* لبنان... انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل علـى وقع اعتراض «شيعي» شكلي
* الصراع اللبناني- الإسرائيلي انتهى:فهلسيجبر«حزب الله» على تسليم سلاحه بعد ترسيم الحدود؟
* العميد حمادة: حالة العسكرة بين «حزب الله» وإسرائيل انتهت، ولا يعقل ترسيم الحدود بين كيان موجود وآخر غير موجود
* الدكتور سليمان: مسألة سلاح «حزب الله» غير مطروحة، والمحور الإيراني يحتفظ بأوراق التفجير من خلال مزارع شبعا التي لم تندرج ضمن التفاوض وهي غير موضوعة على سكة الحل
* إيران هي من تفاوض إسرائيل وليس لبنان، إذ تؤسس طهران في ظل الضغوطات إلى مسار يمهّد لمفاوضات إيرانية- أميركية عبر غطاء إسرائيلي
بيروت: بعد سنوات من إقحام لبنان في صراعات إقليمية بالوكالة بذريعة محو الكيان الإسرائيلي وتحرير فلسطين، يبدو أن طريق القدس سيمر بحرا ولكن هذه المرة بالتفاوض مع إسرائيل، فبعدَ عقد من الزمن، تم التوصل إلى اتفاق إطار للتفاوض على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة وتحت رايتها، وبوساطة مسهّلة من الولايات المتحدة الأميركية، وبالفعل انطلقت رحلة المفاوضات من أجل ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يوم الأربعاء الفائت في الناقورة بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي، برعاية ووساطة أميركية ممثلة بمساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، وفريق عمل الوزارة، وبحضور الأمم المتحدة.
وفي حين حُدّد الاثنين في 26 من الشهر الجاري موعداً للجولة الثانية، ركّزت المفاوضات وفق المعلومات على العناوين التي وردت في بيان بعبدا حول الترسيم البحري وفق خط بوليه- كومنب والدراسة التي أعدتها قيادة الجيش.
وبعيدا عن التفاصيل، فلا شك أن ترسيم الحدود البرية والبحرية مع إسرائيل فتح آفاقاً جديدة في الصراع اللبناني- الإسرائيلي، فليس تفصيلا الإعلان المفاجئ لرئيس مجلس النواب نبيه بري قبل أسبوعين من قبول لبنان ببدء مفاوضات ترسيم الحدود مع دولة إسرائيل دون ذكر كلمة «العدو» قبلها كما هي العادة، ودون ممانعة من حليفه حزب الله الذي كان يمانع ويعرقل هذا الترسيم، في حين أنه اليوم يتخذ موقف المتفرج فقط دون التعليق لا من قريب ولا من بعيد على هذه المفاوضات، لولا الخلاف الداخلي الذي ظهر جلياً بين حلفاء الصفّ السياسي الواحد رئيس الجمهورية ميشال عون والثنائي الشيعي حول الشكل، فجر الأربعاء قبيل ساعات من وصول المفاوض الإسرائيلي إلى الناقورة، للتفاوض مع لبنان، إذ أعلنت قيادتا حركة أمل وحزب الله رفضهما مشاركة شخصيات مدنية لبنانية في التفاوض، وباعتبار أنه أمر يناقض اتفاق الإطار الذي أعلنه الرئيس نبيه بري كما يخالف مضمون تفاهم نيسان، ويمس بثوابت لبنان الوطنية لما يمثله من انجرار لما يسعى إليه العدو الإسرائيلي.
مفاوضات الترسيم
وتوجّه الوفد اللبناني إلى الناقورة برئاسة العميد الركن بسام ياسين ويتألّف من أربعة أشخاص وهو فريق التفاوض الذي شكّله رئيس الجمهورية ميشال عون، ويضمّ إلى العميد ياسين، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان وسام شباط والخبير نجيب مسيح.
