الشيخ الأسير، رجل دين سني، يأخذ من الإخوان والسلفيين وغيرهم، ولديه ملاحظات على الجميع. أخواله من الشيعة وجيرانه من المسيحيين وجمهوره سني بالكامل. يعلن حربا بلا هوادة على "حزب الله"، ويتوجه بالنقد والتجريح مباشرة الى رأس الهرم الشيعي في لبنان، الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا يكاد يفوت فرصة لمشاكسة الثنائي الشيعي وإثبات حضوره، لكنه في الوقت نفسه، يوجه سهام نقده القاسية إلى تيار "المستقبل"، الذي يرأسه رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يتهم مقربون منه الأسير بالمزايدة عليه، لاجتذاب الجمهور والشعبية.
يحتار مراقبوه في وصف بعض تحركاته، ومنها قيامه في يناير (كانون الثاني) الماضي بنزهة على الثلج مع 400 من أنصاره. وعلى الرغم من حملة احتجاج واسعة نظمها بعض المسيحيين من سكان المنطقة ضد زيارته، إلا أن الأسير بقي في الباص لأربع ساعات حتى فتح الجيش الطريق، فتابع سيره وصلى ثم لعب مع مرافقيه على الثلج، وأخذ الصور التذكارية مع بعض الزوار الذين كانوا في المنطقة، معيدا الى الذاكرة قيامه بقيادة الدراجة ولعبه كرة القدم مع المعتصمين، الذين أقفلوا معه طريق الجنوب أواخر العام الماضي، واصراره على عدم فتحها حتى يلقي "حزب الله" سلاحه. وعلى الرغم من أن الأسير عاد ليفتح الطريق بعد 35 يوما، الا أنه ما يزال يلوح بقطع هذا الطريق الاستراتيجي بين الحين والآخر.
هو شخصية جذبت الإعلام والأنظار، وأثارت الجدل على نطاق واسع بسبب مواقفه الجريئة وتحركاته التي استقطبت أعدادا كبيرة ومتزايدة من الناس في فترة زمنية قصيرة، كما اشتهر بمناهضته للمشروع الإيراني عبر إطلاقه ثورة الكرامة التي رفع فيها شعارات: إعادة التوازن بين الطوائف اللبنانية، ومعالجة السلاح خارج الدولة، لا سيما سلاح حزب الله من خلال استراتيجية دفاعية.
كانت المعادلة التي رفعها المعتدلون السنة في وجه "حزب الله" واضحة، ومفادها أن رفضه التعامل مع رموز الاعتدال في الساحة السنية، سوف يجلب وجوها جديدة الى الساحة يصعب التعامل معها، فإما أصحاب ربطة العنق وإما أصحاب اللحى.
ومع إطاحة حكومة الرئيس سعد الحريري، نهاية العام 2010 ومغادرته البلاد في بداية العام، خلت الساحة أمام وجوه جديدة بدأت تظهر وتنمو شعبيتها في الأوساط السنية اللبنانية التي لم تهضم "غزوة بيروت" التي قام بها "حزب الله" في عام 2008 ضد معارضيه، ولم تستوعب صدمة إطاحة حكومة الحريري حتى أتت صدمة الأزمة السورية، وتأييد الحزب النظام السوري، ما رفع منسوب التوتر الطائفي في لبنان إلى حدود غير مسبوقة.
أجواء محمومة
في هذه الأجواء المحمومة، بدأ نجم الشيخ أحمد الأسير يسطع في الساحة السنية اللبنانية. وعلى الرغم من أن مواقفه موجهة الى "حزب الله" وسلاحه، إلا أن الأسير كان يمضي في سبيل طريق إحراج تيار "المستقبل" ورئيسه، فكانت دعوته الى أول تجمع تضامني مع "الثورة السورية" في وسط بيروت قرب ضريح الرئيس الراحل رفيق الحريري، وهي دعوة أحرجت تيار "المستقبل"، الذي اضطر إلى إصدار بيان يتبرأ فيه من تحرك الأسير، الذي استبق تحركه بانتقادات عنيفة وجهها الى الحريري شخصيا، عندما قال في الدرس الذي يلقيه بعد صلاة المغرب، لمن يصلون بإمامته إن تيار المستقبل يعتدي علينا عندما يصفنا بالمتطرفين، وهذا الوصف يرى فيه الأسير نوعاً من إهدار الدم، ثم خاطب الحريري الغائب: "هل الاعتدال هو التنازل على فنجان شاي في قصر المهاجرين مع بشار الأسد؟ ساعة تشاؤون تتنازلون، وساعة تشاؤون تريدون يوم غضب لإشعال الشارع؟".
