* يعيش داخل قطاع غزة حالياً، قرابة 850 مسيحياً، إذ تقلص عددهم تدريجياً بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، حيث كان عددهم قبل ذلك يفوق السبعة آلاف نسمة، وفقاً للإحصائيات الرسمية
* يعيش إلى جانب المسلمين والمسيحيين عدد كبير من اليهود، الذين جاءوا مهاجرين إلى إسرائيل، من عدة دول حول العالم، إضافة للآلاف الذين يصنفون من بين أصحاب الأرض الأصليين
* العلاقة بين المسلمين واليهود في فلسطين، قامت منذ سنوات طويلة، بمجرد زيادة الاحتكاك بين الطرفين بحكم الاجتماع في العمل وتفاصيل الحياة
* انتشار فيروس كورونا أثر على طبيعة الاحتفالات بالأعياد وقلل من مظاهرها
غزة: تنشغل الشابة المسلمة فاطمة يونس (28 عاماً)، بشكل كبير، خلال الأيام الأخيرة من العام الجاري، في الوقوف إلى جانب أصدقائها المسيحيين الذين بقوا في غزة. تقدم لهم التهاني بأعياد الميلاد المجيد، وتساندهم في تزيين شجرة الميلاد وإضاءتها، إضافة إلى أنها تساعدهم في صناعة الحلوى، وفي الطقوس الأخرى المرتبطة بالأعياد، مع مراعاةٍ منهم جميعاً للإجراءات الاحتياطية والوقائية، الخاصة بتجنب الإصابة بفيروس كورونا.
وتقول في حديث لـ«المجلة»: «أشعر أن هذه الأعياد التي بدأتُ أراقب طقوسها عن قرب، عند تعرفي على عدد من المسيحيين القاطنين داخل قطاع غزة، بحكم طبيعة عملي في مؤسسات المجتمع المدني، جزء مهم من وقتي وكياني، لا يكتمل عامي إلاّ به»، مضيفةً أن «الوضع الاستثنائي وفيروس كورونا في هذا العام، قلل من مظاهر الاحتفالات العامة، وألغى طقوس زيارة الكنائس وإضاءة الأشجار الكبيرة، لكنه أبداً لم يلغِ سمة التسامح والأخوة بين أبناء الديانات المختلفة في فلسطين، الذين لم ينقطعوا طوال حياتهم عن تبادل التهاني والزيارات في أعياد كلٍ منهم».
ويعيش داخل قطاع غزة حالياً، قرابة 850 مسيحيا، إذ تقلص عددهم تدريجياً بعد سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، حيث كان عددهم قبل ذلك يفوق السبعة آلاف، وفقاً للإحصائيات الرسمية، ويعيش أولئك الـ850 في حارات متفرقة داخل مدينة غزة، إلى جانب المواطنين المسلمين، ويتشاركون معهم كل تفاصيل الحياة، ويتبادلون التهاني في المناسبات والأعياد الدينية.
ويشكل مسيحيو قطاع غزة، جزءاً من المسيحيين في فلسطين، الذين يتنشرون في مختلف مناطق الضفة الغربية والداخل المحتل، ويبلغ نسبتهم إلى العدد الكلي للسكان وفق الإحصاءات الرسمية، حوالي 1 في المائة، ووصلت تلك النسبة إلى هذا الحد في السنوات الأخيرة، بعد أن كانت في عام 1948 وقبل النكبة الفلسطينية، تصل إلى أكثر من 8 في المائة، ويرجع مختصون أسباب ذلك التراجع، للهجرة والظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها فلسطين.
وفي ذات السياق، يعيش إلى جانب المسلمين والمسيحيين عدد كبير من اليهود، الذين جاءوا مهاجرين إلى إسرائيل، من عدة دول حول العالم، إضافة للآلاف الذين يصنفون من بين أصحاب الأرض الأصليين، الذين يعيشون في مدن الضفة الغربية، وبعضهم لديه صداقات كبيرة مع أبناء الديانات الأخرى، ويتبادل معهم التهاني خلال الأعياد الدينية، بل إن البعض منهم يتشارك مع المسلمين والمسيحيين في كثير من التفاصيل.
كورونا والأعياد
كغيرها من تفاصيل الحياة في العالم، تأثرت أعياد الميلاد هذا العام، بالأزمات التي نتجت عن فيروس كورونا، الذي بات اليوم يعيش في أعلى مراحل انتشاره داخل فلسطين، وقطاع غزة بشكل خاص، حيث صار القطاع يسجل يومياً ما يقرب من الألف حالة وحوالي 10 حالة وفاة، الأمر الذي اضطر الجهات الرسمية للإعلان عن إغلاق الكنائس، ومنع الاحتفال في الأماكن العامة، والاكتفاء على التهاني بين المواطنين والاحتفالات داخل المنازل، التي تتضمن إعداد الحلوى، وإضاءة شجرة الميلاد، وغيرهما.
