* لا يمكن التعويل على دور الاتحاد الأوروبي لإحدات تغيير جوهري في المفاوضات
* لاتوجد مؤشرات موضوعية تقول إن جولة المفاوضات الحالية ستكون مختلفة عن سابقاتها بل العكس هو الصحيح
* الموقف السوداني ما زالت به مساحات رمادية وغير مفهومة
* الصراع بين المكون المدني والمكون العسكري في السودان ينعكس سلبا على قضيتي الحدود وسد النهضة
* حديث إثيوبيا عن الداخل المصري على لسان دينا مفتي يهدف لصرف نظر مصر عن استعدادات إثيوبيا لتوليد الكهرباء في يونيو 2021 والملء الثاني في يوليو المقبل
القاهرة: أحداث متلاحقة أربكت المشهد المتأزم أصلا بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، والتي يأتي على رأس أولوياتهم أزمة سد النهضة، وتخوفات محسوبة لتأثيرات سلبية وخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان، بسبب تعنت الطرف الإثيوبي الذي يرفض أي اتفاق ملزم يمنعه من السيطرة على مياه النيل الأزرق والذي تتحصل مصر منه على ما يقارب 85 في المائة من حصتها السنوية التي تبلغ حوالي 55.5 مليار متر مكعب سنويا، إضافة إلى تخوفات سودانية من تأثيرات خطيرة للسد، ظهرت بوادرها خلال الفيضان الأخير الذي أدى إلى غرق أماكن شاسعة من القرى السودانية، وتشريد المئات والتأثير على سد الروصيرص، وفي تواصل مستمر لسخونة الأحداث التي زاد من سخونتها تصريحات أطلقها المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية، والذي كان سفيرا سابقا لأديس أبابا في القاهرة، دينا مفتي، والتي تطرقت للشأن الداخلي المصري وقال فيها، إن مصر حولت إثيوبيا إلى تهديد وجودي من شأنه أن يتسبب في جوع وعطش المصريين بسبب سد النهضة ما يعكس عمق الأزمة الداخلية في مصر، وأن هذا الاعتقاد يصرف انتباه مصر عن مشاكلها الداخلية، ما دفع الخارجية المصرية لاستدعاء القائم بالأعمال الإثيوبي للاحتجاج على هذه التصريحات التي اعتبرتها القاهرة تصريحات غير مسؤولة، وجاءت تصريحات مفتي، خلال مؤتمر صحافي أعلن خلاله أن الاتحاد الأفريقي دعا إلى اجتماع الأحد الماضي بين إثيوبيا ومصر والسودان لبحث المواجهة طويلة الأمد التي سببها سد النهضة، ولم تكن تصريحات مفتي فقط هي الوحيدة التي ألهبت سخونة المشهد المتأزم، لكن سبقتها تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، زعم فيها وجود جهات «لم يسمها»بخلق عدائيات بين بلاده والسودان، في إشارة للأحداث الأخيرة التي وقعت بين الجانبين في المنطقة الشرقية للحدود السودانية مع إثيوبيا والتي راح ضحيتها عدد من الضباط والجنود السودانيين، مما دفع الجيش السوداني للقيام بحملة لاستعادة الأراضي السودانية التي تحتلها ميليشيات إثيوبية مسلحة ومدعومة من الحكومة والجيش الفيدرالي الإثيوبي منذ ما يزيد على العشرين عاما، ما أشعل الموقف بين البلدين وزاد من حجم التوترات، التي سبقتها رسائل مصرية سودانية عبر عنها إجراء مناورة عسكرية للقوات الجوية المصرية والسودانية أقيمت على الأراضي، وفي الأجواء السودانية للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، ما اعتبرتها أديس أبابا رسالة تهديد مباشرة لها.
