* أزمة قيادة جدية والجمهور يدفع الثمن * منذ قرار حل الكنيست وبعد انسحاب جدعون ساعر من حزب «الليكود» وتشكيل حزبه «أمل جديد»، في مقابل ضعف حزب «أزرق- أبيض»، شهد معسكر يسار- الوسط، المزيد من الانسحابات وتشكيل أحزاب جديدة * الرئيس السابق لحزب «العمل»، إيهود باراك، رأى أن الفرصة الوحيدة لإبعاد نتنياهو هي توحد جميع معارضيه * ستكون المعركة الحاسمة بين أحزاب يمينية متطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، وأخرى أكثر تطرفا برئاسة جدعون ساعر، ويمين أكثر من الاثنين تطرفاً برئاسة نفتالي
تل أبيب: يشهد معسكر يسار- الوسط في إسرائيل حالة صراع، غير مسبوقة، وولادة أحزاب عدة وانسحابات من حزب «أزرق – أبيض»، مما أدى إلى إضعاف هذا الحزب، الذي حصل على أكثرية مقاعد في الانتخابات الثالثة، لكنه لم ينجح في جلب أكثرية من اليسار والوسط لتشكيل الحكومة، بشكل كبير وغير متوقع. وعلى مدار سنة يمكن القول اليوم إن هذا الحزب انتهى، فيما اليسار، الضعيف أصلا، يواجه حالة من التفتت والانقسام مما لا يمكنه من مواجهة أحزاب اليمين، التي ستخوض الانتخابات، وستكون المعركة الحاسمة بين هذه الأحزاب: يمين متطرف برئاسة بنيامين نتنياهو، ويمين أكثر تطرفا برئاسة جدعون ساعر، ويمين أكثر تطرفا من الاثنين برئاسة نفتالي بنيت، ما يجعل الحلبة السياسية الإسرائيلية متجهة نحو اليمين، والمؤكد، حتى اليوم، أن إسرائيل أمام حكومة يمين جديدة، بعد الانتخابات التي ستجري في شهر مارس (آذار) المقبل، المتوقع أن تكون أكثر تطرفا من حكومة نتنياهو الحالية. منذ قرار حل الكنيست وبعد انسحاب جدعون ساعر من حزب «الليكود» وتشكيل حزبه «أمل جديد»، في مقابل ضعف حزب «أزرق – أبيض»، شهد معسكر يسار- الوسط، المزيد من الانسحابات وتشكيل أحزاب جديدة، مثل: حزب «الإسرائيليين» وأسسه، رون خولدائي، رئيس بلدية تل أبيب، وحزب «تنوفا» وأسسه عوفر شيلح، بعد انشقاقه من حزب «يوجد مستقبل»، برئاسة يائير لبيد وحزب «الاقتصادي»، الذي أعلن البروفسور يرون زليخا عن تأسيسه. أما حزب «العمل» فما زال يجري اتصالات في محاولات لإنقاذ نفسه وتشكيل تحالفات جديدة. وهكذا تبقى الساحة السياسية- الحزبية محصورة بين اليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفا، وكما يبدو فإن محاولات يسار- الوسط لتشكيل قائمة تحالفات لن تكون قادرة على مواجهة اليمين. فالواضح من المعمعة السياسية التي تشهدها إسرائيل فإن الصراعات مبنية على أسس شخصية بعيدا عن الموضوعية.
غانتس دمر حزبه: من 35 مقعدا إلى صعوبة تجاوز نسبة الحسم
الضعف الذي أظهره زعيم حزب «أزرق - أبيض»، بيني غانتس، في إدارة السياسة تجاه نتنياهو، وضع حزبه في مكانة هزيلة أدت بالتالي إلى ضعفه وانسحاب العديد منه وحتى التمرد على قرارات غانتس، من قبل أعضاء في الحزب.
لقد حصل حزب غانتس في الانتخابات الأخيرة على 35 مقعدا، وفي استطلاعات الرأي التي جرت قبل أقل من شهر تراجع إلى 33 مقعدا واستمر بالتراجع حتى وصل في آخر استطلاع رأي إلى أسفل قائمة توزيع المقاعد بحيث لم يحصل على أكثر من 3-4 مقاعد، أي احتمال عدم تجاوزه نسبة الحسم.
وعندما نتحدث عن حزب «أزرق - أبيض»، فهو حزب دخل المعركة الانتخابية السابقة بقوة تمثل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية: أربعة جنرالات رؤساء أركان جيش سابقين و11 جنرالا بين قادة جيش سابقين وقادة في الموساد والشرطة، جميعهم أظهروا ضعفا أمام نتنياهو وارتباكا بينهم في إدارة المعارك السياسية.
