بيروت: ولد سليم أحمد الحص، السياسي والأكاديمي الاقتصادي اللبناني، في العشرين من يناير (كانون الأول) 1929 في حَي زقاق البلاط من بيروت. والدته وداد الحص.
توفي والده الصيدلاني وهو ابن سبعة أشهر.
عاشت العائلة في حالٍ من الضِيق الشديد؛ إذ كان على والدة الحص أن تتحمّل من دخلها المحدود جِداً نفقات معيشية وأقساطا مدرسية لأطفالها الخمسة.
دراسته
التحق الحص في مدرسة المقاصد الخيرية الإسلامية، وقال عن نفسه إنّه«لم يكن من المُجلّين بين تلاميذ صفّه». ولكن عندما طلب من والدته أن ينتقل إلى مدرسة «الآي سي»في رأس بيروت بدافِع الرغبة في تعلُّم الإنكليزية بدلاً من الفرنسية التي كان يتعلمها في المقاصد، ولأن مصاريف المدرسة لم تستطع أن تتحمله الوالدة، فتبرعت ابنة خالته بتعليمه، شعر سليم الحص بالمسؤولية فانقلب من طالب متوسّط الأداء أو دونه إلى طالب مُجِلٍّ. وبقي كذلك حتى تخرّجه من الجامعة.
كان سليم الحص يحلم بالتخصص في دراسة الأدب العربي، ولكن مسؤوليته تجاه عائلته منعته، لأنّه لم ير في هذا التخصص أرضية ثابتة لمستقبل واعد، فشاء القدر أن يدخل عالم الاقتصاد، فوجد نفسه مبدعاً في عالم الاقتصاد وإدارة الأعمال. وانتسب إلى دائرة العلوم التجارية وتخرج منها بتفوق عام 1952.
فاز بجائزة عن مسرحية «مطحنة حامد»بعرض في غرفة التجارة مع دراسة الماجستير، مروراً بجائزة شركة سابا، وحتى الدكتوراه في جامعة أنديانا في أميركا، مع بصمات نجاح تركها الحص في بداياته.
وعند عودته ليدرس الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، جاءته الفرصة من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في الكويت، فاستغلها، وتولى مهمة المستشار المالي للصندوق لسنة واحدة قابلة للتجديد... وجددت.
وعندما تفجرت أزمة بنك أنترا، عيّن أول رئيس للجنة الرقابة على المصارف. وباشر عمله قبل شهر واحد من تعيين إلياس سركيس حاكماً لمصرف لبنان. هذا المصرف الذي استدان منه مبلغاً من المال ليتمكن من إتمام بناء منزله في منطقة الدوحة القريبة من بيروت. بعدها أصبح رئيس مجلس إدارة المصرف الوطني للإنماء الاقتصادي والسياحي.
علاقته برئيس الجمهورية الراحل إلياس سركيس أدخلته عالم السياسة
نفذ سركيس والحص برنامجاً واسعاً للإصلاح وتوطدت العلاقة بينهما على قاعدة الثقة المتبادلة، فأخذ يستشيره في شتى المواضيع الاقتصادية، والمتعلقة بالسياسة النقدية التي ينفذها مصرف لبنان.
عام 1976 انتخب إلياس سركيس رئيساً للجمهورية وكلفه بوضع تصور عام لبرنامج الإنماء والإعمار.
وحين بدأ يعمل على تأليف حكومة فعاليات، التفت إلى الحص سائلاً: أياً من الحقائب الوزارية تريد؟ فاختار أن يكون وزيراً لشؤون الإنماء والإعمار، لكن الظروف قادته لتولي رئاسة الحكومة للمرة الأولى.. لتكرّ بعدها سبحة طويلة من العمل السياسي الذي رأى فيه كثيرون نظافة كف نادرة.
المناصب السياسية التي تولاها
شغل منصب رئاسة الوزراء خمس مرات، وانتخب عضواً في مجلس النواب لدورتين متتاليتين.
سعى منذ اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري إلى لعب دور توافقي بطرحه مبادرات تسوية، ولكن خصومه اتهموه بمحاباة الموالين لسوريا.
كان يعتبر من أشد المعارضين للحريري ولمشروعه. وحاول حين ترأس الحكومة الأولى بعهد الرئيس إميل لحود أن يلاحق كل رجال الحريري الذين عملوا معه بتهم فساد.
في عام 1988 وعندما كان يتولى رئاسة الحكومة بالنيابة وبعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل رفض تسليم الحكم للحكومة العسكرية التي شكلها الجميل برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون وذلك كونها لا تضم وزراء من الطوائف الإسلامية وأصبح بلبنان حكومتان، وكان يعتبر من وجهة نظر الموالين له والمناوئين لعون أنه يتولى مهمة رئيس الدولة بالنيابة.
ولعب الحص دوراً مهماً في إقرار اتفاق الطائف.
إسقاطه في الانتخابات
الحكومة الأولى في عهد الرئيس لحود كان لها إنجازات كثيرة برأي الحص، أهمّها وضع أول برنامج عمل للتصحيح المالي في العام 1999 وانبلاج فجر التحرير من الاحتلال الإسرائيلي للجنوب في العام 2000. وفي صيف العام 2000 أجرت حكومته انتخابات نيابية لم يفز فيها بمقعد نيابي. فأعلن خروجه من حيّز العمل السياسي إلى براح العمل الوطني.
محاولة اغتياله
في اليوم الأول من عيد الأضحى العام 1984، كان في طريقه إلى منزل المفتي سماحة الشيخ حسن خالد في منطقة الروشة لاصطحابه، بالنيابة عن رئيس الوزراء رشيد كرامي، إلى صلاة العيد. وقبل وصوله إلى منزل المفتي بنحو مائتي متر، انفجرت سيارة في وجهه، فقتل العسكري الذي كان يقود سيارته وأصيب بحالة اختناق شديد جراء الصدمة.
أحيلت القضية إلى المجلس العدلي، ولكن أي تحقيق جدّي في الحادث لم يحصل.
حاليا يعيش سليم الحص حياته، بعيدا عن العمل السياسي، يكتفي مكتبه بنفي شائعات وفاته بين الحين والآخر، وهو دائما ما يجيب عن هذه الشائعات عندما يستمع إليها أو يقرأها ليسأل تلميذه وصديقه وقرينه الأحب رفعت بدوي ضاحكاً: «رفعت، اسأل عن مكان وزمان العزاء»...