إيران و«القاعدة»... علاقة برغماتية تهدد الأمن الدولي

سمحت إيران لقيادات «القاعدة» بعبور عبر أراضيها دون تأشيرات أو جوازات سفر

إيران و«القاعدة»... علاقة برغماتية تهدد الأمن الدولي

* 470 ألف وثيقة تؤكد علاقات وثيقة بين بن لادن و«القاعدة»...وإيران هي التي عرضت عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية
* العلاقة بين إيران و«القاعدة»يمكن وصفها بالعلاقة المزدوجة... تشتركان في عدائهما للولايات المتحدة الأميركية لإفشال مشروعها في الشرق الأوسط
* تعتمد إيران استراتيجية نقل مشاكلها للخارج، ومواجهة خصومها خارج أراضيها، وهذا ما تفعله منذ الأيام الأولى من وصول الخميني إلى السلطة
* إيران خزان احتياطي لقيادات «القاعدة»
* أزمات اليمن الغارق في الحرب تهدّد بزيادة أعداد الذين يعانون من تصاعد انعدام الأمن الغذائي بنحو 1.2 مليون شخص خلال ستة أشهر
* إيران حاولت مراراً تعميق العلاقة مع «القاعدة»...وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني عرض خدماته على «القاعدة»لمساعدة عناصرها في تصنيع العبوات الناسفة
* تداعيات وضع ميليشيا الحوثي على قائمة الإرهاب الأميركية

 

 

بون: تظل علاقة إيران بتنظيم القاعدة غامضة وتثير الكثير من الاهتمام، ورغم الاختلاف الآيديولوجي فإن إيران تمثل مقرا لإدارة عملياتها الإرهابية، وقد ارتبطت قيادات تنظيم القاعدة مباشرة، بالحرس الثوري الإيراني. تظل العلاقة بين الطرفين برغماتية حيث يشتركان في خصومتهما للغرب. العلاقات بين الطرفين وأوجه التشابه رغم الاختلاف «المذهبي» بينهما، تكشف نوع العلاقة وتعزز نجاح إيران بالتحالف مع القاعدة من أجل نشر التطرف والإرهاب إقليميا ودوليا.

وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بيان نشره الموقع الإلكتروني للوزارة، يوم 12 يناير (كانون الثاني) 2021، إن إيران باتت «المقر الرئيسي الجديد لتنظيم القاعدة». وأضاف أن الولايات المتحدة باتت لديها خيارات أقل في مواجهة التنظيم، بعد أن «تحصن داخل» ذلك البلد، وأضاف بومبيو أن إيران منحت قادة القاعدة ملاذا آمنا وتقدم الدعم للتنظيم.

وقد سمحت إيران لقيادات تنظيم القاعدة بعبور أراضيها دون تأشيرات أو جوازات سفر، وقد وجدت المحكمة الفيدرالية الأميركية، أن إيران قدمت المواد والدعم المباشر لقيادات تنظيم القاعدة من أجل تنفيذ عمليات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية. وكشفت التحقيقات مرور أكثر من ثمانية من منفذي عمليات 11 سبتمبر، عبر إيران قبل التوجه إلى الولايات المتحدة. والأكثر من ذلك قدمت إيران الأموال والدعم اللوجيستي والذخيرة لقادة تنظيم القاعدة. وفي تطور لاحق، كشفت وكالة المخابرات المركزية عن مجموعة من 470 ألف وثيقة نشرتها  تؤكد علاقات وثيقة بين بن لادن وتنظيم القاعدة وإيران، وعرضت عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية.

Image removed.
قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في بيان إن إيران باتت «المقر الرئيسي الجديد لتنظيم القاعدة»(رويترز)

أبو محمد المصري

لقد منحت إيران قيادات «القاعدة» وثائق سفر وبطاقات هوية وجوازات سفر وسمحت لهم بالتنقل بحرية في جميع أنحاء البلاد. وأكدت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، عبد الله أحمد عبد الله، واسمه الحركي أبو محمد المصري، اغتيل في طهران في مايو (أيار) من ذات العام 2020. وقد أثار الإعلان عن مقتل نائب قائد تنظيم القاعدة في طهران مرة أخرى تساؤلات حول علاقة النظام الإيراني بالتنظيم الإرهابي وقدم تذكيرًا جديدًا بضرورة تحليل استراتيجية النظام القائمة على استخدام التنظيم كأصل وتقديم ملاذات آمنة لقادتها.

