* هنالك أكثر من 500 ألف عامل أجنبي دون احتساب اللاجئين السوريين وأعداد كبيرة من الفلسطينين يعملون في لبنان. كل ذلك يشكل حتماً منافسة لليد العاملة اللبنانية التي يجب حمايتها
* في المدى القصير يجب أن ننجح في تشكيل حكومة تستجيب للمعايير التي وضعها المجتمع الدولي
* وسط هذا الجو المقلق أبقيت نصب عيني الطبقات والقطاعات الأكثر هشاشة، أعني بهم عمال اليومية لأن مسألتهم هي الأكثر إلحاحا
بيروت: ودعت الطبقة العمالية اللبنانية عام 2020، واحدا من أسوأ الأعوام التي مرت على لبنان، حيث كثرت التحديات والهموم والأزمات، من اجتماعية، واقتصادية، وسياسية، ومالية، وبيئية، وصحية، حتى بات عام جهنم بالنسبة للبنانيين... على أمل أن لا يكون العام المقبل أسوأ من الذي مضى.
وخسر الكثير من اللبنانيين خلال جائحة «كورونا» عملهم، فعدد كبير من الشركات أفلست، وشركات أخرى أقفلت أبوابها، وبعضها عجزت عن دفع رواتب موظفيها، فتفاقمت الأزمة الاجتماعية وبدأ الفقر يطرق الأبواب، في حين كان سعر صرف الدولار يواصل التحليق، ما جعل الأزمات تتراكم على الشعب اللبناني في ظل غياب الدولة، التي قررت أن توزع مساعدات مالية للعائلات المتضررة بقيمة 400 ألف ليرة، وأنشأت منصة لتسجيل العائلات المحتاجة عبر البلديات، فكانت النتيجة أن المساعدات لم تصل إلا لذوي الطلاب في المدارس الرسمية، ولسائقي السيارات العمومية، الأمر الذي فاقم أزمة الطبقة الوسطى التي تصدعت بسبب أزمة كورونا، وارتفاع سعر الدولار.
ومع تفاقم الأزمات، ووصول الدولار إلى 9000 ليرة لبنانية في الفترة الأخيرة، تراجعت القدرة الشرائية في البلد مما أدى إلى عجز بعض العائلات عن تأمين مطالبها الأساسية وقوت يومها.
وبلغت نسبة الفقراء في لبنان نحو 55 في المائة، أي ما يوازي 2.7 مليون شخص بعد أن كانت 28 في المائة عام 2019، فضلا عن ارتفاع نسبة الذين يعانون من الفقر المدقع بـ3 أضعاف، من 8 إلى 23 في المائة خلال الفترة نفسها، بعد فشل سياسة الدعم التي أقرت لمساعدة هذه العائلات في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار.
«المجلة» حاورت وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لمياء يمين حول الواقع الكارثي الذي يعيشه العامل اللبناني، وارتفاع معدلات البطالة والفقر والجوع، بعدما فقد الالآف عملهم وفقدت أجورهم قيمتها الشرائية. وهنا نص الحوار...
