* يمكن أن يكون لقاح كورونا عاملاً حاسماً وحيوياً في مواجهة هذه الجائحة من أجل إنقاذ حياة الناس وضمان عدم الاحتياج إلى تنفيذ إجراءات إغلاق أخرى
* تراهن الحكومات حول العالم على أن أول لقاحات مضادة لكوفيد-19 يمكن أن تكون تلك المصنوعة من الفيروسات المُعدَّلة جينيًا
* يجب وضع أولويات داخل الدول لتقرير من سيحصل على اللقاح أولًا... وأول فئتين مستهدفتين هما العاملون في الرعاية الصحية وكبار السن
لندن: بينما تحتدم الجائحة، تتصاعد الضغوط من أجل توفير لقاح في أقرب وقت ممكن. عُقد المنتدى السنوي الحادي عشر للأبحاث الطبية برعاية مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية افتراضيًا، الأسبوع الحالي لبحث التحديات والتوقعات العالمية للقاحات كوفيد-19. شارك 32 خبيرًا دوليًا من مؤسسات أكاديمية دولية بينها جامعات أكسفورد، وهارفارد، وستانفورد، في المنتدى الذي استغرق يومين، لاستعراض جميع جوانب تطوير اللقاح وإنتاجه لضمان المشاركة الدولية لصناع القرار ووسائل الإعلام والعاملين في الرعاية الصحية وعامة الجمهور.
إلى أي مدى نقترب من الحصول على لقاح؟
يقترب السباق على لقاح كوفيد-19 من الوصول إلى خط النهاية، ولكن مع استمرار زيادة الحالات ودخول البلدان في إجراءات إغلاق ثانية، يزداد تساؤل البعض عما إذا كنا نقترب من الحصول على لقاح.
يمكن أن يكون لقاح كورونا عامل تغيير حاسما وحيويا في مواجهة هذه الجائحة من أجل إنقاذ حياة الناس وضمان عدم الاحتياج إلى تنفيذ إجراءات إغلاق أخرى.
تراهن الحكومات حول العالم على أن أول لقاحات مضادة لكوفيد-19 يمكن أن تكون تلك المصنوعة من الفيروسات المُعدَّلة جينيًا مثل لقاحي أسترازينيكا/ أكسفورد وهارفارد/ جونسون آند جونسون. تسمى الفيروسات المُعدَّلة نواقل فيروسية غُدَّانيَّة، وهي مُعدَّلة لنقل جين من سارس-كوف-2، وهو فيروس كورونا المستجد الذي يتسبب في كوفيد-19، إلى أجسامنا لتقرأها الخلايا وتنتج بروتينات فيروس كورونا الشوكية.
ويقول بعض العلماء إن لقاحات الناقل الفيروسي الغُدَّاني، وفيروس أكسفورد على وجه الخصوص، قد تكون أفضل فرصة لكي يعود المجتمع إلى حياته الطبيعية. تقول دكتورة سارة غيلبرت، بروفسور اللقاحات في جامعة أكسفورد وأحد قادة فريق التجارب على لقاح أكسفورد، إنه لا يمكننا أن نتوقع في هذه المرحلة متى سيتم طرح هذه اللقاحات.
وقالت في أثناء جلسة نقاشية أدارها دكتور أحمد سلمان، الرئيس المشارك للمنتدى، وهو أستاذ علم المناعة واللقاحات في معهد جينر بجامعة أكسفورد: «من المستحيل أن نعرف لأن الأمر سيستغرق عدة شهور حتى بعد أن نحصل على نتائج بفاعليته وعلى موافقة تنظيمية ثم تطعيم أعداد كبيرة من السكان. بالإضافة إلى أننا عندما نصل إلى طرح اللقاح، لن يحصل جميع السكان عليه في اليوم نفسه، لذلك يجب وضع أولويات داخل الدول لتقرير من سيحصل على اللقاح أولًا. وأول فئتين مستهدفتين هما العاملون في الرعاية الصحية وكبار السن».
وأضافت: «نتوقع البدء في هذه العملية فيما يتعلق بالحصول على نتائج فاعلية اللقاح ثم الانتقال إلى تطبيق الموافقة التنظيمية بحلول نهاية العام».
وكرر الدكتور دان باروش، باحث اللقاحات في جامعة هارفارد وأحد المشاركين في لقاح جونسون آند جونسون، آراء دكتورة غيلبرت، حيث قال: «أعتقد أننا يجب أن نكون حذرين للغاية بشأن إعطاء جدول زمني محدد حيث تم اقتراح تواريخ في السابق والآن تمت مراجعتها. من الصعب توقع متى تنتهي المرحلة الثالثة، وعندما تنتهي إذا أظهرت فاعلية، ستكون هناك فترة للعرض والموافقة التنظيمية بالإضافة إلى الطرح الفعلي، بافتراض أن عملية التصنيع ليست عاملًا مؤثرًا».