أما الوفد الإسرائيلي فتشكل من 6 أشخاص برئاسة مدير عام وزارة الطاقة، أودي أديري، والأعضاء الآخرون هم: رؤوفين عيزر المستشار السياسي لرئيس الوزراء، وألون بار رئيس القسم السياسي في وزارة الخارجية، والعميد أورين سيتر رئيس القسم الاستراتيجي في جيش الدفاع الإسرائيلي، ومور حالوتس رئيس ديوان وزير الطاقة، وأفيف عياش المستشار الدولي لوزير الطاقة. علماً بأن الوفد الإسرائيلي يضمّ 5 مدنيين وعسكريين بدلا من 5 مدنيين وعسكري واحد، كما كان مقرراً.
وتشكّل وفد الأمم المتحدة من 3 أشخاص برئاسة ممثل الأمين العام يان كوبيتش، وحضور قائد «اليونيفيل» الجنرال ستيفانو دل كول، في حين أن الوفد الأميركي الوسيط يتألّف من سبعة أشخاص برئاسة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر، والسفير الأميركي السابق الذي سيكلف بمتابعة الملف جون دورشر.
وجرت مفاوضات الترسيم في خيمة أنشئت خصيصاً لهذا الاجتماع مقابل القيادة الرئيسية لقوات الطوارئ الدولية في الناقورة، وتحديداً في القاعة التابعة للكتيبة الإيطالية التي تشهد اجتماعات اللجنة الثلاثية برعاية الأمم المتحدة.
ومن حيث الشكل، جلس الوفد اللبناني مقابل الوفد الإسرائيلي، وسط تعتيم إعلامي ومنع للتصوير، واعتمدت اللغة الإنجليزية في الاجتماع، وتحدّث الوفد اللبناني بالعربية مع ترجمة فورية للغة الإنجليزية.
وأثارت الصورة التذكارية بلبلة في جلسة التفاوض، حيث أصرّ الجانبان الأميركي والإسرائيلي على ضرورتها، في حين رفض الجانب اللبناني، قبل أن يتم حسم الجدل بشأنها باتّخاذها من دون الوفد اللبناني، كما أشارت المعلومات. في حين أشارت معلومات أخرى إلى أن صورة فوتوغرافية التقطت للمجتمعين حول الطاولة المربعة في الناقورة.
وفي الشق السياسي، تثير خطوة الترسيم تساؤلات، بشأن دلالتها، من جهة اعتراف لبنان بإسرائيل مجرد ترسيم الحدود معها، ومدى استتباع هذه الخطوة إمكانية نزع سلاح حزب الله، وبالتالي تغير موازين القوى في لبنان.
توقيت انطلاق مفاوضات الترسيم
وكان لافتا الوتيرة المتسارعة لانطلاق مفاوضات ترسيم الحدود في هذا التوقيت بالذات في ظل تخبّط البلاد في أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها الحديث، ورأى مدير «المنتدى الإقليمي للدّراسات والاستشارات»، العميد الركن خالد حمادة، في حديث لـ«المجلة»، أن «الترسيم كان موضع تفاوض بين الأميركيين ولبنان، ممثلا بصفة غير شرعية برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي احتكر هذه المفاوضات والتي لم يعترض عليها أحد. أما ما جعل هذه المفاوضات تصبح تحت الضوء فهو المستجدات ووضع لبنان بشكل غير معلن تحت الوصاية الدولية، وكذلك موازين القوى على الساحة اللبنانية بين طهران وواشنطن التي أوصلت إلى هذه النتيجة، والتي بدأت مع تفجير مرفأ بيروت ومن ثم انفجار عين قانا (جنوب لبنان)، إلى فشل المفاوضات لتشكيل حكومة والانهيار الاقتصادي في لبنان، ووصول جميع القوى السياسية في لبنان بما فيهم حزب الله إلى حائط مسدود، وبالتالي المحاولات الدولية لوضع اليد على لبنان والتي نجحت إلى حد كبير».
