* في لقاء تلفزيوني، صرح باسيل بأن حزبه- التيار الوطني الحر- لديه مشاكل مع حزب الله يمكنها أن تؤدي إلى انفصالهما، ولكن كسر التحالف يظل قرارًا داخليًا
* من دون حلفائه، لن يخسر حزب الله الغطاء الوطني فحسب، بل سيخسر نفوذه داخل مؤسسات الدولة أيضاً
في خطوة مفاجئة، وإن كانت متأخرة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية في مطلع الشهر الحالي عقوبات على جبران باسيل- وزير خارجية لبنان السابق وصهر الرئيس ميشال عون- بسبب دوره في الفساد المستشري، بالإضافة إلى دعمه لحزب الله، على حد قول مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى. صرح أحد هؤلاء المسؤولين للصحافيين قائلًا: «إنه يمثل كل ما هو خطأ في النظام اللبناني المعطوب». وجاءت العقوبات بموجب بنود تتعلق بالفساد في قانون ماغنيتسكي.
ذكر بيان من وزير الخارجية مايك بومبيو أن باسيل «متورط في الموافقة على عدة مشروعات بهدف تحويل أموال الحكومة اللبنانية إلى أشخاص مقربين منه عبر مجموعة من الشركات الوهمية».
وردًا على سؤال حول إمكانية إلغاء القرار، صرح مسؤول آخر بأن أي شخص وُضع على قائمة العقوبات يمكن أن يطعن في القرار. وأضاف: «ولكن لا يوجد خطأ هنا. ليس من المعتاد إلغاء هذا النوع من العقوبات».
كذلك أشار المسؤول إلى أنه إذا أقدم باسيل على تغيير سلوكه ودعمه للفساد في لبنان، «فمن المؤكد أن الحكومة (الأميركية) ستنظر في ذلك».
ردود فعل باسيل المتناقضة
على الرغم من أن رد فعل باسيل الأول كان التحدي وإلقاء اللوم، إذ قال «العقوبات لن تخيفني»، وأنه ليس فاسدًا، فقد تحولت معارضته للخطوة الأميركية إلى خطاب مختلف تمامًا بعد أسبوع، أملًا منه في أن تعيد الولايات المتحدة بالفعل دراسة القرار إذا تغير سلوكه. وفي لقاء مع قناة «العربية الحدث»، صرح باسيل بأن حزبه- التيار الوطني الحر- لديه مشاكل مع حزب الله يمكنها أن تؤدي إلى انفصالهما، ولكن كسر التحالف يظل قرارًا داخليًا.
ولكن أهم ما جاء في اللقاء كان حديثه عن نزع سلاح حزب الله، حيث قال: «إذا قدم لنا الأميركيون أي التزامات تحافظ على أمن لبنان واستقراره، فسيصبح لدينا بلد به توازن عسكري، حينئذ سأكون مستعدًا لمناقشة (حزب الله) وإقناعهم بالتخلي عن أسلحتهم». وأكد باسيل أنه لم يكن ضد السلام مع إسرائيل.
ولكن لا يعد تغيير التصريحات تغييرًا في السلوك، وكل ما يستطيع باسيل فعله اليوم هو الكلام والدفاع عن نفسه، والقول إنه مستعد لتغيير سلوكه. في الواقع، من أجل إلغاء هذه العقوبات، سيكون على باسيل أن يثبت أنه ليس فاسدًا، وأن الأدلة التي تملكها وزارة الخزانة الأميركية ضده زائفة. سيكون ذلك مستحيل التنفيذ تقريبًا، ولن تزيد آماله في أن تلغي إدارة بايدن عقوبات إدارة ترامب، بما فيها تلك المفروضة عليه، عن كونها مجرد أمنيات. وهذه هي ميزة قانون ماغنيتسكي.
كل الطرق تؤدي إلى روما
على الرغم من عنصر المفاجأة، لم تأت هذه العقوبات من فراغ. والسياق والتوقيت مهمان للغاية. فباسيل ليس حليف حزب الله المسيحي الأساسي في لبنان فحسب، بل هو هدف احتجاجات الشارع اللبناني التي خرجت في جميع أنحاء لبنان في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019. وكان اللبنانيون- من جميع الطوائف والمناطق- يهتفون ضد باسيل ويشيرون إلى فساده واستغلاله لمؤسسات الدولة ومواقعه في الوزارات المختلفة. وبالتالي، تعد هذه العقوبات رسالة جيدة للشعب اللبناني الذي لا يزال يعاني من أسوأ أزمة مالية تضرب لبنان على الإطلاق، ويكمن الفساد في جذورها.
كما تستر باسيل على الكثير من أنشطة حزب الله غير المشروعة في لبنان والمنطقة، بما فيها سوء التصرف المالي مثل التهريب، وعمليات إرهابية مثل عمليات حزب الله العسكرية الإقليمية، بالإضافة إلى سلوكه في التستر على عمليات حزب الله المتعلقة بالصواريخ عالية التصويب، وتقديمه لأجندة حزب الله في أثناء توليه وزارة الخارجية والعديد من التصرفات التي كان يحمي بها حزب الله على الساحة السياسية والدبلوماسية اللبنانية.
دائمًا ما كان باسيل يظن أنه مُحَصَّن، لأنه يرأس أكبر حزب مسيحي في لبنان، ولأنه صهر الرئيس. وبالتالي، استطاع حتى الآن أن يمارس لعبة حماية حزب الله، وفي الوقت نفسه يقول لأميركا ما ترغب في سماعه- بأنه لا يستطيع مواجهة حزب الله بمفرده وأن تحالفه معه ليس إلا خطوة استراتيجية لحماية مسيحيي لبنان. بيد أن هذه اللعبة التي ساعدته على مدار عقدين تقريبًا وصلت إلى النهاية أخيرًا، عندما قررت الولايات المتحدة أن هذا يكفي وأن الوقت قد حان لتقديم أفعال بدلًا من الكلام. وكما هو متوقع، لا يستطيع باسيل أن يقدم سوى الكلام، ولا يمكنه تقديم أفعال مطلقًا.
تداعيات سياسية
على الرغم من أن العقوبات استهدفت باسيل بصفة شخصية، تمتد التداعيات السياسية إلى حما باسيل الرئيس ميشال عون، وطموحات وخطط باسيل الرئاسية. ظن وزير الشؤون الخارجية السابق أن تحالفه مع حزب الله سوف يضمن له الرئاسة مثلما أوصل حماه إلى قصر بعبدا تحالفه مع التنظيم الإرهابي. تبددت هذه الطموحات الآن حيث سيكون من الصعب للغاية على لبنان أن يتولى رئاسته رئيس تحت العقوبات الأميركية، إلا إذا قرر لبنان عزل ذاته بالكامل عن العالم والنظام المالي العالمي، وهو سيناريو غير مرجح بالنظر إلى الأزمة المالية الحرجة التي تضرب الدولة في الوقت الحالي.
على مستوى أعم، تحمل هذه العقوبات أخبارًا سيئة إلى حماه الرئيس، بالإضافة إلى مسؤولي التيار الوطني الحر وأعضائه. طالما استمر باسيل في قيادة الحزب، سوف يكون كل من يخضع لقيادته موصوما، داخل لبنان وعلى المستوى الدولي. كما تحمل هذه العقوبات رسالة واضحة للغاية إلى جميع النخبة السياسية الفاسدة في لبنان ممن يعتقدون أنهم مُحَصَّنون، وتحديدًا من لا يزالون يظنون أن دعم حزب الله وأجندة إيران الإقليمية سوف تنفعهم.
يدرك حلفاء حزب الله اليوم- من جميع الطوائف- أن الولايات المتحدة تستطيع استخدام قانون ماغنيتسكي لمعاقبة أي سياسي فاسد، سواء كان شيعيًا أو سنيًا أو مسيحيًا. لن يصبح أحد في مأمن منه. ويعني هذا أيضًا أن الولايات المتحدة- في ظل الإدارة الحالية والتالية لها- لن تغض الطرف عن الفساد، ولن يحظى لبنان بإنقاذ مالي دون إجراء إصلاحات جادة.
رفع الغطاء عن حزب الله
يحمل ذلك أخبارًا سيئة للغاية إلى حزب الله. في ظل نظرة الشعب اللبناني لحزب الله بصفته السلطة، وليس حركة مقاومة، تفتح هذه العقوبات الباب على مصراعيه أمام حلفاء حزب الله لكي يقفزوا من السفينة قبل أن يأتي دورهم.
كان حزب الله يسعى جاهدًا على مدار عقود، وينفق كثيرًا من موارده وتمويله، للتأكد من أن التنظيم له غطاء وطني- وليس شيعيا فحسب- وأن الأحزاب اللبنانية واللبنانيين من جميع الطوائف يدعمون أجندته ورؤيته للبنان. من دون حلفائه، لن يخسر حزب الله هذا الغطاء الوطني فحسب، بل سيخسر نفوذه داخل مؤسسات الدولة. من دون حلفائه، لا يملك حزب الله الأغلبية البرلمانية والوزارية التي يحتاج إليها لاتخاذ القرارات وتقديم مصالحه في لبنان.
لا يزال من المبكر للغاية تحديد كيف ستهب الرياح، أو ما إذا كانت ستُجبِر بعضًا من هؤلاء الحلفاء على القفز من السفينة، ولكن من الواضح أنها خطوة أولى جيدة في هذا الاتجاه. إذا كانت مناورة باسيل الأخيرة ومحاولته لإبعاد نفسه عن حزب الله تعني أي شيء، فهي إشارة كافية على موقف هؤلاء الحلفاء في الوقت الحالي.
* حنين غدار: باحثة في زمالة فريدمان الافتتاحية في برنامج غيدولد للسياسة العربية بمعهد واشنطن، حيث تركز على سياسة الشيعة في المشرق