وأضاف: «توجد جوانب كثيرة غير مؤكدة، ولكن إذا سار كل شيء على ما يرام، نأمل في الحصول على بيانات الفاعلية مع نهاية العام الحالي، أو ربما بداية 2021».
هل يمكن أن يعطل تحور الفيروس عملية تطوير لقاح؟
وُضعت نماذج أغلب اللقاحات قيد التطوير وفقًا «للسلالة دي»من الفيروس، وهي الأكثر انتشارًا بين السلالات المنتشرة في بداية تفشي الجائحة. منذ ذلك الحين، تطور الفيروس إلى «السلالة جي»السائدة على مستوى العالم، وهي مسؤولة عن حوالي 85 في المائة من جينوم سارس-كوف-2 المنشورة. وقد سرت مخاوف من أن السلالة جي، داخل البروتين الأساسي على سطح الفيروس، سوف تؤثر بالسلب على اللقاحات قيد التطوير.
وفي رد على سؤال لـ«المجلة»عن تحور الفيروس، أكد الخبراء أنهم لم يجدوا أي دليل على أن التغيير سوف يؤثر عكسيًا على فاعلية اللقاحات المرشحة.
وقالت البروفسورة سارة غيلبرت: «حتى الآن لم نشهد أي انخفاض في قدرة الأجسام المضادة التي يحفزها اللقاح على تحييد البروتين الشوكي المنتشر حاليًا. من الواضح أن علينا الانتباه إلى التحورات الناشئة، وقد يكون بالإمكان مع هذا النوع من التكنولوجيا إدخال نوع مختلف من البروتين الشوكي إذا لزم الأمر، ولكننا حتى الآن لم نر أي مؤشرات على ضرورة ذلك».
وقال دكتور دان باروش إن التحورات التي ظهرت حتى الآن لا يبدو أنها تؤثر على عملية التحييد، وبالتالي تتفاءل شركة جونسون بأن اللقاحات التي تخضع للتطوير حول العالم في الوقت الحالي سوف تكون فعالة. وأضاف: «ولكني أعتقد أننا يجب أن نكون يقظين».
وقال: «يفيد احتمال نظري بأنه بسبب اعتماد جميع اللقاحات التي تخضع للتجارب حاليًا على سلالة ووهان الأصلية، قد توجد خطورة بحدوث مقاومة عكسية. وأنا متفائل بأنه فيروس لا يتحور سريعًا، ولكني أعتقد أن المجتمع العلمي يجب أن يظل يقظًا ويستمر في تتبع الفيروس تحسبًا لأي مقاومة ممكنة. ولكن في الوقت الحالي، نعتقد أن الفيروسات الحالية لا بد أن تكون حساسة لأشكال الأجسام المضادة التي تحفزها هذه اللقاحات».
مدة الاستجابة المناعية
منذ بداية انتشار فيروس كورونا، انتشرت فكرة أن اللقاح أفضل طريق من أجل عودة انفتاح المجتمع والرجوع إلى الحياة الطبيعية. ولكن على الرغم من الجهود الهائلة، يقول العلماء إنه من غير الممكن الوصول إلى علاج ناجع لمرة واحدة. تشير بيانات تتعلق بفيروسات قريبة من فيروس كوفيد-19 إلى أن لقاح كوفيد-19 سوف يقدم حماية قصيرة الأمد، على الرغم من الحاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث لمعرفة مدى جودة أي لقاح محتمل ومدة عمله.
وقد أوضحت سارة غيلبرت، أستاذة علم اللقاحات في جامعة أكسفورد وواحدة من قادة فريق التجارب على لقاح أكسفورد، قائلة: «لا نملك بيانات قبل إكلينيكية عن مدة عمل لقاح كورونا، ولكن البيانات السريرية من لقاحنا المضاد لفيروس ميرس التاجي كشفت أن الحماية التي يحفزها اللقاح في الأفراد الذين تلقوه استمرت في تقديم استجابة مناعية لمدة عام بعد الحصول على اللقاح».
وأضافت: «بالتالي، نتوقع بالتأكيد أن لقاحنا المضاد لكوفيد-19 سوف يقدم استجابة مناعية لفترة تصل إلى عام بعد الحصول عليه. وفي جزء من تجاربنا السريرية، سوف نستمر في متابعة المتطوعين للنظر في استمرارية هذه الاستجابات المناعية، ولكن لا توجد بيانات متوفرة لدينا بعد».
ومن جانبه قال الدكتور دان باروش، باحث اللقاحات في هارفارد والمشارك في لقاح جونسون، إنه على الرغم من عدم توفر بيانات حول مدة عمل اللقاح في القردة والبشر حتى الآن، حيث إن هذه الدراسات تستغرق فترة أطول لإتمامها، تمتلك شركة جونسون بيانات حول فترة عمل لقاحات مضادة لفيروسي زيكا ونقص المناعة البشرية وهي «جيدة للغاية في البشر بالإضافة إلى القردة». ولكن «يمكن أن توجد اختلافات، لذا علينا الانتظار لإجراء قياس تجريبي لفترة عمل لقاح كوفيد-19 في الحيوانات والبشر».
