* الكشف ينبئ بمعلومات مهمة عن الحياة في مصر القديمة
* التحضير للإعلان عن كشف أثري جديد خلال أسابيع بنفس المنطقة
* المنطقة تحتوي على جبانة «منف»القديمة التي دفن فيها ملوك ونبلاء
القاهرة: واصلت الحضارة المصرية القديمة البوح بالمزيد من أسرارها بعد الإعلان، الأسبوع الماضي، عن كشف أثري جديد تضمن 100 تابوت و40 تمثالا للمعبودات بالعصر البطلمي والمتأخر، وآبار عميقة للدفن في منطقة سقارة الأثرية التابعة لمحافظة الجيزة، والتي تبعد حوالي 35 كيلومترا عن القاهرة، لتكشف أرض مصر العظيمة أنها مستودع لكنوز لا تقدر بثمن تراكمت خلال عصور تاريخية متعاقبة، وشهدت مولد واندثار حضارات كان لها تأثير عظيم، ورغم زيادة الاكتشافات خلال الفترة الأخيرة إلا أن تأكيدات المختصين تشير إلى أن المعلن أقل كثيرا من المخفي وأن أرض مصر الحضارة لا زالت تحوي الكثير خاصة وأن البعثة المصرية الأثرية برئاسة عالم الآثار الدكتور زاهي حواس تستعد للإعلان عن كشف أثري جديد خلال الشهور وربما الأسابيع القليلة القادمة، بعد الإمساك بخيوطه من خلال البعثة التي تواصل عملها بالمنطقة بشكل مستمر.
ويؤشر الكشف الأخير لعمليات جديدة من البحث العلمي الأثري تضطلع بدراسة ما كان يجري في العصر المتأخر في مصر القديمة، خاصة أن هذه الفترة تعتبر من الفترات الفقيرة معلوماتيا في تاريخ مصر القديم، وسيتم البحث ومحاولة الإجابة عن تساؤلات من خلال الاكتشاف عن فن التحنيط والرسوم والألوان المستخدمة والفنون وطبيعة الشخصيات وعقائد الدفن والتحنيط والكتابة الفرعونية خلال فترة مهمة من التاريخ المصري القديم، بالإضافة إلى عناصر الحياة القديمة في هذه الفترة من طعام وشراب وتعاملات يومية.
أهمية تاريخية وأثرية
الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار في مصر كان أول من أعلن عن طبيعة هذا الكشف الأثري الكبير، موضحا الأهمية الكبيرة التي تتمتع بها منطقة سقارة التاريخية والتي جعلت منها أحد أهم المواقع الأثرية في العالم، معلنا اكتشاف 100 تابوت خشبي ملون بها مومياوات آدمية يزيد عمرها على ألفي عام، بالإضافة إلى أربعين قطعة أثرية خشبية مذهبة ومحفوظة بشكل استثنائي، لتواصل وزارة الآثار الكشف عن الجديد داخل باطن أرض الحضارة والتاريخ للعام الثالث على التوالي بعد أن تم الإعلان عن كشف لا يقل أهمية قبل عدة أسابيع في المنطقة ذاتها التي- بحسب العناني- تتمتع بأهمية كبيرة نظرا لاحتوائها على جبانة «منف»القديمة التي كان يدفن بها كافة طبقات المجتمع بدءًا من الملوك وحتى الأشخاص العاديين، وأن المنطقة لا تزال زاخرة بالأسرار الفرعونية، فرغم الاكتشافات المتواصلة لا تزال المنطقة لم تكشف عن 1 في المائة من كنوزها، ولا تزال عمليات الكشف مستمرة في المنطقة حيث إن الكشف الأخير سيتبعه الإعلان خلال الأسابيع القادمة عن المزيد في نفس المنطقة بواسطة البعثة المصرية التي يرأسها عالم الآثار الشهير الدكتور زاهي حواس وفق تأكيدات وزير الآثار المصري لافتا إلى اهتمام الدولة المصرية بملف الآثار بشكل كبير وافتتاح ثلاثة متاحف خلال الفترة الماضية.
وقام المختصون في البعثة الأثرية المصرية بإجراء أشعة إكس، لتفحص إحدى المومياوات المكتشفة التي تعود للعصر البطلمي، والتي كشفت نزع أحشاء المتوفى ومخه وذلك لإجراء عملية التحنيط للمومياء، وتم حشو جسمه بمواد التحنيط التي تم صبها من خلال إجراء ثقوب في الجمجمة.
