* التغيير في السياسة الخارجية الأميركية ممكن، والأرجح سيحصل. لكن من دون شك ربما يكون له ضوابط، منها ما يتعلق بالتطورات الأخيرة في المنطقة، ومنها ما يتعلق بقدرات جمهورية الملالي المالية والاقتصادية المتهالكة، والتي قد تضطرها إلى مراجعة سياساتها التوسعية
هل تتغير مقاربة الولايات المتحدة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط مع الرئيس المنتخب جو بايدن؟
هو سؤال شغل الجميع مع إعلان انتصاره في الانتخابات الرئاسية. بعض المحللين يذهب إلى التأكيد أن سياسة أميركا الخارجية، خاصة تلك المتعلقة بالشرق الأوسط لن تتغير. والحقيقة أن القول أو الادعاء بأن السياسة الأميركية الخارجية ليست موسمية، وعليه هناك مسار تتبعه لا يتغير مع تغير الإدارة يكذبه ابتعاد الرئيس ترامب عن سياسة سلفه الرئيس أوباما المتعلقة بالشرق الأوسط لا سيما في الملف الإيراني بشكل كبير. فانسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي وإعادة العمل بنظام العقوبات القصوى على إيران وأمره بقتل سليماني هو دليل على أن الرئيس يمكنه أن يغير من مقاربة بلاده لملفاتها الخارجية. بات من الواضح أن بايدن سيبتعد عن سياسة الرئيس ترامب الخارجية. فالرجل أوضح في أكثر من مناسبة أنه في ظل رئاسته سيبطل الكثير من قرارات ترامب الخارجية مثل قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وأكد أنه سيعاود العمل به. فهل يذهب بايدن إلى رفع العقوبات عن إيران أيضا؟
بعض المحللين الأميركيين يعتبرون أن الحزب الديمقراطي يتحول أكثر فأكثر إلى حزب حديدي له قرارات مركزية تعمم على مسؤوليه، وهو يعيش تحت تأثير الرئيس أوباما الحاضر أبدا في السياسة الأميركية والذي أبى أن يبتعد عن عاصمة القرار السياسي واشنطن بعد انتهاء ولايته الأخيرة. وقناعة أوباما فيما يخص منطقة الشرق الأوسط كانت وما زالت تدور حول خلق نوع من «تنافس»بين الشيعة ممثلين بإيران والسنة ممثلين بدول الخليج، لا سيما المملكة العربية السعودية بشكل لا يؤدي إلى مواجهة عسكرية. تلك المقاربة لم تلق النجاح الذي تمناه أوباما بل على العكس خلف ذلك النهج مآسٍ إنسانية كبيرة كما في سوريا أو اليمن أو العراق، وكانت نتيجتها شطب أربع دول عن الخارطة. فما فهمه الطرف الإيراني من سياسة أوباما هو السماح للحرس الثوري بالتغلغل في كل المنطقة العربية ومحاصرة إسرائيل من جنوب لبنان والجولان أيضا وكل ذلك من دون ردة فعل أميركية.
من دون شك، لبايدن طريقته في الإدارة السياسية الخارجية ولكنه من دون أدنى شك أقرب إلى رؤية الرئيس أوباما من سلفه ترامب. في خطاب ألقاه في مركز الدراسات العليا في جامعة مدينة نيويورك، وعد جو بايدن بإصلاح الضرر الذي أحدثه الرئيس ترامب، ورسم مسارًا مختلفًا جوهريًا للسياسة الخارجية الأميركية. فهو يريد إنهاء الدعم الأميركي للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، حسبما قال، أما فيما خص إيران فهو قال إنه إذا عادت طهران إلى الامتثال للاتفاق، فسيعود رئيسا للالتزام به، واعدا باستخدام دبلوماسية صارمة بالاتفاق مع الحلفاء لتقويته وتمديده. بايدن انتقد خطوة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، واعتبرها متهورة وفي أساس عودة إيران إلى استئناف أنشطتها النووية.
ولكن مقاربة بايدن لملف الشرق الأوسط ستصطدم بمتغيرات مهمة طرأت في الأربع سنوات التي جلس فيها ترامب في البيت الأبيض. أولا العقوبات التي فرضتها إدارته على شخصيات ومؤسسات إيرانية تحت بند الإرهاب. فكثير من المحللين الأميركيين يعتقدون أن بايدن لن يقدم على مخاطرة سياسية كبرى في سنيه الأولى في الحكم من خلال رفع عقوبات تتعلق بالإرهاب مذكرين بأن انفتاح الرئيس أوباما على إيران لم يحصل إلا بعد أن ضمن فترة رئاسية ثانية. ومن المتغيرات التي قد تعيق عمله الخارجي خاصة فيما يتصل بالملف الإيراني تتمثل في انفتاح خليجي على إسرائيل وتطبيع العلاقات وبالتالي خلق جبهة موحدة سياسية وعسكرية وأمنية بوجه السياسات الانفتاحية على إيران إذا ما حصلت.
يبقى كل هذا في نهاية المطاف في إطار التخمين. ما يجب الانتباه إليه لاحقا هو التعيينات التي سيجريها الرئيس بايدن في إدارته للاستدلال على ما ينوي فعله في الشرق الأوسط وفي الملف الإيراني. تلك التعيينات ستعطي فكرة واضحة عن المدى الذي سيذهب إليه الرجل في ملف الشرق الأوسط والصراع القائم فيه بين إيران والدول العربية لا سيما الخليجية منها.
في النهاية، بايدن سياسي منذ أكثر من أربعة عقود، ولديه قناعاته السياسية التي مارسها يوم كان نائبا للرئيس أوباما، كما أن لديه من دون شك علاقات كثيرة إن كان في أوروبا أو في دول الخليج أو إسرائيل قد تؤثر على قراراته الخارجية. نعم التغيير في السياسة الخارجية الأميركية ممكن، والأرجح سيحصل. لكن من دون شك ربما يكون له ضوابط، منها ما يتعلق بالتطورات الأخيرة في المنطقة، ومنها ما يتعلق بقدرات جمهورية الملالي المالية والاقتصادية المتهالكة، والتي قد تضطرها إلى مراجعة سياساتها التوسعية.