* شفيق محرم يكشف لـ«المجلة» دور الحاكم الراحل إلياس سركيس في تكوين ثروة لبنان الذهبية التي تبلغ 9 ملايين و200 ألف أونصة بقيمة 18 مليار دولار
*المطالبات بالتسييل تأتي بحجة تأمين الدعم للقمح والمحروقات والدواء
* خبراء اقتصاديون: هل نسيل الذهب ونسلمثمنه لمن نهب الأموال وأفقر الشعب اللبناني
* رغم الأزمات الطاحنة التي أفقدت سعر صرف الليرة اللبنانية توازنه خلال عقود مضت، وأنعشت السوق الموازية للعملة، إلا أن القرار السيادي رفض استخدام احتياطات الذهب
* تكشف بيانات مجلس الذهب العالمي، أن لبنان لم يمس أي كمية من الذهب خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية
* قليل من الناس يعرفون كيف كوّن لبنان هذه الثروة الذهبية رغم الأحداث السياسية والأمنية التي حصلت
بيروت: تمسكت الحكومات المتعاقبة والمصرف المركزي منذ أواخر سنة 1986، بالحفاظ على الاحتياطات الآمنة من الذهب كملاذ آمن أمام أي تصاعد في الأزمات النقدية والمالية والأمنية والسياسية التي شهدتها البلاد منذ ذلك التاريخ.
وعلى الرغم من الأزمات الطاحنة التي أفقدت سعر صرف الليرة اللبنانية توازنها خلال عقود مضت، وأنعشت السوق الموازية للعملة (السوق السوداء)، إلا أن القرار السيادي رفض استخدام احتياطات الذهب.
وتلجأ البنوك المركزية حول العالم لبناء جزء من احتياطاتها النقدية بالذهب، باعتباره الملاذ الآمن للعملة المحلية من جهة، والحاجة لتسييله المباشر عند الحاجة إلى دعم عملاتها المحلية، ولأن المعدن الأصفر الأقل تذبذبا في ظل تزايد المخاطر العالمية.
وتكشف بيانات مجلس الذهب العالمي، أن لبنان لم يمس أي كمية من الذهب خلال الأزمات الاقتصادية والسياسية، بما فيها الأزمة الأخيرة، في مؤشر على أن الوضع الحالي لا يستدعي تسييل هذا النوع من الأصول، الذي يعد الأكثر طلبا إلى جانب الدولار من جانب البنوك المركزية.
البداية
منذ مطلع العام الحالي وبعد بدء الانهيار المالي والنقدي في البلاد والإجراءات التي اتخذتها المصارف بحجز ودائع الناس بالعملات الأجنبية والتي أدت إلى استنزاف احتياطي مصرف لبنان جراء دعمه المحروقات والقمح والدواء ووصول هذا الاحتياطي إلى الخط الأحمر بدأت بعض وسائل الإعلام تروج إلى أن حكومة تصريف الأعمال، وبعد فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدات مالية عاجلة وبايعاز من القوى المسيطرة على البلد في صدد تسييل احتياطي الذهب لتعزيز الاحتياطي المالي لتأمين استمرار الدعم للمواد الأولية ورفض شروط صندوق النقد الدولي الذي يربط المساعدات بإقرار الإصلاحات المطلوبة في الكهرباء والاتصالات والمالية العامة.
وبما أن هذه التسريبات لم ينفها ولم يؤكدها أي من المسؤولين، فقد أثار الشك في نفوس الناس وخصوصا أن موضوع التسييل طرح أكثر من مرة في البازار السياسي رغم معرفة الجميع بأن العملية معقدة جداً كون عملية التسييل مرتبطة بالقانون رقم 140 الصادر عام 1986 والذي يمنع تسييل احتياطي الذهب إلا بتعديل أو إلغاء القانون المشار إليه.