ووفقا للدكتور مصطفى وزيري أمين المجلس الأعلى للآثار في مصر تعود التوابيت المائة المكتشفة لشخصيات رفيعة المستوى وهم غالبا أثرياء من النخبة، ويشير لذلك طريقة وضعها بداخل التوابيت من وضع الأذرع على الصدر مما يؤكد المكانة العالية لشخصيات المومياوات، وأن التوابيت المكتشفة تحتوي على ألوان زاهية وجميلة، مؤكدا أن الشيء المميز هو نجاح البعثة المصرية في الكشف عن هذه الآثار في منطقة عمل بها من قبل عشرات البعثات الأجنبية، وأن العمل لا يزال جاريا وسط توقعات بالكشف عن المزيد، وربما يكون ضمن المتوقع الكشف عن ورشة لتصنيع التوابيت الخشبية.
كشف جديد
أحمد عامر الباحث الأثري والمفتش بوزارة الآثار والسياحة المصرية، قال في حديث خاص لـ«المجلة»: «الكشف الجديد المزمع الإعلان عنه من قبل الدكتور زاهي حواس خلال أسابيع وربما شهور قليلة يعد استكمالا للكشف الحالي ليكون الكشف الثالث في المنطقة نفسها (سقارة) بعد الإعلان عن كشفين سابقين ومن الممكن أن يتم الإعلان عنه في شهر ديسمبر (كانون الأول) القادم، ومن الممكن أن تمتد الحفريات- بسبب كورونا- إلى أوائل العام القادم 2021 ليكون أول كشف في العام الجديد، وهو شيء ليس مؤكدا وسيتم الإعلان عنه بلا شك من المسؤولين عند الانتهاء من الحفريات».
وعن توقعه لطبيعة الكشف الجديد وهل سيكون أكبر وأهم من سابقيه، أضاف: «أتوقع أن يكون الكشف الجديد عبارة عن توابيت ومومياوات، وأقنعة، وآبار، ومن الممكن أن يحتوي على تماثيل أيضا وبقايا أغراض ذهبية أو مذهبة، وبالنسبة لأهميته الأثرية أتوقع أن يحتوي على آثار لا تقل أهمية عن تلك التي تم اكتشافها، لكن بالنسبة للكم- والحديث لا يزال للباحث الأثري أحمد عامر- لا أتوقع أن يكون الكم كبيرا مثل الاكتشافين الأخيرين، واستبعد أن يصل العدد إلى مائة تابوت، خاصة أن البعثة المصرية ما زالت تعمل في مربع معين لم تتجاوزه بحسب الخطة الموضوعة من قبل المسؤولين والأثريين المتخصصين، مشيرا إلى ذهاب رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي بنفسه إلى موقع الكشف السابق عند الإعلان عنه وذلك نظرا لأهمية الكشف وعدد ما تم الإعلان عنه».
بعثة مصرية
وعن استمرار البعثة المصرية في العمل بمنطقة سقارة بعد الإعلان عن الكشف القادم، خاصة مع تتابع الاكتشافات كونها منطقة واعدة ومبشرة، تابع أحمد عامر في حديثه لـ«المجلة»: «يقوم بالعمل في منطقة سقارة بعثة مصرية خالصة من علماء ومتخصصين مصريين ولا يوجد فيها عنصر أجنبي حيث تواصل بعثات أجنبية العمل في مواقع أخرى وعلى سبيل المثال اكتشفت البعثة المصرية الروسية في الفيوم مؤخرا نقودا وآثارا من العصر العباسي رغم أن كل الآثار المكتشفة في الفيوم من عصر الدولة المصرية الوسطى، فهناك خطة للحفائر الأثرية يتم وضعها من قبل الوزارة والمختصين في هذا الأمر ويتم توزيعها في أكثر من محافظة في الأماكن الأثرية. وبعد الاكتشافات الأخيرة أعتقد أن البعثة المصرية ستستمر في العمل في منطقة سقارة فترة طويلة، والأمر أيضا يرتبط بميزانية الحفريات حيث يتم صرف ميزانية محددة للحفريات في منطقة معينة يتم العمل بها، وعند انتهائها يتم تجديدها من الدولة من دخل الآثار التي يتم تمويلها ذاتيا من هذا الدخل، أو التوقف عن العمل فيها بحسب رؤية المختصين في جدوى مواصلة العمل واستكمال الحفائر في منطقة معينة أو التوقف فيها»،موضحاً أن عدد البعثات الأجنبية الأثرية العاملة في مصر ليس كبيرا مثل السابق نظرا لتفشي فيروس كورونا، وأن البعثات المصرية التي تعمل حاليا هي التي تضطلع بمعظم المهام الأثرية نظرا لكم النجاحات التي حققتها خلال الفترات الماضية. ويثار مؤخرا في الوسط الأثري تكثيف تواجد البعثات المصرية مستقبلا على حساب نظيراتها الأجنبية بسبب اكتساب المرممين والأثريين المصريين خبرات كبيرة في التعامل مع الآثار، وكذلك النجاح الذي حققوه خلال الفترة الأخيرة، واتضح ذلك من الاكتشافات التي تم الإعلان عنها، وأن التحكم في عدد البعثات الأجنبية يتم من خلال موافقات اللجان المختصة على طلبات البعثات الأثرية، وهناك بعثات تعمل منذ فترة مثل البعثة التشيكية التي كانت تعمل في منطقة أبو صير، والبعثات الإنجليزية والروسية والإسبانية، ويتم تقديم طلبات استكمال للعمل الأثري، وهناك بعثات تقدم طلبات للعمل في الحفائر الأثرية لأول مرة.