الواقع العمالي
* كيف تنظرين إلى الواقع العمالي بعد تفشي جائحة كورونا وهل هناك تدابير اتخذت لحماية اليد العاملة بعد عمليات الصرف التي حصلت في معظم القطاعات؟
- يمر لبنان بأزمة اقتصادية غير مسبوقة وبضعف بنيوي في شبكة الأمان الاجتماعي فاقمت من ظاهرة البطالة فيه. من مسؤولية الحكومة دعم كل القطاعات المنتجة لا سيما في هذه الظروف الصعبة خصوصا العائلات الأكثر فقرا والتي لم تكفها المساعدات المتواضعة التي وفرتها الدولة حتى الآن. وزاد من حدة الأزمة جائحة كورونا، مما أدى إلى إقفال الكثير من المؤسسات والشركات وبالتالي إلى ارتفاع أعداد المصروفين وتفشي البطالة، إضافة إلى اعتماد الحكومة الإقفال العام الذي بدوره ساهم في استفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
لهذه الأسباب وضعت الوزارة خطة طوارئ هدفت إلى معالجة حالات الصرف الجماعي، وإلى حماية اليد العاملة وعدم التهاون في تحصيل حقوق العمال، وتفعيل دائرة التفتيش، وتنظيم العمالة الأجنبية. فوضعنا خطا ساخنا وهو 1740 لتلقي شكاوى العمال خصوصا في ظل الإقفال العام. في هذا الإطار نعمل حاليا مع خبراء دوليين بإشراف منظمة العمل الدولية على دراسة «نظام البطالة» كركيزة أساسية من ركائز الحماية الاجتماعية، على أن يدرج ضمن أنظمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. يؤمن النظام المذكور عند اعتماده راتبا شهريا لمدة معينة يستفيد منه المصروفون من العمل بالإضافة إلى التغطية الصحية. وكنا قد طرحنا مع البنك الدولي عدة مشاريع تعالج أزمة إقفال المؤسسات وعمليات الصرف فيها ودرسنا مبادرة لتحفيز أصحاب العمل على الإبقاء على عقود العمل من خلال المساهمة في تسديد جزء من الاشتراكات للضمان بواسطة هبة أو قرض كما وضعنا تصورا حول كيفية إفادة المضمونين الذين تركوا العمل اعتبارا من 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2019. كذلك تقدمنا بمشروع إنشاء صندوق طوارئ لدعم المصروفين من العمل في ظل أزمة البطالة والأزمات المستجدة كأزمة كورونا.
بالطبع هذه التدابير تحد من ظاهرة الصرف وتعطي المؤسسات بعضا من الوقت لالتقاط أنفاسها لكنها لا تعالج الظاهرة من أساسها خصوصا أنه ليس للوزارة سوى سلطة رعاية على مؤسسات القطاع الخاص ولا تتدخل مباشرة إلا من خلال طلبات التشاور التي تصلها من أصحاب الشأن. في هذا الإطار تدخلنا من أجل تقليص عدد المصروفين في المؤسسات الكبيرة كما حصل في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت التي نجحنا في تقليص عدد المصروفين فيها مع إقرار زيادة في التقديمات.
وسط هذا الجو المقلق أبقيت نصب عيني من هم أكثر عرضة والطبقات والقطاعات الأكثر هشاشة، أعني بهم المياومون لأن مسألتهم هي الأكثر إلحاحا. لذلك أكدت مع وزير الشؤون الاجتماعية إدراجهم في قائمة المستفيدين من اتفاقية القرض لبرنامج الفقر ودعم شبكة الأمان الاجتماعي التي وقعها لبنان مؤخرا مع البنك الدولي، لأنهم برأيي الأكثر فقرا وتضررا من الأزمة وحقهم الاستفادة من التحويلات النقدية والخدمات الاجتماعية.
في المحصلة فإن وضع الطبقة العاملة في لبنان غير محصن وهي عرضة لمخاطر كثيرة ليس أقلها البطالة وظروف العمل وبالتالي يجب أن تكون حماية العمال في أعلى سلم الأولويات لأنهم الأساس في بناء الاقتصاد الوطني في لبنان.
مشكلة الأجور
* بعدما تآكلت الرواتب بعد تدهور سعر صرف الليرة كيف ستتم معالجة مشكلة الأجور وهل سيتم التواصل مع الهيئات الاقتصادية والحركة العمالية لمناقشة الموضوع؟
- لجنة المؤشر هي المدخل الموضوعي والصحيح لمعالجة مشاكل الأجور وتضاؤل القوة الشرائية للعملة الوطنية. بالطبع لا بد من رفع الأجور في لبنان، وقد شكلنا لجنة مؤلفة من الشركاء من الاتحاد العمالي العام ومديرية الإحصاء المركزي والهيئات الاقتصادية ووزارتي المالية والاقتصاد من أجل دراسة تأثر قطاع العمل بالأزمة الاقتصادية الراهنة، وتداعيات غلاء المعيشة على المواطن، وكيف سـتترجم وتنعكس على إصلاح الرواتب والأجور.
