في عام 2005، حاول خامنئي، من خلال ابنه مجتبى، الدفع إلى انتخاب محمد باقر قاليباف، رئيس الشرطة السابق، في منصب الرئيس. وفشلت الخطة بسبب حصول قاليباف على أقل من 5 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى. وأصبح خامنئي مجبرا على التحول إلى دعم ترشيح محمود أحمدي نجاد لمنع رفسنجاني من العودة إلى فترة رئاسية ثالثة. في عام 2009، أُجبر خامنئي من جديد على دعم أحمدي نجاد ليمنع مير حسين موسوي الذي كان يمثل له كابوسا منذ أكثر من عقدين.
بعد أن سحق معظم معارضيه داخل المؤسسة، يملك خامنئي الآن فرصة لاختيار الرجل الذي يريده في منصب الرئاسة. وذلك بالطبع إذا قرر فصيل أحمدي نجاد الذي ما زال يسيطر على الحكومة، وبالتالي العملية الانتخابية، عدم التقدم بمرشحه الخاص في السباق على السلطة.
قد يكون نوع غطاء الرأس الذي يرتديه الرئيس المقبل ذا أهمية بالغة بالنسبة لمستقبل النظام كما هو مهم للمرشد الأعلى شخصيا. من بين ستة رجال احتلوا منصب رئيس الجمهورية الإسلامية حتى الآن، كان ثلاثة منهم يرتدون العمامة.
تمثل العمامة مؤسسة رجال الدين الشيعة التي تملك، منذ تأسيسها في إيران قبل أربعة قرون، مواقف متناقضة بشأن تولي السلطة السياسية.
في العموم، تأتي العمائم بلونين متناقضين. تعني العمامة البيضاء أن مرتديها ليس من نسل النبي وبذلك ليس له أصل عربي. في المقابل، يشار إلى مرتدي العمامة السوداء على أنه سليل بيت النبوة ويرجع أصله إلى أحد الأئمة الاثني عشر من الطائفة الاثنا عشرية الشيعية. يزداد الأمر تعقيدا نظرا لأن التراث الشعبي الإيراني يزعم أنه بعد الغزو العربي، تزوج الحسين بن علي الإمام الثالث من بيبي شهربانو، ابنة يزدجرد آخر ملوك إيران قبل دخول الإسلام إلى البلاد. تروي قصيدة ربما تكون قد كتبت في القرن الثامن عشر أن مقابلة وقعت ليلا بين الأميرة شهربانو عندما كان عمرها 14 عاما وفاطمة ابنة النبي قبل غزو العرب لإيران بثلاثة أعوام. كانت الأميرة على سريرها في قصر في بغداد، التي كانت في ذلك الحين إحدى ضواحي قطسيفون، التي يعرفها العرب باسم المدائن، وعاصمة الإمبراطورية الفارسية. وتظهر فاطمة فوق عربة تحملها الملائكة. وتقول لشهربانو المصابة بالدهشة: «سوف تتزوجين ابني المفضل». تسأل الأميرة كيف تتزوج من شخص موجود في المدينة يبعد 1000 كيلومتر عن المدائن. تجيب الزائرة أن كل شيء معد وسوف يتم الزواج بمجرد سقوط الإمبراطورية. وكانت الرسالة التي تحملها القصة هي أن جميع الأئمة التالين ينتمي نصفهم إلى الفرس مما يسمح بالجمع بين دين العرب والقومية الإيرانية.
تعقيدات العمامة
لارتداء العمامة دلالات أكثر تعقيدا، حيث يسمح لطلاب الدراسات الدينية بارتداء عمامة رفيعة للغاية تعكس وضعهم كمبتدئين، فيما يستطيع «حجة الإسلام» أو الملا متوسط المقام أن يرتدي عمامة أكثر سمكا، فيما يقتصر ارتداء العمامة الأكبر التي تحتاج عدة ياردات من القماش على آيات الله. وتشير عمامة رفسنجاني البيضاء إلى أنه شخص من أصل غير عربي، فيما يرتدي خاتمي وخامنئي عمامات سوداء، كذلك الخميني وهو ما يعكس نسبهم العربي من ناحية الأب.