ولا تبرئ الجهات السياسية والمالية المعنية، تيارات وجهات سياسية نافذة، من محاولة الأخيرة «كسر الحظر القانوني- الدستوري»الذي يمنع التصرف بالذهب اللبناني، لتحقيق مكاسب سياسية خاصة عند وصولها إلى هرم القرار السياسي التنفيذي في البلاد، هذه القوى ترى أن تسييل الذهب الذي تصل قيمته بأسعار اليوم إلى نحو 18 مليار دولار، فإن تسييل جزء منه، يوفر لهذه القوى سيولة نقدية بالدولار يمكن إذا أحسنت توظيفها أن تريح الناس قليلاً، وأن توفر للاقتصاد جرعة مقبولة من «الأكسجين»، بانتظار الإفراج عن أموال «سيدر»أو من «صندوق النقد الدولي».
وترى الجهات المعنية نفسها، أن الجهة السياسية التي تعمل من أجل الوصول مجدداً إلى رأس السلطة التنفيذية، هي التي حضرت الساحة الإعلامية لنائب حاكم مصرف لبنان السابق محمد بعاصيري لدعوته «جهاراً»السلطة اللبنانية للاستعانة باحتياطي الذهب، بيعاً، أو رهناً، أو... مشيراً إلى أن الدول تستعمل «قرشها الأبيض في يومها الأسود».
فهذا الحديث أثار ردود فعل في الأوساط المالية والاقتصادية كونه يأتي من شخص شغل منصب نائب الحاكم لولايتين متتاليتين (2009 - 2019)، وكان يشرف شخصياً على عدد من مديريات المصرف المركزي، فضلاً عن عضويته السابقة في الهيئة المصرفية العليا ورئاسته السابقة للجنة التنسيق الوطنية لمكافحة تبييض الأموال.
وفي مسيرته العملية أيضاً، وقبل تعيينه نائباً للحاكم، شغل بعاصيري عدة مناصب مهمة، فترأس لجنة الرقابة على المصارف من يونيو (حزيران) 1990 إلى منتصف عام 2000. ونال تقديراً رسمياً من الحكومة اللبنانية لخدماته في هذا المجال، ثم عُيّن لمدة سنة مستشاراً مقيماً لـ«صندوق النقد الدولي» لدى المصرف المركزي في سلطنة عُمان. وعام 2001. اختير ليكون أول أمين عام لـ«هيئة التحقيق الخاصة»، أي «وحدة الإخبار المالي» الحديثة النشأة آنذاك في لبنان.
ومع أن بعاصيري عاد وتراجع وقال إنه «لم يطرح مطلقاً بيع أو رهن الذهب كما زعم البعض»، بل تحدث عن تأجيره من دون المساس به، وذلك وفق آلية واضحة تمنع إهدار عائداته وبوجود حكومة «أوادم» تحوز ثقة الشعب اللبناني والمجتمع الدولي. ونفى أن يكون قد فاتح أحداً من المسؤولين بهذا الطرح، مذكرا بأن هذا الموضوع طرح في التسعينات من القرن الماضي وطوي الأمر. لكن نظراً للأزمة المالية والنقدية المستفحلة في لبنان وغياب أي حلول في الوقت الحاضر، يقول بعاصيري: «فكرت بالموارد التي يمكن الاستفادة منها، خصوصا مع الحديث عن قرب وقف الدعم عن السلع الأساسية. وذهب لبنان الثمين مودع في خزائن مصرف لبنان وفي الولايات المتحدة ولا تستفيد الدولة اللبنانية منه بأي عائد، بل علىالعكس قد يكون مصرف لبنان يدفع كلفة تخزينه، في وقت يمكننا تأجيره بمخاطر صفر في المائة كما تفعل مصارف عديدة في العالم حتى تحصل على أرباح معينة».
