صدور «المجلة» في مجالس عشائر «فليت ستريت» العربية

صدور «المجلة» في مجالس عشائر «فليت ستريت» العربية

[caption id="attachment_55243183" align="aligncenter" width="620"]بكر عويضه بكر عويضه[/caption]


بدأ صدور مجلة “المجلة” في فبراير - شباط 1980 بمثابة ثاني “خبطة صحافية” لكل من هشام ومحمد علي حافظ، الناشرين السعوديين اللذين
اقتحما المشهد الإعلامي العربي في لندن، بقوة لافتة عندما أصدرا جريدة “الشرق الأوسط” في الرابع من يوليو - تموز 1978.
اقتحام لندن ليس هو الهدف في حدّ ذاته، لكن أهميته مستمدة من أهميتها كعاصمة قرار دولي مؤثر سياسيا، اقتصادياً، وإعلاميا. من هنا ذكاء اتخاذها منطلق الشركة السعودية للأبحاث والنشر إلى هدف أساسي أشمل، وهو سوق الصحافة العربية عموما، بمعنى التنافس حتى مع الصحافة المحلية، ثم خصوصاً صحافة “البان آراب” بما تعنيه لجهة الحضور السياسي، وبالتالي التأثير في تشكيل الرأي العام العربي، هذا من جهة، إضافة الى ما كانت تتوفر عليه من إمكانات تحقيق عوائد ربحية توزيعاً وإعلاناً، من جهة ثانية.

خلال مرحلة التحضير، قبل الصدور، كانت “المجلة” الحاضر شبه الدائم في مجالس عشائر “فليت ستريت” العربية، كامتداد طبيعي ومِهني، للحديث الدائر في مطابخ المطبوعات العربية التي تصدر من لندن، حول وعن “الضُرّة” الآتية على الطريق، واحتمالات ما ستحدثه من “ضرر” توزيعي/إعلاني على الأعتق منها عمراً وتجربةً.

في السياق أعلاه، يمكن القول إنه بين الأسبوعيات العربية الصادرة من لندن وباريس، كان على “المجلة” الوليدة أن تواجه خمس مجلات تحمل إرث سنوات طويلة من الجهد الصحافي، فضلاً عن الكد في السوق التوزيعي/الإعلاني. وبتراتبية يتفق عليها مراقبون كثيرون من معاصري المرحلة والفاعلين المؤثرين خلالها، كانت تلك العناوين هي: “الحوادث” (سليم اللوزي)، “الوطن العربي” (وليد أبو ظهر)، “المستقبل” (نبيل خوري)، “الدستور” (علي بلوط)، “الصياد” (بسام فريحة).

بعيداً عن صحافة المهجر، كان على “المجلة” أن تخوض أيضا معركة تنافس توزيعي/إعلاني مع عناوين اسبوعية بارزة على مستوى محلي في غير بلد عربي. ليس بوسعي هنا الحصر، إنما أهم مثالين يحضران من دون أي تردد هما مجلة “اليمامة” السعودية، و “الأسبوع العربي” اللبنانية.
في لندن، استُقبل الحديث عن خبطة قرب صدور “المجلة” بخلطة أحاديث مزجت بين تساؤل وتفاؤل. كان البعض يسأل عما ستضيفه “المجلة” من جديد على الصعيد الصحافي، ومن ثم ما ضرورتها.

الرد المتفائل كان يرى أن طاقم تحرير يرأسه إسم معروف، عبد الكريم أبو النصر، عُجِنت تجربته ونضجت في قلعة بحجم “النهار” وقامتها، يعاضده عقل محمود كحيل، المبدع على مسرح الكاريكاتير العربي، وذو الذوق المشهود له في رواق الديكور الصحافي، لا بدّ سيخرج للجمهور بمُنتَج ينتزع التصفيق، أكثر مما يستنفر من صفير.

