* لبنان لم يلتزم بوعوده إلى المجتمع الدولي... والمطلوب تشكيل حكومة قوية وفاعلة لإعادة لبنان إلى محيطه العربي والخليجي
* القطاع المصرفي فقد ثقة المودعينوالخارج... والحل بزيادة رأس المال وتشكيل حكومة فاعلة
بيروت: صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية تضع قوانينها لتطبيقها على أراضيها، لكن الباب الرئيسي للمقاصة أو المراسلة المالية العالمية هي في نيويورك، لذلك فإن هذه القوانين تصبح وكأنها نافذة في جميع أنحاء العالم، فإذا اعتبرت وزارة الخزانة أن أحد المصارف لا يلتزم بلوائح «الأوفاك» فإنه يمكنها أن تمنع المراسلة معه، وعملياً هذا يعني خنقه، بمعنى آخر لوائح «الأوفاك» هي خطوة عالمية تدخل فيها الاعتبارات السياسية، لكنها في الأساس من ضمن الحرب العالمية ضد تبييض الأموال، بمعنى آخر هناك حرب عالمية الجميع يشارك فيها ضد المافيات وتجارة المخدرات وتبييض الأموال والإرهاب، و«الأوفاك»تأتي في إطار سياسي وأمني مناسب تقوده الولايات المتحدة، التي تراقب ما يجري في العالم وتعتبر أنه الظرف الأفضل بالنسبة لها لفرض هذه القوانين المتشددة، وبالطبع هذه القوانين تطال الأميركيين أو الذين يحملون جنسية مزدوجة، ولا يمكن لأحد أن يتهرب أو يعارض تطبيق هذا القانون».
تعدّدت قوانين العقوبات الأميركية... والهدف واحد لا بل الآلية والشروط واحدة: لا للتعامل مع الشخصيّة المعاقَبة، وإلا...
من قانونمكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) إلى قانون «قيصر»،فقانون «ماغنيتسكي»... الخلاصة تقضي بمنع الشخصيات المستهدفة بالعقوبات من زيارة الولايات المتحدة الأميركية وعدم التعامل بعملتها (الدولار الأميركي) في كل أنحاء العالم.
من هذا المنطلق التقت «المجلة»الدكتور محمد البعاصيري العالم والمطلع على كل الخبايا المتعلقة بالعقوبات وأحد أبرز القيادات في الحقل المصرفي والتي اكتسبها من خلال مشواره الطويل في لبنان والخارج كونه شغل منصب نائب حاكم مصرف لبنان منذ عام 2009 و2019 وأمين عام هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال في المصرف ذاته، وشريك مؤسس ورئيس مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (ميناناتف) ورئيس لجنة الرقابة على المصارف (1990- 2000 )، وهو رئيس مبادرة حوار القطاع الخاص بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
اقتصادنا مدولر
كانت نقطة الحوار مع البعاصيري لمعرفة إذا كان لبنان يخضع لعقوبات غير معلنة من الإدارة الأميركية وما صحة الشائعات عن لوائح جديدة تحضر لفرض عقوبات على شخصيات لبنانية بعدما طالت هذه العقوبات الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
وقد استهل كلامه بالقول: «الاقتصاد اللبناني مدولر بشكل كبير، ومن النادر أن نرى دولة في العالم تعمل بعملة غير عملتها، كما هو حاصل في لبنان، لذا فإن كل الأموال التي يتم التعامل فيها تمر عبر نيويورك أي عبر مصارف المراسلة، والسلطات الأميركية يهمها أن تكون مصارفها خالية من الشوائب، أو تمر عن طريقها عمليات لتبييض الأموال أو لتمويل الإرهاب، لذلك حين يتم الشك في أي مصرف تقوم السطات الأميركية بإصدار قرار يطلب بموجبه عدم التعامل مع المصرف المشبوه، وأي مصرف أميركي يخالف هذا القرار قد يتعرض للعقوبات، لذلك فإن القرارات التي تصدر تكون صارمة والمصارف الأميركية المراسلة تلتزم فورا بوقف التعامل مع المصرف المشبوه، وحين يحصل هذا الأمر يصبح المصرف المعاقب خارج نطاق العمل المصرفي، كما حصل مع جمال تراست بنك وقبله البنك اللبناني الكندي».
الشائعات
* منذ فترة والشائعات منتشرة عبر وسائل الإعلام عن لائحة جديدة ستصدرها السلطات الأميركية ضد سياسيين... ما صحة هذه التسريبات؟
- ليست كل شائعة حقيقية، لأن وزارة الخزانة الأميركية لا تتبنى أي شائعة، وحسب قناعتي الشخصية فإن كل هذه الشائعات التي تطلق هي ضمن اللعبة السياسية اللبنانية بين الأطراف المتنازعة، فالسلطات الأميركية المختصة بالعقوبات لا يمكنها تسريب أسماء أو لوائح قبل أن يتم إدراجها على لائحة العقوبات، وممنوع أن يسرب أي اسم خارج نطاق «أوفاك».
الأضرار
* ألا تؤثر هذه الشائعات على الاقتصاد اللبناني وعلى القطاع المصرفي اللبناني؟
- أنا شخصياً أقول لا يجوز التلهي بهذه الأمور، مع أنني مقتنع بأن الشائعات لن تتوقف.