[blockquote]ظاهرة الإسلاميين أرعبت جزءا كبيرا من اللبنانيين لذلك على المتديّنين تقديم صورة طيبة عن الإسلام، كي يطمئنوا الآخرين، وهذا ليس كرم أخلاق، بل واجب ديني، لأن ديننا ليس رعبا أو تخويفا، بل رحمة.. وهذا ما نمارسه الآن[/blockquote]
في عام 2005 قرر الأسير أن يعود بشجرة نسبه الى الجذور، فتقدم بدعوى لدى محكمة الأحوال الشخصية في صيدا لإضافة لقب الحسيني بعد لقب عائلته، ليصبح اسمه بحسب الحكم الذي ناله بتاريخ 11/7/2006 أحمد محمد هلال الأسير الحسيني، يومها تسلح الشيخ الأسير بإخراج قيد عائلي ووثيقة وفاة لجده تؤكد أحقية طلبه ونسبه إلى أهل البيت، الذين يحظون بنظرة خاصة لدى الشيعة، ويعتبرون كل من يتحدر منهم من "السادة" أو "السياد" بالعامية. وهؤلاء يميزون أنفسهم عن رجال الدين الآخرين بعمامة سوداء، لم يرتد الشيخ الأسير مثلها بالطبع.
وُلد أحمد الأسير الحسيني عام 1968 في صيدا بجنوب لبنان، وهو يحمل لقب الأسير الذي عرفت به عائلته، لأن أحد أجداده أسر من قبل الفرنسيين في مالطا أيام الانتداب الفرنسي على لبنان، كما تقول بعض الروايات وبسبب "خطأ من المختار" كما يقول الأسير في إحدى مقابلاته.
جده يوسف بن عبد القادر بن محمد الأسير الحسيني أزهري وفقيه وشاعر، وأحد رواد النهضة الفكرية في بلاد الشام. والده محمد هلال الأسير عازف عود ومطرب سابق، والدته مسلمة شيعية من مدينة صور، نشأ وترعرع في منطقة حارة صيدا ذات الغالبية الشيعية في بيئة بعيدة عن التدين، تلقى علومه الأولى في مدارس صيدا ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة بيروت الإسلامية (كلية الشريعة) ونال إجازة في الشريعة الإسلامية ودبلوما في الفقه المقارن، ثم بدأ بإعداد رسالة الماجستير، إلا أن انشغاله المستمر في المجال الدعوي حال دون إكمالها.
بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، بدأ التحول في حياة الأسير، الذي كان بعيدا عن التدين. أدى الموت الذي شهده في شوارع المدينة به إلى طرح "الكثير من الأسئلة" التي وجد أجوبتها في الالتزام الديني. التحق بصفوف الجماعة الإسلامية، والتزم العمل معها نحو أربع سنوات، إلا أنه لم يجد ضالته كاملة فتركها.
الدعوة والتبليغ
تعرف الأسير على جماعة الدعوة والتبليغ سنة 1989 حيث كانت انطلاقته في مجال الدعوة التي قادته دروبها الى الهند وباكستان. ثم تمايز عن جماعة الدعوة والتبليغ في مسائل عدة، فأسس مسجد بلال بن رباح في 30 ديسمبر (كانون الأول) في منطقة عبرا في مدينة صيدا، وكان مسجدا صغيرا في مساحته، ثم تمت توسعته في السنوات اللاحقة نتيجة الأعداد المتزايدة لرواده. قيل عنه إنه يتمتع بشخصية هادئة وكاريزما طاغية، هو محدث لبق، صريح في كل مواقفه وتحركاته، كما يتمتع بالقدرة على تجنيد محبيه لنصرة دعوته ومواقفه، ما جعله مرجعية دينية واجتماعية لهم، الأمر الذي جعلهم يعودون إليه في حل نزاعاتهم واستشاراتهم التربوية والعائلية.
[blockquote]
المشروع الإيراني تغلّب على الدولة وعلى كل الطوائف اللبنانية، وفي طليعتها الطائفة الشيعية ولا بد من حصر السلاح في يد الدولة فالدافع للمزيد من التسلّح خارج إطار الدولة، هو سلاح حزب الله الذي يضاهي سلاح الدولة
[/blockquote]
ويعتبر الأسير أن شعبيته تعود إلى مقاربته ملفات حساسة كالظلم في سوريا، والذي يسكت عنه الجميع على الرغم من المشاهد المؤلمة لعشرات القتلى والجرحى والمشردين، ويشير الشيخ إلى أن بعض السياسيين لا يرون أن ملف تدمير المساجد حساس، وهو أمر استفزازي بالنسبة للمسلمين عامة والمتشددين خاصة.