هذه الأحداث المتلاحقة دفعت «المجلة»من خلال آراء بعض المتخصصين والخبراء، للإجابة عن التساؤلات حول إمكانية اتحاد مصر والسودان للدخول في صدام مع الجانب الإثيوبي لتحقيق مصالحهما المشتركة، بعد تأزم الوضع في عدة اتجاهات، خاصة بعد الأحداث الأخيرة في الداخل الإثيوبي والتي كان أبرزها الصدام المسلح في إقليم تيغراي، والذي أدى لنزوح أكثر من 25 ألف مواطن إثيوبي للأراضي السودانية، وإدراك السودان مؤخرا ضرورة التعاون مع القاهرة، إضافة للتساؤلات حول مدى قدرة الاتحاد الأوروبي الذي يشارك في المفاوضات الخاصة بسد النهضة بصفة مراقب، في مدى تطوير مشاركته للعب دور أكبر لإحداث حلحلة في الموقف الإثيوبي المتعنت؟ وهل يمكنه دفع الأطراف الثلاثة للوصول إلى اتفاق ملزم بشأن الأزمة من عدمه؟
مساحات رمادية غير مفهومة في الموقف السوداني
في البداية، قال الباحث في الشأن الأفريقي، ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل، بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور هاني رسلان، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: لا يمكن التعويل على دور الاتحاد الأوروبي في إحدات تغيير جوهري في المفاوضات الخاصة بسد النهضة، أو قيامه بدور الوساطة، أو بدور فاعل أكثر من كونه مراقبا للمفاوضات، وكان المفوض الأعلى للسياسة الأوروبية قد قال قبل عدة أيام، حول جولة المفاوضات أن هذه العودة مبشرة، وعلى الدول الثلاث الوصول إلى اتفاق، والعدول عن التصعيد، والتوتر، وما شابه ذلك، وبالقطع هذه التصريحات تحمل قدرا كبيرا من النفاق، لأنها تضع الدول الثلاث على طرف المساواة، في حين أنه من الثابت أن الطرف الإثيوبي هو الطرف المتعنت، والشاهد الواضح جدا في ذلك والذي لا يمكن الجدال بشأنه هو وثيقة واشنطن التي وقعتها مصر ورفضتها إثيوبيا، وتبعها السودان في هذا الرفض. كما أن إطلاق أحكام بأن جولة المفاوضات هذه مبشرة هي في الحقيقة تعبر عن نوع من الضعف وعدم الموضوعية لأنه لا توجد أية مؤشرات موضوعية، أو عملية، تقول إن هذه الجولة من المفاوضات ستكون مختلفة عن سابقتها، بل العكس هو الصحيح، لأن هذه الجولة سبقتها تصريحات من المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، والتي تعرض فيها للشأن الداخلي المصري، والتي تم استدعاء الخارجية المصرية للقائم بالأعمال الإثيوبي في القاهرة على أثرها، والتي قال فيها أيضا وبصيغة الجزم، إن الملء الثاني لخزان السد سيتم بإرادة إثيوبية منفردة، وإنه ليس هناك دور في هذا سواء لمصر أو السودان، وبالتالي تصريحات الاتحاد الأوروبي هي تصريحات خجولة، وما زال الاتحاد الأوروبي محجما، ويضع نفسه بعيدا عن هذا المسار الفاعل.