وقال كامل عيّاد، مدير العلاقات العامة في الكنيسة الأرثوذكسية «بيرفيريوس»، بمدينة غزة، إن «جميع الكنائس مغلقة بسبب جائحة كورونا»، مشيراً إلى أن المسيحيين«لن يحتفلوا هذا العيد في الكنائس المغلقة، حتى إشعار آخر، إنما سيكتفون بإقامة الاحتفالات داخل البيوت».
وتشير المواطنة سامية لطفي (35 سنة)، التي اعتادت على ممارسة طقوسها الدينية المسيحية داخل الكنائس في كل عام، إلى أن ظروف فيروس كورونا، أفقدت الأعياد بهجتها، وساهمت في تقنين إشاعة مظاهر الفرح التي ارتبطت بها، موضحةً أن «احتفالهم بالأعياد هذا العام، كان داخل المنازل فقط، وسيكملون الاحتفال بما تبقى من أعياد على ذات الطريقة، حيث يكتفون بإضاءة الشجرة وصنع الحلوى، والزيارات العائلية المحدودة، إضافة إلى استقبال التهاني من أصدقائهم المسلمين في غزة».
أما المواطنة أم ماجد عياد، التي اعتادت على صنع أطباق البربارة برفقة أسرتها، للاحتفال بأيام عيد الميلاد المجيد، فتقول: «إن حلوى البربارة من أهم الأطباق المرتبطة بعيد الميلاد المجيد، وهي فاتحة الأعياد في فلسطين، وتتكون من القمح والمكسرات والسكر والشومر واليانسون والقرفة، التي تمزج ببعضها، وخلال الطهو تغني أم ماجد أغنية (البربارة)، برفقة من يكون حاضراً»، مشيرةً إلى أنهم يوزعون تلك الحلوى على المسيحيين وجيرانهم المسلمين، حيث يستقبلونها بمحبة وفرح.
ويشارك المسلمون الفلسطينيون، أبناء بلدهم المسيحيين، الاحتفال بأعياد الميلاد ومناسباتهم، عبر توظيف مهاراتهم المختلفة في تجسيد الرموز المسيحية، حيث يبدع عدد من الشباب في رسم تلك الرموز وحياكتها، وتصميم شجرة الميلاد وصنع الألعاب وغيرها.
قيود على الأعياد
في كل عام، يعاني مسيحيو فلسطين، من قيود متنوعة تعوق قدرتهم على الاحتفال بأعيادهم بحرية، ومن أبرز تلك القيود، تلك التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي على المسيحيين في التنقل والسفر ومنعه للم شمل العائلات، خلال موسم الأعياد، حيث يمنع منذ سنوات طويلة الكثير من مسيحيي غزة، من الانتقال إلى مدينة بيت لحم، لمعايشة أجواء الاحتفال، ويعوق كذلك تنقل مسيحيي الضفة الغربية من خلال حواجزه وإجراءاته العسكرية.
ومن أبرز الأعياد التي يحتفل بها المسيحيون، خلال أيام العام، هو عيد ميلاد المسيح، بداية من ليلة 24 ديسمبر(كانون الأول)، ونهار 25 ديسمبر(كانون الأول)، وكذلك عيد الغطاس، ويسمى «عيد الظهور الإلهي»، ويحتفل به يوم18 يناير(كانون الثاني)، إضافة لأحد الشعانين وهو الأحد السابع من الصوم الكبير قبل عيد القيامة، وعيد الفصح، وهو أعظم الأعياد المسيحية وأكبرها، وهو ذكرى قيامة المسيح، وغيرها من الأعياد.
ومن المتغيرات البارزة التي أفضت لقيود خلال هذا العام أيضاً، في احتفالات الأعياد بفلسطين بشكل عام، في غزة على وجه الخصوص، قرار وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التابعة لحركة حماس، والذي اتضح مضمونه من خلال وثيقة داخلية تم تسريبها للإعلام، حيث تعنونت الوثيقة بوسم «فعاليات للحد من التفاعل مع الكريسماس»، وتضمنت عددا من البنود التي تقر سلسلة من الفعاليات والأنشطة الدينية، الهادفة إلى تحجيم مشاركة المسلمين في الأعياد المسيحية، التي اعتادت غزة على الاحتفال بها سنوياً دون أي شوائب أو منع.
تلك الوثيقة وما جاء بها، حظيت بتفاعل واسع، وتم تناقلها بشكل كبير من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، وانتقدتها الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومكونات مختلفة من المجتمع الفلسطيني، على اعتبار أنها «تدخل في نطاق محظور، وتقييد للحريات، إضافة لكونها تفتح مجالات للفرقة الدينية، وتهدم التكاتف المجتمعي الفلسطيني».
وتعقيباً على تلك الوثيقة، التي دفعت وزارة الأوقاف بغزة لإصدار بيان توضيحي، قال المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في تصريحات صحافية: «إننا نرفض خطاب الكراهية والعنصرية والإقصاء لأننا نعتقد أن هذا لا ينسجم وقيمنا الإيمانية والروحية كما أنه لا يصب في مصلحة شعبنا الفلسطيني».
