* 1.5 مليار طالب تأثروا من إغلاق المدارس والجامعات
* 900 مليون شخص زادت أعباؤهم المالية بسبب تكلفة الرعاية الصحية
* 729 مليون مواطن يعيشون في فقر مدقع... والأعداد في تزايد
* اتساع «الفجوات بين الجنسين».. وضياع المكاسب التي حقَّقتها النساء والفتيات على مدى عقود
* تراجع الدخول وفقدان الوظائف على نطاق واسع في الكثير من البلدان... وارتفاع معدلات البطالة
* 9.3 في المائة من أصول النظام المصرفي تعجز عن استيفاء الحد الأدنى للمتطلبات التنظيمية
* قصور رأس المال إلى 480 مليار دولار أميركي على مستوى العالم حال غياب السياسات
* تشديد القيود المالية والأوضاع الاقتصادية المعاكسة يضران بالأداء البيئي للشركات بوجه عام
* ساعدت برامج شراء الأصول على تخفيض عائدات السندات الحكومية والحفاظ على أسعار الصرف
القاهرة: مر عام على انتشار فيروس كورونا تاركا أثارا صحية واقتصادية واجتماعية على المستوى العالمي، دون أمل حقيقي في القضاء على الفيروس، رغم ظهور العديد من اللقاحات، لكن الفيروس أيضا لا يزال يتحور، وظهرت أربع سلالات جديدة للفيروس حتى الآن.
ففي مثل هذا الوقت من العام الماضي لم تكن تعبيرات مثل «الإغلاقات العامة»و«إلزامية ارتداء الكمامة»و«التباعد الاجتماعي»معروفةً. لكنها اليوم أصبحت جزءا من لغة الحياة اليومية، إذ إن جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19) مازالت تُؤثِّر على كل مناحي حياتنا.
وأظهرت أحدث البيانات على موقع جامعة جونز هوبكنز الأميركية، أن إجمالي الإصابات وصل إلى 76 مليونا و823 ألف حالة. كما أظهرت البيانات أن عدد الوفيات وصل إلى مليون و693 ألفا، حتى 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
وتتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث عدد الإصابات، تليها الهند ثم البرازيل وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة وتركيا وإيطاليا وإسبانيا والأرجنتين وألمانيا وكولومبيا والمكسيك وبولندا وإيران.
كما تتصدر الولايات المتحدة دول العالم من حيث أعداد الوفيات، تليها البرازيل والهند والمكسيك وإيطاليا والمملكة المتحدة وفرنسا.
وترصد التقارير الصادرة من البنك الدولى العديد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية على مستوى العالم.
الفئات الفقيرة
على مدار عام 2020، ألحقت جائحة كورونا أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً، وتُنذِر الآن بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر. فبعد عقود من التقدم المطرد في الحد من أعداد الفقراء الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار للفرد في اليوم، سيكون هذا العام إيذاناً بأول انتكاسة لجهود مكافحة الفقر المدقع في جيل كامل.
يحذر أحدث تحليل من أن الجائحة أفضت إلى سقوط 88 مليون شخص آخر في براثن الفقر المدقع هذا العام، وفي سيناريو أسوأ الأحوال، فإن هذا الرقم قد يرتفع إلى 115 مليوناً. وتتوقَّع مجموعة البنك الدولي أن تكون أكبر شريحة من «الفقراء الجدد»في جنوب آسيا، تليها مباشرة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. فكثير من الفقراء الجدد يعملون على الأرجح في قطاعات الخدمات غير الرسمية، والإنشاءات، والصناعات التحويلية، وهي القطاعات التي تأثَّر فيها النشاط الاقتصادي بشدة من جراء الإغلاقات العامة والقيود الأخرى على الحركة والانتقال.
وبحسب التقارير سيرتفع عدد الذين يعيشون في فقر مدقع على مستوي العالم من 643 مليونا عام 2019 إلى 729 مليونا عام 2020، ليواصل الارتفاع إلى 736 مليونا عام 2012.
