* لم يكن زم وخطاب والعراقي وسيف والخطيب أول ضحايا آلة القمع الإيرانية، وللأسف لن يكونوا آخرهم
* أصبحت إيران أضعف اليوم، لأن أنصارها في إيران والعراق وسوريا ولبنان لم يعودوا يصدقون خطابها وأهدافها، وهذا هو أسوأ ما يخافه النظام الإيراني
أقدم نظام طهران على خطف وقتل المعارض الإيراني روح الله زم، وهو صحافي منفي في باريس، في مطلع الشهر الجاري. يُعرف زم بعمله الذي ألهم العديد من الاحتجاجات الاقتصادية في عام 2017، وكانت السلطات الإيرانية تسعى إلى تعقبه منذ فترة طويلة، حتى استطاعوا الوصول إليه في النهاية، حيث اختطف في أثناء زيارة له إلى العراق، وتم إعدامه بعدها بفترة قصيرة في طهران.
وفي حين أثار إعدام زم إدانات دولية فورية، تحدث عمليات اعتقال وترويع واغتيالات في بلدان أخرى يسيطر عليها النظام الإيراني، وهي العراق وسوريا ولبنان. لدى إيران تاريخ طويل من الاغتيالات، ولكن يبدو أن إيران وعملاءها يسرِّعون وتيرة تنفيذ استراتيجيتهم لإسكات المعارضين ويعجلون بها خوفًا من خروج احتجاجات أقوى وأكبر عقب انتهاء الجائحة، لاسيما وأن إدارة بايدن تركز على قضايا حقوق الإنسان بما فيها حرية التعبير والحق في التظاهر.
عندما يتولى بايدن السلطة وينحسر الوباء، ربما سيكون على إيران التوقف عن عمليات الاغتيال وأساليب الترويع، وتستعد للمفاوضات. وبالتالي، بينما يشاهد العالم تصعيدًا عسكريًا محتملًا في الفترة المتبقية من عهد ترامب، يعمل النظام الإيراني على جبهة مختلفة، ضد شعبه ذاته. وهو يأمل أن تصبح هذه الحملة المكثفة للتخويف تحذيرًا من إمكانية عودة المظاهرات والدعوات إلى تغيير الأنظمة في كل من إيران والعراق وسوريا ولبنان.
روح الله زم
لقد تم إعدام زم بسرعة كبيرة، إذ نُفِّذ الحكم بعد تأييد المحكمة العليا الإيرانية له بأربعة أيام. في مطلع العام، أصدرت إحدى المحاكم حكمًا بإعدام زم بسبب اتهامه بالتجسس أو محاولة الإطاحة بالحكومة الإيرانية.
وكان زم ناشطًا معروفًا بإدارته لموقع إلكتروني معارض يسمى «آمد نيوز»، وكان لديه ما يزيد على مليون متابع على قناته في تلغرام. وهو ابن رجل الدين الشيعي الإصلاحي محمد علي زم، الذي عمل في الحكومة فترة الثمانينيات، ويقال إنه لم يؤيد عمل ابنه ومحاولاته ضد النظام الإيراني.
ولكن أهم ما في الأمر هو أن موقع زم وقناته على تلغرام أديا دورًا كبيرًا في اندلاع الاحتجاجات ضد الحكومة في جميع أنحاء إيران عام 2017. حينها اعتُقِل حوالي خمسة آلاف شخص وقُتل 25 آخرون في المظاهرات. واستخدم زم منصاته لنشر المعلومات بشأن الاحتجاجات بما فيها توقيتات المظاهرات ومواقعها، في محاولة لحشد مزيد من الناس في الشوارع. ومنذ ذلك الحين، قرر النظام الإيراني أن هذا الرجل يمثل خطورة.
أدان العديد من النشطاء والمنظمات الحقوقية إعدام زم. وبحسب منظمة مراسلون بلا حدود، تُعد إيران «واحدة من أكثر الدول قمعًا للصحافيين على مدار الأعوام الأربعين الماضية». فقد تعرض 860 صحافيا على الأقل للاعتقال أو الإعدام في الدولة منذ عام 1979.
كان زم واحدًا من ثلاثة شخصيات معارضة تم اعتقالهم فيما يبدو في عمليات استخباراتية بالخارج. ففي نهاية شهر يوليو (تموز)، اختطف معارض مقيم في كاليفورنيا أثناء وجوده في دبي، واختطف آخر، وهو فرج الله كعب، في أثناء زيارته لتركيا.
ونجح الضغط الدولي إلى درجة ما- ليس في إنقاذ حياة زم للأسف– ولكن على الأقل في بعث رسالة قوية إلى إيران. وقبل يومين من الموعد المفترض لإطلاق منتدى للأعمال يجمع بين أوروبا وإيران انسحبت فرنسا ودول أوروبية أخرى، وأعلن المنظمون في بيان منفصل لاحقًا إرجاء المنتدى.