وكان المصري أحد الأعضاء القلائل رفيعي المستوى في المنظمة الذين نجوا من المطاردة الأميركية لمنفذي هجمات 11 سبتمبر (أيلول) وهجمات أخرى. عندما فر هو وزعماء آخرون من تنظيم القاعدة إلى إيران، وضعوا في البداية قيد الإقامة الجبرية. وأكدت وكالة المخابرات المركزية الأميركية إلى أن المصري وزعيم بارز آخر للقاعدة في إيران، هو سيف العدل، أعادا تنظيم الهيكل الإداري العالمي للقاعدة وأعطيا أولوية جديدة للتخطيط للهجمات.

 

اعترافات المنشق عن الحرس الثوري الإيراني حميد رضا زكري

كشف الضابط الإيراني السابق المنشق عن الحرس الثوري الإيراني حميد رضا زكري، وفقا لتقرير «بي بي سي فارسي» يوم 2 مايو (أيار) 2012، بقلم محمد قوام، والذي كان يشغل الحراسة الشخصية للمرشد الإيراني علي خامنئي، أنه كان يدير شخصياً لقاءات ما بين عناصر من تنظيم القاعدة وإيران، كما أضاف أن هناك علاقة بين التنظيم وإيران وبين قائد التنظيم الحالي أيمن الظواهري وطهران، مشيراً إلى أن هناك اجتماعات كانت بين الطرفين قبل فترة قليلة من وقوع أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ويقول زكري إن علي أكبر ناطق نوري، الذي كان يتولى مسؤولية الجهاز الأمني الإيراني التابع لخامنئي نفسه، أرسل رسالة إلى أحد أفراد هذا الجهاز يأمره فيها بالتعاون مع تنظيم القاعدة وأن أول لقاء بين زعيم تنظيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، والمسؤولين الإيرانيين كانت في شهر يناير (كانون الثاني) 2001، أي قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأشهر قليلة.

وفي هذا السياق، كشف محفوظ ولد الوالد (أبو حفص الموريتاني)، أحد قيادات تنظيم القاعدة، وهو المشرف على التنسيق بين التنظيم وإيران، كشف العلاقة بين القاعدة وإيران. وذكر في تصريحات صحافية وشهادات عديدة أن إيران حاولت مرارا تعميق العلاقة مع تنظيم القاعدة، وأن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، عرض خدماته على القاعدة لمساعدة عناصرها في تصنيع العبوات الناسفة.

 

«القاعدة» وإيران... إشعال الطائفية في العراق

كان أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة المغتال في العراق وراء إشعال الطائفية داخل العراق بدفع ايراني من أجل إضعاف العراق، وإيجاد حجج جديدة لنفوذ إيران في العراق. وعملت إيران من خلال أذرعها السياسية في العراق عام 2014 وما سبقه من أعوام، على تهريب سجناء تنظيم القاعدة وداعش من سجن أبو غريب المركزي، ومن معتقلات أخرى ومن التسفيرات، من أجل منح داعش، فرصة جديدة لإعادة فرض سيطرته إلى حد إعلان «خلافة داعش» في الموصل والرقة عام 2014.

إن العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة يمكن وصفها بالعلاقة المزدوجة حيث تشتركان في عدائهما للولايات المتحدة الأميركية لإفشال مشروعها في الشرق الأوسط، من خلال الإمساك بتنظيم القاعدة وأذرع إيران المسلحة في دول المنطقة، من أجل تهديد الأمن الإقليمي والدولي. إن تنامي تهديدات إيران إلى الأمن الإقليمي والدولي، لم يكن وليد عهد إدارة ترامب، بل في ظل إدارة أميركية سابقة، خاصة إدارة أوباما، من أكثر الإدارات مهادنة مع طهران.