هبوط النشاط الاقتصادي
أثرت الإجراءات التي اتخذتها الحكومات للحد من انتشار الجائحة على النمو الاقتصادي. وأحدثت الجائحة أزمة عالمية ليس لها مثيل، أزمة صحية عالمية، علاوةً على خسائر بشرية هائلة، مما أدى إلى أشد ركودٍ شهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
مُنيت جهود الحد من الفقر بأكبر انتكاسة لها منذ عدة عقود بعد قرابة ربع قرن من التراجع المطرد لمعدلات الفقر المدقع على مستوى العالم. وسط توقعات بأن يهبط معدل النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 5.2 في المائة في 2020، وهو أكبر هبوط في ثمانية عقود. وقد تُخلِّف هذه الصدمة ندوبا تستمر أمدا طويلا على مستويات الاستثمار، وتدفقات تحويلات المغتربين والمهاجرين، والمهارات والحالة الصحية لملايين من الناس أصبحوا الآن عاطلين بلا عمل، وانخفاض نواتج التعلُّم من خلال إغلاقات المدارس، وسلاسل الإمداد.
النمو العالمي
من المتوقع أن يبلغ النمو العالمي سالب 4.4 في المائة في عام 2020، ومن المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 5.2 في المائة في عام 2021، وعقب الانكماش في عام 2020 والتعافي في عام 2021، من المتوقع أن يكون مستوى إجمالي الناتج المحلي العالمي في 2021 أعلى من مستوى عام 2019 بنسبة متواضعة قدرها 0.6 في المائة. وتشير توقعات النمو إلى فجوات سلبية كبيرة في الناتج وارتفاع في معدلات البطالة هذا العام وفي عام 2021 عبر كل من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة.
تخفيف أعباء الديون
وتضعِف هذه التداعيات الاقتصادية قدرة البلدان على الاستجابة على نحو فعَّال للتأثيرات الصحية والاقتصادية للجائحة. وحتى قبل الجائحة، كان نصف كل البلدان منخفضة الدخل تقريباً تعاني بالفعل من ضائقة مديونية أو في خطر التعرض لها، مما لا يتيح لها مجالاً يذكر للتحرك على صعيد المالية العامة لمساعدة الفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً الذين تضرروا بشدة من جراء الجائحة.
وتشكل مخصصات خدمة الديون للدائنين الرسميين عبئا ثقيلا في الأعوام القادمة، وسيلزم اتخاذ إجراءات سريعة لتخفيف الديون من أجل تفادي ضياع عِقْد آخر. فتعليق مدفوعات خدمة الديون تدبير مؤقت مهم، لكنه ليس كافياً.
وحال عدم اتخاذ المزيد من التدابير لحل مشكلة الديون، فإن السعي لتحقيق تعاف مستدام قد يتعثَّر في الكثير من البلدان، بالإضافة إلى طائفة من الأهداف الإنمائية الأخرى.
ويشير تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية، إلى أن الكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية استطاعت تنفيذ استجابات واسعة النطاق على صعيد المالية العامة والسياسة النقدية خلال الأزمة المالية 2007-2008، لكنها اليوم أقل استعدادا للتغلب على هبوط النشاط الاقتصادي العالمي. وتعتمد أشد هذه البلدان ضعفاً اعتماداً كبيراً على التجارة العالمية والسياحة والتحويلات المالية للمهاجرين والمغتربين.
انخفاض التحويلات المالية
إن التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى بلدانهم أمرُ مثير للقلق بصفة خاصة. فخلال العقود المنصرمة، تزايدت أهمية الدور الذي تلعبه هذه التحويلات في تخفيف وطأة الفقر وتعزيز النمو. ففي العام الماضي فقط، كانت هذه التدفقات المالية مساويةً للاستثمارات الأجنبية المباشرة والمساعدات الإنمائية الرسمية (من حكومة إلى حكومة).
ولكن جائحة كورونا أحدثت انتكاسة شديدة، حيث خلصت أحدث تنبؤاتنا إلى أن التحويلات المالية ستنخفض بنسبة 14 في المائة بنهاية عام 2021، وهي نظرة مستقبلية أفضل قليلاً من التقديرات في وقت سابق خلال الجائحة، التي لا تناقض حقيقة أن هذه تراجعات غير مسبوقة. فمن المتوقع أن تشهد كل المناطق تراجع التحويلات المالية، وأن تُسجِّل أوروبا وآسيا الوسطى أكبر تراجع. ومع هذه التراجعات، من المرجح أن تهبط أعداد المهاجرين والمغتربين في عام 2020 وذلك للمرة الأولى في التاريخ الحديث مع انحسار أعداد المهاجرين والمغتربين الجدد وزيادة أعداد العائدين منهم.