رضوخ حزب الله
أوضح حمادة أن «إعلان الاتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية والبرية هو انعكاس لميزان القوى القائم، إذ أجبِر حزب الله على التنازل والرضوخ للإرادة الأميركية»، موضحاً أن «ما حصل في مرفأ بيروت من انفجار ذخيرة صاروخية كانت موجودة في عنابر المرفأ، وبعده انفجار عين قانا والتهديد باستهداف مواقع أخرى، أعطى مدلولا بأن كل مخازن سلاح حزب الله قابلة لكي تكون أهدافا للطيران الإسرائيلي أو غير الإسرائيلي. وثانيا، لعبت العقوبات على الوزير السابق علي حسن خليل دوراً كبيراً لجهة إمكانية أن تطال العقوبات المقبلة شخصيات أخرى كالرئيس بري وشخصيات أخرى من حركة أمل والتيار الوطني الحر والمردة»، ولهذا السبب «فُرِض على بري وحزب الله موضوع ترسيم الحدود ولم يكن لديهم القدرة على الرفض»، مؤكداً أن «المعركة لم تعد بين المحور الإيراني وما كانوا يصفونه بـ«محور الشر» ومحور «الإمبريالية» لخداع بيئتهم، إنما المعركة أصبحت كيفية استمرار حزب الله باغتصاب حقوق الشعب اللبناني، وفر ض سيطرته محلياً، وهذا الأمر صعب».
ولفت حمادة إلى أن «ميزان القوى هذا أسقط كل المزايدات التي كانت تتم حول هذه الحدود المرسمة أصلا بموجب اتفاق الهدنة عام 1949، فقبل اندلاع الحروب العربية الإسرائيلية التي بدأت 1967 كنا في لبنان نعرف أين هي الحدود بين لبنان وإسرائيل، وكان هناك شريط شائك بينهما، كما كان هناك مناطق متحفظ عليها سواء بين لبنان وإسرائيل أو بين لبنان وسوريا في مزارع شبعا»، وتابع: «سبب تسارع وتيرة المفاوضات وفقا لبري أنه طلب من الأميركيين بدء المفاوضات منذ أشهر، لكن بالطبع الجهة الأميركية هي من وضعت التوقيت في ظل الفشل السياسي في لبنان وانهيار الدولة».
الاعتراف بإسرائيل
وقال حمادة إنه «بصرف النظر عن موقف لبنان، فإن إسرائيل وفقا للقانون الدولي مسجلة بالأمم المتحدة وكل الدول تعترف بها، وبالتالي هي تكتسب الاعتراف، وحتى لو أن لبنان لا يعترف بها فإن هذا الكلام لا قيمة له قانونيا»، مشيراً إلى أن «لبنان وقع مع إسرائيل عام 1949 على ترسيم الحدود، فإذن لا يعقل ترسيم الحدود بين كيان موجود وآخر غير موجود».
انتهاء حالة العسكرة
وعن دلالة هذه الخطوة وموقف حزب الله، لفت حمادة إلى أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله «لم يتطرق نهائيا في خطابه الأخير إلى ملف الترسيم، رغم أن حزبه وحركة أمل وبعض حلفائهم خونوا كل اللبنانيين الذين طالبوا بتطبيق القرار 1701 أو قرار 1559 أو حتى الإشارة إلى الحدود بين لبنان وسوريا»، وتابع: «الآن هذه اللحظة اختطفها حزب الله وبري والتحق بهما الرئيس عون، أما موقف حزب الله فحتى لو أنه لم يعلنه، لكن الكل يدرك أن الحزب يريد هذا الترسيم ويجب أن ننتظر الخطوة السياسية التي تتبعها».
ورأى حمادة أن تطرق بري إلى تفاهم نيسان عام 1993 أمر مستغرب، لا سيما مع عدم التطرق إلى اتّفاقية الهدنة الموقّعة من قبل لبنان وإسرائيل والأمم المتّحدة والتي تعتبر المرجع الأساسي في ترسيم الحدود اللبنانية وتشكّل البند الخامس من القرار 1701، واستخدام الخط الأزرق وهو خط وقف الأعمال القتالية، غير المتطابق مع خط الهدنة في عدّة مواقع؛ إذ اعتبر بري أن تفاهم نيسان هو إحدى المرجعيات للاتفاق الإطار، والذي يتضمن صراحة عدم إطلاق الصواريخ على إسرائيل وعدم استخدام المناطق السكنيّة والبنى التحتيّة والمنشآت الصناعية والكهربائية لانطلاق الهجمات، وأشار حمادة إلى أن «تطرق بري إلى هذا التفاهم كأنه يقول للجميع إن لبنان لن يطلق صواريخ نحو إسرائيل»، يعني وكأن «الثنائي الشيعي وحزب الله تحديدا يتعهد بأن يكون سلميا مع إسرائيل أي أنه، لم يعد هناك ما يسمى بالذراع العسكرية بين حزب الله وإسرائيل، وهوما يعني بالتالي ترسيم حدود المقاومة».