هذا الوضع أدى إلى نهاية هذا الحزب والمتوقع إعلان غانتس عن انسحابه من الساحة السياسية في حال استمر منح استطلاعات الرأي لحزبه احتمال عدم تجاوز نسبة الحسم. وإذا لم ينسحب فقد يتخذ قرار الارتباط مع يائير لبيد أو كبديل عن خولدائي، لكن هذه الاحتمالات، حتى اليوم، هي أقل من احتمال انسحابه من الساحة السياسية. هذا المشهد السياسي يضع الجمهور الإسرائيلي في حيرة من أمره، حيث ازدياد عدد الأحزاب وتفتيت هذا المعسكر، الذي كان الأمل لدى الإسرائيليين بالتخلص من نتنياهو وسياسته اليمينية المبنية على مصالح شخصية وأدت إلى تدهور الأوضاع في مختلف المجالات إلى حد عدم القدرة على مواجهة فيروس كورونا، وارتفاع كبير في حالات المرضى والموتى جراء الفيروس ودخول إسرائيل إلى إغلاق ثالث، سيؤدي إلى مضاعفة تدهور الأوضاع الاقتصادية.
بيلين: سعي غانتس لارتباطات جديدة سريعة النفاذ ظهور غانتس في المؤتمر الصحافي الأخير وإعلانه عن خوض حزبه الانتخابات مع هجومه على نتنياهو وشرح كيفية تعامله معه خلال فترة الائتلاف الحكومي، استدعى شخصيات سياسية عدة إلى التحذير من خطوات مستقبلية يتخذها غانتس. ووصف الرئيس السابق لحزب «ميرتس» اليساري، يوسي بيلين، أي محاولة لتشكيل تحالف بـ«السريعة ومنتهية الصلاحية». وعاد بيلين إلى فترة الإعلان عن حزب «أزرق - أبيض» قائلا: «لقد لمحت بداية غانتس السياسية إلى نهاية حياته السياسية. وكان خطؤه الأكبر هو فهمه أن حزب الوسط هو حزب يجمع في داخله يساريين ويمينيين ولم يفهم أن هذه وصفة لتفكيك الشراكة، إذا ما بقي اليمينيون في اليمين واليساريون في اليسار».
وبحسب بيلين، فقد «كانت في إسرائيل أحزاب وسط (مثل «الصهاينة العموميين» أو التقدميين)، ولكنها لم تكن ارتباطات مصطنعة من اليمين واليسار، بل كانت أحزابا دمج قادتها مبادئ مثل السوق الحرة مع استعدادات لتسويات سياسية. من يحاول أن يقيم مرة أخرى حزب وسط كل ما هو جديد فيه هو أن أناسا مثل تسفي هاوزر سيجلسون بحضرة واحدة مع أناس مثل عوفر شيلح، سيضطر لأن يفهم بسرعة أشد، أن مثل هذه الارتباطات تولد منتهية الصلاحية سريعا». الرئيس السابق لحزب «العمل»، إيهود باراك، رأى أن الفرصة الوحيدة لإبعاد نتنياهو هي توحد جميع معارضيه. وتساءل باراك إذا ما كان إبعاد نتنياهو عن كرسي رئاسة الحكومة سيسبق إعادة القيادة إلى المعسكر الديمقراطي- الليبرالي للمخلصين، أم العكس؟ ويجيب قائلا: «الأولوية اليوم لإبعاد المتهم (أي نتنياهو) قبل أي اعتبار آخر. في وعي الناخبين، سيحاكم نتنياهو بعد تسعين يوما قبل كل شيء بالتربح والتضليل المرتبط بكورونا، وربما أيضا محاولة نتنياهو الظهور بوصفه مخلصا. وهناك قضايا مهمة مثل الضم مقابل إنهاء الاحتلال أو علاقة الدين بالدولة، يجدر وضعها حاليا على الرف والعودة إليها بعد أن يتم إبعاد نتنياهو»، ويضيف: «انضمام الوزير زئيف الكين لحزب ساعر هو تطور إيجابي يمس بصورة شديدة بنتنياهو ويقلص جاذبية ساعر بالنسبة لناخبي (أزرق- أبيض) السابقين. ويمنع بينت من أن يتحول إلى كفة الميزان»، ولكن، يضيف باراك: «في يسار الوسط، الصورة مقلقة أكثر. فخيبة الأمل من غانتس وغابي أشكنازي أضرت جدا بالثقة الذاتية لمؤيدي المعسكر، وهي تتطور إلى شعور بالعجز. وإذا ولد في يسار الوسط 2 – 3 ذيول أخرى من الاحزاب، حتى مع زعماء ومؤيدين ممتازين، فإن التفكك واليأس سيتعمقان». خطوط التماس تم تفكيكها بين الكتل. لنتنياهو والأصوليين وبينت معا لم يكن هناك ستون مقعدا. وإذا كان «حلف الإخوة» لبيبي و«الحركة الإسلامية» لم تقلع، فإن كل شيء مفتوح. الأصوليون، دون أن يكون لديهم خيار، سيذهبون مع ساعر وليبرمان، وحتى مع لبيد وخولدائي. ولكن هناك شرط للتأثير على الواقع «في اليوم الذي سيلي الانتخابات»، وهو تشابك الأيدي من أجل المسؤولية. هذا أوشك على الحدوث، وخسارة أنه لم يحدث، في جولة الانتخابات الأولى، يمكن أن يحدث مرة أخرى. من لبيد وحتى ميرتس، بتنسيق وطيد وحوار متواصل وخفي عن العين مع ليبرمان وساعر والأصوليين، حتى خلال الحملة الانتخابية. خولدائي وليفني، نسنكورن وآيزنكوت، وشيلح، وهوروفيتس ونشطاء الاحتجاج، الذين يسحق عنادهم المتهم (نتنياهو)، فقط معا يكون بالإمكان إخراج نتنياهو من بلفور، والتأثير على طريق إسرائيل نحو الغد والعمل من أجل إعادة هذا المعسكر إلى تسلم الدفة كقائد لـ«إعادة تشغيل إسرائيل».