Image removed.

الحوثيون على قائمة الإرهاب الأميركية

أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، يوم 11 يناير (كانون الثاني) 2021 أن وزارته تعتزم إخطار الكونغرس بنيتها تصنيف جماعة أنصار الله الحوثية منظمة إرهابية أجنبية وإدراج ثلاثة من قادة الحوثيين، وهم عبد الملك الحوثي، وعبد الخالق بدر الدين الحوثي، وعبد الله يحيى الحاكم، على قائمة الإرهابيين الدوليين. وقد ذكر وزير الخارجية الأميركي أن ميليشيا الحوثي قادت حملة وحشية أودت بحياة العديد من الأشخاص، واستمرت في زعزعة استقرار المنطقة، كما حرمت اليمنيين من التوصل إلى حل سلمي للصراع في بلادهم.

وأضافت وزارة الخارجية الأميركية أن جماعة الحوثي بدلًا من أن تنأى بنفسها عن النظام الإيراني، فقد مدت الجسور مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم؛ حيث قام الحرس الثوري الإيراني بتزويد جماعة الحوثي بالصواريخ والطائرات دون طيار والتدريب؛ ما سمح للجماعة باستهداف المطارات والبنية التحتية الحيوية الأخرى. فلم يأتِ إعلان واشنطن بشأن تصنيف الحوثي كمنظمة إرهابية من فراغ، بل بعد انتهاج الجماعة منهجا متطرفا، يهدد أمن اليمن والأمن الإقليمي والدولي.

وتعمل جماعة الحوثي على زعزعة السلم والأمن الإقليميين ودول الجوار والملاحة الدولية البحرية، عبر صواريخها الباليستية وطائراتها المسيّرة، وألغامها البحرية. وكشفت التقاريرأن دعم إيران الآيديولوجي والمالي والعسكري والفني للحوثيين هو الذي سمح لهم بالانخراط في أعمال إرهابية طائشة ومستهجنة، بما في ذلك الهجوم الإرهابي يوم 30 ديسمبر (كانون الأول) 2020، على مطار عدن الذي استهدف الحكومة وتسبب في مقتل وجرح العشرات من المدنيين الأبرياء.

 

قلق أوروبي

قال سفراء الاتحاد الأوروبي، يوم 12 يناير (كانون الثاني) 2021 أثناء لقاء مشترك عبر تقنية الاتصال المرئي، إنهم قلقون إزاء تأثير قرار الولايات المتحدة بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية. وأكد السفراء أنهم يشعرون بقلق من انعكاس هذا القرار سلباً على المدنيين والبعثات الدبلوماسية. وخلال اللقاء أدان السفراء الاستهداف الذي تعرض له مطار عدن الدولي أثناء وصول الحكومة اليمنية في 30 ديسمبر 2020.

وما زالت دول أوروبا، تبحث عن الخيارات السياسية في دول المنطقة، وربما لا تريد اندلاع نزاعات جديدة، من شأنها أن تنعكس سلبا على الأمن الإقليمي والدولي وحتى على أمن أوروبا. وربما يعود القلق الأوروبي إلى أن وضع الجماعة على قائمة الإرهاب، من شأنه أن يعرقل، عمل البعثات الدبلوماسية والأممية والمنظمات الدولية، بالتعامل مع واقع اليمن الصعب، خاصة في صنعاء.

Image removed.
كشفت وكالة المخابرات المركزية عن مجموعة من 470 ألف وثيقة نشرتها، تؤكد علاقات وثيقة بين بن لادن وتنظيم القاعدة، وإيران التي عرضتعليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية (أ.ف.ب)
 

تداعيات سياسية وإنسانية

يشكل إعلان ميليشيات الحوثي جماعة إرهابية تطوراً جديداً في الأزمة اليمنية، وهو ما قد يمنع التعامل الدولي مع هذه الجماعة من جانب الأمم المتحدة، فمن المحتمل أن يتخذ الحوثيون خطوة بوقف التعامل مع المبعوث الأممي لليمن، فقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 من أن اليمن «يواجه الآن خطرا وشيكا لأسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود». ويأتي تحذير غوتيريش في الوقت الذي تهدد فيه الولايات المتحدة بوضع جماعة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران في القائمة السوداء في إطار حملة «الضغوط القصوى» على طهران.