الشيخ الذي ينادي بالسلمية، بدأ يجنح أخيرا نحو العسكرة، إذ كشف مؤخرا عن إنشاء منظمة
«صيداوية»، أكد أنها «ما زالت قيد الدراسة والتشاور ولم تصبح قراراً نهائياً بعد»، معتبراً أن «خطوة التسليح لا يمكن أن تكون عشوائية، لذلك نتأنى في دراستها، لأننا نخاف من فوضى السلاح ومن تداعياته، في حال لم يكن قراراً مدروساً». ودعا لـ«ربيع لبناني ينتفض في وجه السلاح».
ويرى الأسير أن «المشروع الإيراني تغلّب على الدولة وعلى كل الطوائف اللبنانية، وفي طليعتها الطائفة الشيعية»، ويشدد على «ضرورة حصر السلاح في يد الدولة»، ويعتبر أن «الدافع للمزيد من التسلّح خارج إطار الدولة، هو سلاح حزب الله الذي يضاهي سلاح الدولة».
صورة طيبة
ويعترف الأسير بأن «ظاهرة الإسلاميين أرعبت جزءا كبيرا من اللبنانيين»، مشيرا أنه لهذا السبب دعا «المتديّنين إلى تقديم صورة طيبة عن الإسلام، كي يطمئنوا الآخرين، وهذا ليس كرم أخلاق، بل واجب ديني، لأن ديننا ليس رعبا أو تخويفا، بل رحمة. وهذا ما نمارسه الآن».
وإذ أكد أن معظم جمهور فريق «14 آذار» يشاركه الرأي، أوضح أنه يجري «دراسة مستمرة لشكل التحركات المقبلة، لكن المضمون هو نفسه، إذ نصرّ على أننا لن نسكت على هيمنة السلاح، وسنواصل التحرك حتى يعود التوازن إلى لبنان. الآن ندرس خطواتنا بشكل متأنٍ، لأننا اكتشفنا بعد حادثة التعمير واعتصام الكرامة أن أطرافا كثيرة توافقنا المبدأ والرؤية والموقف، لكنها تحاربنا لمصالح خاصة. ونحن مستمرون بانتفاضة الكرامة (...) نحن يُعتدى علينا وعلى كرامتنا ووجودنا، ما يضعنا أمام خيارات محدودة، مثل الخضوع لسياسة الحزب والقول له (سمعنا وأطعنا)، وهذا من سابع المستحيلات، وإما نكتفي بأن نُضرب ونهان ونُزجّ بالسجون، ونشجب ونستنكر فقط، وإما أن نهاجر ونقدم البلد لهم على طبق من فضة، وإما أن نتسلح ونقاتل، ونقتل من يعتدي علينا، وهذا الخيار حق مشروع، لأننا ندافع عن أنفسنا وعرضنا.. وإما النزول إلى الشارع ورفع صوت المعاناة والألم، وهذا هو الخيار الذي اتخذناه».
ويسخر الأسير من القول إنه «ظاهرة انحسرت» ويقول: «في المبدأ لا يهمني، سواء أكان يناصرني عدد كبير أم لا، لأن خصومي يعملون بطريقة العدد ليظهروا أن ظاهرتي انطفأت. هذا الموضوع لا يهمني، لأنني لا أعمل بغرض الشهرة بل انطلاقا من قناعة. حين ينتهي الاعتداء علينا، أترك السياسة وأعود إلى عملي في الدعوة الإسلامية الذي ما زلت أمارسه يوميا منذ عام 1988 متنقلا بين المناطق اللبنانية».
وعارض الأسير «التدخل الميداني في سوريا، لأن ذلك يضر الثورة، ويضر اللبنانيين في ظل الوضع اللبناني المعقد وفيسفسائه الطائفية. الثورة السورية لا تحتاج إلى المقاتلين، بل تحتاج إلى المال والسلاح، حتى إنه من الصعب علينا إدخال السلاح، والثوار يحتاجون إلى سلاح نوعي وليس سلاحا فرديا»، معتبرا أن «أهم ما يحتاجه الثوار هو الدعم المعنوي. الاعتصامات التي نفذناها أثرت على معنوياتهم إيجابا، كذلك دعم النازحين الهاربين من النار والحديد، لأن المقاتل هناك يجب أن يطمئن إلى عائلته وناسه كي يستطيع الصمود. وهذا ما قمنا به».