من جهة أخرى فإن مسألة تصحيح الأجور متعلقة أيضا بجملة معطيات أهمها تشكيل حكومة جديدة مزودة ببرنامج إصلاحات تعمل على إعادة ضخ الدولار من الخارج، إضافة إلى تحرير سعر الصرف بناء على ما يطلبه البنك الدولي، وعندها يمكن أن تتحدد سقوف الزيادات على الأجور. لا يمكن التسرع في مسألة رفع أجور القطاع العام والخاص حتى لا نقع في الخطأ نفسه الذي حصل بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، لذلك يجب توخي الحذر في مقاربة هذا الملف فلا تحدث ثغرات مالية وتكون تكلفته متوازنة ومدروسة.
حماية اليد العاملة
* ألا تعتقدين أنه بعد تدهور الأوضاع الاجتماعية والمعيشية لليد العاملة اللبنانية يجب أن تكون هناك إجراءات لحماية العامل اللبناني من العمالة الأجنبية؟
- تنظيم العمالة الأجنبية من أولوياتنا وهي مدخل من مداخل حماية العامل اللبناني. هنالك أكثر من 500 ألف عامل أجنبي دون احتساب اللاجئين السوريين وأعداد كبيرة من الفلسطينيين يعملون في لبنان. كل ذلك يشكل حتما منافسة لليد العاملة اللبنانية التي يجب حمايتها.
في هذا السياق، نشدد كوزارة عمل على المؤسسات والشركات من أجل الالتزام بتطبيق أحكام النصوص القانونية المتعلقة بالمهن المحصورة باللبنانيين سندا إلى القوانين المرعية الإجراء والتقيد بنسب العمالة الأجنبية الصادرة عن وزارة العمل. كما يتابع جهاز التفتيش مهماته على كافة الأراضي اللبنانية حيث يضبط المخالفات على الرغم من جائحة كورونا. ما نقوم به يهدف أولا وأخيرا إلى معالجة العمالة غير النظامية والتأكد من أن العمال الأجانب لا يعملون في المهن المحصورة باللبنانيين، فضلا عن أننا حريصون جدا حاليا على الحد من إدخال العمال الأجانب الجدد إلى لبنان.
من جهة أخرى، عقدنا عدة اجتماعات للجنة تحديث وتعديل قانون العمل اللبناني، والتي ضمت ممثلين عن أطراف الإنتاج الثلاثة، وزارة العمل والاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية، ومنظمة العمل الدولية والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والهيئة الوطنية لشؤون المرأة. وقد أنجزت اللجنة التعديلات التي ستجعل هذا القانون متوافقا مع تطور أساليب ومفاهيم العمل، ومتماشيا مع توصيات منظمة العمل الدولية. كما أن المسودة التي أنجزتها هذه اللجنة ستشكل حماية مستدامة للعامل اللبناني على المدى الطويل وستجعل من نظام حماية حقوقه نصوصا قانونية ملزمة.
أخيرا أضع ضمن لائحة الإجراءات أيضا تفعيل دور المؤسسة الوطنية للاستخدام لتقوم بالدور المنوط بها في المرحلة المقبلة من تنظيم سوق العمل ومكافحة البطالة عن طريق تأمين فرص عمل، وإطلاق برامج تدريبية لرفع مستوى اليد العاملة اللبنانية. لذلك اقترحنا ضمن مشروع إعادة هيكلة وزارة العمل الممول من الاتحاد الأوروبي دمج المؤسسة بالوزارة لتفعيل دورها ولتكون جهازا منتجا فيها. وتم إنجاز هذا المشروع، يبقى أن تعتمده الحكومة المقبلة وأن يقر في البرلمان اللبناني.
