* لم تمض أيام قليلة على إدارة بايدن حتى ثبت أن «شياطين»أوباما هم نواة تلك الإدارة الجديدة، ولن يكون روبرت مالي المبعوث الخاص لبايدن إلى إيران آخرهم. نعم؛ أوباما في البيت الأبيض
عقب انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة الأميركية تساءلت أوساط سياسية جدية عن مدى تأثير أوباما على الإدارة الجديدة التي ستتكون. الرئيس المنتخب سارع للرد على تلك التساؤلات بالقول إن عهده لن يكون فترة أوباما الثالثة إنما فترة بايدن الأولى. العاقلون والأذكياء قالوا لننتظر تعييناته لنبني على الشيء مقتضاه. ولم تمض أيام قليلة حتى ثبت أن «شياطين»أوباما هم نواة تلك الإدارة الجديدة، ولن يكون روبرت مالي المبعوث الخاص لبايدن إلى إيران آخرهم. نعم؛ أوباما في البيت الأبيض.
سيقال إن الأمر نفسه حصل مع بوش الابن، وإن الأب وضع أهم رجالاته في إدارته، وهذا صحيح. إنما الفرق كل الفرق هو أن بوش كان يحب بلاده وما تمثل من قوة اقتصادية وعسكرية واجتماعية أيضاً مع كل علاتها. أما أوباما للأسف فليس كذلك، لقد أحاط نفسه برجالات لا تحب ما يمثل هذا البلد، أمثال بن رودز، وسمانتا باورز، ومالي، مثالا لا حصرا. هم بنوا آيديولوجيتهم إذا صح إطلاق هذه التسمية على فكرهم السياسي من حيث ضربت طائرات 11 سبتمبر (أيلول) الولايات المتحدة، في مثال كبريائها وعظمتها، نيويورك. سؤالهم كان: لماذا يكرهوننا؟ جوابهم على سؤالهم كان بسيطا، إذ ربط هذا الهجوم بأفعال أميركا في العالم بدءا من اجتياح العراق وأفغانستان وصولا إلى قنبلة هيروشيما. كل القيم التي تمثلها الولايات المتحدة الأميركية داخليا وخارجيا أصبح، لدى تلك المجموعة، مدانا. هذا التبسيط التاريخي لتلك المجموعة وهي ملازمة لهذا النوع من التفكير أساسا لتأخذ مداها أكثر مع انتخاب الأميركيين أول رئيس أسود في تاريخها، في الوقت الذي طرأ على العالم تغيير في البنية الاقتصادية العالمية جراء الثورة الرقمية. هذا التغيير في النظم الاقتصادية تحديدا أفرز أنماطا جديدة عرفت عن نفسها بكونها «نيوليبرالية»رافضة لواقع الحال العالمي، للعلاقات البشرية كما الاجتماعية والاقتصادية؛ باختصار للعقد الاجتماعي الذي يرعى علاقات البشر بعضهم ببعض. و«النيوليبرالية»في ممارساتها تبدو أقرب إلى الديكتاتورية من أي شيء آخر، إذ يضع أصحاب تلك النظرية كل معارضيهم في صف الأعداء والخونة والعملاء والرجعية. أن ترفض الإجهاض حتى بعد الولادة يجعل منك شخصا رجعيا مثلا. هذا النمط من مقاربة الأمور يقوم على أفكار لا ترتبط غالبا بالواقع، وتطبيقها من دون شوائب وصعاب.
«النيوليبرالية»فقاعة لا يستطيع حكام العالم تجاهلها وعدم مسايرتها في أبسط الأحوال، لأنها تدعي إنقاذ العالم والبشرية من أخطائها وتخلفها في بعدها التبشيري وإلا فسوف يتحول من يعارضها إلى العدو رقم واحد مثل ترامب. هذا «المجنون»الذي لم يكن سوى صدى لـ«أعداء النيوليبرالية»أو بكلام أدق لمعارضي أفكارها البسيطة وهم كثر. لكن لنضع جانبا ترامب قليلا لكي لا نحيد عن الموضوع الأساسي، وهو:
ماذا تعني فترة أوباما الثالثة على أميركا والعالم؟
بكل بساطة، تعني مزيداً من الانقسام في الداخل الأميركي ومزيداً من الصراعات في العالم، أولا داخليا للنزعة النيوليبرالية التي تريد أن تفكك الأركان التي قامت عليها البلاد، لا سيما المبادرة الفردية والحرية في قول كل شيء وحمل السلاح، والتي يعارضها على الأقل 75 مليون أميركي (عدد الأصوات التي اقترعت لصالح ترامب)، وخارجيا لغياب القيادة الأميركية التي يريد لها أوباما أن «تقود من الخلف»...
«كره»أوباما وجماعته لما تمثله الولايات المتحدة دفعه إلى السعي لمحاولة تغيير أنماطها ونقلها تدريجيا من الأفكار التي قامت عليها كالمبادرة الفردية التي يمثل أحد أعلامها اليوم آيلون ماسك- يريد استيطان الفضاء مثلا- والتي لا يوجد مثيل لها في العالم- إلى نوع من الاشتراكية، حيث تدخل الدولة في أمور الناس بشكل أكبر (أوباما كير) أو تسيطر على الإعلام بكل وسائله، وتوجه النقاش حيث ترغب (بن رودز، وأصداء غرف القرار) ما يخلق أوليغارشيات قمع يمثل أبرز أعلامها بيزوس، ويقود شعلتها أوباما.
أما بالنسبة للخارج «فالكره»نفسه يقود خطوات المسؤولين الأميركيين الذين عينهم بايدن. إذا كانت الولايات المتحدة مخطئة فهذا يعني أن حلفاءها مخطئون، وهذا يعني أن الضيم الذي يشعر به من هم أعداء أميركا مبرر. هذا بالأساس وتحديدا ما دفع مالي إلى الشعور بنوع من التعاطف مع ملالي إيران وإرهابييهم، بالإضافة طبعاً إلى تأثره بوالده سيمون مالي، المصري اليهودي «النيوليبرالي»،الذي كره كل ما تمثله الحضارة الغربية تجاه مستعمراتها أو موقفها من القضية الفلسطينية، من خلال كتاباته التي هي أقرب إلى محاولة للتفتيش عن هوية مبعثرة وضائعة بين بلد الولادة مصر وبلد الاستضافة فرنسا، التي لم تحتمل نقده لها فرحلته، وديانته اليهودية التي نبذتها الأكثرية بعد إعلان دولة إسرائيل.
أربع سنوات قادمة لن تكون مملة أبداً، لا على الصعيد الأميركي الداخلي ولا حتى الذي يعنينا مباشرة أي الصعيد الخارجي.