وقال رسلان: بالنسبة لما يتعلق بوحدة مصر والسودان في اتخاذ موقف موحد تجاه التصادم مع الجانب الإثيوبي فيما يخص أزمة سد النهضة، فإن هذه المسألة نستطيع فيها القول إن الموقف السوداني تغير بشكل نسبي وجزئي، ففي السابق وحتى وقت قريب كان السودان يقع في مربع التحالف الكامل مع إثيوبيا وضد مصر، ورغم أن الكثير من الخبراء والقانونيين، ووزراء ري سابقين في السودان تحدثوا كثيرا ومرارا عن الخطأ الهائل والكارثي الذي يتخذه الوفد السوداني في مفاوضات سد النهضة منذ عهد الرئيس البشير وحتى الآن، إلا أن هذه الآراء كانت تحجب، وبعد سقوط البشير أصبحت هذه الآراء متاحة للناس، لكن أيضا وزير الري والوفد المفاوض، ومعهم الحكومة الانتقالية لا يلتفتون إلى ذلك، والحصيلة أن الموقف السوداني ما زالت به مساحات رمادية، وغير مفهومة، وعلى سبيل المثال فقد رفض السودان وثيقة واشنطن التي وضع فيها خبراء البنك الدولي، والخبراء الأميركيون نسبة محدودة تمثل 10 في المائة من الاتفاق بشكل متوازن لمصلحة الجميع، ولكن السودان رفض ذلك، لأن إثيوبيا رفضت، ولكنه الآن يسعى إلى أن يلعب الخبراء الأفارقة هذا الدور الذي رفضه سابقا من ممثلي البنك الدولي، والأميركان، ومعروف أن الخبراء الأفارقة لا يمتلكون المعرفة الفنية التي ترقى إلى مستوى البنك الدولي، ومعروف أيضا أن مسألة الحياد في أفريقيا محل تساؤل، بالتالي السودان انسحب من المفاوضات، وأوقفها لمدة شهر للمطالبة بمطلب صغير، وهزيل جدا وهو أن يعطى دورا أكبر للخبراء الذي كان قد رفضه سابقا، وبالتالي موقف السودان سيكون مفهوما لو طلب الانسحاب، وبرر هذا الانسحاب، أو تجميد الموقف بعدم جدية إثيوبيا أو تعنتها، وغير ذلك، لكنه لم يفعل، بل يتحاشى حتى الآن أن يذكر الموقف الإثيوبي بأي صفة سلبية، وهو يصمت عن ذلك تماما، في حين أنه طوال الوقت لا يتوقف عن الغمز واللمز في الموقف المصري، ودون مناسبة، وبمعلومات غير صحيحة.
وأضاف رسلان: إن الأزمة الداخلية في إثيوبيا، ونزوح الآلاف إلى السودان، وما تلاه من نزاع حدودي بين السودان وإثيوبيا، جعل الموقف الشعبي في السودان يحدث فيه نوع من التغير، فالكلام الذي يقال في السودان «أخت بلادي يا شقيقة يا إثيوبيا أخت بلادي»،والفئة التي تروج لهذا والتي يأتي ضمنها خلايا إلكترونية، وتوجهات سياسية مخططة، سواء من قطر أو من إثيوبيا، أو من بعض أذيال النظام السابق في السودان، قد بدأ يتغير تماما، ولكن الموقف على الحدود الآن قد فسد أيضا، وإسقاط إثيوبيا للأقنعة التي كانت تضعها حول الإخوة مع السودان وغير ذلك ساهم في تغيير نسبة كبيرة من الرأي العام السوداني في اتجاه معرفة حقيقة الأطماع التوسعية الإثيوبية في أراضي السودان، وكذلك رغبتها في الهيمنة على المياه واستخدامها كسلاح استراتيجي عبر سد النهضة، هذا الموقف يتفاعل حتى الآن، ولكن ثماره الأخيرة لم تنضج بعد، والموقف داخل السودان مركب، ومعقد، ونحن أمام قضيتين، قضية الخلاف السوداني الإثيوبي على الحدود، ومصر أعلنت تضامنها الكامل مع السودان سواء عبر بيان مع وزارة الخارجية، أو في اتصال أخير للرئيس السيسي للتهنئة بعيد استقلال السودان والتأكيد على وقوف مصر مع السودان، ولكن الشق الثاني هو قضية سد النهضة، فقضية سد النهضة فيها لغط كثير، والانقسام الذي كان موجودا بين الرأي العام، أو في الحكومة، وفي السلطة، أو في المرحلة الانتقالية، فالحكم الانتقالي في السودان لديه مكون عسكري، ومكون مدني، والمكون المدني بداخله عدة فئات، سواء حكومة أو حاضنة سياسية، أو تنظيمات مقاومة، أو حركات مسلحة، وما إلى ذلك، فالصراع بين المكون المدني، والمكون العسكري في السودان ينعكس سلبا على قضيتي الحدود وسد النهضة، لكن انعكاسه على الحدود بدأ يتراجع فقد أصبحت هناك موجه عالية في الرأي العام السوداني تساند بقوة تحركات الجيش في استرداد وتحرير الأرض المحتلة في الفشقة، أما في سد النهضة فالموقف لا يزال غائما.