[blockquote]
علي اکبر ولايتي:
عضو في البرلمان الإيراني في دورته الأولى، ووزير لخارجية إيران خلال الفترى بين 1981و 1997. أصولي مقرب من المرشد الأعلى على خامنئي و يعمل حاليا مستشاراً له لشؤون السياسية الدولية وعضوا في المجلس الثقافي الأعلى للثورة وكذلك عضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام. يعتبر علي أكبر ولايتي أحد ثلاثة أعضاء ائتلاف الأصوليين في الانتخابات الرئاسية القادمة والذي يضم أيضا كلا من حداد عادل ومحمد باقر قاليباف [/blockquote]
وقد أثبتت الخبرات المستقاة من تجارب العقود الثلاثة الماضية أن من يرتدون عمامات سميكة لتعكس انتماءهم إلى أعلى مستوى من رجال الدين الشيعة، لا يسعون لأي منصب انتخابي من أي نوع، ناهيك بالرئاسة. على أية حال، فبعد أن يصل ذو العمامة الرفيعة إلى السلطة، فإنه يحصل على عمامة أكثر كثافة ويطيل لحيته لكي يعزز من صورته كرجل دين. وقد أضاف الخميني عدة ياردات إلى عمامته مباشرة بعد استحواذه على السلطة في طهران في 1979. وعندما تم انتخاب خامنئي للمرة الأولى، كان يرتدي عمامة رفيعة، ثم بعد مرور السنوات وبعدما أصبح المرشد الأعلى أو فقيه الولي، قام بزيادة حجم عمامته وأمر وسائل الإعلام بالإشارة إليه باعتباره آية الله العظمى.
فهل يحاول خامنئي الاستحواذ على منصب الرئاسة لـ«قبيلة العمائم» كما يطلق على الملالي في إيران؟ لقد أعلن العديد من الملالي بالفعل عن نيتهم الترشح، بما في ذلك علي فلاحيان، وزير الاستخبارات السابق والمقرب من خامنئي.
ومع ذلك، فإن خامنئي سوف يفكر مرتين قبل أن يدفع بملا إلى الرئاسة، حيث إن وضع العديد من أصحاب العمائم على قمة البلاد سوف يعزز الزعم بأن إيران دولة دينية وأن الملالي يحتكرون السلطة بها، فيما يزعم خامنئي أنه يقود حركة عالمية تستهدف تأسيس «حضارة جديدة» للبشرية بأسرها تعتمد على نموذج الدولة الإسلامية. وبالتالي، سوف يجعل وضع صاحب عمامة آخر على قمة البلاد من الصعب إقناع البشرية بأسرها بمحاكاة نموذج إيران.
ومن جهة أخرى، يمكن أن يمثل الرئيس المعمم خطرا على خامنئي من العديد من النواحي، فإذا كان أصغر بكثير من خامنئي، ربما يتحلق العديد من أصحاب المصالح والمهن والتكنوقراط الذين يشكلون أغلبية الناس في أي بنية سياسية حول الرئيس الجديد، باعتباره رجل المستقبل، وينأون بأنفسهم عن «المرشد الأعلى» المسن باعتباره رجل الماضي.
ويعد مرتدو العمائم الأكثر مصداقية من بين المرشحين الرئاسيين هم الرؤساء السابقون مثل رفسنجاني وخاتمي ووزير الداخلية السابق عبد الله نوري. ويشعر بالفعل كل من رفسنجاني وخاتمي بالاستياء من سوء معاملة خامنئي لهما، ومن ثم فمن المرجح إذا ما أعيد انتخابهما مرة أخرى، ألا يسمحا له بالاستحواذ الكامل على السلطة. أما نوري الذي قضى خمسة أعوام في السجن لانتقاده للنظام، فيشبهه البعض ببوريس يلتسين الذي أعلن في الوقت المناسب انتهاء النظام الذي جاء عبره.
[blockquote]
محمد باقر قاليباف:
محافظ طهران واستاذ جامعي بجامعة طهران، وعمل قائدا للقوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني ثم اختاره خامنئي في عام 2000م ليشغل منصب القائد العام لقوات الأمن في إيران كما عمل ممثلا لرئيس الجمهورية في جهاز مكافحة تهريب البضائع والعملة.بدأ في عام 2005 حملته الإنتخابية ضمن الائتلاف الثلاثي الذي يضم ولايتي وحداد عادل
[/blockquote]
وإذا ما رغب خامنئي في الجمع بين القبعة والبرنامج النووي، فإنه سوف يدفع بخيار آخر: حسن روحاني (63 عاما)، وهو الملا الذي قاد المفاوضات النووية في ظل حكم رفسنجاني وخاتمي. وعلى الرغم من أن روحاني رجل دين من الفئة المتوسطة ودرس الكيمياء في بريطانيا ويفتقر إلى مكانة رفسنجاني وخاتمي ونوري، فإنه لن يمثل تهديدا لخامنئي، فلمدة عقد كامل كان روحاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، ومن ثم فإنه مقرب من الأجهزة العسكرية والاستخباراتية. فإذا ما كان الملالي يرغبون في الحفاظ على قبضة محكمة على كافة مناحي البرنامج النووي الإيراني، فإن روحاني سيكون الرجل المناسب. كما استطاع روحاني أن يبهر الحكومات الأوروبية بمهاراته التفاوضية خلال المباحثات المحمومة المتعلقة ببرنامج إيران النووي المزعوم. فقد وصف وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو روحاني بأنه «دبلوماسي ماهر ورجل يمكن العمل معه».
ولكن مشكلة روحاني هي أنه حاول أن يحظى برضا الجميع والحفاظ على علاقات وثيقة بكل من رفسنجاني وخاتمي. ومن ثم، فإنه سوف يحاول إذا ما سنحت الفرصة أن يقلص من سلطات خامنئي لصالح حلفائه السابقين.
خيار القبعة
ماذا عن خيار القبعة إذن؟ هنا أيضا يواجه خامنئي العديد من المشكلات. فقد أثار الرؤساء الثلاثة الذين كانوا يرتدون القبعة المشكلات للمرشد الأعلى المعمم، أولهم كان أبو الحسن بني صدر الذي استخدم لقب «سيد» في إشارة إلى انحداره من نسل الأئمة واستخدم وضعه كابن لآية الله في محاولة الحد من سلطات المرشد الأعلى، وبالتالي تدهورت علاقته بالمرشد الأعلى في ذلك الوقت، آية الله روح الله الخميني، مما أدى إلى قطع العلاقات بينهما. وقد أصدر الخميني فتوى من تسع كلمات يفصل فيها بني صدر كرئيس وهي الخطوة التي ألقت بالضوء على الهيمنة المطلقة للمرشد الأعلى. وكان ثاني الرؤساء الذين ارتدوا القبعة هم محمد علي رجائي والذي تم اغتياله بعد أسابيع من انتخابه ومن ثم لم يكن لديه وقت لكي يصنع اتجاها محددا تجاه المرشد الأعلى. ومع ذلك فإن خطاباته وكتابته كانت تشير إلى أنه تلميذ لعلي شريعتي، مثير المشاكل الذي دفعت به استخبارات الشاه للحد من اليسار الماركسي. وكان شعار شريعتي الأساسي هو «المذهب الشيعي دون ملالي!»
وكان ثالث الرؤساء الذين يرتدون قبعة هو محمود أحمدي نجاد والذي انتهى به الحال إلى محاولة تقديم نفسه كرئيس إيراني قومي وفي الوقت نفسه حاول الإسراع بعودة الإمام الخفي.
ومن جهة أخرى، تمثل القبعة رمزا للنخب الإيرانية المستغربة التي بدأت تحصل على قاعدة شعبية في أواسط القرن التاسع عشر انتهت بالهيمنة على الحكومة في العقد الأول للقرن العشرين حتى استولى الملالي على السلطة في 1979. ومن ثم، يعتقد البعض أن الطبقات الوسطى الإيرانية الحضرية تفضل رئيسا يرتدي القبعة خاصة في ظل تراجع شعبية الملالي التي وصلت لأدنى مستوياتها منذ عقود.
ولكن، ألن يحشد الرئيس الشاب النشط الذي يرتدي القبعة الطبقات الوسطى المدنية خلف برنامج من الإصلاحات يمكن أن يتضمن تعديلات دستورية؟ وألن تتضمن مثل تلك التعديلات إلغاء منصب المرشد الأعلى وبالتالي تتحول إيران إلى جمهورية عادية تعتمد على مبدأ السيادة الوطنية؟
مما لا شك فيه أن خامنئي يمكن أن يدفع بمرتدي قبعة ليست له انتماءات واضحة إلى الرئاسة محولا الرئيس القادم إلى مجرد تابع لمكتب المرشد الأعلى. وقد ظهرت بالفعل بعض مثل تلك الشخصيات ومن بينها وزير الخارجية السابق منوشهر متقي الذي برز اسمه عندما فصله أحمدي نجاد بطريقة مهينة تماما. بالإضافة إلى علي أكبر ولايتي الذي عمل كمستشار سياسة خارجية لخامنئي، وأخيرا الرئيس السابق للمجلس الإسلامي، غلام علي حداد عادل الذي لديه ميزة إضافية وهو أنه قريب خامنئي بالمصاهرة. وربما يرحب خامنئي بالثلاثة لأنهم يفتقرون إلى الكاريزما وليس لدى أي منهم قاعدة جماهيرية خاصة به.