وتقطع هذه التراجعات شريان حياة لكثير من الأسر الفقيرة في البلدان النامية، إذ تحظى التحويلات المالية للمهاجرين والمغتربين بأهمية حيوية للأسر في أنحاء العالم، ومع انحسارها، يخشى الخبراء أن يزداد معدل الفقر، وأن يشتد نقص الأمن الغذائي، وقد تفقد الأسر السبل التي تُمكِّنها من تحمل تكلفة خدمات مثل الرعاية الصحية.
منشآت الأعمال والوظائف
لقد أثرت الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة تأثيراً شديداً على منشآت الأعمال والوظائف. وفي شتَّى أنحاء العالم، تتعرض الشركات لاسيما المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في بلدان العالم النامية لضغوط شديدة، إذ إن أكثر من نصفها لم تسدد ما عليها من متأخرات مستحقة الدفع أو من المرجح أن تتخلَّف قريباً عن السداد.
وأظهرت البيانات أن كثيرا من هذه الشركات استبقت موظفيها أملاً في استمرارهم في العمل حينما تتغلب على تأثيرات الجائحة. وزاد أكثر من ثلث الشركات استخدام مبتكرات التكنولوجيا الرقمية من أجل التكيُّف مع الأزمة. ولكن البيانات نفسها نبَّهت إلى أن مبيعات الشركات قد هبطت بمقدار النصف بسبب الأزمة، الأمر الذي اضطر الشركات إلى تقليص ساعات العمل والأجور، وأن معظم منشآت الأعمال لاسيما الشركات متناهية الصغر والصغيرة في البلدان منخفضة الدخل- تسعى جاهدةً للحصول على دعم مالي عام.
رأس المال البشري
سيظل رأس المال البشري معرضاً لخطر النقصان بسبب انخفاض مستويات دخل الأسر- سواء بسبب فقدان الوظائف أو توقف تحويلات المغتربين، أو العديد من العوامل الأخرى المرتبطة بجائحة كورونا. ومع تراجع مستويات الدخل، ستُضطر الأسر إلى إجراء مفاضلات وتقديم تضحيات قد تضر بالنواتج الصحية والتعليمية لجيل كامل.
الرعاية الصحية
أبرزت الجائحة الحاجة إلى خدمات فعالة ميسورة التكلفة للرعاية الصحية. وحتى قبل بدء الأزمة، كان الناس في البلدان النامية يدفعون أكثر من نصف تريليون دولار من مالهم الخاص ثمناً للرعاية الصحية. ويتسبب ذلك الإنفاق في مصاعب وأعباء مالية لأكثر من 900 مليون شخص، ويدفع حوالي 90 مليون شخص للسقوط في براثن الفقر المدقع سنويا، وهي دينامية من المؤكد تقريباً أنها تفاقمت بسبب الجائحة.
والرعاية الصحية هي إحدى السبل التي تُؤثِّر بها جائحة كورونا على رأس المال البشري للبلدان. وقبيل تفشِّي الجائحة، كان العالم يعاني بالفعل أزمة تعلُّم، إذ إن 53 في المائة من الأطفال في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل يعجزون عن قراءة جملة بسيطة عند إتمام دراستهم في المرحلة الابتدائية. وتزداد هذه المخاطر مع إغلاقات المدارس الناجمة عن الجائحة.
إغلاق الفصول الدراسية
في ذروة الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة، فرض أكثر من 160 بلداً شكلاً من أشكال إغلاقات المدارس التي أثَّرت على ما لا يقل عن 1.5 مليار طفل وشاب. ويُمكِن الاطلاع في هذا الرابط على تحديثات منتظمة عن الإغلاقات العامة العالمية.