وأوضح بعاصيري الآلية التي يتم عبرها تأجير الذهب بما يعرف بـGold leasing transaction، وذلك من خلال مصارف متخصصة في العالم تعرف بـbullion bank، أو عبر مصارف مركزية. ويعطي مثالا عن مصارف عالمية، مثل «بنك أوف أميركا»، و«سيتي غروب» اللذين يستأجران الذهب من البنوك المركزية بنسبة واحد في المائة ويقومان ببيعه أو استثماره، بعد حجز عقود شراء مستقبلية لإعادة الذهب عند انتهاء مدة العقد إلى البنوك المركزية. وهذا الأمر اعتمدته دول عدة، منها الكويت وباكستان وغيرهما. ويشبّه بعاصيري هذا الإجراء كمن يؤجر عقاراً ليستفيد منه ويكون له حق استرجاعه متى أراد.. «لا يرهنه ولا يبيعه، بل يؤجره ويستفيد منه ويبقى ملكه».
لماذا اليوم
والسؤال المطروح اليوم وبعد هذا الشرح الذي قدمه بعاصيري وهذه الهجمة على احتياطي الذهب، من هي الجهة التي تعمل لتسييله أو بيعه أو تأجيره، ومن يضمن في حال تمت هذه العملية أن تتبخر الأموال كما تبخرت ثروة لبنان المصرفية بسبب الفساد المنتشر سياسياً وإدارياً والسلطة الحاكمة لاتزال ترفض القيام بالإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.
البعض رأى في تسييل جزء منه حلاً لعدم تخلف لبنان عن دفع ديونه الخارجية وبالتالي حفظ حقه في الاستدانة من الأسواق العالمية، وعدم تصنيفه دولة فاشلة. والبعض اقترح تسييله (بيعه) بالكامل والاستفادة من عوائده في إعادة بناء الاقتصاد. والبعض اعتبر أن استخدام جزء منه كضمانة لأخذ قروضoverdraft بقيمة 5 إلى 6 مليارات دولار وضخها في الأسواق عبر المصارف، يؤمن السيولة للشركات في القطاع الخاص وسوق القطع وينقذ الاقتصاد. والبعض وجد في هذه القيمة الكبيرة، أو جزء منها، رافداً أساسياً للصندوق السيادي إلى جانب بقية أصول الدولة، من أجل تسديد ديون المصارف وتمكينها من إرجاع حقوق المودعين. ومع استفحال الأزمة النقدية وبدء الحديث عن رفع الدعم خرجت بعض الأصوات تنادي باستخدام الأصول الذهبية لتمويل البطاقات التموينية لكل الشعب اللبناني. أنصار نظرية التصرف بالذهب ينطلقون من قاعدة بسيطة مفادها أن «الهدف من الاحتفاظ بالذهب طيلة السنوات الماضية كان لاستعماله في أوقات المحن والأزمات. ونحن اليوم نمر بأصعب الأوقات، حيث تخطى الانكماش الاقتصادي 25 في المائة، وانهارت القيمة الشرائية للعملة الوطنية، وأصبح أكثر من ثلثي رواتب القطاع العام لا يساوي أكثر من 250 دولاراً أميركياً، وتخطى معدل الفقر 55 في المائة والبطالة تحلق فوق نسبة 50 في المائة. وفوق هذا كله أتى انفجار المرفأ ليزيد الأعباء على الاقتصاد بما يزيد على 8 مليارات دولار. وإن لم يكن اليوم هو الوقت المناسب للاستفادة من القرش الأصفر فأي متى يكون؟
الإصلاحات أولاً
في المقلب الآخر، فإن الطرق الكثيرة لاستخدام الذهب توصل إلى نتيجة واحدة، وهي: ضياع ما تبقى من ثروة وطنية من دون أن نخلق أي قيمة إضافية، «فطالما نظامنا السياسي الطائفي القائم على الاستئثار بالسلطة والفساد والتحاصص، والذي شكل أداة لتغطية أكبر عملية نهب شهدها بلد في التاريخ، فإن بيع الذهب مرفوض»، يقول بعض الخبراء: «هذا الاقتراح لا يكون إلا ضمن إصلاحات سياسية واسعة، تبدأ بإحداث خرق في النظام الطائفي وتنتهي بتنفيذ المطالب الإصلاحية التي تضمنتها الأوراق المتداولة. وذلك سواء بالنسبة إلى القضاء، أو استرداد الأموال المنهوبة، أو رفع الحصانات، أو المحاسبة والمساءلة، أو فرض الاتفاق على أرقام الخسائر والاتفاق على آلية توزيعها، واستحداث قانون عصري لتحويل الأموال».