[blockquote]
غلام علي حداد عادل:
عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس سابق للبرلمان الإيراني ويعمل عضوا في البرلمان منذ دورته السادسة وحتى الآن. كما أنه يعمل كرئيس لمجمع اللغة والأدب الفارسي (فرهنگستان ) وعضوا في المجلس الثقافي الأعلى للثورة، وقد انضم للائتلاف الثلاثي المذكور أنفا إلى جانب ولايتي وقاليباف . اتفق هؤلاء الثلاثة على عدم التنافس فيما بينهم بل أكدوا على التنسيق والتعاون على أساس القانون والقبول لدى المنتخبين. من المقريين من المرشد الأعلى علي خامئي وتربطه بعائلة خامنئي علاقة مصاهرة
[/blockquote]
وبخلاف هؤلاء الثلاثة، ربما يرغب خامنئي في استغلال شبكة علاقات أمولي لاريجاني من الملالي ورجال الأعمال الكبار ورجال الأمن من خلال دفع لاريجاني، الرئيس الحالي للمجلس الإسلامي إلى كرسي الرئاسة. ومع ذلك، فإنها ستكون استراتيجية ذات مخاطر؟ حيث إن شبكة علاقات لاريجاني أكثر اهتماما بحماية إمبراطورية المصالح من نظام ولاية الفقيه. فإذا شعر الفصيل بأن مصالحه الخاصة سوف تتعرض للخطر، فإنه لن يتردد في إطعام المرشد الأعلى للأسود.
وتشير الشائعات الحالية في أوساط رجال السياسة بطهران إلى أن خامنئي يميل إلى اختيار ذوي القبعة، حيث إن الحصول على ذي قبعة كرئيس لن يمثل تهديدا لوضعه الديني داخل النظام، وفي الوقت نفسه، سوف يطرح صورة أفضل للجمهورية الإسلامية بالخارج ويمثل رشوة للطبقات الوسطى الصامتة التي تشعر بأنها تم إقصاؤها عن السلطة. ومرة أخرى، وفقا لتقارير لم يتم التأكد منها، يفضل خامنئي اللجوء إلى ولايتي الذي عمل كوزير للخارجية لأكثر من 17 عاما والذي لديه ولاء قوي للمرشد الأعلى. وفي الوقت نفسه، ولأنه ليست لديه قاعدة جماهيرية خاصة به، فإنه من المستبعد أن يحاول المساس بسلطات خامنئي.
ومؤخرا، عين خامنئي ولايتي كأمين عام لحركة الصحوة الإسلامية وكلفه بمهمة تصدير نموذج الحكم الإيراني لما يطلق عليه دول الربيع العربي؟ وكرئيس، سوف يقضي ولايتي الكثير من وقته في محاولة إقناع الدولة الإسلامية الأخرى بقبول نموذج ولاية الفقيه. ومع ذلك، فإن ولايتي (68 عاما)، لديه مشكلة كبيرة: حيث إنه صدر ضده أمر اعتقال دولي من قبل المحكمة الجنائية ببرلين بتهمة التورط في قتل أربعة أكراد إيرانيين هناك في 1992. وبالتالي فإن رئيسا غير قادر على حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك دون التعرض للاعتقال بتهمة القتل سوف يمثل مشكلة بالنسبة للجمهورية الإسلامية. كما أن خامنئي نفسه معرض للاعتقال بنفس السبب؟ ولذلك، كان غير قادر على الخروج من إيران منذ 1989.