الوضع اللبناني
* كونك عملت في القطاع المصرفي في الولايات المتحدة والدول العربية وأمضيت في مصرف لبنان أكثر من ربع قرن، كيف تنظر إلى الوضع اللبناني؟
- إن وضع لبنان خطير جداً، وأخشى إذا لم تكن هناك حكومة فعالة، ليس كحكومة حسان دياب، حكومة تلتزم بالإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي ومن الجهات المانحة والداعمة، فالوضع سيزداد صعوبة والاقتصاد سيسير من سيئ إلى أسوأ، لأن الفقر سيزداد، والبطالة سترتفع، ناهيك بالإفلاسات في كل القطاعات الإنتاجية، والفوضى الأمنية والاجتماعية، أي إننا قد نصبح أسوأ من فنزويلا والصومال، إن الحل في لبنان هو سياسي والمشكلة هي في الفساد المستشري وعدم وجود حوكمة والمحاصصة والسرقات والعجز الدائم في ميزانية الدولة.
منذ سنوات ورغم المؤتمرات الدولية التي عقدت لدعم لبنان، لم نلتزم بالتعهدات التي قدمناها للمجتمع الدولي، لم نقم بأي عملية إصلاحية حقيقية حتى نقنع العالم بأننا جادون في عملية الإصلاح، فهذه الدول حين تقدم لك المساعدات فهي تقدمها من أموال مواطنيها الذين يدفعون الضرائب، فكيف سيرضى هذا المواطن بأن تقوم دولته بمساعدة لبنان والهدر والسرقات والصفقات دائرة فيه، من هنا أقول إن لم نقم بتنفيذ الإصلاحات فسنواجه مشكلة كبيرة، هذا هو العامل الداخلي، أما العامل الخارجي فله أسباب كثيرة، فلبنان وبسبب المواقف السياسية التي تصدرعن بعض الأطراف ابتعد عن محيطه العربي وتحديداً الدول الخليجية مع أن الكل يعلم أن لبنان ومنذ زمن طويل يعتمد على دعم دول الخليج العربي المستمر، إنْ على صعيد الاستثمار وتمويل مشاريع الإعمار، أو على صعيد الودائع في مصرف لبنان، ناهيك بمئات آلاف اللبنانيين العاملين في هذه الدول، نحن مصلحتنا الأولى هي العودة إلى محيطنا العربي، يجب أن نستعيد ثقة العالم العربي فينا وثقة المجتمع الدولي وصندوق النقد والبنك الدوليين والاتحاد الأوروبي، هذه هي الأمور التي تنقذ لبنان، لذلك أعود وأكرر أن الحل سياسي وحل المشكلة الاقتصادية يأتي بعد الحل السياسي.
انهيار القطاع المصرفي
* ماذا عن القطاع المصرفي بعد الانهيار الحاصل؟
- لا شك أن القطاع المصرفي في وضع صعب جداً، فقد انعدمت الثقة في هذا القطاع من قبل المواطنين، ومن المجتمع الدولي، وهذه المشكلة ناجمة عن الأزمة التي حصلت، ولكن بإمكاني القول إن بعض المصارف ونتيجة سوء إداراتها وعدم شفافيتها فاقمت المشكلة، فالتحويلات الاستنسابية التي قامت بها بعض المصارف زادت من حدة المشكلة، لذا يجب إعادة هيكلة هذا القطاع من جذوره.
زيادة رأس المال
* هل تعتقد أن تعميم مصرف لبنان الداعي إلى زيادة رأسمال المصارف سيحل المشكلة؟
- التعميم رقم 154 الذي حدد آخر شهر فبراير (شباط) لتقوم المصارف بزيادة أموالها الخاصة بنسبة 20 في المائة وتأمين سيولة 3 في المائة في حساباتها في المصارف المراسلة إذا طبق هذا التعميم قد يساعد في حل بعض المشكلة وقد يساهم أكثر في تشكيل حكومة قوية، فهذه الحكومة هي الخطوة الأولى لحل المشكلة برمتها، وأنا أعود وأكرر إذا كانت هناك حكومة قوية تستطيع استعادة ثقة العالمين العربي والدولي وثقة المغتربين اللبنانيين وثقة المواطنين الذين يدخرون أموالهم في المنازل والتي يقدرها البعض بحوالي 10 مليارات دولار بعدما انعدمت الثقة بينهم وبين المصارف ولن تعاد هذه الأموال إلا إذا عادت الثقة؛ فالثقة اليوم مفقودة على كافة الصعد، وخصوصاً بعد الذي حصل في المرفأ، فرئيس الحكومة حسان دياب وعد اللبنانيين بأن التحقيق سينتهي، خلال خمسة أيام، نحن اليوم اجتزنا خمسة أشهر ولم نعرف حتى اليوم ماذا حصل في المرفأ، وهنا أود أن أشير إلى أن الحكومة الحالية صحيح أنها لا تتحمل مسؤولية الخسائر، لكننا انتظرنا منها أن تفتح باب الأمل للبلد، لكن تصرفها أضر كثيراً بالبلد، إذ إن سوء إدارتها للأموروعدم وجود أي رؤية واضحة لها لمعالجة الأمور الطارئة انعكس سلباً على البلد واقتصاده ويكفي أن نشير إلى القرار الذي اتخذته بعدم سداد سندات اليوروباوندز...
هذا القرار كان بمثابة إعلان إفلاس لبنان، قيل يومها إن الرئيس دياب لا يريد استعمال أموال المودعين لسداد الدين، فإذا كان هذا الكلام صحيحا كيف تمتنع عن دفع نحو مليار و200 مليون دولار للدائنين وترغم مصرف لبنان على استعمال أكثر من 6 مليارات دولار من أموال المودعين لتأمين الدعم للمحروقات والطحين والدواء وهذا الدعم لم يصل حكراً إلى المحتاجين، لأن معظمه ذهب إلى خارج البلد وإلى الأغنياء والتجار، لذلك أنا أقول إن هذه الحكومة هي حكومة إفلاس لبنان وجميع تصرفاتها كانت غير منطقية وهذه التصرفات هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم.