* النظام الإيراني ضعيف جداً، إلى حد أن الدبلوماسية الموعود بها مع مجيء إدارة بايدن لن تنفع لتعويمه، كما أن الاغتيالات أو العقوبات لن تدفع لإسقاطه. ويبدو لوهلة أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين الدول الفاعلة على أن إبقاء النظام الإيراني ضعيفًا وعلى أجهزة الإنعاش، هو حاجة للمنطقة في الوقت الراهن
منذ صيف 2020، تتعرض إيران لسلسلة هجمات «غامضة» تطال مراكز حساسة وشخصيات مهمة من المفروض أن تكون تحت حراسة أمنية مشددة. مسلسل النكسات الإيرانية بدأ مع إعلان رئيس وزراء إسرائيل في مؤتمر صحافي العام 2018 عن استحواذ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) على عشرات آلاف الوثائق المتعلقة بالملف النووي الإيراني، ومن قلب مخبأ سري، في عملية نوعية في طهران نفسها.
بعد الإعلان عن هذه العملية بدأت إيران تشهد سلسلة تفجيرات «غامضة» انتهت مؤخرا باغتيال العالم النووي الإيراني محسن زاده. ليس هناك دليل يربط بين الوثائق التي استحوذت عليها إسرائيل والأعمال التخريبية التي شهدتها مراكز تابعة للنظام.
التفجيرات الغامضة استطاعت أن تطال منشأة نطنز الشهيرة. واتهمت إيران إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء هذا الحادث، وكانت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) قد نشرت مقالا، قالت فيه: «إذا كانت هناك إشارات على عبور دول معادية خطوط إيران الحمراء بأي شكل من الأشكال، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، فيجب إعادة النظر في استراتيجية إيران لمواجهة الوضع الجديد بشكل أساسي».
يبدو أن إيران لم تفلح في إيجاد استراتيجية جديدة لمواجهة الاختراقات الأمنية الخطيرة من أية جهة أتت، لا بل شهدت تدهورا خطيرا باغتيال كبار العلماء النوويين للنظام الإيراني قرب طهران، وبعدها بساعات استهداف قائد في حرس الثورة الإسلامية الإيرانية وثلاثة من أفراد حراسته على الحدود العراقية السورية.
عملية الاغتيال، حسب شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «كانت معقدة استخدمت فيها أجهزة إلكترونية، ولم يكن ثمة شخص في المكان». بغض النظر عن التفاصيل حول عملية الاغتيال التي تمت بالقرب من طهران من الواضح أن النظام الإيراني أصبح مخترقا بشكل مقلق وبات يقف عاجزا عن حماية شخصياته ورموزه المهمة ومراكزه العسكرية والأمنية. وفي اعتقادي هذه هي الرسالة الأساسية التي تريد الجهة التي نفذت عملية الاغتيال إرسالها إلى النظام الإيراني من جهة وربما والأهم إلى الولايات المتحدة الأميركية في إدارتها الجديدة التي تستعد لمقاربة الملف الإيراني بشكل يختلف عن مقاربة الرئيس ترامب من جهة أخرى. ومن هنا يفهم مقال «الواشنطن بوست» الذي أدان عملية الاغتيال، مؤكدا أن قتل العلماء لن يوقف نشاط إيران النووي، بل الدبلوماسية هي الكفيلة بذلك.
من الواضح أن هناك وجهتي نظر لمقاربة الملف الإيراني في العالم. وجهة نظر إسرائيل ودول الخليج والتي انحازت لها إدارة الرئيس ترامب والتي تعتمد على والعقوبات كمحاولة لكبح جماح النظام الإيراني، وتتعدى الملف النووي لتشمل السياسات التوسعية والعدائية لإيران في الشرق الأوسط، وهناك وجهة نظر أوروبية تتفق مع إدارة الرئيس السابق أوباما والتي تعتمد على الدبلوماسية من أجل التفاهم حول الملف النووي فقط.
أصحاب وجهة النظر الأولى يعتقدون أن الدبلوماسية إنما شجعت إيران على المضي قدما في إكمال برنامجها النووي والتوسع في منطقة الشرق الأوسط عسكريا، كما في سوريا ولبنان والعراق واليمن أيضا، وبالتالي تشكيل خطر على دول الخليج وإسرائيل، ويجب التشدد إلى أقصى درجة مع هذه التصرفات الخطيرة والحد منها، من خلال العقوبات القاسية، علها تجبرها على التعديل من سلوكها. أما وجهة النظر الثانية فهي تؤمن بالدبلوماسية وتتهم أصحاب نظرية العقوبات بالتهور وعدم حسبان ردة فعل نظام الملالي وخطرها على مجتمعاتها. وهي تعتقد أن بإمكان التفاوض أن يعقلن إيران وينتزع منها تنازلات فيما يخص ملفها النووي.
على كل الأحوال، من البديهي الاستنتاج على ضوء الأحداث الداخلية التي شهدتها إيران أن هذا النظام متفكك ومخترق ويعاني، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضا على المستوى الاقتصادي والمالي. فقد أصبح مرهقا كما الشعب الذي لم يعد يستطيع تحمل مغامرات هذا النظام وسوء إدارته لموارد البلد الكثيرة.
النظام الإيراني ضعيف جداً إلى حد أن الدبلوماسية الموعود بها مع مجيء إدارة بايدن لن تنفع لتعويمه، كما أن الاغتيالات أو العقوبات لن تدفع لإسقاطه. ويبدو لوهلة أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين الدول الفاعلة على أن إبقاء النظام الإيراني ضعيفًا وعلى أجهزة الإنعاش، هو حاجة للمنطقة في الوقت الراهن.