وعن دلالة الترسيم، قال حمادة إنه «يعني أن حالة العسكرة والكلام العالي النبرة والتهديدات عن عمليات في الداخل الإسرائيلي وتحرير القدس وكل الكلام الذي لم يكن له سوى قيمة (تجييشية) فقط أصبح في الماضي، ونحن دخلنا في مرحلة جديدة انتهى فيها العمل العسكري، ورغم أن ثمة دولة في حالة عداء مع الأخرى وهناك قضايا كثيرة عالقة، لكن في الواقع أصبحنا دولتين متجاورتين وهناك وسيط دولي موثوق من الدولتين يقوم بوضع النقاط على الأرض (لأن الحدود مرسمة منذ 1949 وكل هذه النقاط مع وصفها وإحداثياتها ملحقة باتفاقية الهدنة) وربما فض الخلاف حول النقاط المتنازع عليها».
وحول الترسيم البحري، أشار حمادة إلى أن ما رأيناه في وسائل الإعلام يبدو أنه نقطة انطلاق جيدة، ولكن لا ندري إن كان سيتقيد به الوفد أم لا، مشيرًا إلى أن «ثمة خلافا يتجاوز مسألة الـ860 كلم لأنها كلها ملك لبنان وهناك ترسيم قام به الجيش اللبناني وأودع رئاسة الحكومة منذ أشهر، وهذا الترسيم يعطي لبنان فوق المساحة المتنازع عليها مساحة تتراوح بين 200 و1350 كلم مربع». وأضاف: «لغاية الآن لا ندري من أين ستبدأ المفاوضات، ولكن إن كان الأميركيون جادين، فبالإمكان التوصل إلى حلول على الأقل لجهة الحدود البرية، ربما لا تستغرق أسابيع، أما في البحر فإحدى الحلول أن يتم وضع منطقة عازلة بين لبنان وإسرائيل لا تعود لأحد، أو سيتم الترسيم وفقا لنقطة الخلاف».
وأكد حمادة أن أي اتفاق يجري بين طهران وواشنطن، وما على حزب الله سوى التنفيذ، مشيراً إلى أنه «كما أجبر على إطلاق مفاوضات ترسيم الحدود، فقد يجبر حزب الله فيما بعد على تسليم سلاحه، لأن هذا السلاح دوره انتهى». وعلى الصعيد السياسي محليا، أكّد حمادة أن «من استطاع أن يفرض على حزب الله الاتفاق الإطار سيفرض عليه الحكومة على أساس المبادرة الفرنسية».
هل ستكون هذه المفاوضات شاقة؟
رأى حماده أنه «بمجرد إعلان بري عن انطلاق المفاوضات، يعني أنه سيكون هناك عملية تسهيل وعدم وجود خطاب سياسي مرتفع على الأقل خطاب (تحريري) وتهديد باستعمال السلاح، لأن من يملك القرار في جنوب لبنان هو حزب الله، وهو يقف إلى جانب بري خلف هذا الاتفاق الإطار»، مشيراً إلى أنه «قد ندخل في بعض المزايدات السياسية وبعض (العنتريات) اللبنانية التي تحاول أن تقول إنه لن يكون هناك تقديم تنازلات ومصرون على حفظ حقوق لبنان»، وأن «الأميركيين قادرون على إيجاد الحلول، ولبنان بحاجة لاستثمار نفطه وغازه ولكن إن لم تكن هناك إدارة سياسية شفافة فسيصبح جزءا من التمويل السياسي الذي سيزيد البلد فساداً وربما سيوسّع الفارق الاقتصادي وفارق الثروة بين طائفة وأخرى إن لم يتم التوصل إلى حكومة شفافة في لبنان».
