت لبنان واللبنانيين في 4 أغسطس (آب). أما قضائيا، فلا وضوح بعد حول مصير التحقيقات وهوية القاضي «الانتحاري» الذي سيقبل المهمة بعدما عاين معاناة صوان، وسط مخاوف من تمييع القضية ودخولها حلبة الاشتباك القضائي- السياسي على غرار مصير التشكيلات القضائية .
القضاء الأعلى: في الانتظار، بحث مجلس القضاء الأعلى، خلال اجتماع عقده برئاسة القاضي سهيل عبود، في قرار محكمة التمييز الجزائية الذي قضى بتنحية المحقق العدلي القاضي فادي صوان عن ملف انفجار مرفأ بيروت، واختيار قاض بديل لتولي هذه المهمة بالاتفاق مع وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم التي اقترحت اسما بديلا تردد أنه القاضي سامر يونس فيما أشارت مصادر أخرى إلى أن ما يجري اليوم هو عصف أفكار. أما التداول الجدي بالأسماء فسيبدأ يوم الاثنين.. وقرر المجلس إبقاء جلساته مفتوحة إلى حين صدور القرار باختيار المحقق العدلي الجديد وتسلمه الملف. وأشارت مصادر إلى أن القاضي جوني قزي من بين الأسماء المطروحة لتعيينه محققاً عدلياً في القضية.
وكان صوان قد تم إبلاغه لدى وصوله إلى مكتبه، بقرار محكمة التمييز الجزائية بكف يده عن النظر في دعوى انفجار المرفأ. علما بأن المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري أحال القرار إلى الوزيرة نجم والقاضي صوان.
دعوات للتصعيد: ميدانيا، وفي ظل دعوات للتصعيد، تحرك أهالي شهداء مرفأ بيروت في محيط قصر العدل حيث قطعوا الطريق وأشعلوا الإطارات، مطالبين بتحقيق العدالة ومعرفة خلفيات تنحية صوان. وسألوا الدولة لماذا سحبت الملف من القاضي صوان؟ هل لأنه طلب التحقيق مع الرؤوس الكبيرة وهل خاف المسؤولون من أن يصلهم الدور؟
عبود يعد: ولاحقا استقبل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وفدا من الأهالي تحدث باسمهم بعد لقاء إبراهيم حطيط، فأعلن: «إننا طالبنا بتعيين قاضٍ جديد بسرعة ضمن مواصفات محدّدة هي الشجاعة والنزاهة وعدم التسييس. وتتم دراسة الموضوع. وقد وعدنا خيرًا ونعتبر كلامه محل ثقة، موضحا أن القضاء سيعمل تحت الضغط، لأننا باقون في الشارع». وفي بيان أصدروه لاحقا توعدوا بمفاجأة لن يعلنوا عنها تتمثل في قطع شريان حيوي مهم في البلد، وأكدوا أن «الارتياب الوحيد المشروع اليوم هو ارتيابنا نحن منكم، ولقد دخلنا في مرحلة جديدة».
لجنة دولية: أما في المواقف، فدعا رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال إلى إرسال طلب فوري للأمين العام للأمم المتحدة، يطالبان فيه بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية لكشف ملابسات جريمة المرفأ، مشيرا إلى أن تكتل «الجمهورية القوية» سيقوم بتوقيع عريضة وتوجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة للغرض نفسه، آسفا في بيان «لكف يد القاضي صوان بقضية المرفأ بعد أن وضعت العراقيل تباعا على طريقه، ولا يقنعنا أحد بأن أي تحقيق محلي يمكن أن يصل بنا إلى أي نتيجة جدية في جريمة المرفأ».
أمين سر تكتل «الجمهورية القوية» النائب السابق فادي كرم أوضح أنه منذ لحظة حصول الانفجار، شككنا في عملية التحقيقات المحلية وطالبنا بلجنة تقصي حقائق دولية. وأكد أن التكتل طلب موعداً وينتظر تحديده لرفع العريضة، سيكون على الأرجح يوم الاثنين أو الثلاثاء المقبلين، وعلى أساسه سيتم تقديم العريضة، التي وقّع عليها نواب التكتل.