لا صدام سودانيا إثيوبيا في مرحلة الانتقال السياسي
من جانبه، قال الكاتب والسياسي السوداني خالد هاشم خلف الله، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: لا أعتقد أن السودان في ظل ظروف الانتقال السياسي التى يحيا في ظلها سيدخل في أي صدام واسع المدى مع إثيوبيا بسبب عدم التوصل لاتفاق معها حول تشغيل وملء سد النهضة، رغم أن الرأى الفني السوداني حول هذه المسألة أصبح عامل ضغط على القرار السياسي يجب أن يأخذ على محمل الجد كل مخاوف الفنيين الذين يرون أن منشآت الري في السودان على النيل الأزرق والنيل الرئيسي لا يمكن تشغيلها دون تبادل يومي للمعلومات مع الجانب الإثيوبي ولا يمكن تبادل هذه المعلومات دون التوصل لاتفاق فني محكم يراعي مصالح دول حوض النيل الشرقي الثلاث (إثيوبيا، ومصر، والسودان)، لكن أعتقد أن تطورات الوضع الداخلي الإثيوبي المتأزم في بعض الأقاليم مثل إقليم التيغراي وإقليم بني شنقول الذى شيد على أرضه سد النهضة قد تدفع الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا للتعاطي بمرونة مع مخاوف ومطالب دولتي الممر والمصب في ما يتعلق بملء وتشغيل سد النهضة، فمن الواضح أن الاضطرابات المتصاعدة في أقاليم إثيوبية أثبتت فشل جمع الإثيوبيين على هدف قومي يجمعهم وهذا الهدف كان هو إكمال بناء سد النهضة باعتباره مفتاح تنمية البلاد.
وأضاف هاشم: بالنسبة للتدخل الأوروبي كوسيط في مسألة سد النهضة لن يكون ذا جدوى فالولايات المتحدة رمت بكل ثقلها في هذا الملف وكذلك روسيا في القمة الأفريقية الروسية في سوتشي في عام 2019 توسطت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لحل خلافات بلديهما حول سد النهضة وقد أخفقت أيضا هذه الوساطة الروسية، والآن الاتحاد الأفريقي يشرف على المفاوضات الجارية بين الدول الثلاث ولم ينجح حتى الآن في زحزحة الجانب الإثيوبي عن موقفه المتعنت بخصوص سد النهضة، ولذا لا أرى أي جدوى في تدخل الاتحاد الأوروبي في هذه المسألة، فالمحددات الداخلية الإثيوبية وتفاعلاتها هي التي قد تصنع معامل التغيير في الموقف الإثيوبي من منطلق مجبر أخوك لا بطل.
اتحاد مصر والسودان في مواجهة إثيوبيا
من جانبه، قال عضو لجنة التفاوض السابق في الوفد السوداني الخاص بمفاوضات سد النهضة الدكتور أحمد المفتي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: في اعتقادي أنه ينبغي أن يتحد الموقفان السوداني والمصري في مواجهة إثيوبيا علي الآتي: أن يكون الاتفاق بين مصر والسودان وإثيوبيا حول ملء وتشغيل السد اتفاقا ملزما، وأن توقف إثيوبيا كل أنشطتها في السد إلي حين الوصول إلي الاتفاق الملزم، وسحب التوقيع علي إعلان المبادئ الذي تم توقيعه بين الدول الثلاث عام 2015، إذا لم يتحقق الشرطان، يتم وقف المفاوضات نهائيا، إلا إذا تحقق الشرطان السابقان، ورفع الأمر إلي مجلس الأمن بموجب الفصل السابع، للتدخل ومنع الملء الثاني، إلا بعد الوصول إلى اتفاق ملزم، وذلك في مواجهة الموقف الإثيوبي الذي يسعى لأن يكون الملء الثاني بإرادتها المنفردة، كما كان الملء الأول، وأن يكون الاتفاق علي الملء والتشغيل غير ملزم أي أن تكون الخطوط الإرشادية وقواعد الملء والتشغيل إرشادية فقط، ويحق لإثيوبيا تعديلها من وقت لآخر.