القبعة والعمامة معا
خلال ثورة 1978-79 تعاون الموالون للقبعة والمعروفون باسم «الموكالا» مع ذوي العمامة المعروفين بـ«المعممون» على خلع الشاه. وقد نجحت تلك التجارب لفترة من الزمن حيث سمح أهل العمامة لأهل القبعة بالحصول على مناصب مهمة في السلطة بما في ذلك رئاسة الجمهورية الإسلامية ورئاسة الوزراء. وقد ظل أهل العمامة في الظل أو في أفضل الأحوال حصلوا على مواقع متوسطة في الحكومة. وبالتدريج، أدركوا أن إدارة الحكومة ليست معضلة كبرى، وهو ما يذكرنا بالقول الشهير للخميني، حتى الحمار يستطيع أن يصبح وزيرا أو رئيسا للوزراء أو حتى رئيسا للجمهورية شريطة أن يكون ولاؤه للثورة ليس محلا للشك.
وخلال عام، كان أهل العمامة قد تذوقوا السلطة وأحبوها، ومن ثم قرروا أن يغيروا ترتيباتهم ويحصلوا على كافة المناصب الكبرى ويتركوا الفتات لأهل القبعة. ولسنوات طويلة، احتل أهل العمامة المناصب المحورية مثل رئاسة الجمهورية ووزارة العدل والأمن والاستخبارات والداخلية ورئاسة البرلمان ووزارة الثقافة والإرشاد. كما احتل أيضا المعممون مناصب قيادية أهم مثل مجلس إرشاد الثورة ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء والمجلس الأعلى للدفاع الوطني وغيرها.
كما كانت العمامة حاضرة في كل وزارة حكومية وعلى كافة الأصعدة الوطنية، ففي المحافظات كان المعممون يعملون كقوة مناهضة للمحافظين ذوي القبعة المعينين من قبل طهران. وأخيرا وليس آخرا، فإن منصب المرشد الأعلى أو ولي الفقيه كان قاصرا على المعممين رغم أنه على المستوى النظري على الأقل يستطيع صاحب القبعة أن يحتله.
[blockquote]
محسن رضايي:
مرشح أصولي، شغل منصب قائد الحرس الثوري الإيراني للفترة لقرابة سنة عشر عاما (1981-1997)، والأمين العام لمجلس تشخيص مصلحة النظام، بدأ فعلياً بالتحضير للانتخابات الرئاسية القادمة وزار عددا من المحافظات والأقاليم الإيرانية، دخل السباق الرئاسي في عامي 2005 و2009 و يعتبر ترشحه هذا هو الثالث لمنصب رئاسة الجمهورية
[/blockquote]
أما الكاب فهو رمز الجيش. وتقليديا، وبخلاف معظم الدول النامية، لم يحاول الجيش الإيراني أبدا الاستيلاء على السلطة بنفسه. فمن بين الـ38 رجلا الذين احتلوا منصب رئاسة الوزراء في المائة عام السابقة على ثورة الخميني لم يكن هناك سوى ثلاثة فقط من القيادات السابقة بالجيش. وحتى هؤلاء الثلاثة تولوا تلك المناصب نظرا لولائهم للنظام وليس عبر استيلاء على السلطة من خلال انقلاب عسكري. ولكن ثقافة الحياد السياسي للجيش يمكن أن تتغير، حيث إن جيش إيران النظامي، يحافظ على موقف سياسي واضح. فطالما أنه يحصل على ميزانية معقولة ولا يتم التدخل في شؤونه بطريقة فاضحة، فإنه سعيد بدوره كحامٍ لحدود الأمة. كما أنه سعيد بالدور الذي لعبه في هزيمة غزو العراق في عام 1980 والنصر الذي حققه خلال حرب الثماني سنوات ضد عراق صدام حسين. ولقيادات الجيش النظامي وجهة نظر فيما يتعلق بالنأي عن القضايا السياسية، حيث يعتقد بعض المراقبين أن الجيش النظامي ربما يلعب دورا على المدى البعيد ويجعل من نفسه الملاذ الأخير للاستحواذ على السلطة في لحظة تعرض البلاد لخطر محدق.
وسواء كان ذلك صحيحا أم لا، فالحقيقة أنه في الوقت الراهن ما زال الجيش خارج اللعبة السياسية.