ودون شك فإن من الناحية الإنسانية سيكون الشعب اليميني أكبر المتضررين من هذا القرار الأميركي، ويضع على عاتق المنظمات الدولية والدول الكبرى ثقلاً كبيراً، مع وصف الأمم المتحدة ما يحدث في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم. وسبق أن حذَّرت منظمات دولية، وفي مقدمتها «هيومان رايتس ووتش» من تداعيات أي تصنيف أميركي، وقالت، في تقرير صدر يوم 11 ديسمبر (كانون الأول) 2020 إن «العديد من اليمنيين باتوا على شفا المجاعة بالفعل، والتحركات الأميركية التي تتداخل مع عمل منظمات الإغاثة ستكون لها تداعياتٌ كارثية».

وقد حذّرت منظمات تابعة للأمم المتحدة يوم 22 يوليو (تموز) 2020، من أنّ أزمات اليمن الغارق في الحرب تهدّد بزيادة أعداد الذين يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي بنحو 1.2 مليون شخص خلال ستة أشهر. وقال برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة ومنظمة الأغذية والزراعة، في بيان مشترك، إنّ «الصدمات الاقتصادية والصراع والفيضانات والجراد، والآن وباء كوفيد-19 يثيرون عاصفة يمكن أن تطيح بالمكاسب التي تحقّقت على صعيد الأمن الغذائي».

وكان اليمن البالغ عدد سكانه نحو 27 مليونا تجاوز خطر المجاعة قبل 18 شهرا عندما تلقّت المنظمات الإغاثية مبالغ ساهمت في ضخ المساعدات، لكن انتشار فيروس كورونا المستجد مؤخّرا قلّص هذه المساعدات، معيدا شبح المجاعة لأفقر دول شبه الجزيرة العربية. وذكرت المنظمات أنّ تحليلا للأوضاع في 133 قطاعا، جنوبي اليمن، أظهر «زيادة مقلقة» للأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

Image removed.
وجدت المحكمة الفيدرالية الأميركية أن إيران قدمت المواد والدعم المباشر لقيادات تنظيم القاعدة من أجل تنفيذ عمليات 11 سبتمبر الإرهابية

الخلاصة

تعتمد إيران استراتيجية، نقل مشاكلها للخارج، ومواجهة خصومها خارج أراضيها، وهذا ما دفعها، منذ الأيام الأولى من وصول الخميني إلى السلطة عام 1979، بتغذية الجماعات المتطرفة بكل أطيافها، محاولة منها لخلق «حزام أمني» ضد خصومها إقليميا ودوليا.

التدخل الإيراني في أمن المنطقة لم يعد سرا، ولم يتحدد في قضية «زيادة تخصيب اليورانيوم إلى أكثر من 20 في المائة»، أو بتسيير الطائرات لضرب أهداف بعيدة تتجاوز 2000 كلم، إلى جانب الصواريخ الباليستية. التهديد الإيراني لم يعد محدودا بأمن المنطقة وأمن الخليج، بقدر ما أصبح تهديداً للأمن الدولي.

إيران أصبحت بالفعل دولة، خارج النظام السياسي الدولي، ومناوراتها العسكرية الصاروخية الأخيرة بالقرب من طهران وضرب أهداف في المحيط الهندي، يعكس طموحات إيران العسكرية والسياسية.

مناورات إيران في هذا الوقت تعتبر جرس إنذار، ينبغي على الإدارة الأميركية والاتحاد الدولي، مراجعة سياساتهم «المهادنة» تجاه إيران ووضع حد لتنامي قوتها العسكرية من أجل تحقيق الأمن الإقليمي والدولي.

font change