وقد تمتد تأثيرات جائحة كورونا على التعليم لعدة عقود قادمة، وليس مجرد نقصان التحصيل الدراسي في الأمد القصير، وإنما أيضاً تقليص الفرص الاقتصادية التي ستُتاح لهذا الجيل من الطلاب على الأمد الطويل. وبسبب نقصان التحصيل الدراسي وزيادة معدلات التسرب من المدارس، من المحتمل أن يفقد هذا الجيل من الطلاب ما يُقدَّر بنحو 10 تريليونات دولار من الدخل أو قرابة 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وأن تبتعد البلدان أكثر عن المسار الصحيح إلى تحقيق أهدافها المتصلة بفقر التعلّم، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة مستوياته زيادةً كبيرة إلى 63 في المائة، أي ما يعادل 72 مليون طفل آخر في سن التعليم الابتدائي.
ومع اضطرار الأسر بسبب الظروف الاقتصادية إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن إنفاقها، تزداد المخاوف بشأن معدلات تسرب الطلاب من المدارس.
يقول خايمي سافيدرا، مدير قطاع الممارسات العالمية للتعليم بالبنك الدولي إنه يشعر بقلق بالغ على الطلاب في المدارس الثانوية وفي مرحلة التعليم الجامعي. وأوضح أن الكثيرين في تلك الشريحة العمرية «لن يعودوا إلى منظومة التعليم لأن هذه ستكون صدمة اقتصادية هائلة، وهكذا قد لا تجد الأسر موارد أو يضطر البعض [من الطلاب] إلى اللجوء للعمل». وأضاف أن الآخرين الذين كانوا من قبل على حافة التسرُّب من المدارس، سيفعلون ذلك على الأرجح بسبب الجائحة.
وللتخفيف من هذه الخسائر، وفي محاولة للحفاظ على عملية التعلّم وسط الأزمة، تدرس البلدان الخيارات المتاحة للتعلّم عن بُعد، مع تباين النتائج المترتبة على هذا المسعى. وفي كثير من الأماكن، تتمثل العقبة الرئيسية في ضعف خدمات الاتصال عريضة النطاق بأسعار معقولة.
اتصالات الإنترنت
إن تجربتهما ليست فريدة من نوعها، إذ إنه في مختلف أنحاء العالم، تُؤكِّد الجائحة والإغلاقات العامة المرتبطة بها أن التواصل الرقمي بات الآن ضرورة لا بد منها. وأصبحت شبكة الإنترنت بوابة الوصول إلى الكثير من الخدمات الأساسية مثل منصات الصحة الإلكترونية، والتحويلات النقدية الرقمية، وأنظمة الدفع الرقمي.
ولسوء الحظ، ما زال الحصول على خدمات البنية التحتية والاتصالات الرقمية محدوداً للغاية في أفقر بلدان العالم، تلك البلدان المؤهلة للحصول على منح وتمويل مُيسَّر من المؤسسة الدولية للتنمية التابعة للبنك الدولي. وعلى الرغم من أن نطاق تغطية الهاتف المحمول قد شهد زيادة سريعة على الصعيد العالمي، فإن البلدان المؤهلة للاقتراض من المؤسسة الدولية للتنمية لا تزال متأخرةً كثيراً عن الركب، إذ بلغت معدلات انتشار الإنترنت والهاتف المحمول 20.4 في المائة في نهاية عام 2019 بالمقارنة مع 62.5 في المائة في البلدان الأخرى.
ومع أنَّ الجائحة أظهرت الحاجة إلى تعزيز الربط الشبكي، فإنها قد تؤدي في الواقع إلى اتساع الفجوة الرقمية، إذ إن الاستثمارات الخاصة تواجه معوقات، ويجري توجيه التمويل العام إلى الأولويات الملحة للسياسات مثل الرعاية الصحية والحماية الاجتماعية.
التمييز بين الجنسين
تُشكِّل الجائحة أيضاً خطراً بالغاً بُنذر باتساع «الفجوات»الإنمائية الأخرى. ومما تجدر ملاحظته، أن الفجوات بين الجنسين قد تتسع أثناء الجائحة وبعد انحسارها. وقد يؤدي هذا إلى ضياع المكاسب التي حقَّقتها النساء والفتيات على مدى عقود من حيث رأس مالهن البشري، وتمكينهن الاقتصادي، وقدرتهن على التعبير عن الرأي وتمثيلهن.