إمكانيات تحالف يسار الوسط
حيث تشهد الساحة السياسية- الحزبية في إسرائيل نقاشا عاصفا حول الوضعية التي وصلت إليها، رسم البعض تصوراتهم للإمكانيات المتوفرة لدى اليسار:
أحد الاحتمالات هو ارتباط واسع بين الأحزاب على نمط المعسكر الصهيوني، سابقا، وجذب أصوات اليسار، مما يتيح المنافسة القوية والمباشرة مع الليكود.
هذا الاحتمال يستبعده البعض في ظل توجه إسرائيل نحو اليمين بوجود ثلاثة أحزاب قوية برئاسة نتنياهو، وساعر، وبينت. احتمال آخر: تشكيل حزب بتحالف «العمل»، وعوفر شيلح «أزرق- أبيض»، وميرتس في حزبين مركزيين. واحد برئاسة لبيد، وواحد برئاسة خولدائي. هكذا يتمكنون جميعا من ضمان اجتياز نسبة الحسم ولكن ستكون هذه وصفة مؤكدة للمناوشات الداخلية، حين يرغب كل حزب في أن يصل إلى خط النهاية كحزب أكبر في الكتلة. أما الاحتمال الأسوأ فيكون ارتباطا جزئيا يبقي أجزاء متناثرة بعدم اجتياز نسبة الحسم. في مثل هذه الحالة، ستخسر الكتلة مقاعد كثيرة.
علاقة كورونا بالانتخابات
لقد اعترف الجنرال (احتياط) روني نوما، مسؤول كورونا لدى المتدينين، خلال طرحه لتفاقم أزمة كورونا وانتشار الفيروس بشكل واسع، أكثر من أية مرة منذ شهر فبراير (شباط) السنة الماضية، بالعلاقة بين الانتخابات الرابعة وارتفاع نسبة الإصابة بين المتدينين وعدم تنفيذ القانون من جانب الدولة، قائلا: «هذه الأمور مرتبطة ببعضها. جميعنا في داخل حملة انتخابية. وكل من يقول إن هذا لا يؤثر مخطئ». أما المدير العام السابق لوزارة الصحة، البروفسور غابي بربش، فقال في مقابلة تلفزيونية: «إن مجموعة القرارات الحكومية تتراوح بين الشلل والشعبوية. ومن الواضح ما يجب القيام به، والحكومة مشلولة. مستحيل تقليص نسبة الإصابة عندما يكون الإغلاق شبه إغلاق. فالسلوك في الإغلاق الحالي هو أخطر مما كان في الإغلاقات السابقة فقد تم اتخاذ قرار يؤدي إلى ضرر ضخم للمصالح التجارية وعمال كثيرين، لكنه لا ينفذ. هكذا، نحن ندفع ثمنا اقتصاديا باهظا، لكننا نحصل على نتيجة صحية سيئة. يمكن تسمية ذلك (اعتلال انتخابات). هذا متعلق بشكل مباشر بجولة الانتخابات القريبة، والخوف من مواجهة الأصوليين. وهناك خوف من أن السلوك الحالي فقط سيشتد وسينعكس أيضا في المجال الاقتصادي».
أمام هذه الوضعية تعيش إسرائيل حالة فوضى وإرباك سواء على الصعيد السياسي والاستعداد للمعركة الانتخابية، أو من حيث الوضع الصحي الخطير الذي يرافقه تدهور اقتصادي أخطر. ومع تفتيت يسار الوسط وتعزيز اليمين وكأن المنافسة الانتخابية ستنحصر وتحسم بين أحزاب اليمين المتنافسة، تزداد حيرة الناخبين الإسرائيليين، وإذا كانت النسبة لهؤلاء المحتارين في الانتخابات السابقة لمن سيدلون بأصواتهم عشرين في المائة فالمتوقع مضاعفة هذه النسبة وبالتالي انعكاسها السلبي على الانتخابات والوضع السياسي في إسرائيل.