أين يقف أصحاب "الكابات"
ولكن الفرضية السابقة لا تنطبق على الحرس الثوري، وهو الجيش الموازي الذي أنشأه الخميني نظرا لقلقه من ولاء الجيش النظامي. ففي العقد الماضي، تجلت الطموحات السياسية لقيادات الحرس الثوري في أكثر من مناسبة، وليس هناك شك في أن قيادات الحرس الثوري لعبوا دورا محوريا في وضع أحمدي نجاد على كرسي الرئاسة. وقد تمت مكافأتهم على النحو الصحيح. فقد وضع أحمدي نجاد عددا من قيادات الحرس الثوري في المناصب الوزارية. كما أنه تبنى برنامجا هائلا للخصخصة، باع من خلاله المؤسسات المملوكة للدولة بأسعار رمزية إلى الشركات التي يديرها قيادات الحرس الثوري. وخلال العقدين الماضيين، كان ثلاثة من كبار قيادات الحرس الثوري، علي شمخاني، ومحمد باقر قاليباق، ومحسن رضائي، يختبرون حظهم في ثلاثة انتخابات رئاسية، ولكن لم يتمتع أي منهم بالكاريزما أو الثقل الكافي لكي يترك انطباعا طيبا. ومع ذلك فإن ترشحهم ساعد على ضبط حضور أصحاب الكابات في الانتخابات الرئاسية.
[blockquote]
منوتشهر متکي:
وزير خارجية إيران للأعوام بين 2005-2010 قبل أن يقوم أحمدي نجاد بعزله من منصبه وتعيين علي أكبر صالحي بديلا له. عمل متكي أيضا كعضو في البرلمان الإيراني في دورتيه الأولى والسابعة، كما شغل منصب سفير للجمهورية الإسلامية في إيران في كل من تركيا واليابان. يعتبر متكي أحد أهم خيارات "جبهة أتباع خط الإمام الخميني" في الانتخابات الرئاسية المقبلة
[/blockquote]
وعلى الرغم من أن العديد من الإيرانيين، حتى الذين كانوا يؤيدون نظام الخميني ما زالوا متحفظين حيال قبول دور العسكر في المواقع السياسية القيادية، هناك تيار متنامٍ يفضل الدور المباشر للعسكر، بحجة أن الحرس الثوري يلعب بالفعل دورا محوريا، ومن ثم فلماذا لا يتولى مسؤولية السلطة التي يهيمن عليها بشكل مباشر. وعلى المدى البعيد، فإن رئيسا من الحرس الثوري يمكن أن يتمكن من الحد من سلطات الملالي.
وفي هذا السياق، من المرجح أن يحاول كل من قاليباق ورضائي الوصول للسلطة مرة أخرى، رغم أن أيا منهما لا يتمتع بالكاريزما التي تمكنه من حشد قاعدة جماهيرية كافية. والحصان الأسود في هذا السباق هو الجنرال يحيى رحيم سافافي، الذي تمكن من تكوين علاقات قوية بخامنئي فيما كان يحاول أن يظهر نفسه كمثقف قادر على فهم الطبقات الوسطى المدنية.
ولكن مشكلة سافافي هي أن القيادة الحالية للحرس الثوري لا تعتبره أحد أفرادها. وربما تكون القيادة الحالية راغبة في أن تضع أحد رجالاتها في منصب الرئيس. وربما لا يكون هذا الرجل من الجنرالات السابقين، فربما يكون أحد أصحاب العمامة أو القبعة. فالمهم هو أن يكون الرئيس القادم واعيا بحقيقة أنه من دون دعم الحرس الثوري لن يكون هناك رئيس ولا مرشد أعلى ولا جمهورية إسلامية. فليس هناك عامل آخر أكثر أهمية من ذلك. وربما لا يرغب الحرس الثوري في الاستيلاء المباشر على السلطة في وقت تمر به البلاد بفترة من التراجع الاقتصادي والاضطرابات السياسية الاجتماعية. فلماذا يتقدمون ويتحملون مسؤولية أكثر من 30 عاما من سوء الإدارة والحوكمة غير الرشيدة على يد أصحاب العمامة ونظرائهم من أصحاب القبعات؟
إذن، لماذا عاد النزاع بين العمامة أو القبعة أو الكاب للظهور مرة أخرى في تلك المرحلة؟
هناك على الأقل ثلاثة أسباب. الأول أن الملالي الحاكمين يكرهون أن يطلق عليهم الملالي، وهو المصطلح الذي يذكر بقية العالم بطالبان أفغانستان والملا محمد عمر. ويفضل ملالي إيران الحاكمون أن ينظر إليهم كثوريي العالم الثالث الذين يحاربون الإمبريالية والذين ربما يتمكنون في يوم من الأيام من القضاء على إسرائيل والإطاحة بها خارج الخارطة بدلا من إجبار المرأة على ارتداء البرقع أو قياس طول لحية الرجل كما كانت طالبان تفعل. ويعتقد كثير داخل المؤسسة الحاكمة أنه من الحكمة أن يترك مرتدو القبعة يحتلون منصب رئاسة الجمهورية للمساعدة على تغيير صورة النظام باعتباره نظاما خاضعا لهيمنة الملالي.