مقابل الحجج الكثيرة التي يسوقها منظرو التصرف بالمعدن الأصفر، والتي تدغدغ أحلام الفقراء والمودعين بغد أفضل، ينطلق معارضو النظرية من مثال «مصير الاحتياطي الإلزامي»الحسي البسيط الماثل أمام عيوننا، لرفضهم المس بالذهب. فغياب الإصلاحات وتعمّق السرقة والفساد ضيّعا من احتياطي العملات الأجنبية حوالى 13 مليار دولار منذ نهاية العام الماضي وصولاً إلى اليوم أي في غضون عام واحد. و«هذا ما سيكون عليه مصير تسييل الذهب أو التصرف به آنياً في ظل عدم وجود خطة إصلاحية.. نكون ندفنه بنفس مقبرة الأموال والأصول الرديئة، ولا نحصل في المقابل إلا على تمديد فترة الأزمة».
المشكل الذي نواجهه «سياسي وليس تقنياً. فيوم يعود لبنان إلى الشرعية الدولية، ويبدأ الإصلاحات المطلوبة ستتأمن السيولة المطلوبة من الدول المانحة وصندوق النقد الدولي. عندها فقط نعيد التفكير بإمكانية التصرف بالذهب في حال كانت هذه القروض غير كافية لإعادة بناء الاقتصاد وتأمين المتطلبات».
وعلى الرغم من هذه الحاجة الماسة، فإن «التصرف بالذهب يجب أن يأتي من ضمن خطة استعادة الثقة المتكاملة»، وهذه الثقة لا تعود من دون إصلاح وإعادة تكوين السلطة السياسية، والمباشرة ببرنامج إصلاح جدي ووضع خطة مع صندوق النقد الدولي».
وعلى عكس ما يعتقد البعض، فإن الذهب ليس المصدر الأوحد لتأمين السيولة. فلبنان «بلد غني ويملك من الأصول ما يخوله الحصول على حاجته من العملات الأجنبية المطلوبة والخروج من الأزمة بسهولة».
أما الطريقة «فهي عبر نقل موجودات الدولة من شركة إنترا للاستثمار والاتصالات والواجهة البحرية والمصالح والمرفأ وغيرهـــا من الأصول ذات القيمة إلى «الصندوق السيادي»الذي يكون برعايتها.
عملية نقل هذه الموجودات المترافقة مع الخطة الإصلاحية والدخول في الشرعية الدولية والعربية تمكّن «الصندوق»من إصدار أسهم. وبهذه الطريقة نخلق السيولة اللازمة من دون الاضطرار للمساس بالذهب.
من هذا المنطلق، يرى البعضأن احتياطي الذهب يستعمل في الأزمات الكبرى، وتلك أزمة نعيشها، لكن تسليمها لمن أهدر المال العام وصادر ودائع الناس بمثابة جريمة، وأوصلنا إلى هذه الأزمة الخانقة خصوصاً أن لبنان يملك نحو 9 ملايين و222 ألف أونصة موزعة ما بين المصرف المركزي وقلعة «فورت نوكس» الأميركية، بما قيمته اليوم نحو 18 مليار دولار. وتلك القيمة فتحت شهية البعض ، لذلك لا يمكن تسليم «رقبة» الدولة لمن أفلسها وقادها نحو الانهيار، ومجرد إثارة موضوع الذهب جريمة. خصوصاً أن موضوع تسييل الذهب طرح قديماً.
