* فيما يخص الشرق الأوسط، هناك شعور بأن الولايات المتحدة بجناحيها الديمقراطي والجمهوري، تريد تقليل تورطها فيه، قدر الأمكان، من خلال تمكين ودعم حلفائها. فيما ينصب الاهتمام على الصين الذي يعتبره الاثنان خطراً على الأمن القومي الأميركي
مع بدء كتابة هذه السطور، يكون العد العكسي لنتائج الانتخابات الأميركية قد بدأ، ويكون الشعب الأميركي قد حسم خياره؛ إما التجديد لترامب لولاية ثانية وأخيرة، وإما انتخاب بايدن. وقد شهدت الحملتان الانتخابيتان اتهامات كبيرة جدا وحملات تخويف للناخب من اختيار هذا أو ذاك من المرشحين، لما له من تأثير على مستقبل أميركا... طبعا قيل الكثير في شيطنة صورة المرشحين، ولكن في نهاية المطاف لا ترامب هو هتلر ولا بايدن هو لينين.
حدسي يقول بخلاف استطلاعات الرأي التي ترجح فوز بايدن إن الأميركيين سيختارون التجديد لترامب. ولكن قد أكون مخطئا لأن الولايات المتحدة لها ديناميتها التي تختلف من ولاية إلى أخرى، ويكون المعطى فيها غالبا اقتصاديا داخليا. لا أعتقد مثلا أن ولايات الغرب الأوسط فيها من يهتم لإيران أو لسوريا ما دام لم تكن هناك حرب تشنها أميركا ويسقط لها فيها جنود. ترامب قد يكون من بين الرؤساء القلائل في تاريخ الولايات المتحدة الحديث الذي لم يشن حربًا أو يكمل أخرى، وهو هنا يلتقي مع الرئيس الأسبق أوباما في نظرته لضرورة عدم إدخال البلاد في صراعات عقيمة وفي أماكن بعيدة مثل الشرق الأوسط مثلا.
كثير من المحللين في منطقتنا أفردوا أقلامهم للحديث عن مستقبل المنطقة على ضوء فوز ترامب أو بايدن بالرئاسة. مسار العلاقة مع إيران ونظامها كان في قلب التحليلات طبعا. فهناك من تمنى فوز ترامب، وهناك من يريد لبايدن أن ينتخب، والاختلاف في التفضيل يعود إلى الميول السياسية للشخص أكان مناصرا لحلف الممانعة أم لا. البعض يعتقد أن فوز ترامب يعني أنه سيمضي قدما في السنين الأربع القادمة بسياسة الضغوط القصوى على إيران، مما سيؤدي إلى انهيار النظام، وبالتالي فرط عقد ميليشياته في المنطقة، وهناك من يعتقد بأن بايدن سيعيد الالتزام بالاتفاق النووي الإيراني، ويتبع سياسة رئيسه في الانفتاح وتخفيف العقوبات عليها.
لكل من المرشحين طريقته في مقاربة مشاكل منطقتنا، ولكن الأمور لن تكون بالسهولة التي يتوقعها البعض في الاتجاهين، خاصة أن أحداثا تاريخية جرت مؤخرا ذات أبعاد استراتيجية مهمة جدا تتعلق بالشرق الأوسط تحديدا وصراعاته، لا يمكن لبايدن أو أي مرشح آخر إن فاز في الانتخابات الرئاسية الأميركية تغييرها أو الحد من تأثيرها، لا سيما فيما يتعلق بالصراع الخليجي الإسرائيلي مع إيران. والكلام هنا عن التطبيع العلني والعملي بين إسرائيل من جهة ودول الخليج من جهة أخرى، والذي لا يمكن لأحد فكه أو التقليل من تأثيره الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي حتى، كما لا يمكن لأي ساكن في البيت الأبيض إلا أخذه في الحسبان في أي قرار يتعلق بالملف الإيراني تحديدا. إن التطبيع المتسارع الذي شهدته المنطقة أخذ في عين الاعتبار إمكانية خسارة ترامب للانتخابات. هناك دول أخرى في المنطقة تستعد هي الأخرى للتطبيع مع إسرائيل وتشكيل حلف قوي يمنع تسلل أدوات إيران إليها وبالتالي تشكيل خطر مباشر عليها وعلى إسرائيل. السودان في هذا الإطار تشكل هي الأخرى حلقة مهمة في هذه الاستراتيجية.
وفي حال إعادة انتخاب ترامب، فإنه سيتابع سياسته المتعلقة بالضغوط القصوى على إيران. تلك السياسة لن تفضي حتماً إلى استسلام النظام أو انهياره. فيجب أن لا ننسى أن أوروبا ما زالت متمسكة بالاتفاق النووي مع إيران وهي تحاول جاهدة التفتيش عن آلية تؤمن نقل الأموال من إيران وإليها، من دون الوقوع قانونيا تحت مقصلة العقوبات الأميركية. ثم هناك روسيا والصين أيضا اللتان تدعمان النظام الإيراني مما قد يجعله يصمد تجاه ضغوطات إدارة ترامب.
طبعاً فيما يخص الشرق الأوسط هناك شعور بأن الولايات المتحدة بجناحيها الديمقراطي والجمهوري تريد تقليل تورطها فيه، قدر الأمكان، من خلال تمكين ودعم حلفائها. فيما ينصب الاهتمام على الصين الذي يعتبره الاثنان خطرا على الأمن القومي الأميركي. لكن قد يكون لكل مرشح مقاربته لهذا الملف. هناك اختلافات أخرى بين المرشحين، منها ما يتعلق بالهجرة والحدود والبيئة، قد تكون فاصلة في تحديد هوية ساكن البيت الأبيض.
على كل الأحوال، أنظار كل العالم مشدودة لما يجري في أعرق ديمقراطيات العالم... ورغم كل شيء تبقى أميركا بوصلة العالم الاقتصادي والسياسي.