وفي الجولة الأولى للمفاوضات أوضح رئيس الوفد اللبناني العميد ياسين أن «اللقاء سيُطلق صفّارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، ويُشكّل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية، وانطلاقاً من مصلحة وطننا العليا نتطلع لأن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة»، مؤكدا أن «التفاوض يجري حول ترسيم الحدود البحرية على أساس القانون الدولي، واتفاقية الهدنة عام 1949 الموثقة لدى دوائر الأمم المتحدة، واتفاقية بوليه/ نيوكومب عام 1923 وتحديدا بشأن ما نصّت عليه هذه الاتفاقية حول الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً».
وأشار ياسين إلى أنه «نتطلع لقيام الأطراف الأخرى بما يتوجب عليها من التزامات مبنية على تحقيق متطلبات القانون الدولي والحفاظ على سرية المداولات، وأن تثبيت محاضر ومناقشات اجتماعات التفاوض التقني غير المباشر، وكذلك الصيغة النهائية للترسيم يتمّ بعد تصديق السلطات السياسية اللبنانية المختصة عليها».
تجدر الإشارة، إلى أن ياسين، وبحسب المعلومات، لم يأت على ذكر «إسرائيل» في كلمته خلال الاجتماع ولا بأي شكل من الأشكال.
إلى ذلك صدر بيان مشترك عن الأمم المتحدة والحكومة الأميركية وصفوا فيه الاجتماع الأولي لمفاوضات الترسيم في 14 من الشهر الجاري بأنها كانت محادثات مثمرة وبأن الأطراف أكدت التزامها بمواصلة المفاوضات في وقت لاحق من هذا الشهر.
اتفاق الإطار تفريط بحقوق لبنان
إلى ذلك رأى الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حارث سليمان في حديث لـ«المجلة» أن «تكون مرجعية اتفاق الإطار تفاهم نيسان عام 1996 والقرار الدولي 1701 فيه تفريط بحقوق لبنان، لأن ثمة مرجعيتين تراعي حقوق لبنان ويجب الإشارة لهما: اتفاقية الهدنة الموقعة بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي عام 1949 وخاصة المادة الخامسة التي تنص على انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الحدود الدولية، والحدود الدولية بين لبنان وفلسطين معروفة ومحددة مسبقا وهي ليست بحاجة لترسيم وفيها انتهاك من قبل إسرائيل وهو الفرق بين الخط الأزرق وخط الحدود الدولية، وخريطة الحدود اللبنانية- الفلسطينية منجزة عام 1949 ومودعة لدى الأمم المتحدة، بمعنى أن هناك وثيقة دولية موقعة بين الدولتين وبالتالي من نقطة نخيلي إلى حدود الناقورة الحدود اللبنانية- الفلسطينية محددة ومرسمة ومثبتة ومعرفة»، مشيراً إلى أن «ثمة فرقا بين خط الهدنة والخط الأزرق الذي انسحب بموجبه الجيش الإسرائيلي عام 2000، إذ تنتهك إسرائيل 13 نقطة من الأراضي اللبنانية»، لافتاً إلى أن «إسقاط شرط اتفاقية الهدنة وخريطتها من مرجعية التفاوض هو تفريط بهذه الـ13 نقطة». وأشار سليمان إلى نقطة ثانية كان من المفترض أن تكون مرجعية للمفاوضات، هي: «القراران 425 و426 الصادران عام 1978، ويطلبان من الجيش الإسرائيلي الانسحاب إلى الحدود الدولية أي عمليا الخط الأزرق».
وأكد سليمان أن «مزارع شبعا ليست جزءا من الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، إنما جزء من الحدود اللبنانية- السورية، وبالتالي هي لا تدخل في إطار التفاوض، بمعنى أنه بعد أن ضمت إسرائيل الجولان السوري إلى أراضيها أصبحت إسرائيل تعتبر أن مزارع شبعا جزء من أراضيها، وبعد إيراد بند ترسيم الجزء المحتل من إسرائيل في الجولان، تبقى مسألة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا عالقة، وبالتالي يسمح لحزب الله حتى لو ترسمت الحدود البحرية وجرى توقيع اتفاق أن يبقي على سلاحه تحت ذريعة تحرير مزارع شبعا، وبالتالي يسمح لحزب الله بالمحافظة على نهجه والادعاء بأنه يريد تحرير جميع الأراضي المحتلة».