وقال المفتي: حديث إثيوبيا عن الداخل المصري، والذي جاء في تصريحات على لسان المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، هو لصرف نظر مصر عن استعدادات إثيوبيا لتوليد الكهرباء في يونيو (حزيران) 2021 والملء الثاني في يوليو (تموز) القادم، أما حديثها عن تدخل طرف ثالث في العلاقة بينها وبين السودان، فالقصد منه تخريب العلاقات السودانية المصرية، وتمتين العلاقات السودانية مع إثيوبيا التي تحتل أراضٍ سودانية شاسعة بقوة السلاح لأكثر من 20 سنة، لأن ذلك أمر مخجل لا تستطيع الدفاع عنه، ولذلك أشاعت الحديث عن وجود طرف ثالث يسعى لخلق عدائيات بينها وبين السودان.
وأضاف المفتي أن السودان يشذ عن الجميع ولا أحد يدري ماذا يريد وينسحب للمرة الثانية. وفيما يعد استجابة لطلبات السودان المتكررة بإعطاء خبراء الاتحاد الأفريقي دورا أكبر، تقدم خبراء الاتحاد الأفريقي بمذكرة مكتوبة لاجتماع الرابع من يناير (كانون الثاني)، والتي وافقت عليها إثيوبيا فورا، كما هو متوقع، ورفضتها مصر، وهي محقة من حيث المبدأ، وكان من المفترض أن يوافق عليها السودان قبل إثيوبيا لأنه هو الذي طلب إعطاء خبراء الاتحاد الأفريقي دورا أكبر، ولكنه لم يحدد موقفه منها، ولكن الذي حدث هو أن السودان قد انسحب من الاجتماع الوزاري الثلاثي، الذي دعا له الاتحاد الأفريقي، لمناقشة المذكرة، مطالبا بعقد اجتماع ثنائي، ولا أحد يدري من هم أطرافه، وعما إذا كان المقصود هو أن تكون الدول الثلاث طرفا أول، وخبراء الاتحاد الأفريقي والمراقبون طرفا ثانيا، أم ماذا؟ خاصة وأن السودان لم يحدد أطراف الاجتماع الثنائي الذي يطالب به، ولقد سبق أن وجه مجلس السيادة السوداني بتاريخ 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 وزير الري السوداني بتحديد خطوات لإخراج السودان من المأزق الذي أدخل السودان فيه بانسحابه من مفاوضات نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، فإذا بوزير الري السوداني ينسحب مرة أخرى ويضيف مأزقا جديدا، وإن كان انسحاب السودان الأول بسبب عدم إعطاء خبراء الاتحاد الأفريقي دورا أكبر، فإن انسحاب الرابع من يناير (كانون الثاني) يتم بعد أن قام الخبراء بالدور الأكبر وقدموا رؤيتهم كتابة في مذكرة. مضيفا أنه إذا لم تفلح الولايات المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأفريقي فلا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سوف ينجح.