القطاع السياحي
* لا شك أن العاملين في القطاع السياحي هم أكثر المتضررين بسبب الإقفال المستمر للفنادق والمطاعم والملاهي وانعدام الحركة السياحية... هل هناك نية لدعم هذا القطاع وحماية العاملين فيه؟
- هذا الموضوع دقيق ويتعلق بالنتائج التي سيسفر عنها الفتح التدريجي للبلاد وفق الخطة التي أعلن عنها مجلس الوزراء. الجمع بين التزام المؤسسات السياحية بالإجراءات وضرورة دعمها لتستمر ليس سهلا، وهذا التحدي ليس داخليا فحسب بل هو تحدٍ على مستوى العالم. أعتقد أنه يجب أن نواكب عداد كورونا في المرحلة المقبلة وأن نبني على الشيء مقتضاه.
بالطبع من واجبنا حماية هذا القطاع الحيوي من المنافسة، وهذا تحد تواجهه كل الدول وليس لبنان فحسب وبالتالي على العاملين في هذا القطاع أن يستفيدوا هم أيضا من التحفيزات التي تقدمها الحكومة. إن مشروع الموازنة الذي تقدم به وزير المالية مؤخرا يعطي تحفيزات للشركات السياحية حتى تحافظ على موظفيها وعمالها، حيث إن الشركات المذكورة هي من الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية كما من كورونا، ومن الضروري أن تستفيد هي أيضا أسوة بغيرها من مساعدات وقروض البنك الدولي.
من جهتنا، وفي سياق جهود حماية وتطوير اليد العاملة اللبنانية في كافة القطاعات الإنتاجية بما فيها القطاع السياحي، نعمل حاليا على صياغة مسودة تعاون مع منظمة التدريب الفني (OTIT) تتيح استفادة لبنان من الدولة اليابانية ومن طاقاتها في مجال التدريب المهني والتقني. البرنامج الذي سيمتد على خمس سنوات سيصقل الخبرات اللبنانية ويرفع مهاراتها الإنتاجية وبالتالي يخلق فرص عمل جديدة لليد العاملة اللبنانية.
النظرة إلى المستقبل
* كيف تنظرين إلى مستقبل البلد في المدى القصير بعد التدهور الحاصل في كل المجالات؟
- في المدى القصير يجب أن ننجح في تشكيل حكومة تستجيب للمعايير التي وضعها المجتمع الدولي. نحن أمام مبادرة فرنسية طرحت خريطة طريق قوامها حكومة اختصاصيين مستقلين وبرنامجا إصلاحيا. يجب عودة الدينامية إلى جهود تشكيل الحكومة كما يجب تخطي أزمة فقدان الثقة بين الأطراف المعنيين. هذا يمر باحترام نص الدستور أولا وباحترام أوجاع الناس الذين يعانون اقتصاديا واجتماعيا وفي معيشتهم اليومية. مستقبل لبنان على المدى المنظور متعلق بقدرتنا على تخطي المكاسب الآنية والتطلع إلى مصلحة البلد وأهله. المجتمع الدولي كان واضحا أنه لن يوفر لنا الهبات والقروض إلا على قاعدة برنامج إصلاحي ومالية شفافة وموازنة تحفز اقتصادا منتجا. لبنان يمتلك كل عوامل استعادة حيويته الاقتصادية لكنه بحاجة إلى الاستقرار. لا صناعة ولا تجارة ولا سياحة ولا عودة للرساميل من دون استقرار. نعم هناك تدهور في قطاعات عديدة لكن لبنان ما زال بيئة نموذجية للاستثمار من خلال موقعه الجغرافي أولا ومن خلال رأسماله البشري الذي أظهر أنه رائد في الأعمال في الخارج. فور عودة الاستقرار السياسي والأمني، يعود الاستقرار الاقتصادي وأغلب الظن أن حركة الهجرة القسرية التي يشهدها بلدنا اليوم ستقابلها هجرة مضادة تتمثل في عودة مغتربيه إليه ليستثمروا في ربوعه ويستقروا فيه.