بيد أن شكوك المتسائلين ورؤى المتفائلين، تجاوزت الجانب المهني/التجاري، لتلتقي عند البعد الأبعد رؤيةً، الأكثر أهمية: الرسالة السياسية.
لقد بدا صدور “المجلة” أكثر من مجرد “خبطة” يفجّرها ناشران سعوديان ويريدان لها نصيبها من كعكة السوق الإعلاني الضخم في بلدهما، الذي شاءت الأقدار أنه بلد بحجم المملكة العربية السعودية وبأهمية تأثيرها في المحيطين الإقليمي والدولي.

بدا الأمر في بعده الأبعد أن السعودية اتخذت قرار ترسيخ دورها في مطابخ تشكيل الرأي العام العربي، عبر الحضور المباشر في ساحة “البان آراب ميديا”. لم يعد كافياً أن تكون هناك منابر صديقة للسياسات السعودية في مواجهة منابر مناكفة، أو معادية. أصبحت الحاجة واضحة الى تملّك مفاتح القرار المباشر في تلك الساحة، خصوصا بعدما باتت تتضح، أكثر فأكثر، ملامح وأدوار ما بعد تثبّت الحالة الخمينية في إيران واحتمالات امتداداتها في الجوار.

إلى جانب أنهما من بيت تربيا بين جدرانه على تعلم مهنة صناعة الصحف، فتنفسا رائحة ورق الجرائد، وغاصت الأصابع منهما في أواني حبر المطابع، امتلك هشام ومحمد علي حافظ ايضا الحس السياسي، ولم يكن الأمر بحاجة الى عبقرية حدس تقول بإمكانية نجاح مشروع صحافي خاص ينطلق قوياً من لندن، ويتجه نحو سوق يحتاجه سياسيا، فضلا عن ضمان الحصة الإعلانية فيه، بل كان الأمر واضحا بشفافية الكريستال، الفرصة كانت تنادي، هشام ومحمد علي حافظ أجاباها.

من 1980، عام الصدور، إلى 1987، سنة تأسيس الأمير أحمد بن سلمان بن عبد العزيز المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، مرت سبع سنوات مثمرة لمجمل المطبوعات الرئيسية للمجموعة. كانت سنين إثبات تفاؤل من قال إن المشروع سينجح حتى لو لم يربح تجاريا، يكفي انه رأسمال سعودي. لكن تلك مقولة كانت تحمل شيئا من التحامل، أو قل إنها الغيرة. فالواقع المُمارَس أثبت أن النجاح استند أولاً إلى مأسسة العمل. نعم، ميزة الانتماء للسعودية، وطناً، كانت عاملاً مهماً، بلا شك، لكن من دون اعتماد أسس العمل التجاري، كان يمكن ان يتحول المشروع ذاته عبئا على الدولة السعودية، أو يتنتهي الى فشل صار إليه أكثر من مشروع إعلامي تَمَوّل من دول مثل العراق، ليبيا، والجزائر.

من نبع مفهوم المَأسسة رضعت “المجلة” وليدة في المهد، ومعه انطلقت بنجاح صحافي، توزيعي، وإعلاني، لافتة الانتباه طوال الربع الأخير من القرن العشرين. بالطبع، كما كل حالة مخلوقة، بما في ذلك البشر، الخط البياني اللافت صعوداً، والملحوظ هبوطاً، كان دائما موجوداً. سنة 2009 أعلن عن توقف طبعة “المجلة” الورقية. كنت ممن أصابهم حزن لهذا القرار، على رغم متابعتي لمآل الصحافة الورقية في العالم كله، ها هي “نيوزويك” تودع الورق مع وداع العام المنصرم.

ورغم إعجابي بما تحقق خلال السنوات الثلاث الماضية، عبر تطوير موقع “المجلة” في الفضاء الالكتروني، أفرحتني العودة الورقية بإصدار شهري اعتباراً من ابريل الماضي. تلك عودة رأيتها من آيات قصة نجاح، بدأت قبل ثلاثة وثلاثين عاما لأن موجبات نجاحها كانت قائمة، وما تزال، فما الحائل دون استمرارها. لا شيء، لا شيء إطلاقا.
font change