وفي بداية العام، لاحظ التقرير المعنون «المرأة وأنشطة الأعمال والقانون»أنه تحقق تقدم ملموس في الفرص الاقتصادية المتاحة للنساء خلال الخمسين عاماً الماضية. فعلى سبيل المثال، في عام 1970، كان هناك بَلدان اثنان فقط يفرضان المساواة بين الرجال والنساء في الأجر عن العمل متساوي القيمة. وكما يتضح في الشكل البياني التالي، فقد تغيَّر هذا الوضع بدرجة كبيرة في خلال 50 عاما. ولكن حتى اليوم، لا يزال يتعين على أكثر من ثلثي الاقتصادات تحسين التشريعات التي تُؤثِّر على أجر المرأة.
لا شك أن المساواة في الأجر هي فقط أحد جوانب المساواة بين الجنسين. وفي العديد من المؤشرات، تسبَّبت الجائحة في زيادة المخاطر التي تتعرض لها النساء، وتنذر بانتكاس مكاسبهن التي تحقَّقت بشق الأنفس. ومع تكشُّف أبعاد هذه الأزمة، تبيَّن أن النساء فقدن وظائفهن بمعدل أسرع من الرجال لأنه يزداد احتمال توظيفهن في القطاعات الأشد تضررا بالإغلاقات العامة، مثل السياحة وتجارة التجزئة. علاوة على ذلك، يزداد احتمال توظيف النساء في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل في وظائف يغلب عليها القطاع غير الرسمي، وهو ما يعني في الغالب افتقارهن إلى الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الأخرى.
وقد تواجه الفتيات في الكثير من البلدان زيادة التوقعات بأن يضطلعن بمهام تتصل بالرعاية قد تؤثر على قدرتهن على الانخراط في التعليم على المدى الطويل. ويتوقع شركاؤنا في اليونسكو أن 11 مليون فتاة قد لا تعود أبداً إلى دراساتهن في أعقاب انحسار الجائحة.
ملايين دون وجبات غذائية
فضلاً عن التعليم، يتعرض الأطفال من الذكور والإناث أيضاً للمعاناة بسبب الزيادة العالمية في مستويات نقص الأمن الغذائي، وهو ما يؤثِّر على الناس في المناطق الحضرية والريفية على السواء. وتُظهِر مؤشراتنا للتنمية العالمية أنه حتى قبل ظهور جائحة كورونا، كان عدد الأشخاص الذين يعانون نقص التغذية، وهو مؤشر يتتبع عدد من لا يحصلون على سعرات حرارية كافية، في ازدياد بعد عقود من التراجع.
وكما هو الحال في العديد من الجوانب الأخرى للتنمية العالمية، من المحتمل أن تؤدي جائحة كورونا إلى اشتداد هذا الاتجاه المثير للقلق بالفعل. فقد تؤدي الجائحة إلى زيادة العدد الإجمالي لمن يعانون نقص التغذية ما بين 83 مليوناً و132 مليوناً في العالم في 2020، وذلك وفقاً للتقديرات الأولية لشركائنا في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). وتؤيد بيانات الفاو مؤشرات التنمية العالمية لمجموعة البنك الدولي.
ففي الكثير من الأماكن، أدَّى انعدام الأمن الغذائي وجائحة كورونا إلى اشتداد تأثير الهشاشة والصراع والعنف، وهو ما يُنذِر بضياع ما تحقَّق من مكاسب إنمائية. ففي عام 2000، كان هناك واحد من كل خمسة فقراء مدقعين في العالم يعيش في بيئات تعاني أوضاع الهشاشة والصراع والعنف. ومنذ ذلك الحين، انحسرت باطراد معدلات الفقر في الاقتصادات الأخرى، لكن عدد الفقراء في البيئات التي تعاني هذه الأوضاع استمر في الزيادة.
واليوم، يعيش قرابة نصف فقراء العالم في بلدان هشة ومتأثرة بالصراعات. وفي الواقع، أصبح الفقر أكثر تركُّزاً في هذه الأماكن التي ستكون موطن ما يصل إلى ثلثي الفقراء المدقعين في العالم بحلول عام 2030. ومن المرجَّح أن تؤدي جائحة كورونا إلى اشتداد هذا الاتجاه.