وعندما تتبع الباحثون مرضى كوفيد-19 على مدار الوقت، اكتشفوا أن كمية الأجسام المضادة تصل إلى ذروتها في الأيام التالية لبداية ظهور الأعراض، ثم تبدأ في الانخفاض. في بعض المشاركين في الدراسة، لم يمكن رصد الأجسام المضادة عمليًا في غضون ثلاثة أشهر تقريبًا. وأوردت عدة وسائل إعلامية كبرى الأمر باعتباره فقدانا للمناعة، ذاكرين أنه قد يُعقد مساعي الحصول على لقاح.
في مناقشة حول الجهود الأكاديمية السعودية حول علوم ولقاحات كوفيد 19، قال الدكتور نايف الحربي، مدير وحدة تطوير اللقاحات في مركز الملك عبد الله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك)، إن حالات عودة العدوى تحدث، إلا أنها لا تزال نادرة ولا تعني أن اللقاح سيكون أقل فاعلية.
وأوضح قائلًا: «إذا كانت إصابتك الأولى شديدة، تقل احتمالات إصابتك مرة أخرى، ولكن إذا كانت خفيفة أو دون أعراض، حينها تزيد احتمالات إصابتك مرة ثانية، لأن جسمك لم يحفز أجسامًا مضادة قوية بما يكفي، وبالتالي تتلاشى سريعًا بمرور الوقت».
وأضاف: «لا أعتقد أن هذه مسألة مضادة في تطوير اللقاح. اكتشفنا من تجارب لقاح فيروس ميرس التي أجريناها على الجِمال أنه في حين يمكن إصابة الجِمال بالعدوى عدة مرات، بمجرد تلقيها اللقاح يتم إنتاج ما يكفي من الأجسام المضادة لحمايتها من عودة الإصابة».
«أي لقاح يحفز استجابة مناعية جيدة لمدة عام قد يستطيع كسر حلقة الفيروس ويخضعه للسيطرة. واللقاح ليس حلًا سحريًا، ولكنه وسيلة للسيطرة على الفيروس».
كذلك أشار الدكتور الحربي إلى وجود تغييرات تتعلق بالعمر في وظيفة المناعة.
«من المهم تقييم اللقاح في السكان الأكبر سنًا حيث من المتوقع أن تُخفِض الشيخوخة استجابة الجسم المناعية من حجم استجابات الأجسام المضادة. بيد أننا اطلعنا على بيانات من بعض مطوري اللقاحات وحتى الآن تبدو النتائج مبشرة في الفئة العمرية فوق 65 عامًا».
دروس مستفادة
وبعيدًا عن الأولوية الفورية المتعلقة بصحة الجميع ومصادر معيشتهم، تعد الأزمة فرصة لإعادة النظر في الطريقة التي نخطط ونطور وندير بها اللقاحات المستقبلية، للتأكد من أننا مستعدون لحماية الجميع عندما تحل الطوارئ القادمة على حد قول البروفسور أدريان هيل، مؤسس ومدير معهد جينر بجامعة أكسفورد.
قال البروفسور هيل إن تطوير اللقاحات في «فترة السلم»بطيء للغاية. والسبب في استغراق تطوير اللقاح العادي عشرة أعوام على الرغم من إمكانية تحقيق ذلك في عام واحد، مع أنك تجري التجارب ذاتها وتراجع الأجهزة ذاتها وتتغلب على العقبات ذاتها، هو الوقت الذي تستغرقه الأعمال الإدارية، وليس لأنك تستغرق عشرة أعوام لاختبار سلامة اللقاح.
وأضاف: «أثبت المجال أن المرء يمكنه تطوير كثير من اللقاحات مباشرة وحتى المرحلة الثالثة وإجراء تقييم الفاعلية في عام واحد. ومع أني لا أظن أننا سوف نصنع لقاحات بصورة عامة في خلال عام واحد في المستقبل، فإني أرى ثلاثة أعوام أكثر واقعية».
كما أكد البروفسور هيل على أن الجائحة كشفت أن اللقاحات وعلماء اللقاحات لا يحظون بالتقدير الكافي ولا تصدقهم الحكومات... «أصدرنا صيحة بعد إيبولا، وأحدثنا جلبة مع أنفلونزا الخنازير، ونبهنا إلى اقتراب مخاطر تتعلق بأمر أسوأ من أنفلونزا الخنازير بكثير. وأصدر علماء الفيروسات بيانات عن ماهية هذه المخاطر، وتوقع علماء الأوبئة ما يمكن أن يحدث، ثم حدث... وقعت جائحة عالمية كبرى، وكان يجب أن نكون أكثر استعدادًا»، مضيفاً: «أعلن صندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي أن التكلفة الاقتصادية المحتملة لكوفيد-19 فيما يتعلق بخسائر التنمية الاقتصادية سوف تُقدر بعشرات الملايين من الدولارات. وإذا وضعنا هذا في الاعتبار، سيكون الإنفاق على تحسين الاستعدادات استثمار جيد».