وتابع: «نحن أصحاب قضية عادلة ويجب أن نكون موحدين كما كنا دومًا، وأن نرفض، وأن نلفظ أي خطاب تكفيري إقصائي أياً كان مصدره وأياً كانت الجهة التي تروج له».
وتعليقاً على الوثيقة المسربة أيضاً، يقول إبراهيم الهمص، وهو من سكان مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، إن علاقة مسلمي غزة بإخوانهم المسيحيين أكبر من كل قرارات حكومة حماس، لأن العلاقة بينهم وطنية وقائمة على تاريخ اجتماعي ونضالي كبير عمره أكبر من كل أعمار الأحزاب السياسية، موضحاً أنه «توجه خلال أعياد هذا العام، بالتهنئة لزملائه المسيحيين في العمل، وبارك لهم أعيادهم، واحتفل مع أحدهم داخل منزله».
تسامح مكتمل بين الأديان
وساهمت مكانة فلسطين الدينية، وكونها محلاً لاجتماع الأديان الثلاثة، في جعلها مكاناً للتسامح الديني والسلام الإلهي بين جميع الأديان، وليس فقط الدين الإسلامي والمسيحي كما يظن البعض، فهنالك الكثير من الفلسطينيين المسلمين، الذين يتبادلون التهاني مع أصدقائهم اليهود الذين يعيشون داخل فلسطين.
فالعلاقة بين المسلمين واليهود في فلسطين، قامت منذ سنوات طويلة، بمجرد زيادة الاحتكاك بين الطرفين بحكم الاجتماع في العمل وتفاصيل الحياة، ويقول السيد أمجد عاصي، الذي يقطن مدينة غزة، وعمل لأكثر من 20 عاماً داخل إسرائيل، في فترة ما قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، إنهم كانوا يتبادلون التهاني مع مشغليهم اليهود، خلال الأعياد الدينية ويقدمون لبعضهم الهدايا.
ويضيف في حديث لـ«المجلة»، أن «اليهود الذي جمعتهم علاقة عمل وصداقة بهم، كانوا لا يتركون مناسبة دينية إسلامية إلا ويباركون له هذه المناسبة ويمنحوه خلالها إجازة عمل ليتمكن من الاحتفال بها بشكل كامل»، مستذكراً أن «مشغله اليهودي الستيني، والذي كان يعمل في مصنع خياطة تابع له، كان يقدم له ولزملائه المسلمين في كل عيد فطر سعيد وعيد أضحى مبارك، مكافآت مالية لتساعدهم في دفع تكاليف الاحتفال بتلك الأعياد».
وفي ذات السياق، يروي السيد صبري معروف (65 عاماً)، والذي كان يعمل سائقاً لدى عائلة إسرائيلية في الداخل الفلسطيني المحتل، أن تلك العائلة بدأت قبل أكثر من 35 عاماً، بدفع مبلغ يكفي لشراء أضحية كبيرة، عند كل مناسبة عيد أضحى مبارك تمر على المسلمين الفلسطينيين، وتطلب منه تلك العائلة، تولي مهمة شراء الأضحية وذبحها وتوزيعها على الأسر الفقيرة في منطقته، كما يقول.
وفي مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية، يقول السيد سعدي غريّب (56 عاماً) والذي يعمل عاملاً في مجال الغذاء داخل إسرائيل، إنه يحفظ مواعيد جميع الأعياد اليهودية ويعرف طقوسها جيداً، كما الأعياد المسيحية والإسلامية، موضحاً أن «ذلك جاء عبر احتكاكه الدائم باليهود، ولشعوره بأن الاتفاق على قدسية الأديان والمحبة التي تنشر من خلالها، أكبر من كل الخلافات السياسية والعرقية».
يشار إلى أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يحرص على تقديم التهاني لأصحاب الديانة اليهودية في المناسبات الدينية المختلفة، للتأكيد على أن الصراع الذي يجري على الأرض، لا علاقة له بالأديان، وللتدليل على أن سمة الفلسطينيين هي التسامح مع كل الأديان، فأرضهم تتسع لجميع سكان هذا العالم كزائرين ومتعبدين وباحثين عن جمال الأرض، كما يوضح عباس، في رسائله التي يبرق بها، للمسؤولين الإسرائيليين واليهود، في المناسبات الدينية الخاصة بهم.
ومن أبرز الأعياد الدينية، التي يحتفل بها اليهود خلال أيام السنة العبرية، عيد الفصح،«وهو خروج بنى إسرائيل من مصر، وطقوسه تتمثل في أكل الخبز غير المختمر (الفطير) لمدة 7 أيام»، وكذلك عيد نزول التوراة، «وهو عيد نزول التوراة في جبل سيناء، بحسب المعتقدات اليهودية، يحتفل به اليهود بعد خمسين يوماً من تاريخ حلول عيد الفصح»، وعيد العرش و«يبدأ من 15 من شهر تشري اليهودي، الذي يوافق شهر أكتوبر، ويستمر لمدة 7 أيام»، وعيد الغفران «ويبدأ يوم 10 من أول شهر في السنة العبرية من كل عام»، وغيرها من الأعياد التي تتوزع على أيام العام.