اغتنام فرص الاستدامة
بالنسبة لأوضاع الهشاشة والصراع والعنف، وانعدام الأمن الغذائي، وعدد من التحديات الأخرى، يُمثِّل تغيُّر المناخ «عاملاً مُضاعِفاً للمخاطر». وحتى مع تركيز العالم على الجائحة، فإن الصدمات المناخية والكوارث الطبيعية وخسائر تدهور المنظومة البيئية لم تتوقف. ولكن كيفية استجابتنا لجائحة كورونا قد تساعد على تقوية قدرتنا على معالجة المخاطر والصدمات في المستقبل. ومع اتخاذ الحكومات إجراءات عاجلة، وإرسائها أسس تعافيها المالي والاقتصادي والاجتماعي، تسنح لها فرصة فريدة لإقامة اقتصادات تتمتع بقدر كبير من الاستدامة والشمول والصمود.
ولدعم تعاف قادر على الصمود ومجابهة الصدمات، ستستمر مجموعة البنك الدولي في القيام بالاستثمارات الرئيسية التي تساعد البلدان على دمج الأنشطة المناخية في برامجها للتنمية.
وقد زادت المجموعة باطراد تمويلها للأنشطة المناخية، إذ ارتبطت بتقديم 83 مليار دولار للاستثمارات المتصلة بتغير المناخ خلال السنوات الخمس الماضية، وتجاوزت المستويات التي تستهدفها لكل من الأعوام الثلاثة الأخيرة. وسنقدِّم المزيد من المساندة للبلدان لتسريع وتيرة أنشطتها لمكافحة تغير المناخ وتعزيز قدرتها على الصمود ومجابهة تأثيراته المتزايدة. وفي ظل جائحة كورونا، يعني هذا البحث عن سبل مواءمة الأهداف قصيرة الأجل- مثل خلق الوظائف والنمو الاقتصادي- مع الأهداف طويلة الأجل مثل خفض الانبعاثات الكربونية، والتكيف، والصمود لمساعدة البلدان المتعاملة معنا على صياغة مسارها لتعافٍ مستدام.
تراجع الدخول وفقدان الوظائف
وبحسب مسح أجراه البنك الدولى بشأن جائحة كورونا. كشفت البيانات الأولية عن تراجع الدخول وفقدان الوظائف على نطاق واسع في الكثير من البلدان في الأمد القصير على الأقل،
حيث شهدت معظم البلدان هبوط دخول العمال على نطاق لم يسبقه مثيل على الصعيد الوطني، وتؤدِّي تخفيضات الدخول سريعا إلى تقليص مستويات الاستهلاك. وفي سبعة بلدان في منطقة أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي أشار 40 في المائة من الناس الذين شملهم مسح استقصائي إلى نفاد ما لديهم من الطعام أثناء الإغلاقات بسبب تفشي فيروس كورونا.
البنوك المركزية
لجأ كثير من البنوك المركزية في الأسواق الصاعدة إلى التدخلات في سوق الصرف الأجنبي، وكذلك القيام، للمرة الأولى، بعمليات شراء للأصول.
وقد ساعدت برامج شراء الأصول على تخفيض عائدات السندات الحكومية، ولم تؤد إلى انخفاض سعر الصرف، وتمكنت في نهاية المطاف من تخفيف ضغوط السوق. وقد يكون لمشتريات الأصول دور في الفترة المقبلة، لكن الحاجة قائمة أيضا لتقييم المخاطر بصفة مستمرة.
وينبغي أن تنظر استراتيجيات معالجة المديونية الحرجة لدى الأسواق الواعدة في تأثير المعاملة المتوقعة لمختلف الدائنين على تصورات المستثمرين للمخاطر، في سياق إعادة هيكلة الديون مستقبلاً.
التدفقات النقدية
أثرت جائحة كوفيد-19 تأثيرا سلبيا على التدفقات النقدية لقطاع الشركات غير المالية، مما أسفر عن ضغوط على السيولة والملاءة المالية. وفي اقتصادات مجموعة السبعة، شهد الاقتراض طفرة في شهر مارس (آذار) واستمر للربع الثاني من عام 2020، بفضل عمليات السحب من خطوط الائتمان والدعم الذي قدمته السياسات على نحو غير مسبوق. وسمح هذا للشركات ببناء هوامش أمان نقدية تحميها في فترات انخفاض التدفق النقدي وارتفاع عدم اليقين.
وفي الولايات المتحدة، كان نشاط سوق السندات قويا منذ نهاية شهر مارس (آذار)، ولكن الأوضاع اشتدت فيما يخص إمدادات الائتمان لأغراض الإقراض المصرفي وفي سوق القروض المصرفية المجمعة.
