* ثمة فرصة حقيقية لتفادي تكرار ما حصل عام 2015، فإن كانت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي معنيين بشكل أساسي بالسلاح النووي والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، فدول المنطقة معنية بالصواريخ المتوسطة والقريبة المدى، وبدعم إيران لميليشيات ومرتزقة في عدة دول ومدهم بالمال والسلاح
قبل أيام دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عدم تكرار «خطأ عام 2015»فيما يتعلق باستبعاد القوى الإقليمية من الاتفاق النووي، وقال إن «التفاوض مع إيران سيكون متشدداً جداً، وسيُطلب منها ضمّ شركائنا في المنطقة إلى الاتفاق النووي، ومن ضمنهم السعودية».
وسارعت طهران بالرد على اقتراح ماكرون بلسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها، سعيد خطيب زاده، الذي قال إن «الاتفاق النووي اتفاق دولي متعدد الأطراف صدق عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وهو غير قابل للتفاوض كما أن الأطراف فيه واضحة وغير قابلة للتغيير».
وكان قد سبق كلام ماكرون بأسابيع كلام لوزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان، بوجوب «مشاورة بلاده ودول الخليج بشكل كامل في حال أعيد إحياء الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران».
وحذّر حينها الوزير السعودي من أنه لا يمكن إنقاذ الاتفاق بشكل دائم سوى بمشاركة الجميع فيه، مضيفاً أنه «الطريق الوحيد للتوصل إلى اتفاق مستدام».
المؤشرات التي تأتي من واشنطن في أغلبها سلبية، من تعيين جيك سوليفان في منصب مستشار الأمن القومي بإدارة الرئيس بايدن، إلى اختيار بايدن لروبرت مالي وتعيينه مبعوثاً رئاسياً خاصاً إلى إيران، وكل ما حكي ويحكى عن أن المباحثات بين الطرفين الأميركي والإيراني بدأت بالفعل قبل استلام بايدن لمهامه. إضافة إلى أن مالي وسوليفان من دعاة العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وليس التفاوض على اتفاق جديد أو تعديل الاتفاق السابق.
عندما أعلن عن الاتفاق النووي في العام 2015، تفاجأ الجميع، فقد نجحت إدارة أوباما والنظام الإيراني بالتفاوض لسنوات في سلطنة عمان دون أن يتسرب أي شيء عن الأمر، إلى أن توصلا لاتفاق وأعلنا عنه. حينها فقط بدت الكثير من سياسات أوباما حيال المنطقة مفهومة. فإدارة أوباما تتحمل مسؤولية الكثير مما ارتكب في المنطقة، من استخدام رئيس النظام السوري بشار الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيين وتغاضي أوباما عن الأمر وتراجعه عن الخط الأحمر الذي رسمه هو بنفسه، إلى انتشار إيران وميليشياتها في المنطقة. أوباما لم يرد أن يعكر أي أمر على مفاوضاته مع إيران، فاعتبر أن ما حققه إنجاز ونصر لإدارته، متجاهلا أن هذا «النصر»المزعوم تسبب بكوارث في المنطقة.
اليوم نحن أمام إدارة تشبه بملامحها الكثير من ملامح إدارة أوباما، ليس لأن الحزب الديمقراطي هو من في البيت الأبيض والكونغرس والشيوخ، ولكن لأن بايدن الذي كان يوما نائبا لأوباما، اختار أغلب فريق عمله من نفس الفريق الذي عمل مع أوباما. وليس من مثال صارخ يدل على ما قد يحمله الأمر من تداعيات سلبية على دول المنطقة كمثال الإصرار على تعيين روبرت مالي، مع أن أصواتا من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي نبهت الرئيس بايدن إلى مساوئ الأمر.
ومع ذلك، ثمة فرصة حقيقية لتفادي تكرار ما حصل عام 2015، فإن كانت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي معنيين بشكل أساسي بالسلاح النووي والصواريخ الباليستية بعيدة المدى، فدول المنطقة معنية أيضا بالصواريخ المتوسطة والقريبة المدى، وبدعم إيران لميليشيات ومرتزقة في عدة دول ومدهم بالمال والسلاح وما نتج عن ذلك من زعزعة الاستقرار حيناً، وانهيار مفهوم الدولة أحياناً، إضافة إلى الاعتداء على سيادة وامن دول الجوار.
في العام 2002، أطلق ولي العهد السعودي آنذاك، الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة باتجاه السلام مع إسرائيل، تبناها العرب في قمة بيروت العربية وصار اسمها «المبادرة العربية للسلام»، وقد يكون ما تحتاجه المنطقة اليوم، مبادرة تقوم بها المملكة العربية السعودية لإيجاد رؤية عربية مشتركة لحل مشاكل المنطقة مع الجارة اللدودة إيران، وإطلاق ورقة عربية مشتركة تحدد هواجس هذه الدول من مشاريع إيران التوسعية والباليستية والنووية، ودعمها لمليشيات إرهابية تزعزع استقرار وتهدد وجود بعض دول المنطقة، من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، ولتحمل المملكة هذه الورقة ولتشارك في المفاوضات لا باسمها فحسب بل باسم الدول العربية المشاركة بالورقة والمعنية، حينها يمكن التوصل إلى اتفاق مستدام.