عهد الجميل
في سنة 1986 خلال عهد الرئيس الأسبق أمين الجميل، وبعد اشتداد عمليات المضاربة على سعر صرف الليرة اللبناينة اقترح بعض المقربين من الرئيس الجميل أمثال سامي مارون وروجيه تمرز تسييل قسم من احتياطي الذهب الموجود في مصرف لبنان لتعزيز احتياطي المصرف بالدولار الأميركي لمواجهة عمليات المضاربة في السوق السوداء.
يومها طلب الحميل من رئيس مجلس إدارة شركة إنترا للاستثمار وبنك المشرق روجيه تمرز زيارة منزل الرئيس سليم الحص لإقناعه بالفكرة، وآنذاك كان هناك شبه قطيعة بين الجميل والحص والرئيس الشهيد رشيد كرامي، لذلك لم يوفق تمرز في الحصول على موعد مع الرئيس الحص إلا بعد فترة طويلة وبعد إقناع الحص بضرورة مقابلته لمعرفة ما يخطط له الجميل في تلك المرحلة.
وقد اشترط الحص على الوسطاء أن يكون اللقاء بعيداً عن الإعلام وأن تكون الزيارة شبه سرية.
في اليوم المحدد للزيارة وصل تمرز إلى منزل الرئيس الحص في منطقة عائشة بكار برفقة أحد الموظفين في الشركة وبعد جلوس تمرز بادره الرئيس: «شو عندك روجيه وما هي الرسالة التي تحملها لي؟»،فأجابه تمرز: «كنا نتحادث مع فخامة الرئيس بشأن المضاربة على الليرة وعدم قدرة مصرف لبنان على مواجهة المضاربين بسبب تدني احتياطي العملات الأجنبية فاقترحنا عليه أن يتم تسييل 50 في المائة من احتياطي الذهب لتعزيز احتياطي مصرف لبنان بالعملات الأجنبية وأن الرئيس يريد موافقتك على الاقتراح»،فرد عليه الرئيس وقال له: «يا روجيه هذا الموضوع سياسي بامتياز والذهب هو عامل ثقة للبلد فهل نفرط بهذه الثقة في هذا الوقت العصيب ثم من يضمن أن المال الذي سنجلبه من التسييل لن يهدر كما تم إهدار الملياري دولار على صفقة السلاح التي لم تأت إلى لبنان، بلغ فخامة الرئيس أنني أعارض الاقتراح»،فتكهرب الجو وقام تمرز من مكانه مودعاً.
ولم تمض أيام حتى تسربت معلومات أن الرئيس الحص زار رئيس مجلس النواب حسين الحسيني وتم الاتفاق بينهما على إقرار قانون يمنع تسييل الذهب إلا بموافقة مجلس النواب، وبالفعل صدر القانون 140 - 1986.
بعد إقرار القانون، شرح الرئيس الحسيني مسار صدوره، فقال: «لكل هذه الأسباب وحرصاً على الذهب، ألّفنا جبهة برلمانية وتصدّينا للطرح لاقتناعنا بأن الذهب هو ملك الليرة وحق للأجيال ويشكّل قوةائتمانية لضمان النقد، ولخوفنا من هدر الذهب وسرقته بوجود سلطة أمر واقع فاسدة، والأهم لإجهاض محاولات المسّ بوحدة النقد والكيان السياسي والاجتماعي اللبناني على أثر ما كان يُتداوَل عن تقسيم لبنان وفرط وحدة النقد وإنشاء عملة باسمLEBAفي الكونتون المسيحي. واجهنا الأمر في المصرف المركزي، وأصدرنا القانون بالأكثرية فحمينا ثروتنا الذهبية من سطوة الميليشيات المستمرّة حتى اليوم.