وأشار إلى خلل ثالث في اتفاق الإطار «بالنسبة للمنطقة الاقتصادية البحرية، فقد قام لبنان بتطبيق مندرجات الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي وقّع عليها لبنان بموجب القانون رقم 295 تاريخ 22/2/1994، بينما إسرائيل لم توقّع على هذه الاتفاقية الدولية. وتعتدي إسرائيل على المنطقة الاقتصادية اللبنانية وتطالب بمساحة 860 كلم مربع، كما طرح الجانب الأميركي اقتسام هذه المنطقة بإعطاء لبنان 468 كلم مربع وإعطاء إسرائيل 392 كلم مربع، وقد رفض لبنان هذا الاقتراح ويجب أن يستمر في رفضه».
سياسيا، لماذا ما لم يكن مسموحا منذ عشرات السنوات أصبح مسموحا الآن؟
قال سليمان إن «اتفاق الإطار هو قرار إيراني، فإيران هي من تفاوض إسرائيل وليس لبنان، إذ تؤسس طهران في ظل الضغوطات إلى مسار يمهّد لمفاوضات إيرانية- أميركية عبر غطاء إسرائيلي، وذلك من حصة لبنان، وبالتالي هذا التفاوض هو عمليا تطور أميركي- إيراني حول أزمة المنطقة، وثمة وجوه لبنانية تدعي الحرص على النفط والغاز».
انهيار منظومة النفاق الإيراني
وأكد سليمان أنه «ثبت في الملموس أن منظومة (الممانعة) كذبة كبيرة»، وتساءل: «إذا السيد موسى الصدر قال إن إسرائيل شر مطلق فكيف نقبل ترسيم الحدود معها، وإذا الإمام الخميني يقول إن إسرائيل غدة سرطانية يجب اقتلاعها فكيف يمكن ترسيم حدود هذه الغدة السرطانية؟ وفيما تم الكشف قبل عامين عن وجود أنفاق لحزب الله للدخول إلى الجليل، فإن هذه الأنفاق تحت الحدود التي يريد ترسيمها»، مشيراً إلى أن «ثمة كمية كبيرة من الكذب انكشفت بهذه المفاوضات والتي أهم ما فيها ليس كمية النفط والغاز التي سيتم استخراجها أو لا، إنما انهيار منظومة النفاق الإيراني التي تصوّر أن حزب الله هو حزب إلهي بشعارات دفع آلاف اللبنانيين ثمنها الموت، من شعارات (الموت لأميركا)، وأميركا (شيطان أكبر)، واليوم أصبحت أميركا وسيطاً نزيهاً ويمكن الجلوس تحت رئاسته للتفاوض».
وقال سليمان إنه «تبين أن هذا المحور يكذب على اللبنانيين منذ سنوات»، مشيراً إلى أن «إيران تأمل من خلال هذه المفاوضات في وقف الضغوطات الأميركية، فترسيم الحدود بين لبنان والعدو الإسرائيلي أصبح مدخلا لإيران لتخفيف الضغوط الاقتصادية عليها، وبالتالي أصبح من واجب اللبنانيين محاولة فك هذه العقوبات عن إيران».
وختم سليمان بالتأكيد على أن مسألة سلاح حزب الله غير مطروحة حتى الآن، فالترسيم يهدف للسماح لإسرائيل باستغلال غازها كما تريد، وهي ستساهم بتهدئة الأجواء هذه الفترة ومنع الانزلاق نحو مواجهة عسكرية، مشيراً إلى أن «المحور الإيراني يحتفظ بأوراق التفجير من خلال مزارع شبعا التي لم تندرج ضمن التفاوض وهي غير موضوعة على سكة الحل».