وحدة مواقف الخرطوم والقاهرة تحقق مصالح السودان
من جانبه، قال أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بكلية الدراسات الأفريقية الدكتور عباس الشراقي، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: الاتحاد الأوروبي ممثل في المفاوضات كمراقب، ودوره ليس مؤثرا بدرجة كبيرة، والآن الاتحاد الأفريقي هو الذي يضطلع بالمفاوضات والاتحاد الأوربي لا يملك أية تأثيرات كبيرة لحل الأزمة، والتصريحات الإثيوبية التي أطلقها المتحدث باسم الخارجية، دينا مفتي، هي استمرار للتصريحات السابقة، والتي اتهمت مصر بالوقوف وراء التظاهرات الأخيرة التي عمت العاصمة أديس أبابا منذ عدة أشهر، ودائما يوجهون الاتهامات لمصر، حتى عندما حدثت مواجهات مسلحة بين عناصر من الجيش السوداني، وميليشيات مدعومة من الحكومة الإثيوبية، فمصر هي الشماعة الأساسية التي تعلق عليها أديس أبابا أخطاءها، فالاتهامات ليست جديدة، إضافة إلى التصريحات الاستفزازية التي يطلقها مسؤولون إثيوبيون من أن النيل الأزرق هو نهر إثيوبي، وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قال رئيس الوزراء آبي أحمد إن إثيوبيا على استعداد لحشد مليون جندي للدفاع عن السد، لكن الجو العام حاليا لا يدعو للتفاؤل، فمصر استدعت القائم بالأعمال الإثيوبي لتقديم احتجاج على التصريحات الإثيوبية غير المسؤولة التي تتعلق بالشأن الداخلي المصري والتي جاءت على لسان دينا مفتي، إضافة إلى الجمود في العلاقات السودانية الإثيوبية بعد مقتل عشرات الجنود السودانيين في مناطق سودانية على الحدود بين البلدين.
وأضاف شراقي: العلاقات المصرية السودانية شهدت تقاربا كبيرا خلال الفترة الأخيرة، وكان أحد أبرز علامات هذا التقارب إجراء مناورة جوية مشتركة بين القوات المصرية والسودانية، على أراضي السودان، والتي أجريت للمرة الأولى في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتعد هذه المناورة رسالة موجهة لإثيوبيا.
وذكر الشراقي أن منطقة الفشقة الحدودية بين إثيوبيا والسودان حاليا تعد منطقة ملتهبة، وخطرة، بسبب احتلال إثيوبيا لها منذ ما يقرب من عشرين عاما، إضافة لتواجد ميليشيات إثيوبية مدعومة من الحكومة تمارس أعمال البلطجة ضد السودانيين، لذا فإن أي حكومة سودانية عاقلة لا بد أن تعلم أن مصلحة السودان تأتي في إطار التعاون مع مصر، لأنه ليس هناك حكومة عاقلة يمكنها أن تضحي بعلاقاتها مع مصر والتي تعد خطوطا استراتيجية عريضة، وليس بالضرورة أن يتحد السودان مع مصر للدخول في صدام عسكري مع إثيوبيا، لأن أشكال التصادم متعددة، وليست عسكرية فقط، فإذا جاءت حكومة سودانية أكثر خبرة دبلوماسية من الحكومة الانتقالية الحالية ستعلم حتما أن مصلحة السودان هو التوحد مع وجهة النظر المصرية لأن البلدين دولتا مصب، والسودان تأكد من ذلك خلال أحداث الفيضان الأخير التي أغرقت أماكن عديدة في السودان، وأثرت سلبا على السدود السودانية، ولذلك تأكد من خطورة سد النهضة على السودان، وفي اعتقادي أنه لا تغير في الموقف السوداني إلا في ظل وجود حكومة واعية بأن مصالح السودان مرتبطة بالتوحد مع الموقف المصري، كما أن المفاوضات الأخيرة التي دعا إليها الاتحاد الأفريقي لن تسفر عن أي تغيير في الموقف، لأن الاتحاد الأفريقي ليست لديه آليات لحل مثل هذا النزاع، وقد ثبت ذلك من خلال فشل الاتحاد في حل أزمة تيغراي في نزاعها الأخير مع الجيش الفيدرالي الإثيوبي، ويجب علينا عدم تعليق الآمال على الاتحاد الأفريقي، وعدم الانتظار لأكثر من نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الجاري، وبعدها لا بد من الانتقال إلى مجلس الأمن.