الترويع في المنطقة
بعد أيام قليلة، اغتيل حسين خطاب، مراسل قناة «تي آر تي»العربية، في مدينة الباب السورية يوم 12 ديسمبر (كانون الأول). وفي الوقت نفسه، ذكرت تقارير عراقية محلية مقتل ناشط عراقي آخر هو صلاح العراقي رميًا بالرصاص. عُرف العراقي بدوره النشط في الاحتجاجات المعارضة للحكومة التي اندلعت في بغداد وفي الجنوب ذي الأغلبية الشيعية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبسبب انتقاده لنفوذ النظام الإيراني في العراق.
كما شهد العراق في الفترة الأخيرة العديد من عمليات الاغتيال ومحاولات القتل التي استهدفت نشطاء وصحافيين يشاركون في الاحتجاجات. بالإضافة إلى ذلك، قتلت ميليشيات يدعمها الحرس الثوري الإيراني حوالي 600 شخص في أعمال عنف متعلقة بالاحتجاجات منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019.
وكانت منظمات حقوق الإنسان الدولية قد دعت مرارًا السلطات العراقية إلى حماية المتظاهرين والنشطاء، ومعاقبة من يقفون خلف العنف. وللأسف لم تؤد جميع الوعود والمساعي إلى آليات حماية جوهرية.
وردًا على ذلك، دعت منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية السلطات مجددًا إلى زيادة جهودها. وذكرت المنظمات أن «فشل»السلطات في تقديم الجناة إلى العدالة «يُكرِّس للإفلات من العقاب ويرسخ عقودًا ممتدة منه، مما يترك أفرادًا شجعانًا دون أبسط قواعد الحماية».
زيادة القمع في لبنان
كذلك يشهد لبنان موجة مكثفة من الترويع والاضطهاد. فمنذ اندلاع احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، شن جيش حزب الله الإعلامي وعصابات الشوارع اعتداءات- لفظية وبدنية– ضد العديد من الصحافيين والنشطاء، وأخضعت الأجهزة الأمنية في الدولة عددًا منهم للاعتقال والاستجواب. ولكن في الفترة الأخيرة، اتخذت هذه الاعتداءات منعطفًا أخطر، وأصبح الضحايا يخشون على حياتهم.
وقبل أسبوعين، تلقت مريم سيف، وهي صحافية مقيمة في الضاحية الجنوبية، معقل حزب الله في بيروت، تهديدات من أعضاء الحزب. وكتبت سيف في صفحتها على «تويتر»أنها تلقت رسالة من أحد أعضاء حزب الله تشير إلى أنها سوف تقتل هي وأسرتها إذا خرجت من منزلها في الضاحية.
جاء ذلك بعد تعرض شقيق سيف لاعتداء بدني على يد الأشخاص ذاتهم، ولكن لم تتخذ السلطات أي إجراء لمعاقبة المعتدين، لأنهم تحت حماية حزب الله. وبحسب سيف وأسرتها، تهدف هذه المحاولات إلى إجبارهم على مغادرة المنطقة والانتقال من الضاحية. وبالتالي، ذهبت سيف إلى الشرطة لتقديم بلاغ، ولكنها بدلًا من ذلك خضعت للاحتجاز والاستجواب، وحُرمت من حقها في استدعاء محاميها. ولتتضح الأمور أمام سيف وأسرتها، سمح حزب الله بحضور ابن شقيق أمين شري السياسي في حزب الله إلى قسم الشرطة لدعم المعتدين.
في الوقت نفسه، صدر حكم ضد كندة الخطيب، الناشطة اللبنانية من طرابلس، بالسجن ثلاثة أعوام، بعد ستة أشهر من الاعتقال بسبب «تخابرها مع العدو، ودخولها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتعاملها مع جواسيس إسرائيليين ومن يعملون لأجل مصلحة إسرائيل».
ولكن بحسب ما ذكره محامي الخطيب وأفراد عائلتها، فإن هذه الاتهامات باطلة، لأن المحكمة العسكرية لم تتمكن من تقديم دليل على دخولها بالفعل إلى إسرائيل أو أنها كانت على صلة مع جواسيس إسرائيليين. بل في الواقع، كانت الخطيب نشطة للغاية في أثناء احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، وكانت تنتقد حزب الله والرئيس ميشال عون باستمرار على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يكن زم وخطاب والعراقي وسيف والخطيب أول ضحايا آلة القمع الإيرانية، وللأسف لن يكونوا آخرهم. فكلما ازداد الضغط على إيران وعملائها الإقليميين، وكلما شعروا بشدته، ازداد عنفهم. ولن يستهدف عنفهم أميركا أو إسرائيل أو الغرب في العموم. بل سيتوجه عنفهم ضد شعوبهم في الدول التي يسيطرون عليها، وتحديدًا ضد المعارضين والنشطاء والصحافيين. لقد أصبحت إيران أضعف اليوم، لأن أنصارها في إيران والعراق وسوريا ولبنان لم يعودوا يصدقون خطابها وأهدافها، وهذا هو أسوأ ما يخافه النظام الإيراني.
* حنين غدار: باحثة في زمالة فريدمان ببرنامج غيدولد للسياسة العربية بمعهد واشنطن