وفي اقتصادات مجموعة السبع الأخرى، تيسرت الأوضاع إلى حد ما أثناء الربع الثاني من العام فيما يتعلق بإمدادات الائتمان عبر مختلف الأسواق. وبين الشركات المدرجة في البورصة، كان الضغط المالي في مراحل الأزمة المبكرة أكبر نسبيا في بعض الاقتصادات على الكيانات الأضعف من حيث الملاءة المالية أو مراكز السيولة منذ فترة سابقة على جائحة كوفيد-19، وكذلك على الشركات الأصغر.
رأس المال المصرفي
قد تتسبب الأزمة الناجمة عن مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في نشأة تحديات تتعلق برأس المال لدى البنوك، حتى وإن كانت البنوك قد دخلت الأزمة وهي تتمتع بنسب رأسمال أعلى مما كان عليه الوضع قبل الأزمة المالية العالمية ورغم التدخلات الكبيرة من خلال السياسات لاحتواء التداعيات الاقتصادية المترتبة على الأزمة الحالية.
ويشهد رأس المال المصرفي هبوطا حادا لكنه سرعان ما يتعافى منه، بينما يشير أحد السيناريوهات المعاكسة إلى استمرار الأثر السلبي على متوسط نسب رأس المال.
وفي السيناريو المعاكس، تعجز طائفة من البنوك الضعيفة تمثل 9.3 في المائة من أصول النظام المصرفي عن استيفاء الحد الأدنى للمتطلبات التنظيمية، ويصل قصور رأس المال لديها إلى أكثر من 250 مليار دولار أميركي، مقارنةً بالحدود التنظيمية القانونية العامة.
وفي غياب سياسات تخفيف الآثار المطبقة بالفعل على مستوى فرادى البنوك، فإن طائفة البنوك الضعيفة يمكن أن تصل نسبتها إلى 21 في المائة من أصول الجهاز المصرفي، كما يمكن أن يصل قصور رأس المال إلى 480 مليار دولار أميركي على مستوى العالم.
ومن شأن سياسات التخفيف على مستوى فرادى البنوك أن تساعد في الحد من المخاطر على الاستقرار المالي إذا انحسرت الأزمة بسرعة، ولكنها قد تعرض كفاية رأس المال المصرفي للمخاطر إذا استمرت الأزمة لمدة أطول.
الأداء البيئي للشركات
أدى إغلاق النشاط الاقتصادي من جراء جائحة كوفيد-19 إلى حدوث انخفاض مؤقت في انبعاثات الكربون العالمية، ولكن التأثير طويل الأجل للجائحة على التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون لا يزال غير مؤكد. وبينما قد تتسبب التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة في تقييد قدرة الشركات على الاستثمار في المشروعات الخضراء، ومن ثم إبطاء عملية التحول المذكورة، فإن أزمة كوفيد-19 يمكن أن تتسبب أيضا في إحداث تحول هيكلي في تفضيلات المستهلكين والمستثمرين نحو المنتجات المراعية للبيئة، مما يجعل الفرصة مواتية لاستحداث سياسات تخفيفية تساعد على تنويع مصادر الطاقة بعيدا عن منتجات الوقود الأحفوري.
وبالعودة إلى فترات الضغط المالي والاقتصادي السابقة، فإن تشديد القيود المالية والأوضاع الاقتصادية المعاكسة يضران بالأداء البيئي للشركات بوجه عام، مما يخفض الاستثمارات الخضراء، ويعيد مسيرة التقدم عدة سنوات إلى الوراء. ويوحي ذلك بأن أزمة كوفيد-19 قد تبطئ التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون. وفي ضوء الحاجة الماسة لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، فإن هذا يؤكد أيضا على أهمية سياسات المناخ وحِزم الاستثمارات الخضراء لدعم تحقيق تعافٍ أخضر وإحداث تحول في مصادر الطاقة المستخدمة. ومن شأن السياسات التي تهدف إلى دعم التمويل المستدام، مثل تحسين الشفافية وتوحيد المعايير، أن تساعد أيضا في تعبئة الاستثمارات الخضراء وتخفيف القيود المالية التي تعاني منها الشركات.