من بنى هذه الثروة
قليل من الناس الذين يعرفون كيف كوّن لبنان هذه الثروة الذهبية رغم الأحداث السياسية والأمنية التي حصلت إضافة إلى الاجتياح الإسرائيلي سنة 1982 والوصاية السورية التي استباحت البلد من العام 1993 وحتى سنة 2005 وللوقوف على هذا الأمر التقت «المجلة»النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور شفيق محرم الذي عاصر الرئيس الراحل إلياس سركيس في القصر الجمهوري في عهدي الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب والرئيس الراحل شارل حلو، كما كان نائباً لحاكم مصرف لبنان في عهد سركيس.
محرم شرح لنا كيف عمل الحاكم سركيس لتكوين هذه الثروة للبنان التي تبلغ 9 ملايين و200 ألف أونصة تبلغ قيمتها اليوم نحو 18 مليار دولار.
بعد أزمة بنك إنترا الشهيرة أواخر ستينات القرن الماضي وانعكاساتها السلبية على القطاع المصرفي قرر الرئيس شارل حلو تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان بدلاً من نائب الحاكم جوزيف أغورليان الذي كان يشغل الحاكمية بالوكالة بعد تعيين الحاكم فيليب تقلا وزيراً للخارجية فاختار المدير العام في القصر الجمهوري إلياس سركيس للقيام بهذه المهمة.
فور تسلم سركيس الحاكمية استطاع بحنكته ونزاهته أن يعالج أوضاع المصارف الحرجة لمحو الآثار السلبية لأزمة انترا، وعزز دور لجنة الرقابة على المصارف التي تسلمها الدكتور سليم الحص، ثم اتجهت انظاره نحو تعزيز العملة الوطنية فكان يبتاع الذهب كلما تحصل فائض لدى مصرف لبنان من الدولارات بسعر 31 دولاراً للاونصة وكانت طائرات طيران الشرق الأوسط «الجامبو»تنقل الذهب من نيويورك إلى بيروت ليلا ويقوم الجيش اللبناني بنقله إلى خزائن مصرف لبنان.
وفي شهر أغسطس (آب) 1971 وعشية إقرار الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون التخلي عن السعر الرسمي للدولار وتالياً تحرير النظام العالمي من القاعدة الذهبية، ابتاع الحاكم سركيس 2.5 مليون أونصة من الجهات الأميركية بالسعر الرسمي أي 35 دولاراً للأونصة، وعملية الشراء وتوقيت إنجازها دفعا الملحق الاقتصادي في السفارة الأميركية في بيروت روبرت وارنغ إلى زيارتي في مكتبي في مصرف لبنان للاستعلام عمن بلغ لبنان بقرار الرئيس نيكسون التخلي عن السعر الرسمي فأجبته أن الحاكم كان يلجأ لزيادة احتياط الذهب كلما سمحت بذلك الإمكانات وأن العملية كانت طبيعية وهي مثل كل العمليات التي حصلت في السابق فأبلغني أن الإدارة الأميركية شككت في الموضوع لأن لبنان هو البلد الوحيد الذي اشترى في هذا الوقت بالذات ونحن قلقون من أن يكون هناك تسريب من الولايات المتحدة إلى مصرف لبنان ونحاول التحقيق في الموضوع.
وختم محرم: لقد ابتاع الحاكم سركيس خلال ولايته هذا الاحتياطي من الذهب الذي يقدر ثمنه اليوم بـ18 مليار دولا ر، وثلثا الذهب موجود في خزائن مصرف لبنان، والثلث الآخر بقي في الولايات المتحدة بعد شرائه بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان، وقبل انتخابه رئيساً للجمهورية حول الرئيس سركيس بيروت إلى مركز مالي ومصرفي إقليمي واعد، واستقر عدد المصارف العاملة في لبنان وعزز دور لجنة الرقابة على المصارف وتم إنشاء الهيئة العليا المصرفية والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع وفتح باب الاندماج بين المصارف.