على أية حال، فإنه في ظل دستور الخميني، لا يهيمن رئيس الجمهورية، رغم رئاسته للقطاع التنفيذي سوى على قدر محدود من السلطة ويمكن أن يصرفه المرشد الأعلى الذي يعد الرئيس الحقيقي للدولة والذي لديه سلطات ليست لدى أي حاكم آخر في العالم. إن رئيس الجمهورية الإسلامية هو أقرب إلى كونه رئيس وزراء تم انتخابه مباشرة من قبل الناس ولكنه لا يستطيع ممارسة السلطة دون إذن المؤسسات الأخرى التي تخضع لهيمنة الملالي. ومن ثم فإن تغيير صورة النظام عبر منح منصب الرئيس لمرتدي القبعة لن يحد من قبضة الملالي الثوريين الحقيقية على السلطة. كما لم يؤد السماح لمرتدي القبعة بأن يحلوا محل المعممين في رئاسة المجلس الإسلامي والبرلمان إلى أي تقليص في سلطة الملالي الحاكمين.
[blockquote]
علي لاريجاني:
بدأ يُطرَح كمرشّح رئاسي مع تنامي المواجهة بينه وبين الرئيس الإيراني الحالي. يُلقّب لاريجاني بأنه صاحب المناصب المتعددة، فبعد استقالة محمد خاتمي من منصبه كوزير للثقافة والإرشاد في أواخر الفترة الرئاسية لهاشمي رفسنجاني، تصدّى لاريجاني لهذا المنصب، وبعدها بعامين عُيِّن من قبل المرشد مديراً عاماً للإذاعة والتلفزيون، وكانت طريقة إدارته لها محلّ الكثير من النقد، إلا أنه حقق إنجازات كبيرة على صعيد بنية المؤسسة
[/blockquote]
والسبب الثاني للجدل المتوقع أن ينشب في ذلك الوقت هو أن العديد من رجال الدين الشيعة مهتمون قلقون بشأن التأثير السلبي للحكم الديني على رؤية الإيرانيين للشيعة وللإسلام نفسه. وحجتهم هي أن الناس ربما يسقطون غضبهم تجاه أي إخفاق سياسي أو اقتصادي على الدين. وبالتالي فربما يعمل الرئيس ذو القبعة أو الكاب كدرع بشري أو حائط صد بتحمله لنتيجة إخفاق الحكومة.
والسبب الثالث وربما الأكثر أهمية هو أن قطاعا قويا داخل المؤسسة الثورية يتكون من مرتدي القبعات والكابات الذين بدأوا يشعرون بالإحباط تجاه عدم وجود أفق لوصولهم للمناصب القيادية.
فهؤلاء أناس انضموا للثورة في سن صغيرة وشاركوا في عملية احتجاز الدبلوماسيين الأميركيين وشاركوا في القتال ضد أعداء الثورة وساعدوا على ذبح الأقليات العرقية المتمردة بما في ذلك الأكراد والتركمان، وحاربوا في حرب إيران - العراق. وقد عزز العديد منهم من أوراق اعتماده عبر الزواج من أسر رجال الدين، ومع ذلك فإنهم ليس لديهم أمل في الوصول للقمة نظرا لأنهم ليسوا من الملالي.
مؤسسة منقسمة
من الواضح أن المؤسسة منقسمة بشأن إذا ما كانت ستبقي على أصحاب العمامة أو تتجه لأصحاب القبعة أو الكاب في يونيو (حزيران) المقبل. وعلى الرغم من أن الرئيس أحمدي نجاد أصبح خارج السباق لأنه من غير المسموح له الترشح لفترة رئاسة ثالثة، يعتقد بعض المراقبين أن أحمدي نجاد سوف يحاول أن يدفع بأحد حلفائه كخليفة في نسخة إيرانية من سيناريو بوتين - ميدفيديف في روسيا. وفي هذا الإطار يبرز اسم إسفنديار رحيم مشائي الذي اشتهر بكونه صوفيا ورجلا إنسانيا ولديه صلة بالإمام الخفي في الوقت ذاته.