وعن أهمية منطقة سقارة، قال أحمد عامر: «تعد سقارة من المناطق الأثرية المهمة والواعدة منذ فجر التاريخ، حيث إن بها أربعة عشر هرما أهمها هرم زوسر المدرج الذي يعد أحد الآثار العظيمة في العالم، وتعد هذه المنطقة واحدة من أهم الجبانات (المقابر) للعاصمة المصرية القديمة منف، التي تشتهر أيضا بأنها مكان عبادة الإله أبيس عند المصريين القدماء، وهو ما يرمز له بالعجل المقدس، والكشف الجديد يحتوي على حوالى 100 تابوت و130 قطعة أثرية منذهبة من بينها لُقى أثرية وتماثيل وقطع خشبية، وكذلك مومياوات لكبار شخصيات الدولة والكهنة والنبلاء، وهي كلها آثار تعود للأسرة السادسة والعشرين القديمة التي تواجدت في عام 2500 قبل الميلاد»، مشيرا إلى «استخراج كل الآثار المكتشفة في حالة جيدة جدا، وأنه سيتم وضعها بالمتاحف المصرية الكبرى سواء متحف الحضارة أو المتحف الكبير ومتحف ميدان التحرير».
توابيت رائعة
وكانت وزارة السياحة والآثار في مصر قد أعلنت قبل بضعة أسابيع عن كشف أثري كبير في سقارة بحضور عدد كبير من السفراء الأجانب في القاهرة وممثلي دول العالم، والمئات من وسائل الإعلام المختلفة تمت دعوتهم لقلب الحدث من قبل الدكتور خالد العناني وزير السياحة والآثار، والبعثة الأثرية المصرية المكتشفة للآثار برئاسة الدكتور مصطفى وزيري الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في مصر، وضم الاكتشاف العشرات من التوابيت الخشبية النادرة رائعة الألوان معظمها بحالة جيدة يرجع تاريخها إلى أكثر من 2500 عام تم اكتشافها داخل بئرعميقة للدفن، ومن بين المكتشفات تمثال للإله نفرتوم من البرونز المطعم بالأحجار الكريمة مثل العقيق الأحمر واللازورد، ويصل ارتفاعة إلى 35 سم، وكتب على قاعدته اسم صاحب التمثال لكاهن يدعي بادي آمون، من الأسرة 26 الفرعونية القديمة، وتم العثور عليه بواسطة البعثة المصرية أثناء أعمال الحفر داخل أحد آبار الدفن على عمق 11 مترا، واكتشفت البعثة 28 تمثالا لإله جبانة سقارة بتاح سوكر، وعدد كبير من التمائم وتماثيل الأوشابتي والأدوات الأثرية النادرة.
حفائر أثرية
وأعلنت وزارة السياحة والآثار في مصر أن هذا الكشف يعد الأكبر خلال الفترة الأخيرة، وأن استكمال حفائر البعثة المصرية في منطقة سقارة الزاخرة بالكنوز المصرية القديمة كشفت عن مجموعة من الآبار الجديدة عثر بداخلها على عدد كبير من التوابيت الخشبية الملونة يرجع تاريخها إلى أكثر من 2500 عام وبداخلها مومياوات، وكذلك مجموعة من الأدوات الأثرية المذهبة من ضمنها تماثيل خشبية وأقنعة مذهبة.
وأعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية خلال العام الحالي عن العديد من الكنوز القديمة ترجع إلى عصور تاريخية متأخرة في منطقة سقارة الأثرية، وغيرها من المناطق كشفت عنها البعثة المصرية، وكان آخرها منذ عدة أيام بعد كشف البعثة المصرية الروسية المشتركة عن عملات (دنانير) ذهبية يعود تاريخها للعصر العباسي في منطقة «دير البنات»في محافظة الفيوم من زمن الخلفاء العباسيين المقتدر بالله، والراضي بالله، والمعتصم بالله.