ويحاول نجاد، المنبهر بالرئيس الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، وفصيله أن يطوروا نسختهم من الشعبوية البترولية والتي يصبح فها كل من الإمام الخفي وتشي غيفارا وجهين لنفس العملة. وهذا هو السبب في أن أحمدي نجاد دعا في بداية رئاسته ابنه وابن المقاتل الأرجنتيني إلى طهران لحضور ندوة حول مزيج الجيفارية والإمام الخفي.
وقد شنت وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة لسيطرة مكتب خامنئي هجوما على أحمدي نجاد وفصيله مما يشير إلى قلق المرشد الأعلى بشأن التحدي القوي لسلطته.
ومن ذلك كله، ربما يستغل الشعب الإيراني الفرصة التي تقدمها الانتخابات الرئاسية للتعبير عن غضبه وإحباطه كما فعل في عام 2009 في الثورة الخضراء. وهو الاحتمال الذي تتعامل معه المؤسسة الحاكمة بجدية بالغة ولذلك استنفرت آلتها للهيمنة والقمع لتقليل مخاطر اندلاع ثورة شعبية أخرى. وقد تم اعتقال مئات من الناس بما في ذلك العديد من الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
[blockquote]
حسن روحاني:
عضو سابق في البرلمان الإيراني كما عمل ممثل لمجلس الخبراء وعضوا في مجمع تشخيص مصلحة النظام والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي. إضافة إلى ذلك يشغل روحاني منصب رئيس المركز الاستراتيجي لمجمع تشخيص مصلحة النظام وعلى الرغم من أنه مرشح محتمل للانتخابات الرئاسية القادمة إلا أنه لم يظهر بعد أي نشاط يوحي بذلك، أو أنه لم يتخذ القرار النهائي حول المشاركة في الانتخابات من عدمها، يعتبر روحاني من المحسوبين على التيار الإصلاحي في إيران[/blockquote]
كما أنها قامت بكل الجهود لمنع أو تقليل وصول النشطاء لشبكة لإنترنت والبريد الإلكتروني ووسائل الإعلام الاجتماعية. وبمساعدة من روسيا، تم تدريب الوحدات الخاصة وتسليحها للهيمنة على الجماهير. وما زالت الشخصيات المرموقة للثورة الخضراء قيد الإقامة الجبرية، كما تم سحب جوازات سفر المنشقين المحتملين مثل نوري وخاتمي وتقييد حركتهم داخل إيران. كما قاموا بتعديل جانب من القانون الانتخابي لمنع فصيل أحمدي نجاد من استغلال أجهزة الدولة لتحقيق نصر لمرشحه.
ومع ذلك، ما زالت المفاجآت ممكنة، حيث إن التزوير الهائل من النوع الذي كان يمارس بانتظام خلال العقود الثلاثة الأخيرة أصبح صعبا للغاية اليوم. وبالتالي، فحتى إذا ما تمكن النظام من ترتيب النصر لمرشحه من خلال التزوير سيكون أقل إقناعا مما كان عليه اكتساح أحمدي نجاد في 2009. ومن جهة أخرى، ربما يقرر الإيرانيون مقاطعة الانتخابات، وهو ما يمكن أن يمثل ضربة قوية لشرعية النظام المشكوك فيها أساسا.
ومن جهة أخرى، وبقوة الجماهير، ربما يخرج الإيرانيون بأعداد كبيرة للتصويت للمرشح الذي يرون أنه أكثر ابتعادا عن خامنئي. من الواضح، أن أفضل نتيجة لخامنئي سوف تكون تصويتا جماهيريا واسعا يؤدي إلى انتصار مرشحه في انتخابات حصل فيها كافة المرشحين على موافقة مسبقة. ومع ذلك، ستظل مشكلة ذلك النظام الغريب الذي يرغب في أن يصبح نظاما دينيا وديمقراطيا في الوقت ذاته قائمة، حيث إن نظام الخميني مثل النسر ذي الرأسين الذي يبدو خارقا ولكنه لا يستطيع الطيران في أي اتجاه دون أن يؤذي نفسه. وسوف يواجه الرئيس المقبل نفس المعضلة التي واجهها جميع سابقيه: هل أنا هنا لأن الناس اختاروني أم لأن المرشد الأعلى قام بتعييني؟